لكن مهما حاول الظهور بمظهر مخيف، كان مجرّد دمية تنين صغيرة.
أدرك فيبي هذه الحقيقة وتنهّد بحسرة.
التنين العظيم، فيتوانيس.
هذه هي جوهره الحقيقي، لكن بعد اختفاء آثار الأسلاف، لا فائدة من الاحتجاج على عدم التعرّف عليه.
بل إنّ مظهره هكذا…
“سيكون لكَ شرف خاص بأن أسمح لك بمناداتي بـ سيد فيبي.”
في الأصل، كانت إيفون الوحيدة التي يُسمح لها بذلك!
ابتلع فيبي دموعه وسمح لدانتي باستخدام لقبه المحبّب.
لكن دانتي سخر منه متجاهلًا:
“لا حاجة، أيّتها الدمية.”
دمية!
لا اسم ولا لقب محبّب، بل دمية!
صرخ فيبي، الذي كان متعجرفًا، بنبرة محبطة:
“أنا فيبي! ألستُ روحًا أيضًا؟
نادني فيبي، أرجوكَ!”
‘هل هذهِ الروح لها كرامةٌ؟’
شعر دانتي بالدهشة، لكنّه أومأ برأسه موافقًا.
كان متأكّدًا أنّ هذه الدمية ستصبح صاخبة جدًّا إن لم يوافق.
راضيًا عن الإجابة، رفعففيبي رأسه متمتماً:
“على أيّ حال، شكرًا لإنقاذكَ لي.”
انزلقت نظرة دانتي نحو الأجنحة السوداء الصغيرة على ظهر فيبي.
بدت وكأنّها تتحرّك قليلاً، لكن:
“يبدو أنّك لا تستطيع الطيران للهروب بنفسك.”
ما فائدة أجنحة لا تطير؟
تحت نظرة دانتي المحتقرة، غضب فيبي لكنّه لم يستطع الردّ بحدّة.
حتّى هو نفسه شعر بأنّ حالته مثيرة للشفقة.
“عندما أبتلّ، يصبح جسدي ثقيلًا جدًّا.
أغرق ببساطة.”
“هذا ليس جيّدًا.”
نظر دانتي إلى فيبي الواقف على كفّ يده.
‘يبدو أنّه يموت إذا تمزّق عنقه.’
وإلّا لما صرخ بتلك الطريقة طالبًا عدم شدّ عنقه.
‘لا داعي للحذر منه.
لا يملك أيّ قدرات خاصّة سوى التحدّث.’
لو سمع فيبي هذه الأفكار، لكان قد ذرف الدموع، لكن دانتي أنهى تقييمه.
بهذا المستوى، كان من المنطقي أن تُخفيه إيفون.
دمية لا فائدة منها سوى الكلام، من المحرج أن يُكتشف أمرها.
‘لكن لمَ لا يستطيع استخدام السحر بشكل صحيح؟
يُجرَف بالتيّار فقط.
هل يمكنه حماية إيفون هكذا؟’
شعر دانتي بالأذى لأنّ إيفون أخفت عنه الحقيقة،
لكن بعد معرفة قدرات فيبي، وجد نفسه ينظر إلى هذا التنين الصغير بنظرة قاسية.
حدّق دانتي في فيبي بعيون ضيّقة.
بينما كان فيبي يحاول فرد رأسه المجعّد، قال بنبرة متردّدة:
“و… لا تُخبر إيفون أنّك تعرف حقيقتي.”
“لماذا؟”
“لأنّ تلك الفتاة لا تعرف استخدام السحر…
وإن اكتُشف أمري لأنّني لم أتحمّل عصر الماء، ألن يكون ذلك محرجًا؟”
كان السبب الثاني هو الدافع الحقيقي بوضوح.
‘لكنّه على الأقل يعرف أنّ ضعفه مُخجل.’
هذا أفضل بكثير من الأغبياء الذين لا يدركون عجزهم.
“لكن أسلوبكَ في الحديث يزعجني منذ قليل.”
ضحك دانتي بسخرية ودفع رأس فيبي في الاتّجاه المعاكس.
“ألا تعتقد أنّك عظيم جدًّا؟
لا يبدو أنّك تجيد شيئًا.”
“هذا! وقاحةٌ!”
قفز فيبي غاضبًا، لكنّه سرعان ما جلس منحنيًا بحزن وهو يبكي:
“هينغ.”
بأطرافه القصيرة والسمينة، لم يستطع الانحناء جيّدًا.
تمتم فيبي بحزن:
“نعم، هذا صحيح.
نفدت قوتي السحريّة، ولا أستطيع سوى الكلام.”
“لا داعي للاكتئاب لهذا الحدّ.
البشر أيضًا يعانون غالبًا لأنّ ما يريدون أن يكونوه لا يتطابق مع واقعهم.”
“لا تُواسيني بكلام لطيف، أيّها الوغد.
ولمَ تُصنّفني كغبيّ عاجز بطريقة خفيّة؟”
حتّى عندما يُقال الحق، يهرب من الواقع.
هزّ دانتي كتفيه بدلًا من الردّ.
نظر إليه فيبي بغضب وتذمّر.
قبل قليل، كان يرى وجه دانتي كالدبّ، لكنّه الآن بدا كالثعلب.
لكن ماذا يفعل؟
إيفون لا تملك سوى هذا الرجل لتعتمد عليه الآن، و فيبي أُمسكَ بهِ دانتي من نقطة ضعفه.
مدّ فيبي قدميه الأماميّتين الصغيرتين وقال:
“على أيّ حال، سأحتفظ بسرّ أنّك تحبّ إيفون، فاحتفظ أنت أيضًا بسرّ معرفتكَ بحقيقتي.”
كان عرضًا تافهًا من كائن تافه.
التظاهر بعدم معرفة أنّه يتكلّم ليس صعبًا، ومن الأفضل ألّا يُكتشف أمر حبّه، فأومأ دانتي برأسه:
“أعدكَ.”
كرمز للوعد، قرّب قبضته من قدم فيبي الصغيرة.
في تلك اللحظة، رنّ صوت ناعم في أذني دانتي:
‘أعدكَ.’
عيون خائفة لكنّها تعتمد على دانتي بصدق.
ذراع نحيلة، كفّ ناعمة، وجه أبيض متناسبٌ مع خديها الورديين الرقيقين، كما لو أنها ستُكسر لو ضربها هواءٌ.
‘هذا خطير.’
أن يتذكّرها حتّى عندما يكون مع هذه الدمية التافهة، كان ذلك خطرًا.
تنهّد دانتي بقوّة، ثمّ حمل فيبي وجرى عائدًا عبر الوادي.
لكنّه لم يندم على منع إيفون والتحرّك بنفسه.
‘كادت أن تقفز إلى الماء بلا تفكير.’
في الماء، تتباطأ حركة الإنسان بشكل كبير.
الدخول إلى الماء لالتقاط شيء محمول بالتيّار يعني خسارة الشيء وتعريض النفس للخطر.
‘من الأفضل أني فعلتها بنفسي.’
بينما كان يفكّر هكذا، وصل بسرعة إلى ضفّة النهر حيث كانت إيفون تقف.
بدت وكأنّها لم تتحمّل القلق، فأمسكت طرف فستانها بيديها وكانت على وشك الركض نحوه.
“سيدي الدوق!”
ابتسمت إيفون عند رؤية دانتي، وعيناها الحمراوان من البكاء تلألأتا بالدموع كالندى.
“شكرًا جزيلًا!
لا أعرف كيف أعبّر عن امتناني!”
أخذت إيفون فيبي من يد دانتي وابتسمت بسعادة:
“فيبي مهمّ جدًّا بالنسبة لي.”
ردّ فعلًا، نظر دانتي إلى التنين الصغير في يد إيفون.
‘إذن اسمه حقًا فيبي؟’
كان يظنّه اسمًا مضحكًا.
كيف لهذه الدمية أن تكون واثقة جدًّا لتطالب بلقب “فيبي” مع “سيدي”؟
وتمسكُ إيفون جعلت هذا التنين الصغير يبدو أكثر إزعاجًا.
بينما كان دانتي يتبادل النظرات مع فيبي، نادته إيفون بنبرة متعجّبة:
“سيدي الدوق؟”
“لا شيء.”
استعاد دانتي رباطة جأشه وأجاب بنبرته المعتادة الباردة:
“لا داعي لكلّ هذا الشكر.”
“لكن…”
نظرت إيفون بقلق إلى ملابس دانتي المبلّلة حتّى خصره.
ضحك دانتي بهدوء ليخفّف عنها:
“ألم نتّفق على صفقة؟”
“ماذا؟”
“أن تُعلّميني الحياكة.”
لم تفهم إيفون على الفور، فأغمضت عينيها، ثمّ أجابت بصوت عالٍ:
“نعم!”
كانت ابتسامتها الواسعة جميلة جدًّا لدرجة أنّها أبهرت العينين.
بعد أن أنقذ دانتي فيبي، عدنا متأخّرين إلى العربة.
بما أنّنا تأخّرا كثيرًا، كانت روان وسائق العربة قد جمعا الأغصان وأعدّا يخنة وهما ينتظران.
عندما رأيا دانتي مبلّلًا تمامًا، فغرا أفواههما.
“سيدي؟
ما هذا المنظر؟
ظننّا أنّ الآنسة ضلّت طريقها لأنّكما تأخّرتما، لكن هل ضلّ سيدي الطريق؟”
“اصمت.”
لم يرد دانتي شرح الأمر، فقط فقاطع روان وذهب إلى العربة لتغيير ملابسه.
شرحت إيفون الموقف بوجه متجهّم:
“سقطت دميتي المحبوكة في الماء، فأنقذها سيدي الدوق.”
“ماذا؟
سيدي فعل ذلك؟”
انتقلت نظرة روان إلى فيبي.
ارتعش كتفا فيبي من التوتر، لكن لم يكن ذلك ملحوظًا.
“تبدو لطيفة جدًّا…”
قالت روان ذلك لكنّها بدت غير مقتنعةٍ.
تنهّدتُ إيفون
“اتّفقتُ على تعليمه الحياكة مقابل ذلك.
يجب أن أبذل جهدًا أكبر.”
“الحياكة؟”
عبست روان كأنّه سمعت شيئًا غريبًا، لكنّها سرعان ما غيّر نبرتها وضحكت بإحراج:
“آه، نعم، كان يقول من قبل إنّه يريد التعلمَ.
هههه.
إذن كان ذلك بسبب الحياكة.
للحياكة في العربة…”
أمالتُ إيفون متعجّبة:
‘قال إنّه يريد تعلّمها من قبل؟
هل رأى شيئًا محبوكًا من قبل؟’
لذلك سأل إن كان بإمكانه لمس فيبي عندما رآه أوّل مرّة.
بعد معرفة ذلك، شعرتُ بالشفقة على دانتي.
لم يكن غريبًا تمامًا عن الحياكة، بل كان يعرفها بشكل غامض.
‘أظنُ أنّه قال ذلك فقط لئلّا أشعر بالذنب. لذا
يجب أن أعلّمهُ بجديّة.’
لم ندرك، أنا و روان ، أنّنا كنا نسيء فهم بعضنا، وغرق كلّ منّا في أفكارهِ.
التعليقات لهذا الفصل " 27"