‘كم أنا محظوظة لوجود السيد فيبي.’
عندما تذكرت المستقبل الذي رأيته ذلك اليوم، عاد قلبي ليخفق بقوة.
‘ماذا سيحدث لي الآن؟ هل تغير المستقبل بالفعل؟’
بما أنني غادرت منزل الكونت كليين، فإن المستقبل الذي كان يقودني للزواج من إيميل لن يستمر.
لكن شعورًا بالقلق لم يفارقني، وظل قلبي مضطربًا.
لتهدئة نفسي، صمتُّ للحظات، فمالت روان رأسها وسألتني:
“الآنسة إيفون؟ هل تشعرين بتوعك؟”
“لا.”
هززت رأسي، وابتسمت بوهن.
“فقط تذكرت اللحظة التي اكتشفت فيها خيانتهما لأول مرة…”
بعد إجابتي، شعرت بحرقة في حلقي. لم أرد إظهار وجهي الحزين، فأخفضت رأسي.
بدا دانتي، الذي لم يبد اهتمامًا بحديثنا، وكأنه يوبخ روان بنظرة جانبية:
“هل كان عليكِ إثارة هذا الموضوع؟ مخيب للآمال.”
“ماذا؟ أنا؟”
لوحت روان بيديها باستنكار، وعندما التقت عيناها بعينيّ فجأة، احمر وجهها.
“كنت فقط أتحدث بما يخطر ببالي وأنا أستمع عن إيميل كليين! لم أقصد أبدًا أن أحزن الآنسة إيفون!”
“لا بأس، أعلم ذلك.”
“سيُعاقبان بالتأكيد. كيف يجرؤان على جعل فتاة جميلة مثلكِ تذرف الدموع؟”
“لا أتمنى عقابًا لهم. ربما لم يكن بإمكانهما فعل غير ذلك. أتمنى فقط أن يعيشا بسعادة.”
ابتسمت بضعف، وأخفضت رأسي مجددًا، مضيفة:
“ربما أنسى كل هذا بسرعة عندما أصل إلى العاصمة. أتمنى أن تكون العاصمة مليئة بالأمور الممتعة.”
“يا للأسف…”
تجهم وجه روان. عضضت شفتيّ، وشعرت بالدموع تعود مجددًا. ضغطت على عينيّ بظهر يدي، فظهر أمامي فجأة منديل أبيض بسيط.
“انسي ذلك الوغد.”
نظرت إلى وجه دانتي القاسي، ولا أدري لمَ شعرت بالرغبة في الضحك.
لمَ يكون المنديل بسيطًا دون أي نقش أو اسم؟ جفت دموعي بسرعة، لكنني أخذت المنديل وسألت دانتي بهدوء:
“…هل تحمل مئة منديل معك؟”
“مستحيل.”
بالطبع، لو حمل مئة منديل، لكان معطفه منتفخًا كما لو كان محشوًا بالقطن.
لكنني سألته لأنه منذ لقائنا الأول، كان دائمًا يعطيني منديله. منديل بسيط خالٍ من النقوش.
عبثت بالمنديل بأصابعي، ثم ابتسمت بمرح وأجبت:
“سأطرز هذا وأعيده إليك.”
“لا داعي لذلك.”
أجاب دانتي بجفاء، فقاطعته روان فجأة:
“فكرة رائعة! الطريق إلى العاصمة ممل، فلمَ لا تطرزين في العربة؟ هل سيكون صعبًا؟”
في العربة؟ رمشت بعينيّ.
“تقصدين أن أطرز بحضرة كلاكما؟”
“ما المشكلة؟”
مالت روان رأسها ببراءة. أمسكت بالمنديل بقوة.
“حسنًا، لا شيء يمنع… لكن…”
ليس هناك ما يمنع. كان لدي خيوط وقماش في حقيبتي، وإبر حياكة وخيوط أيضًا. كنت قادرة على البدء فورًا إن أردت.
لكن ترددي كان لسبب آخر.
‘لقد استأجروني كرفيقة حديث في رحلتهم إلى العاصمة. فهل من المناسب أن أجلس أطرز بصمت؟’
كانت وظيفتي هي إبقاؤهما مستمتعين بالحديث.
‘وكلام إيميل جعلني أقلق أيضًا.’
في الرؤيا، نظر إيميل إلى جثتي وقال:
〈كنتِ دائمًا ممسكة بسلة الحياكة. الآن لن أضطر لرؤية هذا المشهد المزعج بعد الآن.〉
قال إيميل إن منظري وأنا أحيك مزعج.
ربما يشعر هذان الشخصان بالملل إذا رأياني أطرز لساعات دون كلام.
‘التعامل مع الناس صعب. لا أعرف ما يفكرون به.’
خاصة بعد خيانة إيميل و روزيان، أصبحت أخشى أن يكرهني الآخرون.
ظللت أعتصر المنديل بأصابعي وعضضت شفتيّ. ظنت روان أن ترددي بسبب عدم الثقة، فابتسمت وقالت:
“إن كان الأمر يتعلق بمهارتكِ، فلا داعي للقلق. مهارة الآنسة إيفون في التطريز رائعة. كنت أود توظيفكِ كخبيرة في شركتنا.”
عبست حاجبيّ. صحيح أنني واثقة من مهاراتي في التطريز، لكن كل أعمالي تركتها في منزل الكونت كليين.
“هل رأيتِ تطريزي؟”
“نعم؟ حسنًا، هذا…”
اتسعت عينا روان وأظهرت ارتباكًا. تدخل دانتي بصوت جاف:
“العمل الذي يتطلب تركيزًا في العربة مرهق.”
“ما هذا الهراء؟ أنت تقرأ الكتب وتراجع الأوراق في العربة!”
ضحكت روان بسخرية. شددت كتفيّ. القراءة ومراجعة الأوراق ذكرتني بإيميل.
_عادةً ما يُعتقد أن التطريز عمل نسائي يُمارس داخل المنزل، بينما الأعمال الخارجية للرجال.’
إذن، قد يرى دانتي، أن التطريز أمر تافه. أخفضت رأسي وتمتمت بصوت خافت:
“صحيح… مقارنة بمراجعة الأوراق، التطريز…”
في تلك اللحظة، قال دانتي بنبرة صلبة:
“هل مراجعة الأوراق مثل التطريز؟ التطريز أصعب بكثير.”
“ماذا؟”
ذهلت من قوله إن التطريز أصعب، وتجمدت وفمي مفتوح.
ومن المضحك أن روان، التي كانت تجلس مقابلي، تجمدت بنفس التعبير.
بعد لحظات من الذهول، عبست ومدت يدها نحو جبهة دانتي.
“سيادة الدوق، هل أنت مريض حقًا؟ تبدو مختلفًا.”
“ابتعدي.”
تفادى دانتي يدها التي حاولت لمس جبهته.
ضربت روان صدرها بقبضتها، وصاحت بنفاد صبر:
“أقول إنك غريب حقًا! إن كنت مريضًا، قل ذلك. الدواء يعمل بشكل أسرع إذا أخذته مبكرًا.”
“ليس هذا.”
قاطع دانتي كلامها، ثم التفت إليّ وقال:
“إذا شعرتِ بدوخة الطريق، ستتعبين أكثر. توقفي.”
ضحكت فجأة كما لو أن الهواء قد نفد مني.
كان واضحًا لمَ اتدح التطريز ويصفه بالصعب، رغم توبيخ روان له.
كان قلقًا عليّ. لم يرد أن يضع عبئًا إضافيًا عليّ في موقف غير مألوف، أمام أشخاص غرباء.
“أنت حقًا شخص لطيف، سيدي الدوق.”
ابتسمت بهدوء وقلت بصوت خافت.
لكن روان بدت وكأنها رأت صرصورًا. عبس دانتي بانزعاج وسأل:
“لمَ هذا التعبير؟”
هزت روان رأسها، ومررت يدها على شعرها، وتنهدت متمتمة:
“أشفق على الفتاة التي تسمي هذا الرجل السيئ لطيفًا.”
شعرت بالصدق في صوتها وهي تسميه رجلًا سيئًا. مالت رأسي متعجبة.
“لم يمر وقت طويل منذ لقائنا الأول، لكن الدوق كان دائمًا لطيفًا معي. قد تكون نبرته قاسية قليلًا، لكنه دائمًا يراعي وضعي.”
“حسنًا، هذا…”
بدت روان وكأنها ستنفجر للرد، لكنها استسلمت وغرقت في مقعدها.
“حسنًا، فليكن… لنقل إنه كذلك.”
كان واضحًا أنها لم تقتنع. عبس دانتي وسأل بنبرة ساخطة:
“ماذا فعلت لأُعامل هكذا؟”
“نعم، نعم، الدوق اللطيف المتفهم. الأشرار كلهم أنا، أنا.”
ابتسمت بإحراج وتدخلت:
“لا، لا داعي لقول ذلك… لم يفعل لي شيئًا سيئًا. بل على العكس، ساعدني على الهرب من إقليم الكونت كليين.”
“صحيح.”
أومأ دانتي وأضاف:
“والذي تعرض للأذى هو أنا.”
أذى؟ مني؟
اتسعت عيناي كالأرنب.
“أنت تمزح معي، أليس كذلك؟”
ضيّق دانتي عينيه وقال:
“أمزح؟ هل قول الحقيقة مزاحًا؟”
“ليست حقيقة!”
“ما الذي ليس حقيقة؟ سكرتِ في لقائنا الأول، بكيتِ بسبب انفصالك، و…”
“حسنًا، لن أتأثر بكلامك! قد أتفاجأ مرة، لكن ليس مرتين أو ثلاثًا!”
رفعت رأسي بغرور وأصدرت صوت استهجان. ضيّق دانتي عينيه وقال بنبرة جافة:
“وكذبتِ أيضًا. من الواضح هنا من هي الفتاة السيئة.”
التعليقات