الفصل 36
كما قال الخادم، كان هذا أوّل مرّة أشعر فيها أنّ المنزل دافئ ومريح للقلب.
كانت هذه أوّل مرّة آكل فيها بهدوء،
وأوّل مرّة أتحدّث فيها كثيرًا أثناء الطعام.
“لم أكن أعلم أنّني سأشعر بهذا الاطمئنان من شخص آخر.”
صراحةً، ظننتُ طوال حياتي أنّني لن أثق بأحد.
كانت قصص الأميرة فيفيان والإمبراطور جرحًا عميقًا بالنسبة لدانتي.
“ربّما شعرتُ بالراحة لأنّها كانت صادقة منذ لقائنا الأوّل.”
أو ربّما لأنّها تبدو كحيوان صغير غير مؤذٍ.
نهض دانتي من مكانه وقال للخادم:
“أخبرها أنّني سأنتظر في الحديقة.”
بعد أن غسلَ أسنانهُ وجلس على صخرة في الحديقة قرب المدخل،
مرّت أفكار كثيرة بذهنهِ.
“كيف يمكن للمرء أن يُبقي شخصًا إلى جانبه؟”
بما أنّ معظم علاقات دانتي كانت مرتبطة بالجيش،
لم يكن يعرف كيف يتعامل مع إيفون.
فوق ذلك، لم تكن علاقته مع إيفون بسيطة.
“لم أستمع حتّى النهاية إلى أفكار بنتلي.”
تذكّر دانتي وجه بنتلي المزعج.
في تلك اللحظة، فتحت إيفون الباب بهدوء وخرجت.
بوجه يشبه أرنبًا خائفًا، تبدّدت أفكاره الجادّة وضحك دون قصد.
غطّى دانتي فمه بيده وتنهّد،
وهو يضحك دون وعي.
“هذا أمر خطير.”
مجرد التقاء عينيه بعينيها جعله يبتسم بلا توقّف.
حاول تهدئة نفسه مرارًا، وعضّ شفتيه.
في تلك الأثناء، اقتربت إيفون،
تُخفي يديها خلف ظهرها، وسألت بابتسامة:
“هل ناديتني؟”
عندما واجهها، لم يجد كلامًا ليقوله.
بعد تردّد قصير، قال فجأة:
“يبدو أنّكِ صرتِ صديقة مقربة لروان.”
لم يكن هناك موضوع آخر يمكنه مناقشته سوى روان.
شعر دانتي بخيبة أمل، لكن إيفون، بعد أن رمشَت بعينيها،
أجابت بنبرة مريحة:
“نعم؟ روان؟
إنّها شخص رائع.
أنا ممتنة لمعاملتها اللطيفة.”
“لطيفة؟ إنّها امرأة مزعجة وشريرة.
كم تتذمّر!”
“أم، أعتقد أنّ ذلك لأنّ سيادتكَ ارتكبتَ خطأ…”
“ماذا؟”
“لا شيء.”
والآن تدافع عن روان؟
شعر بقليل من الإحباط.
“لكن يبدو أنّكما تتفقان، وهذا جيّد.”
أخذ روان لأنّها كانت بارعة في التعامل مع الناس أكثر منه.
لم يتوقّع أن تجد الأميرة السابقة بنفسها،
لكن لحسن الحظ، يبدو أنّ إيفون تحبّها.
“لكن لماذا ذكرتَ روان فجأة؟”
أجاب دانتي بنبرة غير مبالية،
لكن قلبه لم يكن خفيفًا كصوته.
“في تقرير التجارة الأخير، كان هناك تفاخر بجورب صوفي.”
“جورب صوفي؟ آه.”
أومأت إيفون برأسها،
ثم ابتسمت كزهرة عبّاد الشمس.
“لديّ واحد لسيادتكَ أيضًا.”
“…ماذا؟”
“صنعتُ واحدًا لكليكما.
لكن سيادتكَ رحلتَ دون أن تترك لي فرصة للوداع.”
أظهرت إيفون يديها المختبئتين خلف ظهرها،
وفي يدها كان هناك منديل وجورب وردي فاتح محبوك.
“تفضّل، ها هو.”
نظر دانتي إليه بعيون متسعة.
تذكّر حوارًا مع بنتلي في القصر الإمبراطوري:
“ماذا تريد أنتَ؟”
أجاب دانتي دون تردّد:
“أريدها أن تستعيد مكانتها الأصليّة وتمتلك ما يحقّ لها.”
“حتّى لو لم تصبح لكَ أبدًا؟
أنت تعلم أنّ زواجي منها هو الحلّ الأنسب سياسيًا.”
“أعلم ذلك.”
كانت نقطة ضعف الأمير بنتلي، الوريث الأوّل،
هي أنّ الأميرة السابقة لا تزال على قيد الحياة.
إذا كُشف عن هويّة إيفون، سيكون زواجها من بنتلي الحلّ الأمثل.
بعبارة أخرى، إذا أُخفيت هويّتها، يمكن لدانتي الاقتراب منها بسهولة أكبر.
لكنه لم يستطع اختيار هذا الطريق.
لأنّ لإيفون حقوقًا تستحقّها.
“لكن لا أريد كسرها بسبب رغبتي.
إنّها شخص يستحقّ حبّ الجميع.
سأكسب عاطفتها، حتّى لو اضطررتُ للتوسّل.
لكن ذلك منفصل عن حقوقها المشروعة.”
“كم أنت شريف، يا فارسي.”
ضحك بنتلي كما لو أنّه توقّع ذلك.
انتهى الحديث باتفاق على كشف الحقيقة بعد وصول الأميرة السابقة المزيّفة إلى العاصمة.
ودّع بنتلي دانتي قائلاً:
“أنا سعيد وأعتمدُ عليك لأنّك صاحب مبادئ صلبةٍ.”
هل هو حقًا شريف؟
ابتسم دانتي بمرارة بعد إسترجاع ذكريات حديثهم وأخذ الهديّة من إيفون وقال:
“…شكرًا.”
مهما كان، لم يعد يريد التخلّي عن الدفء الذي تقدّمه له.
* * *
مضى ما يقرب من شهر منذ أن غادرتُ إقطاعيّة كليين.
وهذا يعني أنّني التقيتُ بدانتي منذ شهر.
خلال هذه الفترة، وصلتُ إلى العاصمة،
وأعمل الآن في قصر دوق كريستوفر.
كنتُ قلقة بشأن المهمّة التي سأُكلّف بها وما إذا كنتُ سأنجح،
لكن لحسن الحظ، كانت المهمّة هي الأكثر ثقة بالنسبة لي:
تزيين القصر.
“الجميع يوافقون على آرائي ويظهرون ودًا، مما يجعل العمل سهلاً.”
لم أحظَ بمثل هذا التقدير حتّى في إقطاعيّة كليين، حيث قضيتُ وقتًا أطول.
في قصر الدوق، يستمع الجميع إلى آرائي ويحاولون تنفيذ ما أقوله.
كنتُ أعلم أنّ هذا الفرق يأتي من معاملة السيد لي.
“هل هو شعوري فقط، أم أنّ الدوق يبدو مختلفًا؟”
وأنا أحرّك إبر الحياكة بجد، فكّرتُ في نفسي:
“يبدو الآن أكثر نعومة.”
منذ لقائنا الأوّل، كان دانتي دائمًا صلبًا ولكن لطيفًا،
لكن مؤخرًا، شعرتُ بشيء مختلف.
“هل هو مرتاح أكثر لأنّه في منزله؟”
كأنّ الحاجز الذي يضعه أمام الآخرين أصبح أرقّ بكثير.
تنهّدتُ وأنا أفكّر في دانتي.
“وعلاوة على ذلك، يأتي إلى القصر أكثر ممّا توقّعتُ.”
“لم أكمل تعلّم الحياكة.”
منذ حوالي أسبوعين، اقترح دانتي استئناف دروس الحياكة التي لم نكملها في العربة،
كلّ يوم أربعاء.
كنتُ أحبّ الحياكة والتعليم، فلم أمانع،
لكنني تساءلتُ عما إذا كان ذلك مناسبًا لدانتي.
“هل يحبّ الحياكة حقًا؟”
بالنسبة لشخص يحبّها، كانت مهارته في الحياكة كارثيّة.
كنتُ أريد أن أطلب منه التوقّف.
“لا يزال لا يستطيع حياكة أكثر من صفين.”
على الرغم من أنّنا أجرينا درسين فقط،
كان ينسى كلّ درس سابق ويبدأ من جديد،
مما جعلني أظهر تعبيرًا متشابكًا كخيوط الصوف.
تساءلتُ إن كنتُ مدرّسة سيئة.
بخلاف دروس الحياكة، كان يأتي لتناول العشاء في القصر يوميًا،
فكنتُ أرى وجهه كلّ يوم،
على عكس ما قالت روان أنّه سيكون نادرًا في القصر.
“هل قالت ذلك لأنّ الاعتقال سيطول؟
لا يهمني إن جاء كثيرًا.
بل هذا منزله، فمن الطبيعي أن يأتي كثيرًا.”
اكتشفتُ لاحقًا أنّ غرفتي بجوار غرفة دانتي.
كلّ صباح، عندما أفتح عيني وأخرج، أقابله عند الباب.
“هل من الجيّد أن نلتقي بهذه الوتيرة؟”
غمرتني الأفكار مجدّدًا، فتنهّدتُ بقوّة.
في تلك اللحظة، طُرق بابي.
عندما قلتُ “ادخل”، فتح الخادم الباب،
ورأى كومة خيوط الصوف المتناثرة في غرفتي، فاتّسعت عيناه.
“يا إلهي، ما هذا كلّه؟”
“ههه، أنا، كنتُ أفكّر في أشياء أخرى.”
بينما كنتُ أفكّر في دانتي وأحيك، تراكمت دمى محبوكة كالجبال.
التقطت السيدة مارشا، التي جاءت مع الخادم، إحداها،
واحتوت خدّيها الممتلئتين بالحمرة وصاحت:
“واو، لم أرَ دمى محبوكة مثل هذه من قبل!
سيّدتنا ماهرة جدًا.”
“لو وضعتِها في قن الدجاج، قد يعتقدونها كتكوتًا حقيقيًا.”
“لا، مستحيل.”
كانت مارشا دائمًا مبالغة في ردودها،
لكن حتّى الخادم بدا متفاجئًا.
شعرتُ بالحرج ولوّحتُ بيديّ ووجهي يسخن.
“آه، يجب أن أتخلّص من هذه العادة.
أحيك بلا توقّف عندما أغرق في التفكير.”
لكن، الدمى كانت متقنة جدًا.
بل بدت أجمل من تلك التي صنعتُها بعناية.
“ماذا سأفعل بكلّ هذه الدمى؟”
تنهّدتُ، فأجاب الخادم وهو يعدّل نظارته:
“إذا كنتِ قلقة بشأن مكان الدمى، لا داعي للقلق.
سنضعها في الغرفة الصغيرة بالطابق الأوّل.”
“الغرفة الصغيرة؟”
“هناك غرفة صغيرة في منتصف الطابق الأوّل تُستخدم تقليديًا كغرفة أطفال.
حتّى سيادته استُخدمت له عند ولادته.”
“فهمتُ.”
ليس غريبًا أن يكون لقصر كبير غرفة أطفال منفصلة.
أدرتُ عينيّ.
“حسنًا، يومًا ما سيتزوّج الدوق، أليس كذلك؟
وسيكون لديه أطفال.”
❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀_❀
ستجدون الفصول دومًا متقدمةً في واتباد وقناة الملفات،
حسابي واتباد : _1Mariana1_
وستجدون إعلانات تنزيل الفصول قبل هيزو في الرابط المثبت أول التعليق ~ ❀
التعليقات