اليوم السادس من تربية الأطفال
ملأت “لين تشوشيا” الملعقة ووضعت في كل وعاء أمام كل من الصغار الثلاثة كمية وافرة من الأرز مع البطاطا الحلوة والنقانق.
حين تسللت رائحة النقانق الشهية إلى أنوفهم، لم يكونوا بحاجة إلى أي دعوة منها، فقد خطفت رائحة اللحم الزكية انتباههم تمامًا،
لدرجة أن المكعب السحري الجديد في أيديهم لم يعد يثير اهتمامهم.
ثلاث عيون كبيرة سوداء لامعة ثبتت نظراتها على أوعية الأرز أمامهم، استنشقوا رائحة اللحم دفعة واحدة، وكاد لعابهم أن يسيل غزارة.
“هيا نأكل.”
مع أمر “لين تشوشيا”، أسرع الصغار الثلاثة يمسكون بالملعقة بأيديهم الصغيرة، وكل واحد منهم يضع ملعقة كبيرة في فمه.
شرائح النقانق القليلة وضعوها جانبًا، يحدقون بها كمن يكتفي بالنظر إلى الخوخ لإرواء عطشه، غير راغبين في أكلها.
قالت “لين تشوشيا” وهي تلاحظ ترددهم:
“إن أكلتم النقانق في هذه الوجبة، فهناك نقانق في الوجبة التالية أيضًا.
أما إذا لم تأكلوها، فستكون الوجبة التالية أقل بخمس أو ست شرائح نقانق.”
عند سماع هذه الكلمات، تبادل الصغار الثلاثة النظرات، وفي داخلهم فكروا: في الواقع، لا بأس إن لم آكل الكثير، لا مشكلة…
كانوا يعلمون أن الأسرة فقيرة، وحتى وجود النقانق على المائدة هو أمر نادر.
كما أن الشرائح رقيقة جدًا وقليلة، فإذا أكلها أحدهم، فربما لا يتبقى شيء للأخوة.
لين تشوشيا:
(…لقد أخطأت التقدير. لم أكن أعلم أنهم مترابطون إلى هذا الحد.)
“كلوا، كلكم يجب أن تأكلوا. وإن لم تفعلوا، فسوف آكل أنا النقانق المتبقية بنفسي.”
بمجرد أن غيّرت طريقتها،
أسرع الثلاثة “أووووو” وكل واحد منهم وضع قطعة في فمه مباشرة.
لين تشوشيا:
(…يبدو أن هؤلاء الأشرار الصغار بحاجة إلى إعادة تأهيل شاملة.)
فكّرت مليًا، كيف أصبحوا أشرارًا في المستقبل؟ الثاني أصبح مسؤولًا كبيرًا يغطي على زعيم المافيا،
والثالث أصبح عالمًا يجري تجارب على البشر. وفي النهاية، تم الإطاحة بهم جميعًا على يد أبطال العدالة.
لا، لا يجوز أن يحدث هذا. عليها أن تزرع فيهم قيم العمل، حب الوطن، والطيبة منذ الآن…
وأول خطوة؟ بعد الأكل، يجب أن يغسلوا الأطباق. الترابط الأخوي جيد، لكن يجب أن يشمل “ماما” أيضًا.
وبوصفها البالغة الوحيدة هنا، ومع كون الأطفال في سنّ يتشكل فيه الوعي، نظرت إليهم بابتسامة مليئة بالحنان وسألت:
“هل طعمه لذيذ؟”
بلهجة كأنها “الجدّة الذئب”، لم يشعر “ذئابها الثلاثة” بشيء غريب، كانت أفواههم مليئة برائحة اللحم،
وهزوا رؤوسهم بحماس مثل الكتاكيت:
“نعم نعم، لذيذ، لذيذ!”
بعد أن أكلوا وعاء ونصف من الأرز، أصبحت بطونهم ممتلئة ومنتفخة، واتكأوا على ظهور الكراسي الصغيرة،
يداعبون بطونهم المستديرة الصغيرة، والابتسامة الراضية مرسومة على وجوههم.
قالت “لين تشوشيا” بابتسامة:
“لا يزال لدى ماما مكعبان سحريان آخران، هدية لولدنا الكبير والثاني والثالث.”
وحين رأت مدى سعادتهم لمجرد وجبة مشبعة، أخرجت المكعبين الآخرين ولوّحت بهما أمامهم.
“من يناديني بـ‘ماما’، سأعطيه واحدة.”
نظرت إلى الكبير المتكبر والخجول، والثاني الحنون، والثالث الخائف والمطيع. وضعت أحد المكعبين أمام الثاني وأغرتْه.
الكبير عنيد ولن يرضى أن يُذلّ نفسه أمام أخويه، لكن الثاني مختلف، لأنه يفكر بأخيه الصغير، وسيقبل لأجله.
وفعلًا، لم تمر ثانيتان حتى قال الثاني بصوته الطفولي الناعم:
“ماما.”
اتسعت عينا الأخ الكبير فورًا ونظر إلى “الخائن”، كيف يجرؤ على الاستسلام للمرأة الشريرة؟
قبل أن يتكلم، كانت “لين تشوشيا” قد ابتسمت بهدوء وسلمت المكعب الثاني إلى يديه،
ثم ربتت على رأسه بلطف وقالت:
“أحسنت يا ثاني.”
ولم يُظهر أي ردة فعل، فقط أخذ المكعب ووضعه في يد أخيه الصغير، لأنه يعلم أن الأخير لا يزال خائفًا من هذه “المرأة الشريرة”.
الكبير ظلّ صامتًا للحظة، ثم أعطى مكعبه للثاني أيضًا. باعتباره الأخ الأكبر، فقد لعب بالمكعب طويلًا،
ولم يجد فيه شيئًا مميزًا… في الواقع، لم يكن ممتعًا جدًا.
وجهه الصغير كان جامدًا، لكن يده الصغيرة كانت تمسح ملابسه بخجل. هو… هو لم يكن يحبه أصلًا…
أما الثالث، فنظر إلى المكعب بين يديه، ثم إلى وجه أخيه الأكبر، ورفع رأسه لينظر إلى “لين تشوشيا”.
كانت “لين تشوشيا” تبتسم له بحنان وتحمل المكعب الثالث في يدها دون استعجاله.
توتر الثالث وخفق قلبه سريعًا، وبدأ يتنفس بقلق.
عندها، تقدم الكبير بسرعة، وأمسك بـ”لين تشوشيا”،
وقال بصوت طفولي متماسك:
“أنتِ… أنتِ… لا تخيفيه… أنا، أنا… سأناديكِ.”
بصفته الأخ الأكبر، يجب أن يحمي أخويه. “المرأة الشريرة” تحب إيذاء الآخرين.
كلامه جعل “لين تشوشيا” ترفع حاجبها بسعادة، وقالت ممازحة:
“لكن أنا أريد أن أسمع الثالث يناديني ماما، ماذا أفعل الآن؟”
تجمّدت نظرة الكبير وشعر بالحزن، نظر إليها بعينيه السوداوين وكأنه يسألها: وماذا عني أنا؟
وقبل أن يفهم مشاعره، حملته “لين تشوشيا” وضحكت قائلة:
“كبيري اللطيف، كم أنت ظريف!”
فجأة، شعر بأنه يسخر منها، فانتفخت وجنتاه وأدار وجهه بعيدًا محاولًا الإفلات من حضنها.
وفجأة، قال الثالث بصوت خجول وضعيف:
“ماما.”
توقفت كل الحركات، ونظرت “لين تشوشيا” والكبير إليه بدهشة، ثم ناولته المكعب الثالث. عندها،
انتهز الأخ الكبير الفرصة وتحرر من حضن “المرأة الشريرة”.
ضحك الثالث بخجل، وأمسك بالمكعب بكلتا يديه، ثم قدّمه لأخيه الكبير بابتسامة:
“واحد لكل واحد.”
جلس الثلاثة معًا يلعبون بالمكعبات، على الكراسي الصغيرة، يناقشون كيفية جعل الأوجه الستة ألوانًا موحدة.
أما “لين تشوشيا”، فجمعت الصحون وملأتها بالماء، ثم خرجت إلى الجدول القريب لتغسلها.
هذا الجدول تم حفره بالديناميت في أوائل تأسيس الدولة، ليصل ماء الجبل إلى القرية. بعد المطر،
يتحول إلى نبع صافٍ. وعلى جانبيه، تنمو أشجار الصابون الطبيعي.
قالت “لين تشوشيا”:
“أطفالي الصغار، من لا يأتي معي لغسل الصحون، سأأخذ منه المكعب!”
رفع الصغار رؤوسهم بنظرات مترددة إلى مكعباتهم، ووضعوها ببطء على الطاولة الصغيرة،
ثم خطوا بخطى قصيرة خلفها.
في هذا الوقت، كان الكبار يعملون في الحقول، والفتيات الصغيرات يغسلن الملابس في الجدول.
لم تكن هناك معرفة سابقة بينهن وبين “لين تشوشيا”، فلم يحيينها.
قالت للأطفال أن ينتظروها هنا، فملأت الحوض بالماء، ووضعته على صفيحة حجرية، وقطفت ثمرتي صابون،
ثم قالت:
“من أكل، عليه أن يغسل. سنرى من يغسل بسرعة ونظافة أكثر!”
قفز الكبير فورًا ليشارك، وأراد إثبات أنه أسرع وأنظف منها. تبعه الثاني والثالث بسرعة، ومدّوا أيديهم الصغيرة في الماء،
وقلّدوا “لين تشوشيا” في فرك الصحون.
حين بدأت الرغوة، نسيوا أنهم كانوا يغسلون، وبدأوا باللعب والضحك، ثم شطفوا الصحون مرتين بالماء، وانتهوا من المهمة.
حملت “لين تشوشيا” الحوض مع الأطفال إلى البيت، واستعدت لتنظيف غرفتهم.
بدأت بمسح خيوط العنكبوت بالمكنسة، ثم جمعت الملابس المتسخة في دلو لغسلها، أما الملابس البالية، فقررت استخدامها كممسحات.
كان الأطفال يلعبون بالمكعبات، لكن أعينهم بين الحين والآخر تتابع “لين تشوشيا”، وهي تنظف بنشاط، مما منحهم شعورًا بالأمان.
نظر الثالث، الذي كان أكثرهم ليونة، إلى “المرأة الشريرة” وهي تعمل، وتوقف عن اللعب،
وبدأ يشعر بنوع من النسيان للأذى الذي سببته له سابقًا.
تأثر الثاني والكبير بسلوكه، وتوقفوا عن اللعب أيضًا، ونظروا إليها… هذه المرأة الشريرة، هل يمكن… أنها… تغيّرت فعلًا؟
لا، لا يمكن أن نُخدع بهذه السهولة.
هو الأخ الأكبر، ويجب أن يحمي إخوته، وإن تجرأت هذه المرأة على أذيتهم… فإن قبضته وأسَنانه ليست للمزاح!
شدّ قبضته في صمت، وشجّع نفسه، عليه أن يبقى يقظًا.
وفي أثناء شرودهم، كانت “لين تشوشيا” قد أخرجت دلوًا مليئًا بالملابس، وتركت الملابس البالية في دلو آخر،
قررت التخلص منها، فهي بالية وممزقة، ولديها ما يكفي في سوبرماركتها من المناشف والمماسح.
قالت بحماس:
“هيا، إلى غسل الملابس مع ماما!”
ثم سكبت الملابس البالية،
وأخذت الملابس النظيفة مع ملابس البارحة إلى الجدول.
أما الأطفال الثلاثة، فأولاد يجيدون الأعمال المنزلية هم الأكثر وسامة! وهي تؤمن أن “صغارها الأشرار” أذكياء بما يكفي لإتقان غسل الصحون والملابس!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــ
يـــــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل
وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 6"