2
” لقد عدت”
صحت لحظة دخولي المنزل، خلعت حذائي و ركضت مباشرة إلى المطبخ أبتغي أمي التي كانت تعد الطعام.
“آرين! أقلقتني يا ابنتي، لقد تأخرتي في العودة اليوم”
“أماه، لن تصدقي ما حدث معي اليوم! أقسم أنني خلت نفسي أحلم لولا وجود ليو و آنا معي!”
قهقهت أمي بضحكتها الجميلة.
” و ماذا حدث يا مهجة قلبي؟”
“سأقصّ عليكِ ما حدث حين نجلس مع أبي الآن”
“ليكن يا عزيزتي، استحمي ريثما يصل والدك إلى المنزل”
صعدت مباشرة و اغتسلت، غيرت ملابسي و رتبت كتبي، و مع صوت فتح الباب ركضت إلى غرفة المعيشة.
“أبي، أهلًا بعودتك”
“حبيبة قلبي تبدو متحمسة، يا ترى ماذا جرى اليوم؟”
قال بنبرة ساخرة لكن حنونة، فرددت عليه بسرعة.
” سأخبرك فقط هيا نأكل أولًا، لا أطيق الانتظار حتى أخبركما”
بعد عشر دقائق تقريبًا أصبح ثلاثتنا جالسًا على مائدة الطعام، بدأنا الأكل و تناقلنا الأحاديث كما العادة، وضعت شوكتي جانبًا و قلت بحماس:
” لدي ما أعلنه اليوم”
نظرا إليّ بترقب و إنتظار، فأردفت قائلةً بحماس و أنا أخرج البطاقة من جيبي:
” اليوم…مع ليو و آنا…ذهبت إلى نيفلسا!”
ما إن نطقت بنيفلسا، حتى سقطت الشوكة من يد أمي، و اختنق أبي في شرابه.
ما بالهما؟ أكان هذا صادمًا؟ أم أن علي القيام بمحاضرة لإثبات وجود نيفلسا أصلًا؟ لا لا يمكن، هما يحبان قصص نيفلسا كثيرًا و إن لم يقولا ذلك، فالكتب التي تخصها مكدسة في غرفتهما، تنقّلت نظراتي بينهما، كانت أمي تتمتم مع نفسها.
” لا يمكن…ليس نيفلسا…أي مكان إلا هي”
” ماذا بك يا أمي؟”
“اسمعي يا عزيزتي، هراءٌ كطلبك أن تلتحقي بأكاديمية نيفلسا مرفوض تمامًا”
“مهلًا ماذا؟، أمي ما الذي تتحدثين عنه؟ لا، لحظة، كيف عرفتِ ما أنوي أن أقوله، أو عن وجود الأكاديمية أصلًا”
“لا يهم من أين عرفت، لن تذهبي إلى هناك مجددًا”
ما بها عنيدة على غير العادة؟ و لم هذا الرفض القاطع تجاه الأمر؟
“ماريسا، عزيزتي، أنتِ تخيفينها الآن، آرين ليست بطفلة، كانت ستذهب عاجلًا أم آجلًا بأي حال”
“أبان، هذا خطير، لا يمكنني إرسالها هناك”
“أبي، أمي…أكنتما هناك من قبل؟ لا يوجد مبرر آخر لتحدثكما عنها بكل بساطة هكذا، أعني…رد الفعل الطبيعي هو إنكار وجودها أصلًا”
تبادل أبي و أمي النظرات ثم رد أبي:
“ألم نخبركِ أننا إلتقينا هناك يا ابنتي؟”
“ها؟ كنتما هناك إذًا! و ما الذي يمنعني أن أذهب أنا بدوري؟ مباحٌ لكم و ممنوعٌ لي؟”
قلت بتذمر، لا أفهم رفض أمي للأمر، نهضت عن الكرسي و اتجهت نحو أمي أحتضنها.
“أمي حبيبتي…أرجوكي، لماذا ترفضين ذهابي؟”
تنهدت أمي و هي تضغط جسر أنفها، و تفادت النظر في عيناي.
“عزيزتي حتى لو حاولتِ تفادي نظراتها فسترضخين لها، أخبرتكِ اليوم أو غدًا ستذهب إلى نيفلسا و هذا أمرٌ حتمي.”
“حسنًا حسنًا أستسلم، افعلا ما تريدان، فقط خذي حذرك و لا تنجرفي في تيار المغريات، فنيفلسا ليست مكانً آمنًا بالكامل، بل إن كثرة عجائبها تجر المرأ إلى الأخطار”
انتفضت أصيح بسعادة، احتضنت أمي بقوة، و ركضت إلى غرفتي و كنت قد أنهيت الأكل بالفعل، لكن ما نسيت أن أعرفه، لماذا رفضت أمي أن أذهب، فما قالته لا يعد سببًا وجيه، و لماذا قال أبي أن ذهابي هناك أمرٌ واقع لا محالة؟
“آرين، ماذا تفعلين بجلوسك هنا؟ لقد انتهت المدرسة بالفعل”
“انتظرك أنتِ و ليو، أستذهبان إلى نيفلسا؟ و ليس الأمر كأنني جالسةٌ في الشارع يا آنا!”
“أجل أنتِ تجلسين على المقاعد الخارجية للمقهى المقابل للمدرسة”
تنهدت و هي تمرر أصابعها بين خصلات شعرها البنية، ثم أتبعت قائلة:
“بالله عليك، أليس الأمر أنك جاهلة بكيفية الذهاب إلى نيفلسا؟”
تفاديت أنظارها و أنا أشرب مشروبي، و ما هي إلا دقيقة حتى غطاني ظلٌ آخر .
“ماذا تفعلان أيتها الحمقاواتان؟”
“اخرس يا رأس الليمونة، ألا يمكنك الحديث دون إضافة مسبة؟”
“أنا لا أشتم إنما أقول الواقع و حسب”
“على أيّ حال، هل يمكننا الذهاب إلى نيفلسا الآن؟”
“بالطبع؟ “
“إذا كان كذلك ، أنهي مشروبك يا آرين”
شربت باقي المشروب دفعة واحدة، ثم نهضت .
نيفلسا يا نيفلسا تبهرني بجمالها كل مرة -لنتجاهل أني لم أدخلها سوى مرة- ، و الآن نحن في طريقنا إلى الأكاديمية، طريقها مشجر و مزين بالورود، تسلقت الزهور بوابتها الحديدية فأضفتها جمالًا فوق جمال، دخلناها فإذا بمبناها يشبه كوخً خشبيًا راقٍ و كبير يطل على بحيرةٍ واسعة يتراقص حولها البجع، و الأشجار تحيطها من كل الجوانب، كأنها لوحةٌ من أرض الخيال، لكننا حقًا في أرض الخيال!
صعدنا السلالم بحثًا عن فصلنا ، و توقفنا عند آخر صفٍ في زاوية المبنى، فقط عندما وصلناه إذا بصوتٍ صدر من حيث لا ندري.
“وصل الطالب ليو…وصلت الطالبة آرين…وصلت الطالبة آنا”
تلفّتنا حولنا و لم نجد مصدر الصوت.
خرج من الصف الفتى الذي رأيناه مع ليو بالأمس.
” إن كنتم تبحثون عن مصدر الصوت فلن تجدوه، إنه نظامٌ خاص في الأكاديمية”
“نحن في نفس الفصل؟”
سأل ليو مندهشًا.
“أجل”
“يا لمحاسن الصدف”
دخلنا الصف فإذا به يحتوي وسائد عوضًا عن المقاعد ، نظرنا حولنا فلم نجد إلا حلقةً فارغة من الأربع حلقات، أي أن معظم الطلاب قد حضروا و أخذوا أماكنهم، جلسنا في الحلقة الفارغة و التي احتوت على ست وسائد.
“إذًا نحن الأربعة مجموعة واحدة؟”
” بل الخمسة، و ينقصنا فردٌ آخر”
رد على ليو فتى أسمر جلس جوار الفتى ذو الشعر الأسود.
“لقد كنت تتجول لساعة و انتهى بك المطاف هنا يا يوتا؟”
” آه لا تذكّرني، لا أشعر بقدماي، على كلٍ عرفوني بأنفسكم فخمستنا سنكون في مجموعة واحدة”
تبادلت الأنظار أنا و آنا ثم قالت متذمرة.
“هل ستكون مجموعاتنا مختلطة؟ أكره هذا”
“إنها مختلطة لأن المهام ستكون صعبة إذا احتوت المجموعة على جنسٍ واحد”
“هراء”
“آنسة متذمرة ماذا عن أن تعرفي بنفسك و حسب”
“تسك، عرف عن نفسك أولًا قبل أن تطلب ذلك مني”
“يوتا ثلاثة عشر، ليفاري من مواليد آركيو”
” آنا، ليفارية أحمل جنسية آرين، عمري ثلاثة عشر”
“اسمي آرين ليفارية بجنسية آرين، عمري اثني عشر عام، أتطلع للوقت معكم.”
” زَين، ليفاري و أحمل جنسية آركيو، عمري ثلاثة عشر”
“ليو، عمري أحد عشر عامًا و نصف”
حدّقت آنا في ليو بإندهاش.
“هل هذا عمرك حقًا؟”
“ها؟ هل أنتِ بلهاء؟ كم تظنين عمري يكون؟”
“ظننتك أكبر مني!”
“ليو يصغرني بثلاثة أشهر يا آنا، فقد ولد في آذار بداية الربيع، أتجهلين هذا و هو ابن خالتك؟”
” ظننته آذار في نفس العام لا العام الذي بعده”
قطع يوتا الحديث متسائلًا:
“هل أنتما أقارب؟”
“ليو و آنا أبناء خالة، أنا و ليو نعد أبناء عمومة تقريبًا”
“أوه إذًا ثلاثتكم أقارب، رغم أنك لا تشبهين ليو”
” أجل لأنني لا أشبه والداي، فأنا أشبه عائلة أمي حسبما أعرف”
لم أرى صورة لعائلة أمي و أو أقابلهم من قبل، أنا في الحقيقة لا أعرف لقبها أساسًا.
“هممم، غريب، لماذا تقولين هذا بشك؟ هل لا تعرفينهم؟”
نقر زَين رأس يوتا مؤنبًا.
“كف عن التدخل في شؤون عائلة شخصٍ آخر”
“ممل كالعادة يا زِين”
“لا تناديني هكذا يا يوتا”
“زِين، زِين، زِين”
ألق زَين فم يوتا بيديه و قتل مهددًا.
“قلها مجددًا و ستلق مالا يرضيك”
“ما المشكلة في ما قاله، لقد ناداك باسمك فقط”
” المشكلة يا أخت آنا، أن اسمي ليس زِين بكسر الزاي، بل زَين بالفتح”
“نفس الشيء لن يتغير المعنى”
تمتم زَين بخفوت.
“رائع نسخةٌ أخرى من يوتا”
هربت مني ضحكةٌ خفيفة، نظرت إلى ليو الذي كان يضع يده تحت ذقنه و يحدق بملل، ضغطت على خده بلطف.
“فيم تحدق يا ليو؟”
“لا شيء، أشعر بالملل، متى ستصل المعلمة؟”
“تقصدني؟”
انتفضت و ليو من مكاننا و قد كنا متجاوىين، و نظرنا خلفنا، فإذا بإمرأة طويلة القامة بنية الشعر و العينين واقفة، متى ظهرت؟ كيف لم نشعر بحضورها!
تجوّلت بين المجموعات الأربع بهدوء حتى وصلت إلى مكتبها.
“أنا ميناكو معلمتكم لهذا العام، سررت بلقائكم”
Chapters
Comments
- 2 - نيفلسا 2 2025-11-14
- 1 - نيفلسا 2025-07-29
التعليقات لهذا الفصل " 2"