أمسكَت روزيان بذراع إيميل بيأسٍ شديد.
“لـ، لحظة فقط!”
شعرت بأنّها الفرصة الأخيرة.
إن فاتَتها، فلن يعود إيميل ليلتفت إليها مجددًا.
‘لقد تحمَّلتُ كلَّ هذا الوقت بصبر!’
ربما في البداية كانت تطمع في لقبه ومكانته، لكن لاحقًا لم تعد مشاعر روزيان بذلك البساطة.
‘الرجلُ الذي يليق بأن يكون بجانبي ليس سوى إيميل’، ثم تطوّرت الفكرة إلى ‘أتمنّى حقًا أن يبقى إيميل بقربي’.
‘لذلك فعلتُ ذلك، أمام إيفون!’
زرعُ بذرة شكٍّ في قلب إيفون كان كافيًا.
حينها ستتأذّى تلك الساذجة وتتجنّب الزواج، وسيشعر إيميل، بكبريائه العالي، بالاشمئزاز منها.
‘لكن لم أتوقّع أن تهرب إيفون بهذه الطريقة.’
لم يخطر ببالها أبدًا أن يُشعل هذا التصرّف شرارة التعلّق في قلب ذلك الرجل.
‘كانت تتظاهر دائمًا بالهدوء والخجل، والآن تضعني في هذا الموقف؟!’
رغم أنّها من خدعت إيفون طوال الوقت، شعرت روزيان وكأنّها الضحيّة.
على أيّة حال، إيفون لم تكن هنا، وكان عليها أن تُمسك بإيميل.
قبضت روزيان على طرف عباءته وصرخت:
“وإذا تركتك إيفون وذهبت مع ذلك الرجل، ماذا ستفعل؟
وإذا قالت إنها ستموت إن مات هو؟
حتى لو جلبتها عنوة، لن ينفع!”
“وماذا بعد؟”
نظرة إيميل الباردة كانت شيئًا لم تره من قبل.
كانت تعتقد أنّها تعرفه جيدًا، لكنّها لم ترَ هذا الوجه منه أبدًا.
“إيفون تخصّني.
حتى لو ماتت، فيجب أن تموت بجانبي.”
“أنتَ… أنت لم تكن تهتم بإيفون طوال هذا الوقت!”
لم يقل أبدًا أنّه يكره إيفون أو يشعر بالملل منها، لكنه لم يقل أيضًا أنّه يحبّها.
ألم يكن يلتقي بروزيان دون تردُّد، رغم وجود إيفون؟
ضحكَ إيميل بسخرية على سؤالها.
“بدلًا من أن تُمسكيني، لما لا تقلقي على والدكِ يا روزي؟
هل لديكِ خطة لتعويض الأربعين ألف قطعة ذهبية التي أضاعها؟”
شحب وجه روزيان تمامًا.
والدها؟ أربعون ألفًا؟!
رقمٌ يجعل رأسها يدور.
“مـ، ماذا قلت؟ أبي أضاع أربعين ألف قطعة ذهبية؟!
وكيف عرفتَ ذلك؟”
“ظننتِ أنّه لن يُكتشف بعدما اختلس أموال المقاطعة؟”
“اختلاس أموال؟!”
علاقة روزيان وإيميل كانت معروفة حتى لعائلتها.
لكن في الآونة الأخيرة، عانى والدها، الكونت بيرغاموت، من أزمة مالية، وبدأ يُمدّ يده خلسةً على أموال المقاطعة.
ظنَّ بسذاجة أنّ علاقته بابنته ستجعله صهرًا محتملًا، وإن لم تكن العلاقة مشروعة، فربما يخاف إيميل من الفضيحة ويتستّر عليه.
روزيان، التي لم تكن تعرف شيئًا عن هذا، لم تستطع إلا أن تتجمّد في مكانها.
أخرج إيميل صوتًا طويلًا بطرف لسانه:
“هاه، تتظاهرين بالجهل مجددًا.”
“أنا لا أتظاهر!
أقسم أنّي أسمع هذا لأول مرّة!”
“مع أنكِ كنتِ دائمًا تمدحين تفاني والدكِ في العمل أمام والديّ؟
أهذا ما تقولينه؟”
“ذلك لأنّني…”
عضّت روزيان على شفتيها.
هي بالفعل كانت تُجمّل صورة عائلتها في كل زيارة إلى قصر عائلة كليين.
لكن لم يكن دافعها حب الوالدين فقط.
‘إن أردتِ المهر، يجب أن ينجح عملي أولًا.’
هكذا قال والدها.
‘لكن… اختلاس أموال المقاطعة؟’
تلك الأموال تُرسَل إلى العاصمة كضرائب.
وإن لُمسَت الضرائب…
‘فالعقوبة هي الإعدام للأسرة كلّها.’
ارتجفت يدا روزيان وهي تشحب من الرعب.
حدّق بها إيميل بنظرات باردة.
“كنتُ سأُخفي الأمر من أجلكِ، لأن بيننا ماضٍ طويل.
لكن الآن بعد أن اختفت إيفون، مزاجي سيّئ جدًّا.”
كان ذلك تحذيرًا.
لن يُغضّ الطرف أكثر بسبب ما فعلته.
استدار إيميل بحدّة وقال بصوتٍ قاسٍ:
“فمن الأفضل أن تُعيدي الأربعين ألفًا فورًا،
أو أن تُصلّي كي أجد إيفون بسرعة.ٍ”
ربما يرقّ قلبه إن هدأت أعصابه.
انهارت روزيان على الأرض، ساقاها لم تعودا تحملانها.
لم يُلقِ إيميل عليها نظرة، بل خرج من غرفة إيفون.
من الواضح أنّه ذاهبٌ للبحث عنها.
‘كيف له أن يكون قاسيًا هكذا؟
ألم نكن نُعبّر عن حبّنا في مكتبك منذ يومين فقط؟!’
أصبح يعاملها أسوأ من غريب.
تحجّرت الدموع في عيني روزيان وهي تصرخ:
“إيميل كليين
كيف تفعل بي هذا؟!”
“هذا ما أريد أنا سؤالكِ عنه.”
ردَّ عليها إيميل، مذهولًا من وقاحتها.
“ألم تكوني أنتِ من بدأ هذه العلاقة؟
تغاضيتُ عن اختلاس والديكِ،
وأظهرتكِ مميّزة أمام الجميع،
ثم تطردين زوجتي؟!”
كانت عيناه تشتعلان عند مقبض الباب.
“دفعتُ ثمن كل شيء، فكيف تجرؤين على سؤالي هذا؟!”
لم يكن باردًا، بل كان يغلي بالغضب.
منذ لحظة دخلت روزيان خلسة إلى غرفة إيفون.
خشيت روزيان أن تُثير غضبه أكثر، فأغلقت فمها.
غادر إيميل للبحث عن إيفون.
تركت وحيدة، بدأت تقضم أظافرها.
‘هذا مستحيل. لا يمكن لأبي أن يُسدّد هذا المبلغ.’
أربعون ألفًا!
وبالتأكيد لم تكن دفعةً واحدة.
‘إيميل لن يُغضّ الطرف بعد الآن.
وإن عادت إيفون وتكلّمت، لن يرحمني.’
قد يُقنعها لتستعيد ثقته، بإظهار روزيان ككاذبةٍ.
‘ما العمل؟
لا بدّ من وجود طريقةٍ للخروج من هذا المأزق.’
عندها بدأت روزيان تنظر حولها بيقظة.
فهدفها في المجيء إلى هذه الغرفة من البداية كان…
البحث عن سرّ إيفون.
غادرت إيفون على عجل، لا بد أنها تركت شيئًا خلفها.
وبينما كانت تفتّش هنا وهناك، وجدت في عمق أحد الأدراج ثوبًا بلون الماء.
‘ما هذا؟’
كان قماشُه يلمع كأنّه ماءٌ جارٍ، وشعرت بالغموض فيه.
لكن حين فتحته، اتّضح أنه ثوبُ طفل.
‘ممّ صُنع هذا؟’
إنّه قماش، لكنّه لا يبدو كالقماش.
خفيف، ولمعانه غريب.
أمالت روزيان رأسها.
‘لماذا تُخفي إيفون هذا الثوب الطفوليّ في هذا العمق؟
لم أرَها ترتديه من قبل.’
بدا لها أنّه ليس شيئًا عاديًا.
التقطته وقالت في نفسها:
‘سآخذه معي، على الأقل.’
* * *
نزلتُ من العربة، ووقفت أُراقب من بعيد كلًا من دانتي وروان.
كانا يتبادلان الحديث، ويبدوان جادَّين جدًّا.
‘لا بدّ أن هناك أمورًا لا يستطيعان قولها لي.’
لم أرغب في الاقتراب منهما.
تنفّست الصعداء.
‘الحمد لله أنهما ليسا سيئين.’
ربما يظنّان أنّني أتّبعهما بلا شك،
لكنّني لا أضع كامل ثقتي فيهما.
يصطحباني للعاصمة دون أن يطلبا شيئًا؟
ويُعطياني المال أيضًا؟
هذا مريب جدًّا.
‘لكن اسم شركة “ڤيل” واسم الدوق دانتي كريستوفر، أكبر من أن يكونا مجرّد ادّعاء.
من المرجّح أنهما صادقان.’
دانتي كريستوفر.
قائد فرسان الجناح الأسود.
سيد الشمال.
نظرتُ إليه مجددًا، كان وجهه مقطّبًا وهو يتكلّم مع روان.
غالبًا ما بدا باردًا وجادًّا.
لكن حين يضحك أحيانًا، يبدو وكأنّ الجمود عادةٌ فقط.
‘إنّه رجلٌ غريب.’
لم يكن يُعاملني كابنة أرستقراطي،
لكنّه في الوقت نفسه يُبقي مسافة واضحة بيننا.
‘لكن لماذا يبحث عن امرأة ذات شعرٍ فضّي وعينين خضراوين؟’
قال إنه يريد رفيقة للسفر كي لا يبدو المشهد غريبًا،
لكن ذلك عذرٌ واهٍ.
‘طالما أنّ المظهر مطلوب، فهو يبحث عن بديلةٍ لشخصٍ ما… ربما.’
حين سألني إن كنتُ معروفة في اتحاد الشرق،
كان واضحًا أنه يريد التأكُّد من أنّ لا أحد سيتعرّف عليّ.
ولأنّه علم بأمر انفصالي عن إيميل،
فلا بدّ أنّه عرف أنّني لن أعود بسهولة.
هززتُ كتفيّ.
‘لا يهمّ من أكون بديلًا لها،
طالما أستطيع بناء حياةٍ في العاصمة.’
حين تخيّلتُ العاصمة التي لم أرَها من قبل،
بدأ قلبي يخفق بشدّة.
كأنّني أخوض مغامرةً جديدةً.
التعليقات لهذا الفصل " 21"