بعد عدّة تكرارات، بدأت الصفوف تتشكّل بشكل مقبول.
بعد أن أشرتُ إلى الأخطاء التي قد يرتكبها المبتدئون، مثل تذكّر عدد الغرز وعدم إسقاط أيّ منها، هززتُ كتفيّ وضحكتُ:
“عندما تُكملان الوشاحين، سأضيف التطريز عليهما. لذا، لا بأس إن حيكتما بشكل بسيط.”
في البداية، كنتُ أنوي تعليمهما طرقًا أكثر تعقيدًا مثل نمط الجديلة، لكن:
‘يبدو أنّ ذلك أكثر من اللازم.’
ربّما لو كان هناك وقت أطول، لكن داخل العربة في طريقنا إلى العاصمة، كان ذلك مستحيلًا.
عند كلامي، ضيّقت روان عينيها:
“أنتِ الآن تُعامليننا كطالبين رديئين، أليس كذلك؟”
“لا، لا!”
طالبين رديئين؟ مستحيل!
‘… لا يمكنني القول إنّه ليس كذلكَ.’
كان الأمر صعبًا عليهما. صعب جدًّا، لكن لا يمكنني قول ذلك خوفًا من إيذاء مشاعرهما!
على أيّ حال، حاك دانتي وروان الوشاحين بهدوء.
وأنا أنظر إليهما، عبثتُ بخيوط الحياكة في حقيبتي:
‘أريد أن أقدّم لهما هديّة أيضًا.’
بعد أن أعطيتهما الخيوط، لم يبقَ لديّ سوى بضع كرات.
‘الخيوط قليلة، الخيوط قليلة… الوشاح مستحيل. ربّما أحيك جوربين؟’
تخيّلتُ الاثنين يرتديان جوارب محبوكة وضحكتُ:
‘لن يناسبهما.’
لكن في يوم بارد، ألن يتذكّران رحلة العربة والحياكة عند ارتداء جوارب محبوكة دافئة؟
بدأتُ أحرّك يديّ بنشاط.
وعندما أكملتُ الجوربين اللذين سأهديهما لدانتي وروان، وصلنا إلى العاصمة.
* * *
قرأ الكونت كليين رسالة من ابنه.
كان إيميل، الذي كان يبحث مع الجنود في محيط الإقطاعيّة، قد ذهب الآن إلى أماكن أبعد، فكان يرسل تقاريره عبر الرسائل.
[وجدتُ أثرًا لإيفون.
كانت هناك شهادات في المنطقة الوسطى عن عربة سوداء تحمل فتاة بشعر فضيّ جميل.
يبدو أنّها متّجهة إلى العاصمة.]
انتهت الرسالة بأنّه متّجه إلى العاصمة أيضًا.
تنهّد الكونت كليين بعمق ووضع الرسالة على المكتب:
“العاصمة! هل هذا منطقي؟”
قرأت الكونتيسة الرسالة معه، وصاحت بنبرة عصبيّة غاضبة:
“حقًا، بسبب تلك الخادمة التي تكلّمت بلا داعٍ!”
بعد أن علما أنّ إيفون غادرت الإقطاعيّة تمامًا، عاقب الكونت وزوجته خادمة إيفون بقسوة، مستجوبين إيّاها عن كلّ ما قالته إيفون قبل مغادرتها وعن أيّ أصدقاء مجهولين قد يكونون موجودين.
كانت النتيجة ما سمعاه:
“أخبرتُ الآنسة عن إعلان توظيف يبحث عن شخص بمظهرها. إنّها دار التجارة .”
لكن في الحانة التي وُضع فيها الإعلان، قالوا إنّه لم تأتِ فتاة كهذه، فكان الأمر مشكوكًا فيه.
وبيأس، بحثوا عن عربات دار التجارة التي مرّت بإقطاعيّة كليين، فوجدوا شهودًا رأوا فتاة تشبه إيفون.
“على الأقل، هذا جيّد. يمكننا مواجهة دار التجارة مباشرة والاستفسار عن العربة.”
دفن الكونت كليين وجهه في يديه.
لم يكن الأمر بهذه السهولة، فقد كان ردّ دار التجارة:
“لا يمكننا التأكّد، وحتّى لو كانت الآنسة في عربة، فقد جاءت استجابة لإعلان توظيف رسميّ، فما المشكلة؟”
كان ذلك صحيحًا. بل إنّ إيفون لم تكن مخطوبة رسميًّا بعد، فلم يكن لعائلة كليين أيّ مبرّر لاستعادتها
.
‘على الأقل، يمكننا تتبّعها. إذا واجهها إيميل، قد يلين قلبها.’
كانت إيفون دائمًا هادئة، فهل ستتزعزع حقًا بعد مغادرتها بهذا الشكل الحرّ؟
حاول الكونت تهدئة قلبه المضطرب.
لكن صرخة الكونتيسة الحادّة هزّته مجدّدًا:
“كيف يكون هذا جيّدًا؟”
عبس الكونت ونظر إلى زوجته.
تمتمت الكونتيسة وهي تصرّ على أسنانها:
“كان يجب أن نزوّجها مبكرًا. لكنّك أنتَ من أصرّ على تأخير الزفاف…”
غضب الكونت من اتهاماتها المستمرّة:
“إن قلتِ هذا، فأنتِ من سمحتِ لروزيان بالتجوّل بحرّيّة في القصر! إن كنتِ تريدين حقًا زواج إيميل من إيفون، كان يجب أن تكوني أكثر صرامة في ضبط سلوكها!”
“هل تقول إنّ هذا خطأي الآن؟”
اكتُشفت علاقة روزيان وإيميل أخيرًا بعد استجواب الخادمات.
كانت هناك خادمات ساعدن في التستّر على علاقتهما سرًا.
بل إنّ روزيان كانت تترك ملابسها الداخليّة أو جواربها عمدًا في غرفة إيميل أو مكتبته، غير مبالية بكشف الأمر.
‘لو كان هناك أيّ إشارة لذلك، كان يجب أن يُخبروني فورًا!’
إيميل، هل فقد عقله؟ لمَ أقام علاقة مع روزيان بينما إيفون بجانبه؟
الكونتيسة، التي تحبّ ابنها بشدّة وتريد تجنّب المسؤوليّة بأيّ شكل، استنتجت بسرعة:
‘لا يمكن أن يكون ابني قد فعل ذلك بدون سبب. روزيان هي من أغوته. كيف يقاوم رجل امرأة تتقرّب منه بإصرار؟’
ستقول ذلك عندما تلتقي إيفون مجدّدًا: كلّ الخطأ على روزيان، وعائلتهما بريئة.
هدأت الكونتيسة غضبها وتنهّدت، فقال الكونت:
“وجود دار التجارة ليس أمرًا سيّئًا بالنسبة لنا. من المحتمل جدًّا أنّهم أخذوها دون معرفة هويّتها.”
“نعم، لكن…”
إن لم يُكتشف أمرها، فما المشكلة في وجود إيفون في العاصمة؟
بحسب الخادمات، لم تغادر بسبب رجل. إذن، يمكنهما لقاؤها وإعادة بناء العلاقة.
“على أيّ حال، كنّا نخطّط للذهاب إلى العاصمة هذا الموسم. فكّري أنّنا ذاهبون مبكرًا واستعدّي.”
“عزيزي، ماذا لو اكتُشف أنّ إيفون هي الأميرة السابقة؟”
“نحن من ربّيناها.”
في العاصمة، لا يزال هناك من يتذكّر الإمبراطور والإمبراطورة السابقين.
قد يرى أحدهم إيفون، التي تشبه الإمبراطورة الجنيّة، ويتذكّر الأميرة السابقة المسكينة التي هربت ليلة انهيار القصر.
وماذا بعد؟
أفضل سيناريو هو زواجها من إيميل ثمّ اكتشاف أنّها الأميرة السابقة.
لكن حتّى لو لم يحدث ذلك، فإنّ عائلة كليين تستحقّ مكافأة كبيرة لتربيتها الأميرة اليتيمة حتّى كبرت.
“حتّى لو شعرت إيفون بالامتنان لنا، لن تحمل ضغينة. فلمَ كلّ هذا القلق؟”
“نعم، أنتَ محقّ.”
أومأت الكونتيسة وهي تهدّئ قلقها، لكنّها سرعان ما غضبت مجدّدًا وصرخت بهستيريا:
“إيميل، ذلك الفتى! لا يعرف قلب والديه!”
حقًا، صحيح حاولنا تزويجه من فتاة لا تختلف عن عامّة الشعب لكن كان لدينا سبب!
بينما كانت تتذمّر بحنق، دافع الكونت عن ابنه.
ما حدث قد حدث، فما فائدة الاتهام؟
“حسنًا، هو رجل، قد ينجذب لامرأة أخرى. على أيّ حال، حدث ذلك قبل الزواج، فليس عيبًا كبيرًا.”
لكن إعادة كسب قلب إيفون كانت أهمّ بكثير.
قال الكونت بنبرة صارمة:
“لكن عندما نلتقي إيفون مجدّدًا، يجب أن نجعل الأمر يبدو وكأنّه خدعة من روزيان وسوء تفاهم. فهمتِ؟”
“نعم، بالطبع.”
أومأت الكونتيسة برأسها.
الآن، تتظاهر بأنّها تتغاضى عن تقصير زوجها في ضبط إيميل وروزيان، لكن إن تفاقمت الأمور، ستُلقي باللوم عليها بقسوة.
ولم تكن قد تخلّت بعد عن فكرة جعل إيفون زوجة ابنها.
‘ابني رائع جدًّا. الشريكة المناسبة لإيميل يجب أن تكون من الدم الملكيّ.’
لم تكن تعتقد أنّ إيفون ستستعيد العرش فجأة وتصبح إمبراطورة.
لكن إن اكتُشف نسبها، فلن تتمكّن العائلة الإمبراطوريّة الحاليّة من تجاهلها.
‘قد تصبح دوقة، بل دوقة كبرى.’
حرصت الكونتيسة على منع إيفون من تعلّم الاقتصاد أو السياسة.
يجب أن تظلّ جاهلة بهذه الأمور، حتّى تعتمد على إيميل إذا حدث ذلك.
‘كلّ شيء جاهز لابني ليأخذه، لكن الأمور تعقّدت.’
لن تستسلم أبدًا.
عندما تلتقي إيفون مجدّدًا، ستتوسّل وتبكي وستفعل أيّ شيء لاستعادة قلبها.
خرجت الكونتيسة مسرعة من غرفة الكونت وأمرت رئيسة الخادمات، التي كانت تتردّد أمام الباب:
“يجب أن نذهب إلى العاصمة على عجل. جهّزي الأمتعة بسرعة.”
“سيدتي، أم…”
تلعثمت رئيسة الخادمات وهي تنظر إلى الأسفل:
“الآنسة بيرغاموت تنتظر في غرفة الاستقبال منذ فترة وتريد رؤيتك.”
في اللحظة التي ذُكر فيها اسم روزيان، تجمّد وجه الكونتيسة.
قالت بنبرة باردة وكأنّها لا تريد سماع المزيد:
“أخرجيها.”
التعليقات لهذا الفصل " 28"