ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اليوم الخامس من تربية الأطفال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فورًا، لوّحت “لين تشوشيا” بيدها نحو الصغار الثلاثة المشاكسين، ونظرًا لطريقتها الغامضة والجذابة، فقد نجحت في لفت أنظارهم وإثارة فضولهم.
بدأت تتحرك بخطى بطيئة نحوهم، دون أن تأبه بتحفّظهم وتيقّظهم، فكما يُقال، “روما لم تُبنَ في يوم واحد”، وكانت تعلم أن عليها تحمل عبء أخطاء “المالكة السابقة” لهذا الجسد.
يا لها من معاناة…
وأخيرًا، حين وقف الصغار الثلاثة أمامها، فتحت “لين تشوشيا” الصندوق الخشبي الصغير،
والذي احتوى على مستلزمات النظافة: فرشاة أسنان، معجون، منشفة، شامبو، أكواب صغيرة… إلخ.
جميعها أشياء تُستخدم في المنزل.
مدّت “لين تشوشيا” يدها ولمست تلك الأشياء بارتجاف خفيف، ثم رفعت رأسها تنظر للصغار الثلاثة بعينين يغمرهما الحنين
والشفقة، وابتسامة دافئة تزين وجهها، قائلة بنعومة:
“حين عرفت أنني سأتزوج والدكم، فرحت كثيرًا، وخبأت بعض المال سرًا لشراء هدايا لكم.”
تُضيف هذه العبارة بشكل تمهيدي، مع أن “المالكة السابقة” للجسد كانت قد خبأت مال المصروف الذي أعطاه لها “شي جينغ مينغ”،
علمًا منه بأن الزوجة الجديدة لا تملك المال لتربية الأطفال، فترك لها راتبه وبعض المعونات.
وقد خَبَأت المال في أحد أركان الغرفة المظلمة، حتى تبدو كأنها تذهب إلى متجر التوزيع في البلدة لتشتري، بينما هي في الحقيقة تستبدله من السوبرماركت. خطة مثالية!
“كل هذا بسبب ابنة عمّي، فهي دائمًا تزورنا وتتكلم عنكم بالسوء، ووالدكم رحل منذ بداية الزواج، مما جعل قلبي يتألم…”
الآن وقد لم تعد “لين تشوشيا” مضطرة للتمثيل، بدأت تتصرف على سجيتها، وأخذت تؤدي مشاهدها ببراعة. ولحسن حظها، كان الأطفال الثلاثة صغارًا للغاية ليعرفوا ما إذا كانت صادقة أم لا.
استمع الصغار الثلاثة لحديثها دون أن يعرفوا كيف يردّون. نظروا إلى الأكواب الصغيرة، فرش الأسنان، المعجون، المناشف… وتذكروا ما قالته “لين تشوشيا”.
في النهاية، كل اللوم يقع على هذه المرأة السيئة وابنة عمّها، مع أن ابنة العمّ أكثر سوءًا…
قالت “لين تشوشيا” برقة وحرص:
“تعالوا، ماما ستعلمكم كيف تغسلون أسنانكم. سمعت أن من لا يغسل أسنانه، سيعاني من رائحة فم كريهة ويكرهه الجميع.”
قالت ذلك بنبرة مبالغ فيها لكنها محملة بالدفء والاهتمام، ثم قادتهم إلى المطبخ الخارجي.
بالطبع، لم تنسَ أن تحضر أدواتها الخاصة أيضًا.
وفور سماعهم أن عدم غسل الأسنان يؤدي إلى رائحة كريهة، أسرع الصغار الثلاثة بالإمساك بأكوابهم وفرشاتهم.
فهم لا يريدون أن تكون رائحتهم كريهة.
لا يزال هناك ماء تم جلبه من البئر ليلة البارحة. جلست “لين تشوشيا” معهم على الأرض،
وبدأت تعلمهم كيفية تنظيف أسنانهم يدًا بيد. للحظة، عمّت الأجواء دفءً ومرحًا غير متوقعين.
قالت وهي تشرح لهم:
“أولاً تمضمضوا قليلًا ثم ابصقوا، بعد ذلك حركوا الفرشاة هكذا…”
وكانت نكهة معجون الأسنان حلوة، حتى إن أحد الأطفال ابتلع بعضه. ومع تكرار تحذيرات “لين تشوشيا”، بدأوا يتعلمون.
ونظرًا لأن أعمارهم لا تتجاوز الخمس سنوات، لم تجرؤ على تكليفهم بأعمال خطيرة مثل تقطيع البطاطا الحلوة أو إشعال النار.
لذا، كان عليها الذهاب لجلب الماء من البئر بنفسها.
قالت وهي تنظم جلوسهم على الكراسي الصغيرة:
“ماما ستذهب لجلب الماء، كونوا جيدين واجلسوا هنا.”
أومأ الثاني برأسه بلطف، بينما بقي الثالث صامتًا ينظر إلى الطاولة أمامه، أما الأكبر فانتفخت وجنتاه وهو يدير رأسه إلى الجهة الأخرى، وكأنه لا يريد التحدث معها.
خرجت مرة أخرى حاملة دلو الماء، وعلى الطريق المؤدي للبئر، التقت ببعض أهل القرية. نظر بعضهم إلى الضمادة على رأسها واعتقدوا أنها قطعة قماش ممزقة من ملابسها.
آه، لقد سمعوا بما حدث البارحة. كانوا يظنون أن هذه العروس الجديدة في بيت “شي” كانت مسكينة
(تعرضت للإساءة من كبار العائلة)، لكنها كانت قاسية أيضًا (أساءت إلى أبناء “شي جينغ مينغ”).
قال أحدهم:
“أوه، زوجة “جينغ مينغ”، ذاهبة لجلب الماء؟”
وأضافت امرأة أخرى:
“هل سمعتي؟ بيت عمتك حدث فيه شيء كبير البارحة.”
“أليس كذلك؟ سمعت أنها تعرّضت للدغة أفعى! أنا أسكن بجوارهم، وسمعت صراخًا ونحيبًا في منتصف الليل!”
كانوا يحيّون “لين تشوشيا”، ثم بدأوا بالخوض في أحاديث النميمة الخاصة بالقرية.
أظهرت “لين تشوشيا” ملامح الصدمة والقلق، وقالت:
“أفعى؟ هل ما زال هناك أفاعي؟”
ردّت العجوز باستغراب:
“هذا طبيعي، فنحن نعيش عند سفح الجبل.”
ثم تذكرت شيئًا وسألتها:
“بالمناسبة، هل رأيتِ عمتك عندما لُدغت؟ أليس هذا مريحًا قليلًا؟”
علمت “لين تشوشيا” أن العجوز تشير إلى ما حدث البارحة، حين دفعتها عمتها، فمسّت جبينها بلا وعي وقالت:
“يا خالتي، أخبريني، هل تأذّت بشدة؟”
ردّت العجوز باستهزاء:
“تبًا، لم تتأذَ، لكنها نُقلت ليلاً إلى بيت الحكيم في القرية…”
ردّت “لين تشوشيا” بهدوء:
“أوه؟ إذًا لم يحدث شيء خطير؟”
ثم تنهدت في سرها:
ياللأسف، كنت أظن أن لدغة الأفعى قد تسفر عن نتيجة قاتلة…
—
نبذة عن عائلة “شي جينغ مينغ” (والد الأطفال الثلاثة):
ولد “شي جينغ مينغ” في العائلة الكبرى. توفيت والدته أثناء ولادته، ورفض والده الزواج مرة أخرى،
لكنه كان يعامله بقسوة. لذلك، لم تكن العائلة الكبيرة تحبهم كثيرًا.
عندما كان في السابعة أو الثامنة، توفي والده، واضطر بيت العائلة الثانية لتقديم القليل من الطعام لتربيته حتى بلغ الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة.
لكن ذلك لم يكن مجانًا، فقد كان يقوم بكل أعمال المنزل والحقل، كأنه مجرد عامل لديهم.
ثم التحق “شي جينغ مينغ” بالجيش، وأرسل المال إليهم لاحقًا، كعرفان للسنوات القليلة التي قضوها في “تربيته”.
اعتقدت العائلة الثانية أن راتبه وتعويضاته يجب أن تُخصص لإعالتهم، لكن فجأة، عاد ومعه ثلاثة أطفال،
ثم تزوج من امرأة جديدة. كان الأمر كما لو أن خنزيرة عجوزة ارتدت حمالة صدر… عذرًا، سلسلة من المفاجآت.
لم يعطِهم وقتًا ليردوا الفعل. لذا، بدأوا بالتردد على بيته لإثارة المتاعب، وكادوا يتسببون في موت شخص.
بعد تلك الليلة، تعرّضت العمة للدغة أفعى، وأخذت تصرخ وتبكي، لكنها لم تشك أبدًا بـ”لين تشوشيا”.
كانت تشك أن زوجة ابنها تكرهها، وربما وضعت الأفعى عمدًا، خاصة وأنها تعرف أن من يستطيع إيذاء “لين تشوشيا” بتلك الطريقة، قد يفعل الشيء نفسه معها.
زوجات أبنائها في المنزل أيضًا غير راضيات عنها، وأحيانًا يتجادل الأبناء معها بسببهن، مما يزيد غضبها، لكنها تُظهر “جبهة موحدة” فقط أمام عائلة “شي جينغ مينغ”.
عادت العمة من زيارة الطبيب وبدأت بإثارة الفوضى في المنزل، حتى كادت تفتعل معركة. لذلك انتشرت الأخبار في القرية بسرعة البرق.
أما “لين تشوشيا”، فلم تهتم بالأمر، بل حملت الدلو وحاولت جلب الماء بنفسها من البئر، لكنها فشلت.
فساعدتها امرأة شابة من أهل القرية تُدعى “يونشيانغ”.
قالت لها مبتسمة بإعجاب:
“أنتِ بارعة يا “يونشيانغ”!”
وكانت نظرات الإعجاب في عينيها لامعة، مما جعل الشابة تحمرّ خجلًا.
ردّت بهمس خجول:
“لست بارعة جدًا…”
وكانت شابة جديدة في القرية، لا تعرف الجميع بعد، ورأت في “لين تشوشيا” نقطة انطلاق جيدة لبناء علاقات.
وبسبب لسان “لين تشوشيا” الحلو، كادت “يونشيانغ” تطلق عليها لقب “أختي المقرّبة”.
—
بعد أن عادت ومعها نصف دلو ماء، رأت الصغار الثلاثة جالسين على الكراسي الصغيرة ببراءة وهدوء.
فابتسمت لهم بحنان وقالت:
“ماما رجعت.”
رفع الأطفال رؤوسهم، ونظروا إلى “لين تشوشيا” وهي تجرّ الدلو بصعوبة. كان واضحًا أنها تعاني.
نظروا إلى أيديهم الصغيرة، مترددين في قول شيء، فرأتهم وأخرجت ثلاثة أو أربعة حبات من البطاطا الحلوة وقالت:
“ماما ستذهب لغسل البطاطا، هل تريدون الذهاب معي؟”
والآن بعد أن جرّبت مشقة جلب الماء، لم تكن ترغب بغسل البطاطا في البيت، فهي متسخة جدًا، وتحتاج لتغيير الماء مرتين أو ثلاث.
كانت تنوي الذهاب وحدها، لكن رؤيتها للأطفال يجلسون بهدوء بانتظارها جعل قلبها يرقّ قليلًا.
رفعوا رؤوسهم ونظروا إليها بأعين واسعة ساطعة، لكنهم هزّوا رؤوسهم رفضًا.
“جدول الماء؟” لا، لا يريدون، فالمرأة السيئة ربما تحاول دفعهم فيه.
لم تفكّر كثيرًا، ذهبت وغسلت البطاطا والخضار معًا، ثم عادت.
ثم، بذريعة الذهاب لإحضار الحبوب، دخلت غرفتها،
وأحضرت بعض النقانق من “سوبرماركتها الصغير”، وقررت إضافتها للعصيدة.
رأت الأطفال جالسين هناك بملل، فأحضرت مكعبًا سحريًا (روبيك) للأطفال.
وضعت النقانق والحبوب على طاولة المطبخ، وجلست على الطاولة الصغيرة، وأخرجت المكعب، وقالت بابتسامة حنونة:
“هذه هدية ماما لكم. سمعت أن الأطفال الأذكياء فقط هم من يستطيعون حلّها.”
كانت حيلة بسيطة جدًا لإثارة التحدي، لكنها نجحت. فقد انشدّت أنظار الأطفال نحو المكعب مباشرة.
علّمتهم طريقة اللعب، ثم قالت:
“أذكى طفل، هو من يستطيع جعل كل وجه بلون واحد.”
ثم بدأت بتقطيع النقانق، ووضع الحبوب، وإشعال النار. وكانت ترفع رأسها أحيانًا لمراقبة “صراع الأطفال” مع المكعب.
وحين اقتربت العصيدة من النضوج، قامت بقلي الخضار، فالتوازن بين اللحم والخضار هو الأفضل.
وفي الجانب الآخر، كان الطفل الأكبر يحاول بجدية تدوير المكعب، وعرق الجبين يتصبب من شدّة التركيز.
أما الأخوان الصغيران فكانا بجانبه، يشيران بأصابعهما الصغيرة ويقدمان نصائح بصوت طفولي… كانت لحظة دافئة ومليئة بالحب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ
يـــــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 5"