بسبب من أصبحت الأمور بهذا السوء؟
ومع ذلك، لا تشعر روزيان بالخجل.
نقرت الكونتيسة بلسانها بازدراء، فخفضت رئيسة الخادمات رأسها أكثر.
لكن، وكأنّها لا تملك خيارًا، واصلت الكلام:
“حتّى عندما حاولنا إخراجها، حطّمت العديد من الأغراض.”
“ماذا؟ هل هي…”
مجنونة؟
“سأوبّخها بشدّة.”
صرّت الكونتيسة على أسنانها وتوجّهت بخطوات واثقة نحو غرفة الاستقبال حيث توجد روزيان.
لم يكن كلام تدمير الأغراض كذبًا، إذ رأت الخادمات ينظّفن هنا وهناك.
أمرت رئيسة الخادمات بإعداد قائمة بالأغراض لتعويضها، ثم فتحت الكونتيسة باب غرفة الاستقبال:
“ما الأمر؟ سمعتُ أنّكِ أصررتِ على رؤيتي وتسبّبتِ بفوضى.”
على الرغم من الفوضى التي أحدثتها، كانت روزيان جالسة في غرفة الاستقبال بمظهرها المحبّب المعتاد.
‘كيف لها أن تُغري إيميل بهذا الوجه البريء؟’
بعد معرفة الحقيقة، لم تعد تبدو بريئة في عيني الكونتيسة.
قالت بنبرة باردة:
“بصراحة، لم أعد أرغب برؤيتكِ.”
“لكن لديّ شيء يجب أن أريكِ إيّاه.”
بوجه هادئ، فتحت روزيان حقيبتها وكشفت عن ملابس طفوليّة كانت تخصّ إيفون، وُجدت في غرفتها.
في تلك اللحظة، اصفرّ وجه الكونتيسة:
“كيف… كيف حصلتِ على هذا؟!”
ردّت روزيان بهدوء:
“كان موجودًا في غرفة إيفون.”
“هل تجسّستِ على غرفة إيفون الآن؟”
“حسنًا، من ردّ فعلكِ، يبدو أنّكِ تعرفين ما هذا.
يبدو شيئًا ثمينًا، أليس كذلك؟”
أدركت الكونتيسة متأخّرة أنّها ارتكبت خطأ.
حاولت تصحيح تعبيرها وأجابت متظاهرة بالجهل:
“هراء.
ما هذا؟
مجرّد ملابس طفل عاديّة.”
“هل ستتظاهرين بعدم المعرفة؟”
“ليس تظاهرًا، بل الحقيقة.
ما الذي تقولينه إذن؟”
“هل تعتقدين أنّني جئتُ دون معرفة أنّها ليست ملابس طفل عاديّة؟”
خوفًا من أن تمسّ الكونتيسة الملابس، أعادتها روزيان بحرص إلى الحقيبة، ثمّ ابتسمت وقالت:
“أفهم تظاهركِ بعدم المعرفة.
لا أحد يعرف من أيّ قماش هذه الملابس.
وهذا طبيعي، لأنّها ملابس سحريّة.”
“لقد خُدعتِ من سارق.
مهما بدت ثمينة، ملابس سحريّة؟
هذا هراء.”
واصلت الكونتيسة الإنكار.
لكن روزيان لم تأتِ دون دليل:
“زرتُ خيّاطًا شهيرًا متقاعدًا في العاصمة وسألته.”
“تحدّثي بمنطق.
لقد اختفى سحرة القادرون على صنع الأقمشة منذ زمن، وجميع الكائنات مثل الجنيّات والتنانين التي كانت تستخدم السحر بحرّيّة قد انقرضت.”
“ومنذ متى انقرضت؟”
“ذلك…”
بعد وفاة الإمبراطورة السابقة مباشرة.
عندما قاد الإمبراطور الحالي تمرّدًا، قُتل الإمبراطور السابق، ثمّ قُتلت الإمبراطورة السابقة وحيدة، وسُلب العرش تلك الليلة.
‘لكن، بالضبط، لم تنقرض.’
ماتت آخر جنيّة تلك الليلة، لكن ابنتها لم تمت، بل هربت من القصر على تنين حامي الجنيّات.
إنّها إيفون.
‘هل تعرف هذه الفتاة ذلك حقًا؟’
كانت الملابس التي ارتدتها إيفون مصنوعة من قماش سحريّ صنعته الإمبراطورة الجنيّة بنفسها.
لذا، لم تحترق بالنار وكانت خفيفة كأجنحة اليعسوب.
أيّ شخص يعرف شؤون العاصمة ولمس أقمشة نادرة سيُدرك فورًا أنّها ملابس صنعتها جنيّة.
‘لكن ماذا لو عرفوا؟’
بقدر ندرتها، لا تتأثّر الأقمشة السحريّة بالزمن، فلا تبدو بالية.
بعبارة أخرى، قد تُورث في عائلات عريقة.
إذا ادّعت عائلة كليين أنّ أحد أسلافهم ورّث هذه الملابس، فلا دليل يثبت أنّها تخصّ إيفون تحديدًا.
رفعت الكونتيسة رأسها بثقة وقالت:
“على أيّ حال، لا تعرفين لمن هذه الملابس.
كانت فقط في غرفة إيفون.”
“هل من كانت له الملابس مهمّ؟”
لكن الكونتيسة قلّلت من شأن روزيان كثيرًا.
كانت روزيان أكثر طمعًا وجرأة من الشخص العادي.
ابتسمت بعيون ضيّقة وقالت:
“المهمّ أنّها ستصبح ملابسي الآن.”
لم تفهم الكونتيسة المعنى في البداية، فأغمضت عينيها بدهشة.
ثمّ، عندما أدركت القصد، صرخت:
“أيتها المجنونة!”
كانت هذه الملابس تخصّ الأميرة السابقة المفقودة، إيفون.
ليست قديمة جدًّا، لذا أيّ شخص عمل في القصر الإمبراطوريّ سيُدرك فورًا لمن هي.
لكن روزيان قالت إنّها ستدّعي أنّها ملكها.
بمعنى آخر، ستقول إنّها الأميرة السابقة المفقودة بنفسها.
صرخت الكونتيسة بهستيريا:
“هناك الكثيرون يعرفون وجهكِ!
كيف ستزوّرين ذلك؟”
بغضّ النظر عن اختلاف لون الشعر أو الشكل، كيف ستبرّرين قضاء طفولتك كابنة عائلة بيرغاموت؟
رفعت روزيان صوتها أكثر لتضغط على الكونتيسة:
“لهذا جئتُ إليكِ.
قوّة والديّ ليست كافية للتزوير، لكن مع عائلة كليين، يمكننا فعل ذلك.”
اصفرّ وجه الكونتيسة.
قبول إيفون الضائعة كان عملًا نبيلًا، لكن تبديل الأميرة السابقة قد يكون خيانة عظمى.
لكن روزيان الماكرة لم تترك للكونتيسة وقتًا للتفكير:
“الخيّاط الذي سألتُه عن القماش أرسل رسالة إلى العاصمة.
لقد بدا وكأنّه يعرف لمن هذه الملابس.
قريبًا، سيأتي ردّ من العاصمة.”
“أنتِ… أنتِ…”
ارتجفت الكونتيسة من الغضب، لكن روزيان ابتسمت بعيون ضيّقة وقالت:
“لم تخافي عندما حاولتِ تزويج إيفون لإيميل؟
فكّري ببساطة.
فقط الشخص تغيّر.”
أمام الكونتيسة المرتجفة، ابتسمت روزيان بعمق:
‘إيفون، شكرًا لمغادرتكِ.’
من هروبها هكذا، يبدو أنّها لا تعرف حتّى من هي.
نعم، فتاة لا تعرف قيمتها لا بأس أن تُنسى.
من الأساس، لا يناسب شخصيّتها البسيطة منصب الأميرة السابقة، أليس كذلك؟
‘كلّ ما يخصّكِ سأأخذه.’
إيميل، منصب الأميرة السابقة، كلّ شيء.
* * *
عند وصولي إلى العاصمة، أُخذت مباشرة إلى قصر دوق كريستوفر.
في الطريق، نزل دانتي من العربة أوّلًا:
“لديّ عمل في القصر الإمبراطوريّ.
روان، تأكّدي من إرشادها جيّدًا.”
“حسنًا.”
نظرتُ إلى دانتي دون وعي، كأنّني أنتظر تحيّة ما.
ثمّ التقت عيناي بعينيه فجأة.
“… إذن.”
أغلق الباب ببرود دون كلام إضافيّ.
خفضتُ رأسي بحزن.
ثمّ رفعتُه متأخّرة:
‘حزينة؟
لمَ أنا حزينة؟’
ما علاقتنا؟
‘لستُ عائلته، فهل توقّعتُ تحيّة ودودة مثل “سأعود لاحقًا”؟’
شعرتُ بالخجل والسخافة.
صفعتُ خدّيّ بيديّ لأستعيد رباطة جأشي.
لتهدئة قلبي، عبثتُ بـ فيبي ونظرتُ من النافذة.
مرّت مناظر العاصمة الغريبة أمامي، لكنّ الشيء الوحيد الذي ظلّ يدور في ذهني كان تحيّة دانتي الباردة الأخيرة.
‘آه، هذا خطير.
لمَ أنا هكذا؟’
هززتُ رأسي لأتخلّص من الحيرة.
رأتني روان وسألت بنبرة ناعمة:
“هل تريدين النزول؟”
“آه…”
لم أستطع القول إنّ تحيّة دانتي أزعجتني، فأومأتُ برأسي بإحراج.
ابتسمت روان وقالت:
“الآن قد تشعرين بالحزن لأنّكِ لا ترين سوى المناظر من النافذة، لكن انتظري.
بمجرّد وصولكِ إلى قصر دوق كريستوفر، ستختفي هذه المشاعر.”
“هل قصر دوق كريستوفر جميل جدًّا؟”
ابتسمت روان بإحراج:
“حسنًا، سترين بنفسكِ.
له علاقة بالعمل الذي يجب أن تقومي به في العاصمة.”
ما الذي يعنيه ذلك؟
فكّرتُ في معنى كلامها داخل العربة.
وفي هذه الأثناء، توقّفت العربة أخيرًا أمام قصر دوق كريستوفر.
“هذا هو قصر دوق كريستوفر!”
كان قصر دوق كريستوفر ضخمًا جدًّا، لدرجة أنّ قصر كونت كلين بدا ككوخ صغير بجانبه.
لكن…
“يا إلهي.”
لم أستطع سوى التفوّه بهذا التعجّب الغامض.
حتّى لو حاولتُ وصفه بأفضل طريقة، فأنهُ لم يكن قصرًا مشرقًا وجميلًا.
التعليقات لهذا الفصل " 30"