1
فيكونت بولين كان رجلاً نبيلاً، ولكنه لم يكن سعيداً في زواجه. بعد سنوات من الخلافات والمشاكل، قرر هو وزوجته الانفصال. كان لديهم ابنتان توأم، في سن العاشرة، وكان كل منهما مصمماً على تربية الفتيات بنفسه. الأب أراد أن تعيش الفتيات معه ليمنحهن حياة سهلة ومريحة، بينما الأم كانت مصرة على أخذ الفتيات معها.
في النهاية، قررت المحكمة أن تترك الخيار للفتيات. التوأم الأولى، بينلوب، اختارت أن تذهب مع والدتها، بينما التوأم الثانية، أرستيا، اختارت أن تذهب مع والدها. وهكذا، انفصلت العائلة، وذهب كل من الوالدين مع إحدى الفتيات.
مرت السنوات، وكبرت بينلوب لتصبح فتاة شابة وجميلة، ساحرة قلوب الكثيرين. وقعت في حب الكونت الشاب وتزوجت منه، وأنجبت طفلين: فتاة تدعى صوفيا وفتى يدعى فيليب. كانت الأمور تسير على ما يرام، وكانت تعيش مع والدتها، السيدة إزبيلا، في سعادة.
ولكن، كما هو الحال في الحياة، لم تدم السعادة طويلاً. اكتشفت بينلوب خيانة زوجها، وتركها هي ووالدتها وطفليها بعيداً عن المنزل. بدأت حياتهم من الصفر مرة أخرى، وعاشوا في فقر وتعاسة. جن جنون الجدة إزبيلا، وبدأت تسيطر عليهم جميعاً، تغضب وتصرخ عليهم، لأنها لم تكن تريد أن تُنظر إليها من قبل النبلاء كمتشردة ساذجة.
قررت إزبيلا أن تجعل حياة بينلوب وطفليها جحيماً مطلقاً. كانت بينلوب تمتلك طفلة جميلة تشبهها كثيراً، واستغلت إزبيلا ذلك وقررت أن تزوجها من ماركيز يبلغ من العمر 34 عاماً، رغم أن الطفلة كانت تبلغ من العمر 14 عاماً فقط. حاولت بينلوب إيقاف والدتها، ولكن محاولاتها باءت بالفشل، وتزوجت ابنتها صوفيا من الرجل الأكبر سناً.
عادت مكانة الأسرة النبيلة بسبب زواج صوفيا، ولكن بينلوب لم تكن سعيدة بذلك أبداً. كانت إزبيلا تشعر بسعادة غامرة لعودتها إلى مكانتها النبيلة، ولكن السعادة لم تدم طويلاً. في حادث مؤسف، توفيت صوفيا وهي تعاني من الإجهاض في سن 15 وفي شهرها الرابع بسبب ضعف جسدها وعدم تحمل الألم. انهارت بينلوب بسبب هذا الحادث، وفقدت أحد أطفالها في حادث مؤسف للغاية.
جن جنون الجدة إزبيلا، وبدأت تصب غضبها على بينلوب المسكينة، حتى استخف عقل بينلوب بسبب نوبات الهلع التي كانت تحدث لها كل مرة تأتي والدتها وتضربها وتصب غضبها عليها. مرت أربع سنوات، ولا تزال العائلة في حالة من الفقر والتشرد. ولكن في الأشهر القليلة الماضية، توفيت إزبيلا بمرض قاتل، وانتهى الجحيم الذي كانت تعيشه بينلوب وابنها.
ولكن لم تكن بينلوب سعيدة تماماً. كانوا يعيشون في بيت رث للغاية، بلا طعام ولا مال. لم تكن بينلوب في حالة عقلية جيدة، وابنها الذي لا يزال في عمر 13 عاماً بدأ برحلة صعبة وشائقة للغاية ليجعل والدته تعود إلى وعيها بعد العذاب والمأساه التي تعرضت لها في هذا الحياه… فيليب يحاول مساعدتها لتعود إلى ابتسامتها المشرفه الحنونه… لذا، لم يكن هناك حل سوى الذهاب إلى الفيكونت بولين من جديد لأنها عائلتها الحقيقة هناك…..
وفي صباح بارد في الشتاء الرمادي، اقتربت العربة القديمة من قصر الفيكونت بولين، يتساقط الثلج بهدوء كأن السماء تبكي ما عجزت القلوب عن قوله. داخل العربة، جلست بينلوب بصمت، عيناها فارغتان، وشفتاها لا تتحركان. أما فيليب، فكان يقبض على يدها بإصرار، كأنها كانت طوق النجاة الوحيد في عالمه المكسور.
عندما توقفت العربة أمام القصر، نزل فيليب أولاً، ثم مد يده لوالدته قائلاً:
“أمي… نحن هنا. لقد عدنا إلى البيت.”
وقف فيليب أمام بوابة قصر الفيكونت بولين، ممسكاً بيد والدته المرتجفة. كانت بينلوب شاحبة، عيناها غارقتان في صمتٍ طويل، كأن الزمن قد تجمّد فيها. رفع الصبي يده، وطرق الباب الكبير ثلاث طرقات.
مرت لحظات، ثم فُتح الباب ببطء، وظهر رجل مسنّ ذو لحية رمادية وعينين متعبتين… كان الفيكونت.
حدق الرجل في الصبي أولاً، ثم في وجه المرأة خلفه… توقف قلبه لحظة حين رأى ملامح ابنته التي لم يرها منذ سنوات، مكسورة وذابلة.
لم يتكلم أحدهم، فقط ارتجفت شفتا الفيكونت وهو يفتح ذراعيه ببطء.
نظر فيليب إلى والدته وقال بهدوء: “هذا هو بيتنا… أليس كذلك، أمي؟”
سقطت دمعة من عين بينلوب، لكنها كانت أول دمعة دافئة منذ سنين.
لم تتكلم بينلوب، لكنها أخذت خطوة واحدة إلى الأمام، قبل أن تتعثر وتكاد تسقط. أسرع الفيكونت نحوها، واحتضنها كما لو كان يحتضن عشر سنوات من الندم والاشتياق.
“لقد تأخرتُ كثيراً…” همس بصوت مبحوح.
تاثر فيليب بشده وقام بمعانقتهما أيضاً….
بعبت بينلوب من البكاء وغطت في النوم مثل الطفل الصغير..
ولكن بعد بضع ساعات فتحت بينلوب عينيها على نور غروب الشمس خفيف تسلل من نافذة الغرفة القديمة. لم تكن قد نامت نوماً هادئاً منذ سنوات، ولكن هذه الصباح… كانت مختلفة. شعرت بأن شيئاً عاد إلى مكانه.
طرقات خفيفة على الباب قطعت الصمت.
“ادخُل…” قالت بصوت خافت.
فُتح الباب ببطء، وظهرت امرأة طويلة القامة، أنيقة المظهر، تشبه بينلوب إلى حدٍّ يصعب تجاهله، وإن كان الزمن قد ترك آثاره على كلتيهما بطريقته الخاصة.
توقفت بينلوب، حدقت بها لثوانٍ، ثم همست بدهشة مرتجفة:
“أرستيا؟”
أومأت الأخرى بصمت، قبل أن تخطو ببطء إلى الداخل، نظراتها معلقة بعيني أختها، وكأنها تبحث فيهما عن الطفلة التي افترقت عنها منذ سنوات.
لم تقل بينلوب شيئاً، فقط نهضت واقتربت منها… وعندما أصبحت على بعد خطوة، مدت يدها المرتعشة ولمست خد أرستيا.
“ظننتُ… أنني نسيت ملامحك.”
أرستيا ابتسمت بخفة، تلك الابتسامة المائلة التي كانت تميزها في طفولتهما.
“وأنا ظننتكِ اختفيتِ إلى الأبد.”
في لحظة صامتة، اختفت كل الكلمات، واحتضنت الأختان بعضهما بشدة.
كان العناق هشًّا، مليئاً بالذكريات الممزقة والندم، لكنه كان حقيقياً.
وفي زاوية الغرفة، وقف فيليب يراقب المشهد، وهو يشعر للمرة الأولى أن والدته… لم تعد وحيدة.
الـــــــــــنهــايه
Chapters
Comments
- 1 - مأساة عائله بولين 2025-05-10
التعليقات لهذا الفصل "1"