اليوم الثامن من تربية الأطفال
كان الأخ الأكبر ينظر إلى “لين تشوشيا” وهي تجثو أمامهم بلطف لتعليمهم، وما زالت قبضته الصغيرة مشدودة،
ووجهه الصغير المتجهم يضمر شيئًا في نفسه لكنه لا يبوح به.
كان يريد أن يسألها عن رأيها بكلام تلك المرأة الشريرة قبل قليل، لكن ما إن وصل الكلام إلى طرف لسانه،
حتى لم يعد يعرف ماذا يتوقع منها أن تقول.
“لين تشوشيا” كانت تعلم أن “لين تشيو شوانغ” قد عادت إلى الحياة، لكنها لم تكن تنوي مواجهة مباشرة معها الآن حتى لا تثير شكوكًا حول عودتها هي أيضًا.
فبحسب معرفتها بـ”لين تشيو شوانغ” (من خلال ذكريات الجسد والرواية الأصلية)، فإن الأخيرة إذا شعرت بأن هناك أمرًا غير طبيعي، فلن تتردد في المبادرة بالهجوم.
أما “لين تشوشيا”، فلا تزال ترغب في تعليم الأطفال الصغار الثلاثة، هؤلاء الأشرار الظرفاء
تربية حسنة، فهؤلاء الأطفال الأذكياء يمكن أن يضمنوا لها حياة تقاعد مريحة وسعيدة في المستقبل.
قالت بلطف وهي تلمس رؤوسهم واحدًا تلو الآخر:
“حسنًا، يا صغاري الأحباب، هيا نذهب لقطف الخضار. على الغداء سنأكل أرزًا بالنقانق، ما رأيكم؟”
وبدت عليها أمومة متألقة، لامعة تحت ضوء الشمس.
عندما سمع الأخ الأكبر “يا صغيري الحبيب” بنبرتها الناعمة، احمرت أذناه، وتجهم وجهه الطفولي بشكل محرج، وأدار رأسه نحو الجانب الآخر خجلًا.
“المرأة الشريرة… لا تجيد إلا التلاعب بي.”
أما الثاني، فقد رفع رأسه وعيناه الكبيرتان السوداوان تلمعان بالنور وهو ينظر إليها.
والثالث، فقد أمسك بطرف ثوب “لين تشوشيا” بخجل، وعلى شفتيه ابتسامة حياء صغيرة.
نهضت وأخذت الصغار الثلاثة إلى الحديقة. المشي الكثير يعدّ نوعًا من الرياضة، والتغذية الجيدة مع الحركة ستجعل أجسامهم قوية وصحية.
في قطف وغسل الخضار، كان الأطفال الثلاثة مجتهدين جدًا، وأيديهم الصغيرة كادت تسقط بهم في الحديقة كلما حاولوا اقتلاع نبات.
وعندما ذهبوا لغسل الخضار، كانت أقدامهم ممتلئة بالطين، فحملتهم “لين تشوشيا” وأدخلتهم في الماء ليغسلوا أرجلهم ويمرحوا، يضحكون بفرح.
ثم بدأت بطهي الطعام. قطّعت النقانق إلى شرائح رقيقة ووضعتها على الأرز لتُطهى معه. وما إن نضج،
حتى انتشرت رائحته الشهية في المكان، وجعلت الأطفال الثلاثة يهزون أرجلهم الصغيرة بفرح.
في قلوبهم قالوا:
في الواقع… لو استمرت المرأة الشريرة على هذا الحال، فهي… جيدة.
اجتمعوا برؤوسهم الصغيرات وهمسوا لبعضهم البعض بأسرارهم، ودار موضوعهم حول “لين تشوشيا”. وكان للأخ الأكبر الكلمة الأولى، باعتباره القائد.
قال وهو يتجهم:
“هي بالتأكيد تظاهرنا بأنها طيبة، وستستغل غفلتنا لتؤذينا لاحقًا.”
لم يرد أن يعترف بأنه تأثر بلطفها، فتعمد أن يُخرج صوته الطفولي بصوت غاضب حتى لا يبدو ضعيفًا.
أما الثاني، الحنون واللطيف، فقد نظر نحو “لين تشوشيا” وهي تطهو وقال:
“ربما… ربما، هي حقًا بدأت تتغير؟ ربما خُدعت من قبل تلك الشريرة، ابنة عمها.”
ولأنه في الرابعة من عمره، ولم يعانِ بعد من الأذى والمرارة التي عرفها الآخرون، فقد رأى في “لين تشوشيا” تغييرًا حقيقيًا.
باتوا لا يُضربون، لا يجوعون، وهناك من يرعاهم ويحميهم…
أما الثالث، الخجول الضعيف، فقد فكّر فقط في عصيدة البطاطا الحلوة وأرز النقانق، وابتلع ريقه بشغف…
فجأة، جاء صوت “لين تشوشيا” بلهجة آمرة:
“الغداء جاهز، هيا اغسلوا أيديكم!”
فرفع الثلاثة رؤوسهم، وهبطوا عن الكرسي وركضوا بأرجلهم الصغيرة نحوها.
قالوا بصوتهم الطفولي الرقيق:
“قادمين!”
كانت لهجتهم مليئة بالبهجة العفوية، دون أن يلاحظوا أنهم تخلّوا عن حذرهم السابق.
خصوصًا الأخ الأكبر الذي ظل يظن أن تجهمه يجعله مرعبًا ومهاجمًا، وأن “لين تشوشيا” تخاف من قوته الطفولية.
ابتسمت “لين تشوشيا” بلطف وهي تساعدهم على غسل أيديهم الصغيرة، تغسلها بعناية تامة.
…
بينما كانت “لين تشوشيا” وأطفالها الثلاثة يستمتعون بغداء دافئ، كان منزل العمة المجاورة يعجّ بالمشكلات.
عم “شي جينغ مينغ” اسمه “شي وانغ”، وقد أرادوا في الأصل تسميته “شي وانغي” (بمعنى الازدهار)،
لكن كاتب السجلات أخطأ وكتب “وانغ” بمعنى “نُباح”، فتحوّل الاسم إلى “شي الكلب”.
ومنذ ذلك الحين، صار يُعرف في القرية باسم “كلب”، وزوجته “زوجة الكلب”.
لكن بما أن كثيرين في القرية يحملون أسماء مثل “بيضة الكلب” و”بقيّة الكلب”، لم يجد أحد الأمر غريبًا.
كانت “زوجة الكلب” قد تعرّضت للدغة أفعى منتصف الليلة السابقة، فبقيت في البيت صباح اليوم التالي للراحة،
خشية أن تسوء حالتها.
لكن عندما عاد أهل البيت من العمل في الحقل، وجدوا أنها لم تفعل شيئًا: لا غسل ملابس، لا طهي، لا تنظيف، لا حتى إطعام الدجاج.
قالت كنتها الكبرى بغضب:
“أمي! ما الذي كنتِ تفعلينه هنا؟ لم تفعلي شيئًا! نحن نكافح في الحقول!”
ردّت “زوجة الكلب” غاضبة:
“في الحقل؟ ومن لا يعمل في الحقل؟ أنا تعرّضت للدغة أفعى وكدت أموت! أيتها العاقة، هل تأملين بموتي؟”
“أمي، كانت مجرد لدغة بسيطة، ذهبتِ إلى الطبيب وقال إنها ليست مشكلة كبيرة.”
قالت الكنة الكبرى وهي ترفع عينيها سخرية. كانت مستاءة لأن حماتها تتهرب من العمل، والتعب قد أنهكها.
شعرت “زوجة الكلب” بالغضب من كلمات كنتها، وفكرت في النميمة التي سمعتها صباحًا، ففقدت أعصابها.
صرخت في ابنها:
“قوه آن، هذه هي زوجتك؟ تجرؤ على شتمي أمامك؟”
فقال “شي قوه آن” بانزعاج:
“أمي تعرضتِ للأذى، وقد ربتنا بتعب. كيف يمكنكِ الردّ عليها هكذا؟”
لكن الكنة الثانية لم تحتمل، فقالت:
“لا، لا يا أخي. نحن نعمل في الشمس طوال اليوم، وعند العودة لا نجد طعامًا.
إن كانت ترى الطهي والتنظيف صعبًا، فسأبقى غدًا في البيت وأقوم بكل شيء.”
وهي أيضًا كانت غاضبة من تكاسل حماتها، ولولا مكانتها كحماة، لكانت ضربتها بالمكنسة منذ زمن.
“زوجة الكلب”، التي كانت متفاخرة لأن ابنها وقف بجانبها، فقدت أعصابها مجددًا حين سمعت كلام الكنة الثانية،
فصفعتها بقوة على وجهها.
“طرااخ!”
ساد الصمت.
فتحت الكنة الثانية عينيها من الدهشة، وامتلأ وجهها بالغضب:
“صفعتني؟؟؟ أيتها الكسولة؟!”
وتقدمت بسرعة ودفعَتها، ثم التفتت وضربت زوجها على وجهه:
“يا عديم الفائدة! ترى زوجتك تُضرب وتقف تتفرج؟!”
لم تكن تخاف من بيت “شي”، فقد أنجبت لهم أول حفيد، وعائلتها قوية. إن أغضبها أحد،
فإنها ستفتعل المشاكل ولن تُبقي لهم راحة.
ثم…
حملت ابنها واستعدت للذهاب إلى بيت أهلها. كلما فكرت، زاد غضبها. في حالة الغضب، المنطق يختفي.
لكن قبل أن تخرج، أوقفها زوجها قائلًا:
“زوجتي، لا تفعلي هذا، عودي إلى البيت، أرجوكِ، لا تغضبي.”
أهل القرية الذين مرّوا وقت الغداء، سمعوا كل شيء وقالوا:
“آه، آل شي يتشاجرون مجددًا؟ مسرحية جديدة كل يوم!”
وبعض الفضوليين قالوا:
“يا جماعة، أنتم عائلة واحدة، لا داعي للشجار.”
لكنهم لم يكونوا حقًا ينصحون، بل فقط أرادوا سماع المزيد.
وفي ذلك الوقت، كانت “لين تشوشيا” وأطفالها الثلاثة قد أنهوا غداءهم، فسمعوا الضجيج،
ووجّهوا رؤوسهم نحو الباب، لكن لم يتمكنوا من رؤية ما يحدث.
قالت “لين تشوشيا” بحماسة:
“هيا، لنذهب ونرى ما يحدث.”
خصوصًا أنها سمعت صوت تلك “العمة المزعجة”، وتساءلت: كيف هي الآن بعد أن لدغتها الأفعى؟
لكن في نظر الأطفال الثلاثة، كان تصرفها ضربًا من الجنون.
فقد ضُرب رأسها بالأمس… بالتأكيد أصيبت في عقلها!
مدّ الأخ الأكبر يده الصغيرة، وأمسك بثوبها بحزم، ووجهه الصغير متجهم، وقال بصوت طفولي غاضب:
“لا تذهبي.”
“هم؟ لماذا؟”
قالت “لين تشوشيا” باستغراب. لم تكن تعتقد أن عليها أن تحبس نفسها في بيت طوال الوقت في هذا العصر الغريب، فهي أيضًا بحاجة للترفيه.
قال ببرود:
“هنّ شريرات.”
قالها بصوته الصغير، الجاد، وكأنه قائد حازم، مما جعل “لين تشوشيا” تضحك.
قالت:
“كنت أعلم أن أخ الكبير يهتم بأمه، أليس كذلك؟”
ثم احتضنته وهي تبتسم بلطف.
قال محمر الوجه:
“أنا، أنا، أنا لا أهتم!”
ونفخ وجنتيه بعناد.
“لين تشوشيا” لم تُصر على الاعتراف، بل حملته بذراع، ومدّت الأخرى لتدعو الأخوين الآخرين، وتسللوا معًا خلف الباب يراقبون المنزل المجاور.
أما الأخ الأكبر، فقد بدأ يرفس:
“لماذا تحمليـ ـني؟ أنا أخوهم الكبير!”
وفي نفسه قال:
ولا تناديني بالأخ الأكبر… لدي اسم… اسمي هو “شي هونغتشو”!
همف! المرأة الشريرة أ
كيد لا تتذكر اسمه!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يـــــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 8"