كانت روزيان فتاة طموحة منذ البداية. منذ طفولتها المبكرة، وهي تعيش في الأراضي الشرقية الشاسعة، كانت تعتقد أن الرجل الوحيد الذي يناسبها هو إيميل كليين.
‘إميل رائع. وسيم، أنيق، ويتمتع بأخلاق رفيعة.’
في الاتحاد الشرقي، لم تكُن هناك فتاة في سن مناسبة لإيميل سوى روزيان، مما جعل طموحها يبدو قابلًا للتحقيق.
أي، لولا وجود إيفون.
في البداية، ظنت روزيان أن إيفون مجرد فتاة تبنتها عائلة الكونت كليني مرغمة، بدافع الرحمة.
كانت تتوقع أن يتم تزويجها في النهاية لأحد أتباع العائلة عندما يحين الوقت.
لكن مع مرور السنوات، بدأ حلم روزيان بأن تصبح سيدة منزل الكونت كليين يتلاشى.
‘كل هذا بسبب تلك الفتاة، إيفون.’
لو كانت إيفون فتاة طموحة مثلها، لما شعرت روزيان بهذا الظلم. لكن إيفون كانت تبدو وكأنها تركت كل طموح في رحم أمها.
حصلت على منصب سيدة منزل الكونت كليين بالصدفة، دون أن تدرك حتى معنى ذلك.
هذا ما جعل أحشاء روزيان تشتعل غيظًا.
‘ما الذي ينقصني؟ أنا أجمل من إيفون. إيفون لا تعرف حتى ما هي مهام سيدة منزل الكونت!’
لو كان إيميل يعشق إيفون بجنون، لكانت روزيان استسلمت منذ زمن. لكن علاقتهما كانت فاترة، لا حرارة فيها ولا شغف.
‘هذه هي الثغرة.’
لذلك، اقتربت روزيان من إيميل.
〈أليس من الممل اللعب مع فتاة مثلها، إميل؟ أنا مختلفة بعض الشيء.〉
في تلك اللحظة، كانت تتوقع أن يحمر وجه إميل، الشاب الساذج، ويتلعثم حياءً.
لكن عندما حاولت إغواءه، تحول إميل إلى شخص آخر تمامًا.
〈لا أحتاج إلا إلى علاقة عابرة للمتعة.〉
شعرت روزيان بخيبة أمل وإثارة في آن واحد.
‘إنه الرجل المثالي بالنسبة لي.’
وافقت على تلك العلاقة التي لم تكن في صالحها، لأنها أرادت يومًا ما أن ترى إيفون تكتشف علاقتهما وتنهار يأسًا.
وإن اختفت إيفون من تلقاء نفسها، فسيكون ذلك أفضل.
لكن إيفون كانت بطيئة الفهم بشكل محبط.
وفي غضون ذلك، بلغ الاثنان سنًا مناسبًا، وغيرت زوجة الكونت، التي كانت تتجنب إظهار إيفون في المناسبات العامة كما لو كانت مصدر إحراج، موقفها فجأة.
〈ما هذا، سيدتي؟〉
〈دعوة. دعوة لحفل زفاف إيميل وإيفون.〉
〈تجهزان للزفاف بالفعل؟ لقد بدأ الحديث عن الخطوبة للتو!〉
〈إيفون الآن جزء من عائلتنا. سيحضر زفافهما كل قادة الاتحاد الشرقي. يجب أن نعلن ذلك للجميع.〉
كان خبر الخطوبة كافيًا ليُغضبها، فكيف بالزواج الذي يُسارعون به؟
عضت روزيان أظافرها.
‘لا! إذا وصل الأمر إلى هذا الحد، لن أستطيع تغيير الوضع!’
لذلك، هرعت روزيان إلى منزل الكونت. كانت مستعدة لفعل أي شيء لإفساد خطوبة إميل وإيفون.
وجاءت الفرصة أسهل مما توقعت.
〈إيميل؟〉
في يوم كانت تتسكع فيه مع إميل في المكتبة، كالعادة، جاءت إيفون إلى مكتب إيميل في ساعة مبكرة من الفجر.
‘كان التوقيت مثاليًا. لو كان إيميل مستيقظًا، لما استطعت إظهار نفسي لإيفون.’
لكن إيميل كان، على غير عادته، نائمًا بعمق من الإرهاق.
لدرجة أن روزيان، التي كان من المفترض أن تُطرد، ظلت في المكتبة.
بفضل ذلك، استطاعت روزيان أن تسخر من إيفون بلا رحمة. لم تتوقع أن تهرب من المنزل فورًا، لكن…
‘بما أنها اختفت هكذا، لا بد أن زوجة الكونت شعرت بخيبة أمل كبيرة من إيفون. مع الوقت، ستغضب وتقول إنها فتاة لا تعرف الامتنان لمن رباها.’
ظنت روزيان أن زوجة الكونت ستتخلى عن إيفون.
لكن، على عكس توقعاتها، راحت زوجة الكونت تبحث عن إيفون مذعورة.
“يا عزيزي، ابحث أكثر. وإن لزم الأمر، أخبر الاتحاد الشرقي بأكمله.”
“بالطبع، لا تقلقي.”
شعرت روزيان بالارتباك من هذا الوضع غير المتوقع، فقرصت كفها وأجبرت نفسها على البكاء. ثم قالت بنبرة حزينة:
“إيفون، حقًا قاسية جدًا. تجعل الجميع قلقين هكذا…”
التفتت الأنظار إليها. أمسكت روزيان بطرف تنورتها، وتابعت بيأس:
“أقسم بالسماء أنني لم أرتكب شيئًا مخجلًا. مهما قلت لها، لم تستمع، بل هددتني بتهور، والآن هربت!”
‘تخلوا عنها بسرعة. قولوا إنها لا تناسب عائلة الكونت كليين!.’
“من الغريب أن تكون إيفون قد غادرت إقليم الكونت كليين في أقل من يوم بمفردها. مستحيل أن تكون فعلت ذلك لوحدها. ربما كان هناك شخص قرر الهروب معها…”
‘قولوا إنها لا تصلح، وإن خطيبة إيميل يجب أن تكون شخصًا آخر!’
كانت روزيان تحاول جاهدة أن تقنعهم.
لكن عندما رفعت رأسها لتتفقد رد فعلهم، تفاجأت.
“…”
عندما التقت عيناها بعيني زوجة الكونت، انتفضت.
كانت زوجة الكونت بلا تعبير. لكن عينيها المفتوحتان على وسعهما كانتا تلتمعان بنور مخيف، كما لو كانتا نارًا خافتة.
كأنها تقول إن هذا هو هدفها الوحيد.
“هذا ليس مهما. المهم أن إيفون ستصبح زوجة إيميل.”
شعرت روزيان بالقشعريرة. أخفضت رأسها وعضت شفتيها بقوة.
‘ما الذي يحدث؟ لماذا هي مهووسة بتلك الفتاة، إيفون، إلى هذا الحد؟’
في البداية، كانت تكره سلوك إيفون المتحرر.
أليس من المفترض أن تكون فتاة بلا والدين ولا ممتلكات تتوسل لكسب قلب إيميل؟
كلما زارت منزل الكونت كليين، كانت إيفون تزعجها، وكان زوجا الكونت يبدوان غريبين.
لكنها الآن فهمت. لم تكن إيفون هي من خلق هذه العلاقة الغريبة، بل زوجا الكونت هما المسؤولان.
‘هل لدى تلك الفتاة سر لا أعرفه؟ هل هي على وشك أن ترث ثروة هائلة…؟’
أمسكت روزيان بتنورتها بقوة. إذا كان هناك سبب يجعل إيفون هي الخيار الوحيد،
‘جب أن أكتشف هذا السبب.’
غرقت روزيان في أفكار عميقة.
في تلك الظهيرة، عاد إيميل خائبًا مرة أخرى بعد بحثه عن إيفون.
‘ربما هربت إلى مكان أبعد مما توقعت.’
لم يرد الاعتراف بذلك، لكنه بدأ يرى أن كلام روزيان قد يكون صحيحًا. ربما هرب شخص ما مع إيفون.
‘وإلا كيف استطاعت إيفون أن تفعل ذلك بسهولة…’
مهما كان ذلك الشخص، لن يتركه إيميل يموت بسهولة.
أخرج إيميل منديلًا ليمسح يده المبللة، وهو يصر على أسنانه.
في تلك اللحظة، أدرك التغيير الذي حدث.
‘حتى هنا اختفى.’
كان المنديل، الذي كان يحمل الأحرف الأولى من اسمه مطرزة بيد إيفون، مجرد قطعة قماش بيضاء.
شعر إيميل بالرعب وبدأ يفتش غرفته. وشاح إيفون، السترة، القفازات…
‘تحولت كلها إلى خيوط!’
هل هذا ممكن؟ بدا الأمر وكأنه مزحة شريرة. اقترب إيميل من سريره مذهولًا.
كان هناك تحفتها الفنية، عمل تطريز يستغرق السيدات سنوات لإكماله.
كان يصور سفينة تقاوم الأمواج العاتية، لكنه الآن يتدلى كقطعة قماش بيضاء نقية،
كما لو كان يعكس قلب إيفون الذي غادر المكان.
* * *
كانت رحلة العربة طويلة. والأصعب أننا كنا ثلاثتنا نجلس متقابلين، مما جعلني غير قادرة على إخراج فيبي من الحقيبة.
‘لا بد أن فيبي يشعر بالضيق.’
كان فيبي هادئًا في الغالب، لكنه كان يضرب الحقيبة أحيانًا، كما لو أنه لا يطيق الاختناق.
‘أريد إخراجه!’
كان لدي الكثير لأقوله لفيبي. لكنني لم أستطع التحدث معه.
‘دمية حياكة تتكلم ستبدو مشبوهة لأي شخص!’
فظل قيبي محبوسًا في الحقيبة، بينما استمر الوقت معنا نحن الثلاثة.
كانت روان تتفاعل بلطف، لكنها لم تتحدث عن نفسها. أما دانتي، فكان دائمًا مغمض العينين، لا أعرف إن كان نائمًا أم يستمع.
في النهاية، كنت أنا الوحيدة التي تحدثت عن نفسها بإسهاب.
ومن الطبيعي أن ينتهي بي الحديث عن إيميل.
“لذلك، عندما لم أستطع النزول، قال إيميل إنه سيتلقاني، لكننا انتهينا مصابين. هنا، هذه الندبة.”
“يا إلهي، كنتِ طفلة متهورة!”
استمعت روان بلطف لقصصي التي كان يمكن أن تكون مملة.
“إيميل هادئ ولطيف. لم أره يغضب أبدًا.”
لكنني وجدت نفسي أتحدث عن إيميل دائمًا بإيجابية… لاحظت روان، التي كانت تستمع باهتمام، تغير تعبيرها.
“لابد أن خيانته كانت صدمة كبيرة. لحسن الحظ، إذا كان كما وصفتِ، فهو من النوع الذي يمكنه الخيانة دون أن يُكتشف.”
“هذا صحيح… لم أشك في إيميل أبدًا حتى الآن.”
عضضت شفتي بقوة. لولا الحادث، لكنت أكملت خطوبتي مع إيميل دون أن أعرف شيئًا. لكن كان لدي دافع.
‘لقد فتح فيبي عيني.’
التنين اللطيف الذي أراني المستقبل. ضممت الحقيبة التي تحتوي على فيبي بكلتا يدي بقوة.
التعليقات لهذا الفصل " 17"