من لا يعرف شيئًا، يمكنه أن يتعلّم شيئًا فشيئًا.
بهذه القناعة، أومأتُ برأسي.
“إذًا، سأذهب لألتقط المزيد. بأغصان جافة تمامًا.”
“سأذهب معك.”
حين هممتُ بخطوة نحو الغابة، لحقني دانتي من خلفي.
ظننتُ أنه لا يثق بي، فعضضتُ شفتَي السفلى.
لكن دانتي تقدّم خُطوة إلى الأمام، وقال وهو يسير:
“الغابة مليئة بالمخاطر. ولو جلبتِ واحدة كما فعلتِ سابقًا، قد لا تكون نافعة.”
“أه… هكذا إذًا.”
صحيح، في الغابة تعيش الدببة الكبيرة، والنمور أيضًا.
‘وبما أنني في أول مرة، فالحصول على المساعدة ليس أمرًا يُخجل.’
أخذتُ نفسًا عميقًا، ثم ابتسمتُ وقالت لدانتي:
“إذًا، أرجو أن تعتني بي.”
أومأ دانتي برأسه.
كما قال دانتي، كانت الغابة التي انحرفنا إليها عن طريق العربة كثيفة لدرجة أنني بالكاد أستطيع المشي فيها.
لو لم يكن دانتي يمشي أمامي ليبعد الأغصان والأعشاب، لبقيتُ أحاول إخراج ذيل ثوبي العالق بين الأغصان حتى غروب الشمس.
‘وفوق ذلك، فهي مظلمة أكثر بكثير.’
رفعتُ رأسي لأنظر إلى الأشجار العالية الممتدة نحو السماء.
كانت الأغصان الحادة تحجب الشمس، مما جعل عمق الغابة معتمًا كما لو كان ليلًا.
‘هكذا تبدو الغابة إذًا. فيها أشجار ضخمة بهذا الشكل أيضاً.’
لم يكن إقليم الكونت كلين خاليًا من الغابات، لكن أشجار هذه الغابة مختلفة قليلًا.
كانت ترتفع نحو السماء بشكل حاد، وتزدحم بكثافة كبيرة.
‘لو قفز شيء فجأة، فلن ألحظه حتى.’
لطالما ظننتُ أن ما يظهر فجأة من الظلام هم الأشباح فقط.
لكن، بسبب هذا الظلام الغريب، شعرت بالخوف دون سبب واضح، فلصقتُ تمامًا خلف دانتي.
مع ذلك، بدأ هذا التوتر يخف تدريجيًا. فقد مضى وقت طويل دون أن يظهر شيء.
‘ربما، الحيوانات البرية لا تقترب من البشر من تلقاء نفسها.’
هل يمكنني الذهاب وحدي دون مشاكل؟
بمجرد أن راودتني هذه الفكرة، اهتز العشب بجانبي بشكل مريب.
فزعتُ وصرختُ بينما أمسكتُ بطرف ملابس دانتي.
“كيّا!”
“…….”
لم يبدو دانتي متفاجئًا، بل أمسك بقبضته على غمد سيفه بيده اليمنى.
وبينما كنتُ أسمع دقات قلبي تتسارع، نظرتُ نحو العشب.
ما أطلّ برأسه من بين الشجيرات كان أرنبًا ذا فرو أبيض ناعم وعيون حمراء.
تنفّس دانتي بهدوء، ثم رفع ذقنه قليلًا وقال:
“أرنب، أهي أول مرة ترينه؟”
“أه، أ… هذا هو الأرنب؟ لدي قفازات مصنوعة من فرو الأرنب أيضًا.”
رأيتُ صورًا له في الكتب، لكنني لم أرَ أرنبًا حيًّا من قبل.
بدأتُ أطرح عليه الأسئلة وأنا أرتجف:
“لا… لا يهاجم الناس، صحيح؟ رغم شكله اللطيف، هل يحمل سمًا مثلًا؟ أو يكون عدوانيًا للغاية؟”
“همم.”
مد دانتي يده وأبعد يدي التي كانت تمسك بثوبه.
فزعتُ مجددًا ومددتُ يدي لأمسكه من جديد، لكنني أمسكتُ بالفراغ.
في لحظة واحدة، تحرّك بجسده الضخم بخفة، ثم أمسك أذني الأرنب ورفعه عاليًا بلا تردد.
توسّعت عينا الأرنب بدهشة، وكأنّه لا يُصدق أنه قد أُمسك.
بدت أذناه الطويلتان، المشدودتان بقوة، مؤلمتين للغاية.
ارتعبتُ وسألت:
“ه… هل يمكن إمساكه من أذنيه هكذا؟”
“الأرانب يُمسكون من آذانهم عادة.”
“لكن، لكن أذنيه حمراء! يبدو أنه يتألم.”
عند كلامي، مال دانتي برأسه قليلًا وتنهد عبر أنفه. ثم مد الأرنب ناحيتي فجأة.
“إذًا، احمليه أنتِ.”
“هـه؟ لا… لا يعض؟ أو… ليس فيه سم؟”
“قد يعض، لكن لن يفعل الآن. وليس فيه سم.”
“أ… حسنًا.”
رغم خوفي، مددتُ ذراعيّ لأستلمه.
كنتُ أصدق كلام دانتي.
ناولني الأرنب بهدوء.
ففوجئتُ بثقله أكثر مما توقعت، ثم شعرتُ بدفء جسده ونعومة فروه.
“آآه!”
لكن قبل أن أتمكن من الاستمتاع بذلك، قفز الأرنب وهرب من بين ذراعيّ.
كان رشيقًا بشكل لا يُصدّق، فرغم قفزه من بين ذراعيّ، لم يصب بأذى واختفى بسرعة داخل الغابة.
حتى بعد رحيله، بقي في ذراعيّ أثر إحساسه وكأنه لا يزال بينهما.
ظللتُ ألمس كفيّ، ثم تنهدتُ قائلة:
“يا إلهي، كيف يصنعون قفازات من جلود هذه المخلوقات اللطيفة؟
لا أظن أنني سأستطيع استخدام شيء مصنوع من فرو الأرنب مجددًا.”
“هكذا إذًا؟”
أومأ دانتي برأسه، دون أن يُظهر تأثرًا كبيرًا.
“لديكِ قلب طيّب.”
“أه… أحقًا؟ أظنّني شخصًا عاديًا فقط.”
كيف يستطيع أحدهم سلخ جلد مخلوق لطيف وناعم مثله؟
“ربما بقية السيدات لم يرَين أرنبًا حيًّا من قبل، لذا يرتدينه.
لكن لو عرفن كم هو لطيف، لما استطعن استخدامه. لستُ الوحيدة التي تشعر بهذا.”
حين كررتُ أنني لستُ مميزة، عقد دانتي حاجبَيه قليلًا.
ثم قال، بنبرة نادرة فيها بعض الاستياء، وهو يمدّ شفتيه قليلًا:
“لو كنتِ شخصًا عاديًا حقًا، لما سامحتِ خطيبكِ.
في العاصمة، يُطعن الكثير من الخائنين بالسيوف ويموتون شهريًا.”
“هاه؟!”
فزعتُ من فكرة أن مثل هذه الجرائم تحدث شهريًا.
“العاصمة مكان مخيف إذًا…”
عندها، ارتفعت حاجبا دانتي.
“ليست كذلك.”
“لكن، قلتَ إن هناك أشخاصًا يُطعنون بسيوف خطيباتهم شهريًا.
فهذا يعني أن هناك من يُطعنون لأسباب أخرى أيضًا، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح.”
“…….”
هل سأتمكن من العيش في مكان مرعب كهذا؟
‘ماذا لو تورطتُ في جريمة فقط لأنني أعيش وحدي؟’
لم أسبق لي أن عشتُ بمفردي دون أن أعرف أحدًا، والآن أفكّر بأن العاصمة بهذه الخطورة؟ هذا يُقلقني كثيرًا.
“سأصحح كلامي.”
حين رآني أرتجف كالفرخ، تنحنح دانتي بخجل.
ثم أضاف بنبرة جادة:
“طالما أنكِ بجانبي، فلن يكون هناك ما يُخيف.”
فتحتُ عينيّ دهشةً من هذا الكلام غير المتوقع.
ما الذي يعنيه؟
‘هل يعني أن حضرة الدوق سيحميني؟’
بينما كنتُ أرمش بدهشة، سمعتُ تمتمة غاضبة تخرج من جيبي:
「هذا الوغد، يتصرف بغرابة الآن!」
‘فيبي!’
فزعتُ وأمسكتُ بـ فيڤي بقوة.
نظر دانتي نحوي معقّدًا حاجبَيه.
“ما كان ذلك الصوت؟”
“آه! ها… هنا الكثير من الأغصان!”
ولأغير الموضوع، ضحكتُ بشكل مبالغ فيه وانحنيتُ لالتقاط غصن.
لكن…
“آه!”
شعرتُ بوخز حاد كمن وخزني إبرة في كفّي.
“احترسي. الأغصان غير المهذّبة تكون مليئة بالأشواك.”
“أشواك؟”
“لحظة.”
أمسك دانتي بكفّي براحته الكبيرة.
شعرتُ بحرارة شديدة كأنّها لاذعة، وملمس كفه كان خشنًا كقطعة خشب.
‘أوه.’
لم يسبق أن أمسك رجل غير إميل بكفّي من قبل.
أردتُ أن أسحب يدي من شدة الإحراج، لكنه كان يحدّق فيها بجديّة، فلم أستطع.
‘إنه لا يشعر بشيء بينما أنا وحدي محرجة! كم هذا محرج.’
بينما كنتُ أرتبك، أخرج دانتي شوكة صغيرة من كفّي.
“كنتُ أقصد هذه.”
ثم حمل الأغصان بدلًا عني.
مشيتُ خلفه أسأله:
“حضرة الدوق، ألا تؤلمك الأشواك وأنت تمسك بها بيدك مباشرة؟”
“كما ترين، جلدي قاسٍ بما يكفي.”
“صحيح، حتى الإبرة لا يبدو أنها ستخترقه.”
“لكن الإبرة تخترقه.”
ابتسم دانتي وكأنّه وجد كلامي غريبًا.
ربما لأننا وحدنا، بدا صوته أكثر راحة وهو يحدّثني.
تبعتهُ وأنا ألتقط الأغصان بحذر كي لا أصاب بالشوك مجددًا.
وما إن تراكمت كمية لا بأس بها، حتى شعرتُ بضعفٍ مفاجئ.
فهمستُ بصوت خافت فيه شيء من الحزن:
“أنا… حقًا كنتُ أجهل كل شيء.”
عندها رفع دانتي حاجبَيه.
“الآنسة لم تكن تعرف لأنها لم تحظَ بفرصة.
وليس لأنها لم تكن ترغب في التعلُّم، أليس كذلك؟”
“هذا… صحيح.”
صحيح أنني لم أُمنح الفرص.
لكن، هل يمكنني استخدام ذلك كعذر؟
حين لم أُجب وظللتُ مترددة، نظر إليّ دانتي بعينين جادتين:
“بقربي ستكونين بأمان.
وإن سألتِ، سأجيبكِ بصدق.
فتمسّكي بي جيدًا.”
“……نعم.”
رغم أنه لم يقصد شيئًا خاصًا، إلا أن كلماته بدت حلوة للغاية.
حاولتُ أن أحرّك رأسي لأبعد الاحمرار عن وجهي، ثم ركّزتُ مجددًا على جمع الأغصان.
‘إن لم أُسرع في جمعها، فلن يكون هناك عشاء اليوم.
يجب أن أركّز، لا أشتّت نفسي بأي شيء آخر.’
ومع أنني مبتدئة، إلا أنني جمعت كمية لا بأس بها.
وحين كنتُ منهمكة في ذلك، سألني دانتي من خلفي وقد جمع أكثر مني بكثير:
“بالمناسبة… ماذا كنتِ تفعلين بجانب العربة قبل قليل؟”
التعليقات لهذا الفصل " 23"