لقد كان ذلك بسبب زيارة روزيان بعد غياب طويل، التي سلبت أرواح جميع أفراد عائلة كونت كليين.
‘كأنّها تلعب مزحةً مزعجة.’
تذكّر إيميل قبلة روزيان في غرفة الاستقبال، فعبس بين حاجبيه.
رنّ صوت روزيان الناعم في أذنيه.
“ظننتَ أنّني إيفون، أليس كذلك؟”
كانت تعلم جيّدًا أنّ الشخص الذي ينتظره إيميل في غرفة الاستقبال هو إيفون، لكنّها تسلّلت نحوه متظاهرة بأنّها إيفون، حتّى تحدّثت مثله.
“إيميل، أنا في الحقيقةِ…”
عبس إيميل مجدّدًا وهو يتذكّر تلك اللحظة.
روزيان.
كانا في وقت من الأوقات صديقين حميمين يتّفقان في كلّ شيء، لكن مؤخّرًا بدأت تتصرّف بطريقة تزعجه شيئًا فشيئًا، وبعد أن أُعلن زواجه من إيفون رسميًّا، أصبحت تعانده بوقاحة.
‘النّساء تافهات. في البداية كنّ مثيرات للاهتمام، لكن مع الوقت تزداد مطالبهنّ فقط.’
هل إيفون كذلك أيضًا؟
تخيّل إيميل إيفون تتصرّف بأنوثةٍ، ثمّ هزّ رأسه.
لم يرد أن يراها بتلك الصورة لسبب ما.
‘البراءة والوقار هما ما يليقان بإيفون.’
في ذهنه، كانت إيفون دائمًا فتاة أبديّة.
كان يراها في السابق متصنّعة، لكنّها الآن تبدو له محبوبةً جدًّا.
‘ما الذي تَفعلهُ إيفون الآن؟’
فكّر في زيارتها، لكنّه عاد واستلقى على الأريكةِ.
شعر بصداع شديد، كأنّ حشرات تزحف في رأسهِ.
غطّى عينيه بكفّ يده، فأخبره خادم أنّ تحضيرات الحمّام قد انتهت.
خلع إيميل ملابسه التي ارتداها بعشوائيّة.
في تلك اللحظة بالذات.
طق.
سقطت قطعة قماش أكبر قليلًا من كفّ اليد مع صوت خفيف.
لكنّ شيئًا ما بدا غريبًا.
‘بلا نقوش؟’
هل كان لديه منديل بلا نقوش؟
‘كنت أحمل فقط تلك التي طرّزتها إيفون.’
مال رأسهِ باستغراب، لكن لم يجد جوابًا.
انغمس إيميل في حوض الاستحمام.
عندما نزل بعد الاستحمام، كان والداه وروزيان جالسين في غرفة الطعام بالطابق الأوّل.
ابتسم إيميل بلطف وقبّل خدّ والدته.
كعادته، كان الابن الهادئ والحنون.
“هل نمتم جيّدًا؟”
“نعم.”
جلس، فلاحظ المقعد الفارغ نفسه الذي رآه أمس.
تحدّثت زوجة كونت كليين بنبرة قلقة:
“إيفون تتأخّر. هل هي مريضةٌ
مجدّدًا اليوم؟”
بدت السيدة مرتبكة وهي تلتفت حولها.
سأل الكونت، الجالس بهدوء، إيميل:
“كيف كانت إيفون؟”
أطرق إيميل رأسه للسؤال الموجّه إليه.
“…أعتذر، لا أعلم.”
“ألم تزرها أمس؟”
“لا، لم يكن لديّ وقت.”
“إنّها خطيبتك، عليك أن تعتني بها جيّدًا. ستتزوّجان قريبًا.”
كان الكونت محقًّا.
أومأ إيميل برأسهِ.
فجأة، تدخّلت روزيان بنبرة مرحة:
“رأيتُ إيفون تتجوّل عند الفجر. أليس من المحتمل أنّها نامت مجدّدًا ولم تستيقظ؟”
‘روزيان رأتها؟’
تضيّقت عينا إيميل لكلامها.
‘كنتِ معي في المكتبة!’
عندما استيقظ، كانت روزيان لا تزال في المكتبة.
فمتى التقَت بها إذًا؟
ومض شعور سيّئ في ذهنه.
عضّ إيميل شفته.
ضحكت زوجة الكونت، كأنّ قلقها تبدّد، وقالت:
“يا لها من فتاة، تستيقظ عند الفجر. ربّما هي متحمّسة لخطوبتها.”
“من الطبيعيّ أن يشعر أيّ شخص بالحماسِ.”
أومأ الكونت برأسه.
ظلّ إيميل وحيدًا في قلقه، عاجزًا عن الكلام، محدّقًا بالطاولة.
فجأة، اقتحمت خادمة غرفة الطعام راكضة.
كانت خادمة إيفون الخاصّة.
“سيّدتي، سيّدي! لقد حدث أمر جلل!”
“لماذا تتصرّفين بتهوّر؟”
اضطربت زوجة الكونت لرؤية خادمة إيفون.
ربّما شعرت بنذير شؤم في وجهها.
مدّت الخادمة ورقة صغيرة وقالت:
“الآنسة إيفون تركت هذه الرسالة واختفت!”
“ماذا؟”
انتزع الكونت وزوجته الرسالة مصدومَين.
كُتب فيها أنّها غادرت بعد صدمتها من حبّ إيميل وروزيان.
نظرت زوجة الكونت إلى إيميل بوجه شاحب وصرخت بنبرة حادّة:
“إيميل، ما معنى هذا؟ أنت وروزيان عاشقان؟”
“ماذا؟”
عبس إيميل، واتّجهت عيناه الحادّتان نحو روزيان.
‘هل التقَت بإيفون عند الفجر فعلًا؟’
ارتجفت كتفاها عندما التقت عيناهما.
سارعت روزيان للنفي بصوت عالٍ:
“إنّه سوء تفاهم من إيفون بالتأكيدِ!”
جمعت يديها وأظهرت تعبيرًا مؤثّرًا، ودمعت عيناها الكبيرتان كعينَي غزال.
“لقد قالت لي كلامًا غريبًا عدّة مرّات. سألتني إن كنتُ أغوي إيميل، وقالت إنّها لن تسامحني إن لفتّ نظر الكونت الصغير.”
“إيفون؟”
ضحك إيميل ساخرًا من الفكرة.
إيفون تهدّد أحدًا؟
لم يستطع تخيّل ذلك.
صرخت زوجة الكونت في ذهول موجّهة حديثها لروزيان:
“يا إلهي، كان عليكِ أن تخبرينا فورًا إن حدث ذلك!”
كان تأييدًا غامضًا لروزيان، أو ربّما ليس كذلك.
أدركت روزيان أنّ كلامها قد لا يكون في صالحها تمامًا، فأصابها الارتباك وأخذت ترمش بعينيها بسرعة.
ثمّ برّرت بنبرة متردّدة:
“لقد أخبرتُ إيفون مرّات عديدة أنّه سوء فهم. بل واعتذرت لي لاحقًا.”
غيّرت نبرتها فجأة، وبدت منفعلة وهي تلوم إيفون:
“أليس هذا مبالغًا فيه؟ أن تترك رسالة وتختفي دون التحقّق من الحقيقة؟ أنا محبطة حقًا. لم أظنّها فتاة غير مسؤولةٍ لهذه الدرجة. ربّما توقّعت أن تفسد خطوبتها بهذا التصرّف؟”
“هذا…”
‘أنتِ ــ’
“سأنشر الجنود في الإقطاعيّة.”
“‘ضروريّ’ يا إيميل، ضروريّ جدًّا. يجب أن نجدها مهما كلّف الأمر. هل فهمت؟”
أومأ إيميل برأسه بحذر.
لكن، وبشكل مثير للسخرية، لم يعثر على إيفون عندما خرج مع الجنود إلى الإقطاعيّةِ.
ولا حتّى شعرة واحدة من شعرها الفضّيّ اللامع.
بعد الخروج من إقطاعيّة كليين، امتدّت حقول واسعة أمام العين.
لم تكن هناك قرى مرئيّة، لكن قطعان الأغنام والماعز كانت متناثرة هنا وهناك في الحقول.
* * *
“واه!”
كانت المرّة الأولى التي أرى فيها الأغنام والماعز مباشرةً.
التصقتُ بنافذة العربة وأطلقتُ صيحة إعجاب، فضحك راون، الجالس بجانب دانتي مقابلي، وهو يغطّي فمه وقال:
“يبدو أنّها المرّة الأولى التي تخرجين فيها من إقطاعيّة كليين.”
أومأتُ برأسي بقوّة.
“نعم! لقد أوصتني زوجة الكونت مرارًا وتكرارًا ألّا أخرج إلى الخارج أبدًا.”
التعليقات لهذا الفصل " 13"