32
عندما استيقظت “لين تشوشيا” في اليوم التالي، كان جسدها كله يؤلمها، ولم تستطع إلا أن تهمس بـ”آخ”
في سرّها ثم تشتم، لم تكن تتوقع أن “شي جينغمينغ” بدا في البداية بريئًا إلى هذا الحد، لكنه اتضح فيما بعد أن قوته القتالية كانت خارقة بهذا الشكل.
يا له من شخص مزعج.
وعندما نهضت “لين تشوشيا” أخيرًا، وجلست بصعوبة على السرير، نظرت إلى الخارج… لكنها لم ترَ سوى الباب المغلق،
فلم يكن بوسعها إلا أن تستلقي قليلاً وتستريح من جديد.
في هذا الوقت، من المفترض أن يكون “شي جينغمينغ” قد ذهب إلى العمل… تبًا، إلى التدريب،
لا تدري إن كان الصغار الثلاثة قد خرجوا أم لا.
وعندما نزلت “لين تشوشيا” من السرير، بخطى واهنة، وفتحت الباب وخرجت، رأت “شي جينغمينغ”
جالسًا هناك يدون ملاحظات، لا تعرف ما الذي كان يحسبه.
“أأنت لا تزال هنا؟” قالت “لين تشوشيا” حين رأته، ولم تستطع منع نفسها من التحدث. وما إن سقطت كلماتها حتى رفع “شي جينغمينغ” رأسه،
وكان على وجهه الوسيم والحاد لمحة خفيفة من العجز.
ما معنى… “أأنت لا تزال هنا؟”
إن لم يكن هنا، فأين سيذهب؟
لكن، ما إن تكلمت “لين تشوشيا” حتى لاحظ “شي جينغمينغ” بوضوح صوتها الأجش، فنهض فورًا،
وساعدها على الخروج لتجلس، فقد لاحظ أن طريقة مشيها لم تكن طبيعية تمامًا.
لامس أنفه بإحراج تلقائي، كل هذا… بسببه.
وبعد أن ساعدها على الجلوس، نهض وسكب لها كوبًا من الماء الدافئ. نظر إلى “لين تشوشيا”
أمامه وسألها بعناية:
“هل أنتِ بخير؟ هل تشعرين بالجوع؟ سأذهب لأسلق لكِ بعض النودلز.”
أخذت “لين تشوشيا” كوب الماء الدافئ من يده، وشربت لترطب حلقها الجاف، وحين سمعته يقول إنه سيذهب ليصنع النودلز، أومأت برأسها، “حسنًا.”
كانت جائعة أيضًا، فقد أمضت الليلة الماضية وهي تتقلب في المعركة، من بداية كانت فيها تسيطر على الوضع إلى نهاية أصبحت تتلقى الضربات.
“ماما، استيقظتِ! لقد نمتِ متأخرة الليلة الماضية!”
“ماما تمادت في النوم اليوم!”
“ماما لم تكن مطيعة!”
راح الأطفال الثلاثة يصرخون بأصواتهم الرقيقة، ينظرون إلى “لين تشوشيا”، لكنهم ما لبثوا أن لاحظوا أن هناك شيئًا غريبًا بها، وكأنها…
تشعر بعدم الراحة.
“ماما، هل أنتِ مريضة؟” سأل أحدهم بلطف، وهو يضع الشطرنج الصيني جانبًا، ونزل عن الكرسي،
وركض بسرعة نحو “لين تشوشيا”، ينظر إليها بقلق.
أما الثالث فقد كان قد زحف إلى حجر “لين تشوشيا”، ينظر إليها بعينيه المتوسلتين: “ماما، تناولي الدواء.”
“أنا بخير، فقط تعبت قليلاً البارحة من العمل الشاق.” قالت “لين تشوشيا”، ثم دلكت خصرها،.
فهي لا تزال شابة ولا يمكن أن يكون خصرها بهذا الضعف.
يجب أن تمارس الرياضة أكثر.
“العمل الشاق؟” تساءل الأطفال الثلاثة بوجوه مليئة بالحيرة،
“متى عملنا نحن بالأمس؟”
ضحك “شي جينغمينغ” الذي كان في الداخل يسلق النودلز، “عمل شاق؟ كانت تبذل جهدًا في البداية،
ثم سرعان ما قالت إنها متعبة، وفي النهاية كان هو من عمل بجد.”
لكن، لم يكن بإمكانه قول هذه الكلمات علنًا، ليس فقط أمام الأطفال، بل حتى أمام “لين تشوشيا”،
حتى لا يشعرها بالإحراج أو تجعلها تغضب ولا تسمح له بعد الآن بالصعود إلى السرير، سيكون الأمر كارثيًا.
أحضر النودلز ووضعها أمام “لين تشوشيا”.
في تلك اللحظة، كان بطن “لين تشوشيا” يصدر أصوات الجوع، لكنها رغم ذلك نظرت إلى الأطفال الثلاثة وقالت:
“هل أنتم جائعون؟ هل تودون تناول شيء أيضًا؟”
“لا، داعي ماما فاتأكلي انتي.” قال الأطفال الثلاثة بلطف. لقد تناولوا فطورهم بالفعل، كما أنهم سمعوا أصوات بطن ماما وهي تصدر “قرقرة” الجوع.
وبينما كانت تأكل، رفعت رأسها فجأة تنظر إلى “شي جينغمينغ” الجالس قبالتها بدهشة:
“ألا يجب أن تذهب إلى المعسكر للتدريب اليوم؟”
“أجل، أخذت إجازة.” رد “شي جينغمينغ”، بصوت منخفض، وكأنه يتحدث باستخفاف.
لم تسأله “لين تشوشيا” شيئًا بعد ذلك، بل عادت لتناول طعامها، فيما كان الأطفال الثلاثة يلعبون لعبة القفز،
وأصروا على أن ينضم إليهم والدهم.
“شي جينغمينغ”، الذي لم يكن يقضي وقتًا كثيرًا مع أبنائه، شعر بالذنب العميق، وشاركهم لعبتهم الطفولية،
لكنه تذكر مشهدًا من القرية حين كان يلعب معهم لعبة الطائرات الورقية.
كان الابن الأكبر يحزن عند الخسارة، ولأجل هذه القفزة، بذل “شي جينغمينغ” قصارى جهده ليخلق لهم ساحة لعب واسعة كالمحيط الهادئ،
ليلعبوا بسعادة.
بعد أن شعرت “لين تشوشيا” بالشبع، جلست تراقب الأربعة وهم يلعبون القفز، ولما أدركت نية “شي جينغمينغ”،
رفعت حاجبيها ونظرت نحوه، “أوه، أخيرًا أدرك أنه عليه التهاون في اللعب.”
وبتدبير مقصود من “شي جينغمينغ”، فاز الأطفال الثلاثة واحدًا تلو الآخر،
وكانت الابتسامات البريئة على وجوههم تجعل “شي جينغمينغ” يداعب رؤوسهم بحنان:
“أولادنا رائعون!”
لكن كلمة “أولادنا” كانت تبدو مفرطة في الحنان بالنسبة له، ولم يعتد على استخدامها بعد.
فقط، تلك الابتسامة الحنونة على وجهه الوسيم الحاد كانت تبدو متناقضة بشكل لا يصدق،
جعلت “لين تشوشيا” تطبق شفتيها، ثم غيّرت الموضوع وقالت:
“جينغمينغ، اغسل الصحون.”
نظر “شي جينغ مينغ” إلى الوعاء أمامها، ثم نهض وذهب لغسل الصحون دون تردد.
أما الصغار الذين فازوا، فقد أرادوا الحفاظ على هذه السعادة، فتوجهوا نحو “لين تشوشيا” بابتسامات واثقة:
“ماما، هل تلعبين معنا؟”
أمسكوا بلعبة القفز ونظروا إليها بعيونهم البراقة، من الواضح أنهم أرادوا اللعب معها.
لكن “لين تشوشيا” كانت لا تزال تشعر بآلام في الخصر والظهر، فلم تكن لديها طاقة لتسليتهم، فقالت:
“ماما لا تستطيع اللعب، اذهبوا والعبوا مع أصدقائكم.”
وعندما ظلوا يحدقون بها بأعينهم المتوسلة، تظاهرت “لين تشوشيا” بأنها تفرك خصرها وساقيها، وقالت:
“ماما متعبة جدًا، وتحتاج إلى راحة.”
وما إن سمعوا كلمة “تعبانة”، حتى ترك الأطفال الثلاثة لعبة القفز فورًا، وزحفوا نحوها،
واقتربوا منها، ومدّوا أيديهم الصغيرة القصيرة ليدلكوا ساقيها وخصرها.
كانوا بارين بشكل لا يُصدق، وشعرت “لين تشوشيا” بالوخز والضحك، لكنها حين نظرت إلى وجوههم الجدية،
لم تستطع أن ترفضهم.
هذا…
تحملت لعدة دقائق، حتى خرج “شي جينغمينغ” ورأى هذا المشهد-زوجته تتلقى تدليكًا من أبنائها وهي تكتم ضحكتها، فهزّ رأسه بيأس.
ثم مدّت “لين تشوشيا” يدها، وأمسكت بأيدي أطفالها الثلاثة التي كانت تدلكها، واحتضنتهم إلى صدرها:
“أولادنا بارّون ولطيفون جدًا، ماما لم تعد متعبة الآن، أنتم رائعون!”
وبنبرة مبالغ فيها من المديح، جعلت الأطفال يضحكون حتى أوشكت أفواههم على الوصول إلى آذانهم،
ودفنوا رؤوسهم بخجل في حضنها.
ضحك، ضحك، ضحك.
وبعد فترة من التعلق والمرح، وحين أدركوا أن ماما بدت وكأنها بخير فعلًا، داروا حولها دورة كاملة، ثم تحركوا بخطواتهم القصيرة خارجين للعب مع أصدقائهم.
وما إن خرج الصغار، حتى جلس “شي جينغمينغ” صامتًا بجانبها، ثم انفجر ضاحكًا.
“تضحك على ماذا؟ أليس كل هذا بسببك؟!” قالت “لين تشوشيا” بضيق، وقلبت عينيها عليه بامتعاض.
لكن “شي جينغمينغ” لم يغضب على الإطلاق، بل اقترب منها، وجلس إلى جانبها، ومد يده الكبيرة الدافئة مثل الأطفال، وبدأ يدلك خصرها.
نعم، كل هذا بسببه، لأنه بالغ البارحة في الجهد.
رجل يتحمل المسؤولية ويقوم بتدليك خصر زوجته الصغيرة بحب، ومجرد أن تذوق شيئًا من العلاقة، بدأ يشعر برغبة من جديد وهو يدلك خصرها.
كانت اليد التي كانت تدلّك أسفل الظهر تتسلل تدريجيًا إلى الأعلى. في البداية، لم تُبدِ “لين تشوشيا” أيّ رد فعل،
لكن بعد لحظات، بدأت تشعر أن الأمر ليس على ما يُرام.
فمدّت يدها فورًا وأمسكت بيد “شي جينغمينغ” التي كانت تعبث، وفتحت عينيها الواسعتين الممتلئتين بالحذر وهي تحدّق فيه، ووجنتاها الناعمتان الجميلتان قد احمرّتا، وقالت:
“ما الذي تفعله؟ لا زلت أشعر بالألم.”
يا لك من رجل عديم الخبرة وأحمق! لولا أنك بذلت كل هذا الجهد العبثي الليلة الماضية، ولم تكن حتى تعرف كيف تبدأ،
فهل كنت سأشعر بكل هذا الألم الآن؟!
تافه.
“شي جينغمينغ”، الذي كانت عيناه المبللتان بالحنان تحدّقان فيها، سمع نبرة العتاب الناعمة والدلال في صوت زوجته،
فشعر بخدر لطيف يسري في قلبه، وبرغم أنه كان يشعر بالإثارة، إلا أنّ صحة زوجته كانت أهم.
“هل تريدين أن أساعدك في التدليك؟” قالها بنبرة مليئة بالاهتمام، وقد انصرف تمامًا عن أي تفكير جانبي.
لكن، بعد أن قال ذلك، نظرت إليه “لين تشوشيا” بدهشة كبيرة، وكأنها تشك في أنه قد قال شيئًا خاطئًا.
في السابق، كان مجرد رجل منفتح قليلًا، يظهر أمامها بلا ملابس، يبرز عضلات بطنه الوسيمة في صمتٍ جريء،
أما الآن، فهو يقول الأمر بوضوح وصراحة.
“أنت، أنت… اخرج واسقِ الخضار!” صاحت “لين تشوشيا” غاضبة ومحرَجة، ولم تكن مستعدة لمواصلة الحديث بهذه الطريقة البذيئة مع “شي جينغمينغ”،
فقد كانت بحاجة إلى بعض التبريد.
أن يحدث بينهما شيء في السرير فهذا أمر، فالطعام والرغبة من الحاجات البشرية، وهي أيضًا امرأة لها احتياجات، أليس كذلك؟
لكن… في غرفة الجلوس، حيث يأتي الناس ويذهبون، كيف يمكن أن يخطر بباله فعل شيء كهذا؟! هل جنّ تمامًا؟!
“شي جينغمينغ” لم يكن يقصد شيئًا في الحقيقة، بل كان قلقًا، ولم يفكر جيدًا عندما قال ما قال.
ألم تقل هي إنها تتألم؟ فكيف لا يعرض عليها أن يدلكها؟ أليس هذا أمرًا طبيعيًا؟
ولكن، حين أدرك أن الألم الذي تقصده هو… ذاك الألم، وتذكّر ما قاله قبل قليل، سرعان ما احمرّ وجهه أيضًا، وحاول التظاهر بالهدوء، ثم ذهب لسقي الخضار!
في هذه اللحظة، لم يدرك الاثنان أن وقت الظهيرة كان يقترب،
و
أن سقي الخضار في هذا الوقت تحديدًا يجعلها أكثر عرضة للموت.
خرج “شي جينغمينغ” من المنزل تحت أشعة الشمس، فاستعاد بعضًا من هدوئه. “هممم… حسنًا،
سأذهب لأجلس قليلاً في بيت الجيران، ونؤجل الحديث حتى تهدأ الأجواء.”
في الداخل، كانت “لين تشوشيا” تجلس وتصرخ في قلبها:
آآآآآآآه!!! كيف حدث هذا؟ كيف يمكن لمحادثتهما أن تصبح بهذا السوء؟!
نظرت إلى المنزل الفارغ من حولها، وسحبت جسدها المتعب وقدميها المؤلمتين نحو المطبخ،
وغسلت وجهها لتبريد حرارتها.
في الواقع، لا يوجد شيء مقلق، أليس كذلك؟! فهما زوجان بالفعل!
لكن، هذه الحركات الطفولية من “شي جينغمينغ” أثبتت أن ما جرى البارحة كان أول مرة لكليهما.
وهنا تظهر المشكلة: ألم يكن لديه بالفعل ثلاثة أبناء؟!
هَه، يبدو أننا بحاجة إلى حديث جاد عند الغداء!
…
في تلك الأثناء، كان الأطفال الثلاثة الذين خرجوا للعب مع أصدقائهم لا يزالون يحملون لعبة القفز،
فهي اللعبة التي تُظهر ذكاءهم الحقيقي، أما لعبة الطائرات فهي مجرد حظ.
إلقاء الزهر ليس دقيقًا، ولا يمكن التحكم بنتيجته. وما إن رأوا أصدقاءهم حتى لوّحوا بأيديهم القصيرة وصاحوا بفرح:
“هُوازي، داتونغ! أحضرت لعبة القفز! لنلعب معًا!!!”
صادف أن ألوان قطع لعبة القفز متعددة، خمسة أو ستة ألوان، لذا لم يكن هناك قلق من عدم إمكانية اللعب معًا.
أما الأصدقاء المدعوون فقد أبدوا سعادتهم، فقد خسروا أمامهم في المرة السابقة.
ومع اقتراب بداية المدرسة، كان أطفال مبنى العائلات العسكرية في المعسكر يعرفون أنهم لن يتمكنوا من اللعب قريبًا،
لذا كانوا يمرحون في الخارج بكل طاقتهم.
أما الصغار الثلاثة القادمين من الريف، فقد تمكنوا خلال الشهرين أو الثلاثة الماضية من كسب قلوب الأطفال الآخرين،
بفضل بشرتهم البيضاء بسبب توقفهم عن العمل في الحقول، وأجسامهم الممتلئة من الطعام الجيد، وعقولهم الذكية.
السن لم يكن عائقًا، ما دام بالإمكان اللعب سويًا، فهذا يكفي ليكونوا أصدقاء مخلصين رغم فارق السن!
“هذه المرة، لن أخسر أمامكم!” قال “وانغ داتونغ” الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام، بحماسة كبيرة.
لا يزال غاضبًا من خسارته السابقة أمام طفل صغير لم يتجاوز الثالثة أو الرابعة. كان يعتقد أنها مجرد غفلة.
ضحك الآخرون حين سمعوا ذلك:
“هاهاها، وانغ داتونغ، لا تكذب! كنت الأخير المرة الماضية! أنت الأسوأ!”
“تشن جيانغو، ماذا قلت؟! من، من الأسوأ؟! أنا… كنت فقط أتنازل لهم!” قال “وانغ داتونغ” بصوت مرتفع، يخفي شعوره بالذنب، مصرًّا على التحدي.
تحت ظل الأشجار، كانوا يحتلون طاولة حجرية عادةً ما يستخدمها العجائز.
تجمّع عدد من الأطفال يلعبون لعبة القفز، تتعالى بينهم أحيانًا أصوات الجدال، حتى جذبوا عددًا من العجائز ليتفرجوا.
لعبة القفز نفسها لا تجذب كبار السن كثيرًا، لكن رؤية مجموعة من الأطفال يتجادلون وهم يلعبون كانت ممتعة. وبينما راحوا يتفرجون، بدأ بعض العجائز الذين يجلسون أو يقفون خلف الأطفال يشعرون بالقلق:
“آي، لماذا تلعب هكذا؟ إنك ستُتجاوز!”
المثل يقول “من راقبَ لعبة ولم يتكلم، فهو رجل فاضل”، إلا إذا لم يعد يحتمل.
“لا، لا، لا، هذه الخطوة لا تصلح، هناك مكان أفضل!”
“لماذا تزعج تركيزه أيها العجوز؟! دعه يلعب كما يشاء!”
الشيخ الواقف خلف الطفل الأكبر أدخل نفسه تمامًا في شخصيته، وظن أنه أوشك على الفوز، فغضب حين تدخّل أحدهم.
“أنا أحب أن أتكلم، ما رأيك؟! هل تخاف؟! إن كنت شجاعًا، فلنلعب مباراة نحن أيضًا!!!”
وهكذا، اتفق عدة شيوخ على اللعب على الطاولة الحجرية المجاورة، ومن يفز، يكون رأيه هو المسموع.
ظل الأطفال الصغار الذين ما زالوا يلعبون لعبة الداما الصينية بوجوه مليئة بالحيرة. من الواضح أنهم هم من كانوا يلعبون، فلماذا بدأ الشيوخ في الجدال بينهم؟
وعندما اقترب وقت الظهيرة، امتلأت عينا وانغ داتونغ بالدموع من شدة الظلم بعد أن خسر، وبدأ بالبكاء قائلاً: “هوهوهو، أنا عمري ثماني سنوات، لماذا أخسر أمام أخي الصغير الذي لا يتجاوز عمره الثلاث أو أربع سنوات؟”
وعندما عاد إلى المنزل بعينين محمرتين، أُصيبت جدته، وانغ بوبي، بالذهول والغضب، وأمسكت بذراع حفيدها الصغير بقلق شديد، وقالت بنبرة مفعمة بالقلق:
“داتونغ، داتونغ، من الذي آذاك؟ من الذي تجرأ على التنمر عليك؟”
يالها من وقاحة! من يجرؤ على التنمر على حفيدها، وانغ بوبي؟ أهو أحمق أم يملك قلب نمر وشجاعة دب؟
“لا، لا أحد.” أجاب وانغ داتونغ، الذي كان طفلاً في السابعة أو الثامنة من عمره ويملك كرامة، بخجل. لقد خسر في لعبة الداما أمام أخيه الذي يصغره بنصف عمره، بل وبكى أيضًا، فكيف يمكن أن يخرج هذا الأمر للعلن؟ سيكون ذلك مخزياً للغاية.
ولذلك، عندما سألته جدته، لم يجرؤ على قول الحقيقة، بل كذب وقال: “لا شيء، فقط كنت سعيداً جداً.” محاولاً تهدئتها، دون أي رغبة في أن يعرف الآخرون بأنه قد بكى.
لكن، من هي وانغ بوبي؟
إنها ذات نظر حاد جداً، وظنت أن أحداً قد تنمّر على حفيدها بل وهدده ألا يخبر أحداً في العائلة، فاشتعل غضبها.
“من الذي فعل هذا!!!”
“حسناً، حسناً، داتونغ لم يبكِ، تعال، جدتك أعدّت لك كوع خنزير بالصلصة، وهو لك وحدك! هيا كُل.” كانت وانغ بوبي تهتم بحفيدها الوحيد كثيراً، كل ما هو طيب كان من نصيبه.
وقد سمعت أن تناول المزيد من كوع الخنزير يجعل المرء أكثر ذكاءً. بعد بضعة أيام سيذهب إلى المدرسة، ويجب أن يحصل على مئة من مئة، يدرس جيداً، ويدخل المدرسة الثانوية، ومن ثم يعمل في مصنع كعامل شريف!
وبمجرد أن سمع وانغ داتونغ أن هناك كوع خنزير بالصلصة، نسي كل شيء، وركض مباشرة إلى المطبخ، وبدأ ينهش الكوع بكلتا يديه.
وعندما رأت وانغ بوبي حفيدها الصغير ينهش كوع الخنزير بسعادة، تنفست الصعداء، ثم خرجت من البيت وهي غاضبة جداً. فحتى إن لم يعترف حفيدها، هل تظن أنها لن تعرف من الذي تنمّر عليه؟
خرجت لتبحث عن الأطفال الذين كانوا يلعبون عادة مع حفيدها، وعندما أخبرها تشين جيانقوه أن وانغ داتونغ خسر في لعبة الداما صباحاً أمام طفل عمره ثلاث إلى خمس سنوات، ثم قال بدهشة: “حقاً بكى؟”
لم يكن لدى وانغ بوبي وقت للرد على هذا، بل أسرعت للبحث عن أبناء عائلة شيه لتلومهم. حتى وإن كان والدهم قائد الكتيبة، فلا يحق لهم التنمر على حفيدها!
وبسبب اندفاعها لمحاسبة أولاد عائلة شيه الثلاثة، ذهب تشين جيانقوه لينقل الخبر للأطفال الآخرين بدهشة: ما هذا العار! يخسر أمام طفل صغير ثم يبكي؟
في ذلك الوقت، كانت وانغ بوبي قد وصلت إلى مبنى أسر العسكريين المجاور، وسألت بعض الجيران حتى وصلت للطابق الذي تسكن فيه عائلة شيه. كانت قد أحاطت جسدها البدين بالغضب، وعندما وصلت إلى الباب، بدأت تطرق الباب بغضب شديد.
كان الأطفال الثلاثة قد عادوا إلى المنزل مع ارتفاع الشمس، يجلسون أمام المروحة الكهربائية يلعبون لعبة “آآآآآ” بفم مفتوح. وفجأة، سمعوا طرق الباب “طَرق طَرق طَرق”، فاستداروا بفضول نحو الباب.
كانت لين تشوشيا تجلس بجانبهم تقرأ كتب التعليم المبكر للأطفال. كانت تعتقد أن أبناءها الثلاثة سيكونون مميزين في المستقبل، لذا يجب أن يبدأوا بتعلم بعض المعارف الصغيرة. لا يمكن للأطفال أن يخسروا السباق من خط البداية.
وكانت تلك الكتب لطلاب الصف الأول الابتدائي، طلبها شيه جينغمينغ عبر معارف، وهي جديدة تمامًا، ثلاث مجموعات: لغة صينية ورياضيات.
عندما سمعت طرق الباب، عبست قليلاً. فهذه بناية مخصصة لأسر العسكريين، من المفترض ألا يجرؤ أي لص على الدخول. فنهضت وتوجهت نحو الباب وهي تقول: “من هناك؟”
“أنا جدة وانغ دايونغ!” ردت وانغ بوبي وهي تطرق الباب مجددًا، “جئت لأحاسب أولادك! لقد جعلوا حفيدي دايونغ يبكي!”
وحين قالت ذلك، لم تفكر وانغ بوبي إطلاقاً لماذا بكى دايونغ، بل اعتقدت بكل تأكيد أن اللوم يقع على الطرف الآخر. فإلا لما بكى حفيدها؟
كانت لين تشوشيا قد سمعت أبناءها يذكرون اسم دايونغ بين الحين والآخر، يبدو أنه أحد أصدقاء اللعب من الأطفال الذين يعيشون في بناية أسر العسكريين.
وبمجرد أن فتحت الباب، سمعت كلمات وانغ بوبي الأخيرة، فتغير تعبير وجهها على الفور، ثم التفتت وسألت أبناءها الثلاثة:
“أولادي، هل تنمرتم على وانغ دايونغ؟”
“بالكاد! كنا نلعب لعبة الداما وخسر، عمره كبير ومع ذلك لا يستطيع الفوز علينا، هه!” قال الابن الأكبر وهو يعقد حاجبيه ويظهر بعض الكبرياء، وكأن خسارة وانغ دايونغ أمر معيب له.
“كم عمره؟” كانت لين تشوشيا تنوي قول إن عمره قد يكون صغيرًا، فهم جميعًا أطفال، لكن بعد سماع تعليق ابنها، غيرت رأيها وسألت من جديد.
وقفت وانغ بوبي عند الباب، تستمع لحديثهما دون أن يلاحظها أحد، ثم صرخت: “حفيدي دايونغ مؤهل لدخول الثانوية! أنتم تجرّونه للعب وتضيعون مستقبله، لا تريدون له أن يدرس بجد، أليس كذلك؟!”
ثم بدأت تهاجم لين تشوشيا مباشرة، وهي مفعمة بالثقة والغطرسة، وكانت تحتقر هؤلاء الأطفال الذين لا يعرفون سوى اللعب.
لكن لين تشوشيا لم تكن من النوع الذي يسمح لأحد بأن يوبخه دون سبب. لو أن وانغ بوبي تحدثت بلطف، لكانت ردت بالمثل. أما الآن…
“آه، يا جدة، كما قلتِ، حفيدك قد بدأ المدرسة، وأطفالي لا تتجاوز أعمارهم الثلاث إلى خمس سنوات، خسِر في لعبة داما ثم عاد باكيًا ليشتكي للكبار؟ ألا تشعرون بالخجل؟”
وكانت نبرتها تشير بوضوح إلى أن حفيدها البالغ من العمر سبع سنوات لم يستطع هزيمة أطفال صغار، فكيف سيكون أداءه في الدراسة إذن؟
احمر وجه وانغ بوبي من الغضب، وصرخت: “أولادك هؤلاء لا يعرفون سوى اللعب! لا أريدهم أن يفسدوا حفيدي! لعبة الداما هذه مجرد مضيعة للوقت!”
وكانت قد تعلمت عبارة “مضيعة للوقت” من معلم دايونغ، وشعرت بأنها عبارة ثقافية راقية، فأصبحت تكررها كثيرًا.
“نحن لا نريد اللعب مع وانغ دايونغ أصلاً!” قال الابن الأكبر بغضب طفولي، وقد تذكر جدته الكبرى في القرية التي كانت تصرخ عليهم بنفس الطريقة، وجسمها البدين يذكره بوانغ بوبي.
“صحيح، لن نلعب معه بعد الآن.” قال الابنان الثاني والثالث بصوت واحد مؤيدَين شقيقهما الأكبر. وكان دايونغ هو من أصرّ على اللعب معهم لأنه لا يملك ألعاباً في بيته.
في تلك اللحظة، كان شيه جينغمينغ في بيت أحد زملائه في الطابق الأرضي، يناقش معهم تعديل خطة التدريب. وعندما سمع صوت الطرق على الباب من الأعلى، عرف من الاتجاه أنه منزله.
فقال لزميله إنه سيعود فوراً لأن أمراً ما حدث في بيته، وصعد بسرعة، وعندما اقترب، سمع آخر جملتين من المشادة.
“ماذا حدث؟” قالها بصوته العميق، مصحوباً بجسدٍ ذي كتفين عريضين وخصر نحيف وساقين طويلتين، وكلّه يشعّ هيبة، مما أعطى انطباعاً مهيباً يهدد من أمامه.
كانت وانغ بوبي تجرؤ على التنمر على لين تشوشيا الرقيقة، لكنها لم تجرؤ على التصرف بتعالٍ أمام شيه جينغمينغ. فقالت بتردد:
“لا، لا شيء… فقط أن حفيدي دايونغ عاد للبيت باكياً، فأتيت لأسأل عما حدث، لا أكثر…”
رأت لين تشوشيا أنها تخاف من القوي وتتسلط على الضعيف، فرفعت حاجبيها دون أن تعلق. في النهاية، كل ما فعلته وانغ بوبي هو أنها هدّدت أولادها بعدم اللعب مع حفيدها واحتقرته فقط.
فقالت بسخرية ناعمة: “عدي إلى البيت واطبخي، إنهم يرون أن ابنك ليس طموحاً بما يكفي ويخافون أن يؤثر على حفيدهم، فلا تزعجيهم بعد الآن.”
ثم استدارت وأخذت أولادها الثلاثة وعادت إلى المنزل. كانت متأكدة أن شيه جينغمينغ لن يُهين نفسه ويُدخل هذه المرأة إلى البيت.
وفعلاً، عبس وجه شيه جينغمينغ قليلاً بعد سماع كلمات لين تشوشيا المملوءة بالسخرية. هل يُعقل أن يُسمح لأحد بالتنمر على أولاده بهذه البساطة؟
“يا خالة، الوقت يقترب من الظهيرة، لذا لن نُبقيكِ على الغداء. أما بخصوص قلقك، فاطمئني، لن نسمح لأولادنا بالتأثير على دراسة حفيدك.”
عبست وجهها، وعادت مباشرة إلى الغرفة، وأغلقت الباب قبل أن تدرك وانغ بوزي ما يحدث.
هذا التصرف غير المهذب للغاية جعل وانغ بوزي التي تقف عند الباب ترتجف من شدة الغضب، وظلت تحدق في الباب حتى شعرت بعينيها تؤلمانها من شدة التحديق، ثم غادرت وهي في قمة الغيظ.
عندما دخل شيه جينغمينغ إلى الغرفة، كان الصغار الثلاثة يحيطون بلين تشوشيا، ويعدونها بأصواتهم الطفولية اللطيفة بأنهم لن يلعبوا مع وانغ دايونغ مرة أخرى.
نظرت لين تشوشيا إلى صغارها الثلاثة الذين رفعوا أصواتهم غاضبين دفاعًا عنها، ولم يعودوا يظهرون الخوف الذي كان يميزهم في السابق، فاحتضنتهم وأجلست أحدهم على فخذها، ومدحتهم بلطف، قائلة:
“صغاري الثلاثة اليوم كانوا رائعين جدًا، لم يبكِ أحدكم.”
في الماضي، كانوا بالتأكيد سيخافون ويبكون، أو يختبئون خلفها.
أما الصغير الذي تم مدحه فقد انتفخ صدره الصغير بفخر، أجل، هو بالفعل أصبح شخصًا ناضجًا الآن!
أما الكبير الثاني والثالث، فكانوا يلتصقون بها من الجانبين، فأحاطتهم بذراعيها جميعًا، ومدحتهم هي الأخرى بكلمات مبالغ فيها: “ماما لم ترَ أطفالًا بهذه الروعة من قبل، يا إلهي، أنتم مذهلون، حتى أنكم تعرفون كيف تحمون ماما…”
عندما سمع شيه جينغمينغ هذا الكلام، لم يتمالك نفسه فرفع عينيه إلى السماء بعيون مملوءة باليأس، قائلاً في نفسه: من يصدق هذا الكلام الزائف!
لكن صغاره الثلاثة ضحكوا بخجل وهم يلتصقون بأمهم، يريدون الجلوس في حضنها ليدللوا أنفسهم.
لين تشوشيا: لا، هذا لا يمكن.
“شيه جينغمينغ، تعال.” نادته، وباغتته بدفع الأطفال الثلاثة إلى حضنه، أما كيف يحملهم، فذلك عائد إليه.
شيه جينغمينغ، الذي استقبل الصغار الثلاثة فجأة، احتضنهم بسرعة، ولحسن الحظ أن ساقيه طويلتان، جلس هناك وهو يحمل واحدًا في يسراه واثنين على ساقه اليمنى، كان يشعر بوزنهم المريح والمحبب.
أثناء احتضانه لصغاره، شم رائحة الحليب الخفيفة تنبعث منهم، وأمام هذه الأجساد الصغيرة البيضاء الممتلئة، لم يعرف شيه جينغمينغ كيف يتحدث بكلمات حنونة مناسبة.
بعد فترة وجيزة، عندما رأى أن لين تشوشيا تستعد للذهاب للطهي، أسرع بوضع الأطفال الثلاثة على الأرض وقال:
“بابا سيذهب ليطهو الطعام.”
كان الصغار الثلاثة ينظرون إلى والدهم بوجوه ممتلئة بالدهشة، رؤوسهم مائلة كأنهم يفكرون: آه، ربما بابا جائع.
ثم مدوا أيديهم الصغيرة الممتلئة نحو بطونهم الدسمة، كانوا جائعين أيضًا، فنهضوا جميعًا واتكأوا على باب المطبخ، يراقبون الرجل في الداخل وهم يتجسسون خفية ليروا ما سيحضّره شيه جينغمينغ على الغداء اليوم.
“بابا، نريد أن نأكل لحمة.” همس أحد الصغار بلطافة، مذكّرًا شيه جينغمينغ بأن في هذا العالم، لا يمكن خيانة اللحمة!
“حسنًا.” جاء الرد من داخل المطبخ، مترافقًا مع صوت قلي الطعام “ززز”، ومع انتشار رائحة اللحم الشهية، جلس الصغار بسعادة في غرفة الجلوس منتظرين موعد الطعام.
أما لين تشوشيا، الأم الصغيرة “المصابة”، فقد كانت مدللة، تجلس وتنتظر الطعام دون أن تفعل شيئًا، وكل ما عليها هو أن تستريح جيدًا.
في المساء، عندما جاء وقت النوم، نظرت لين تشوشيا إلى ذلك الرجل الذي لم يكن يرتدي قميصًا، فعقدت حاجبيها الجميلين، ونظرت إليه بجدية وتحذير قائلة: “أنا لم أتعافَ بعد!!!”
يا له من وحش!
أما شيه جينغمينغ، الذي خلع قميصه ببساطة لأن الطقس حار، فقد رأى أنه لا يوجد داعٍ للتصنع بين زوجين قد أصبحا يعرفان كل شيء عن بعضهما، فلماذا التقييد الزائد؟
أو ربما، كان ببساطة يريد أن يري لين تشوشيا عضلات بطنه الجميلة والمنحوتة، فقد لاحظ منذ الليلة الماضية أن زوجته الصغيرة تحب لمس عضلات بطنه.
“أمم، أعلم، لم أكن أنوي فعل شيء، فقط الطقس حار جدًا، ولا أستطيع تحمّل الحر.” قالها شيه جينغمينغ بنبرة هادئة وكأن الأمر لا يعني شيئًا، دون أن يظهر دوافعه الحقيقية.
عندما قال ذلك، نظرت لين تشوشيا لا إراديًا نحو المروحة، آه… ومع هذا تقول أنه حار؟! حتى المروحة شغّالة! فماذا كنت تفعل قبل وجود المروحة؟!
هراء!
رغم أنها كانت تدرك أنه يتفوه بكلام فارغ، إلا أن لين تشوشيا لم تكشفه، بل أدارت ظهرها له، فالأبعد عن العين، الأبعد عن القلب. لا تزال تشعر بالألم ولا تريد المزيد من المتاعب.
عندما رأى شيه جينغمينغ أن لين تشوشيا غاضبة بعض الشيء، لمعت عيناه بابتسامة خفيفة، مما جعل ملامحه الحادة والوسيمة تبدو أكثر دفئًا وعائلية.
لكن للأسف، لين تشوشيا التي أدارت ظهرها له لم ترَ هذا المشهد، وكل ما شعرت به هو أن طرف السرير الآخر قد غاص قليلاً.
“هل لا تزالين تتألمين؟ آسف…” بعد أن استلقى على السرير، استدار شيه جينغمينغ نحو لين تشوشيا وسألها بصوت منخفض مليء بالرقة، وفي نبرته شيء من الندم والقلق.
“……” لم ترد لين تشوشيا على سؤاله، أليس هذا سؤالًا غبيًا؟ ألم تقل له قبل قليل أنها لا تزال تتألم؟!
عندما لم ترد، ظهرت لمحة من التفكير في عيني شيه جينغمينغ، لم يعرف كيف ي哄ها، فتذكر فجأة الأحاديث التي دارت بينه وبين رفاقه الجنود من قبل… لكنه شعر أن أياً منها لا يصلح لهذا الموقف.
“تشوشيا، استديري، لدي شيء أريد أن أقوله لك.” وبعد لحظة من التفكير، تحدث بصوت جاد، وكانت عيناه السوداوان تحدقان فيها بإصرار.
ظنت لين تشوشيا أن لديه شيئًا مهمًا ليقوله، فاستدارت بعيونها الرطبة اللامعة تنظر إليه باهتمام.
لكن شيه جينغمينغ، تحت هذا النظر، ترددت عيناه قليلاً لعدة ثوانٍ، وكأنه نسي ما كان يريد قوله.
“تكلم إذن.” ردت عليه بصوت رقيق لطيف فيه شيء من النبرة العاتبة، متعمدة.
كان عقل شيه جينغمينغ لا يزال فارغًا، وفجأة، أمسك بيدها ووضعها على عضلات بطنه.
ألم تقولي أنك تحبينها؟
المسي كما تشائين!!
كانت العضلات تحت يدها صلبة وجميلة بانسياب رائع، وما إن لمستها لين تشوشيا حتى تحركت قليلاً، يا له من رجل ماكر، لا يجيد إلا هذه الحيل ل哄ها.
…
في اليوم التالي، عندما استيقظت لين تشوشيا، لم تكن تشعر بنفس الألم كما في اليوم السابق، وكان شيه جينغمينغ قد عاد إلى المعسكر، أما الصغار الثلاثة فقد حملوا مجددًا لعبة “الطيّارة” وذهبوا للعب مع أصدقائهم.
ما باليد حيلة، فهم لا يريدون لعب “القفز”، خشية أن يبكي الأطفال الآخرون ويعودوا إلى منازلهم، مما يدفع ذويهم إلى إثارة المشاكل، كم هو مزعج!
أراد وانغ داتونغ الانضمام إليهم في اللعب، لكن الصغار الثلاثة قالوا إن عدد اللاعبين كافٍ، وهناك آخرون ينتظرون الجولة التالية، فليذهب ليلعب وحده.
أما تشن جيانقوه، فعبّر عن استيائه وقال: “نحن لن نلعب معك، أنت تبكي إذا خسرت.”
“بالضبط، وتأتي إلى بيتي لتسب!” قال الأكبر وهو عابس بوجهه الصغير والجاد، أطلق زفرة غاضبة، وما إن قال ذلك حتى نظر باقي الأطفال إلى وانغ داتونغ بنظرات غريبة.
وقف وانغ داتونغ في مكانه، مذهولًا بعض الشيء وهو يحدق في رفاقه الذين كانوا يلعبون معه: “أنا، أنا، لم أبكِ، ولم أسب أيضًا…”
كانت محاولات التفسير مليئة بالحيرة والارتباك، لكن في هذا الوقت، كيف يمكن للأطفال أن يشعروا بما يشعر به الآخرون؟
كان أحدهم يعتقد أن وانغ داتونغ جلب العار لنفسه، وآخر يظنه سيئًا.
وفي النهاية، عاد وانغ داتونغ إلى المنزل وعيناه محمرتان من البكاء، وكان يكتم دموعه خوفًا من أن يراه باقي الأطفال ويضحكوا عليه، لكن ما إن وصل إلى البيت حتى أطلق العنان لبكائه فجأة، وهو يصرخ: “أوووااااا!”
كانت وانغ بوزي قد ذهبت لقطف الخضروات، وعندما عادت سمعت صوت بكاء حفيدها، فارتعبت وسرّعت من خطواتها، وما إن فتحت الباب حتى رأت حفيدها جالسًا على الأرض يبكي بصوت عالٍ، فامتلأ وجهها بالشفقة والألم.
“داتونغ، داتونغ، حفيدي العزيز، لماذا تبكي؟ هل قام أحدهم بإيذائك؟” أسرعت بإلقاء سلة الخضروات جانبًا واقتربت منه بلهفة، ومدّت يدها لتمسح دموع حفيدها الحبيب.
“جدتي، هم… هم لا يريدون اللعب معي، قالوا إنني… إنني أبكي، وقالوا أيضًا إنني أشتم… هووووه…” كان وانغ داتونغ يبكي ويتحدث بنشيج، متوسلًا إلى جدته أن تساعده.
عندما سمعت وانغ بوزي ذلك، انفجرت غضبًا تمامًا، ونسيت تمامًا ما فعلته بالأمس، وقالت:
“هذا فظيع! كيف يجرؤون على إيذائك بهذه الطريقة؟ من فعل هذا؟ سأذهب فورًا لأحاسبه!”
وأثناء قولها ذلك، قبضت على يدها بإحكام، وقد بدا أنها على وشك الذهاب لمواجهة شخص ما.
“لكن، لكن… لو فعلتِ ذلك، فلن يلعبوا معي مجددًا… هووووه…”
وانغ داتونغ لم يكن يعلم إلى أين ذهبت جدته بالأمس، ولا ما الذي فعلته، لكنه كان يعرف أن هذا النوع من التصرفات سيؤدي إلى أن لا يلعب أحد معه أبدًا، فماذا سيفعل حينها؟ هووووه…
كانت وانغ بوزي لا تستطيع رفض أي طلب لحفيدها الصغير، فقالت:
“حسنًا حسنًا، لن أذهب لأحاسبهم، سنذهب لندعوهم للعب معنا، ما رأيك؟”
قالت ذلك بلطف وحنان، ولم يكن على وجهها أي من ملامح الحدة والفظاظة التي كانت تبدو عليها أمام لين تشوشيا بالأمس، ثم مدّت يدها وربّتت على رأس حفيدها الصغير، محاولة تهدئته.
بدأ وانغ داتونغ يهدأ شيئًا فشيئًا، وهو يشهق من البكاء، ثم أومأ برأسه الصغير مطيعًا:
“أمم.”
وفي هذا الوقت، كانت وانغ بوزي قد نسيت تمامًا كيف كانت تتفاخر أمام لين تشوشيا بالأمس بأن حفيدها داتونغ تلميذ متفوق يطمح إلى دخول المدرسة الثانوية، ويجب أن يركّز على دراسته.
وبعد أن مسحت دموع وانغ داتونغ، أمسكت بيده وخرجت معه من المنزل، حتى أنها لم تفكر في إعداد الغداء، فحفيدها العزيز كان أهم شيء لديها.
في تلك اللحظة، كان الأطفال ما زالوا يلعبون “لعبة الطيارة” على الطاولة الحجرية تحت ظل الشجرة كما في السابق، واقتربت وانغ بوزي وهي تمسك بيد داتونغ.
“جيانقوه، هوازي، إذًا أنتم تلعبون هنا! آه، ما الذي تلعبونه؟”
تظاهرت بصورة الجدة الحنونة اللطيفة، دون أن يظهر عليها أدنى أثر للحدة والوقاحة التي كانت عليها من قبل.
وبمرح، ألقت التحية على الأطفال الذين تعرفهم، لكنّ الاثنين اللذين كانا لا يزالان مشغولين بلعب الطيارة كانا متوترين، فهذه هي الخطوة الأخيرة، وتحدد من سيفوز ويغادر ليدخل شخص جديد، ولم يكن لديهما أي نية للتفاعل مع الجدة وانغ.
ولم تغضب وانغ بوزي من تجاهلهم، بل حوّلت نظرها إلى الأطفال الثلاثة الآخرين، وتذكرت أن هؤلاء الثلاثة هم من واجهتهم بالأمس.
فتجهم وجهها قليلًا، وساد قلبها شعور بعدم الارتياح. “من يأتي من الريف، يبقى ريفيًا” – فحتى لو كانوا ممتلئين وبيض البشرة، فهم لا يعرفون أصول التعامل مع الآخرين، هكذا فكرت في سرّها.
كان وانغ داتونغ واقفًا خلف جدته، ينظر إلى الجميع وهم يتجاهلونه، وشعر بالظلم، فالصبي الصغير الذي لا يظهر شجاعته إلا في البيت أمسك بملابس جدته وكأنه يقول:
“جدتي، ساعديني!”
عرفت وانغ بوزي أن الوقت ليس مناسبًا لتُظهر احتقارها، فنظرت إلى الأطفال الثلاثة البيض الصغار الممتلئين، ورسمت على وجهها ابتسامة عريضة بدت وكأنها مليئة بالود والحنان، وقالت:
“الجدة وانغ بالأمس كانت قلقة على حفيدي، فاندفعت قليلًا وأخافتكم، آسفة.”
كان الطفل الأكبر، بصفته الأخ الكبير، كريمًا وأخبر إخوته أن يلعبوا أولًا، فقد اقترب دوره، لكنه أوقفه كلام الجدة العجوز، التي بدأت حديثها الآن.
لا يُلام “دا جاي” (الابن الأكبر) على قلة أدبه، فالواقع أن تصرف وانغ بوزي وهي تشير بيدها وتشتم لين تشوشيا كان مطابقًا تمامًا لما فعلته الجدة “تانغ” من قبل، وكان ذلك كافيًا لإثارة الاشمئزاز وعدم القدرة على تقبلها.
ومثل هذا التظاهر بالطيبة الآن، رآه دا جاي من أول نظرة.
عندما تجاهله دا جاي، مر في قلب وانغ بوزي خيط تلو خيط من عدم الرضا، وقالت:
“ولدنا دا يونغ يرغب كثيرًا في اللعب معكم، لكنه خجول. وأنت كأخ أصغر، ما الضرر في أن تهتم بأخيك الأكبر قليلًا؟”
لم يكن دا جاي قد رد بعد، حتى بدأ الآخرون لا يحتملون ما سمعوه.
“تس تس، أقول لك يا وانغ بوزي، ألا ترين أنك تخطيت الحدود؟ تطلبين من طفل عمره أربع أو خمس سنوات أن يهتم بحفيدك الذي عمره سبع أو ثمان سنوات؟!”
“بالضبط! من يطلب من الأخ الأصغر أن يهتم بالأخ الأكبر؟ خاصة إذا كان أصغر منه بثلاث سنوات!”
ضحك بعض الشيوخ بسخرية دون أي مجاملة، فهي تتنمر على طفل صغير جاء من الريف، كم هي وقحة.
سمعت وانغ بوزي تعليقات الآخرين، فكيف لا تغضب؟ استدارت بحدة ونظرت إليهم بغضب وقالت:
“ما الأمر؟ أفعل ما أشاء، هل تحتاجون أنتم لتتدخلوا فيما لا يعنيكم؟”
كلامها كان وقحًا للغاية، مما زاد من كراهية الآخرين لها، فنظروا إليها بضيق، وقال أحدهم:
“إذن اذهبي ولعبي مع حفيدك بنفسك، لماذا تحاولين إشراك الآخرين؟”
“بالضبط! تتنمرين على طفل صغير عمره خمس سنوات، من حقه أن يختار مع من يريد أن يلعب!”
وقال أحد العجائز الذي كان أكثر وعيًا للأمور، بنبرة طيبة:
“وانغ بوزي، الأفضل ألا تتدخلي كثيرًا في شؤون الأطفال، دعي الأمور تجري بطبيعتها، فقد يكون ذلك أفضل.”
فما الفائدة إن أصبح طفلك منبوذًا ولا أحد يريد اللعب معه؟
“ما خطبي أنا؟ أعتني بحفيدي، أهذا خطأ؟ أنتم لا تفهمون، فلا تتكلموا بما لا تعرفونه. هل ربيتم أطفالًا من قبل؟”
كانت وانغ بوزي تغضب أكثر عندما يُنتقد أسلوبها في تربية حفيدها. كيف لا تعتني به؟ لقد ربّته بنفسها، وكل ذرة لحم فيه من صنع يديها!
(رد فعل باقي العجائز): …
“حقًا، من الصعب التعامل مع النساء الصاخبات والصغار!”
لا فائدة من محاولة إقناعها، ومع هذا النوع من النساء المتسلطات، فإن الرجال العجائز لا يدخلون في جدال. إما أن تخرج نساؤهم لمواجهتها، أو يُبعدون أطفالهم حتى لا يتعرضوا للإساءة.
أما وانغ داتونغ، فكان يسمع جدته تتشاجر مع الشيوخ، لكنه لم يكن مهتمًا بالكلام، كان ينظر فقط إلى الأطفال الآخرين، تملأ عينيه الرغبة في اللعب معهم، لكنه…
نظر مرة أخرى إلى جدته، وكان على وشك البكاء من شدة الظلم، لكن تذكّر أنهم سخروا منه لأنه يبكي، فلم يجرؤ على البكاء، ومع ذلك، كان على وشك الانهيار.
فجأة، أفلت يد جدته، واستدار وركض باتجاه البيت وهو يبكي: “هوووه هوووه…”
“داتونغ، داتونغ!!”
كانت وانغ بوزي في قمة عنفوانها في الشجار وتنتشي لأنها كانت تغلب الآخرين بالكلام، لكن في اللحظة التالية، هرب حفيدها باكيًا عائدًا إلى البيت، فارتعبت، ولم تعد تكترث لأي شيء آخر، وركضت خلفه عائدة إلى المنزل.
بمجرد أن عاد وانغ داتونغ إلى البيت، بدأ بالصراخ والبكاء عاليًا وهو يتقلب على الأرض، مما جعل وانغ بوزي تشعر بالأسى والقلق، فلم تجد غير أن تهدئه بالكلمات:
“حسنًا، حسنًا، ستذهب جدتك لتساعدك، وسنجعلهم يلعبون معك…”
هدّأت وانغ بوزي حفيدها فترة من الزمن، ثم نظرت إلى الساعة، فرأت أن الوقت قد اقترب من عودة ابنها وزوجته من العمل، وكان عليها البدء في إعداد الغداء. لكنها لم تستطع فعل ذلك لأن حفيدها كان يصرخ بأنه يريد الخروج للعب بعد الظهر.
فتوجهت أولًا إلى منازل الأطفال في سن وانغ داتونغ، مثل تشن جيانقوه وتشاو كانغنيان، وهذه المرة بدلت أسلوبها المتعجرف، وظهرت بوجه بشوش ومرحٍ لم يُرَ عليها من قبل.
أما أهالي الأطفال فقد فهموا مقصدها على الفور: الأمر يتعلق بحفيدها. والحق يُقال، وانغ داتونغ لم يكن صعب المراس، لكن جدته وانغ بوزي كانت مزعجة جدًا.
فمثلًا في المرة الماضية، حين لعبوا الغميضة، وقع أحد الأولاد في الطين، وتمزق بنطاله بسبب حجر، فصاحت وانغ بوزي بأعلى صوتها وكأن أحدهم حاول قتل حفيدها.
لذلك، لم يكن لديهم رغبة حقيقية في أن يلعب أطفالهم مع حفيدها. أطفالهم يخرجون للعب من أجل المرح، لا ليكونوا خدماً لحفيدها.
لكن أمامها، قالوا لأطفالهم بلطف: “لا بأس، خذوا داتونغ معكم للعب.”
فرد الأطفال وهم يعبسون ويحركون أيديهم رفضًا:
“نحن نلعب حاليًا بلعبة الشطرنج، وهي لعبة دا جاي ومن معه.”
وقد قال دا جاي إن جدة داتونغ ذهبت إلى بيتهم بنفسها، ومنعتهم من اللعب معه، وأشارت إلى والدتهم وبدأت تشتمها، ولهذا، لم يعودوا يرغبون في اللعب معه، كي لا تأتي جدته مرة أخرى وتبدأ في شتم عائلاتهم.
سمعت وانغ بوزي هذا الكلام، فغضبت وخاب أملها، وفي النهاية، لم تجد مفرًا من الذهاب إلى لين تشوشيا.
في هذا الوقت، كانت لين تشوشيا تستعد لتحضير الغداء: أرز بالنقانق، مع قلي بعض البيض المقلي، وتحضير شوربة بيض مع الأعشاب البحرية. ولو كانت قريبة من البحر، لكانت أعدت شوربة رأس السمك…
سمعت طرقًا على الباب، فظنت أن شيه جينغمينغ قد عاد، فنادت على دا جاي ليفتح الباب.
فتح دا جاي الباب، فرأى جدة وانغ داتونغ واقفة هناك، فعبس قليلًا، وبوجهه الصغير البارد وملامحه الصارمة التي تحمل قليلًا من عدم الارتياح، قال لها:
“يا جدة، من فضلك، هل هناك شيء تودين قوله؟”
قالت وانغ بوزي بابتسامة لطيفة:
“أنا جئت لأرى أمكم، هل هي موجودة؟”
كانت وانغ بوزي قد أتت للاعتذار، ووجهها مليء باللطف والود.
سمعت لين تشوشيا الصوت وهي تطبخ، فخرجت، ورأت وانغ بوزي، وكان تعبير وجهها مطابقًا لتعبير دا جاي، وقالت:
“يا خالة، هل هناك أمر ما؟”
ردت وانغ بوزي:
“الأمر هو أنني أتيت للاعتذار، عما حدث بالأمس، أنا فعلاً آسفة، لقد كنت قلقة جدًا، ولم أستمع جيدًا لما قاله الطفل، فاندفعت بسرعة.”
كانت وانغ بوزي من النوع الذي لا يجد صعوبة في حفظ ماء الوجه، وقد امتلأ وجهها بالابتسامة وهي تعتذر.
قالت لها لين تشوشيا ببرود:
“لا بأس.”
فهي لم تكن لتنخرط في شجار مع وانغ بوزي، وقد جاءت لتوها إلى عمارات العسكريين، ويجب عليها على الأقل أن تُظهر حسن النية.
قالت وانغ بوزي وهي تتابع الحديث:
“ولدنا دا يونغ، هو أيضًا يريد اللعب مع أطفالكم. كله بسببي، فهذه فمي الوقح…”
ثم صفعت نفسها بخفة على فمها، فردت لين تشوشيا بنبرة خفيفة، بأن الأطفال إن أرادوا اللعب معًا فلا بأس، أما تدخل الكبار فهو غير مستحب.
في الأيام القليلة التالية، لم يكن لدى “لين تشوشيا” أي نية للانشغال بهذا الأمر، لأن الأطفال ذهبوا إلى المدرسة، أما هي، فمنذ أن بدأت بتناول اللحم (في إشارة إلى العلاقة الحميمة)، بدا أن “شي جينغمينغ” قد أصبح مدمنًا على هذه اللعبة ولا يستطيع التوقف عنها، خصوصًا بعد أن ينام الأطفال مبكرًا بسبب نعاسهم، فيبدأ وقت الكبار الخاص بهم.
في البداية، كانت “لين تشوشيا” ترى أن الشباب يتمتعون بقوة بدنية رائعة، وكانت تشعر بالاكتفاء التام من العلاقة يوميًا.
لكن لاحقًا…
أصبح “شي جينغمينغ” يحب جرّها للعب في الحمّام، مما أغضب “لين تشوشيا” بشدة، فضربته عدة مرات قائلة:
“هل تفكر لاحقًا بأن ننتقل إلى غرفة المعيشة أو المطبخ أيضًا؟
أيها الرجل ذو العقل المليء بالأفكار القذرة!”
ولم يكتفِ “شي جينغمينغ” بعدم تفادي الضرب، بل أمسك يد “لين تشوشيا” بخوف من أن تؤذي يدها وهي تضربه.
قال بجدية شديدة:
“هذا مستحيل، غرفة المعيشة والمطبخ قد يراهم الأطفال بسهولة. باب غرفة الأطفال يفتح مباشرة على الصالة، وباب المطبخ لم يُغلق بعد.”
“لين تشوشيا”: …
غضبت لدرجة أنها عضته مرتين، وقالت:
“هل يوجد من يتحدث بهذه الطريقة؟! لا تخجل ولو قليلًا!! يا لك من وقح!”
ومع أن “شي جينغمينغ” أصبح أكثر تحررًا وجرأة يومًا بعد يوم، لم تعد “لين تشوشيا” ترغب في الحديث معه، وأرادت أن تترك له وقتًا للتفكير في أفعاله:
“تصرفاتك هذه تصرفات بلطجي وسافل!”
أما “شي جينغمينغ”، فاضطر إلى التهدئة، وظهر على وجهه براءة تامة.
(في داخله): “أنا فقط ألعب مع زوجتي، فهل هذا يُعد ذنبًا؟”
وفي مكان لم يره فيه “شي جينغمينغ”، مدت “لين تشوشيا” يدها لتفرك خصرها. كانت تعاني مؤخرًا من ألم في الخصر، واعتقدت أنه عليها أن تهتم أكثر بجسدها، فقد سمعت أن هناك من يبيع السلاحف في سوق جنوب المدينة، يمكنها إعداد شوربة سلحفاة.
وحتى السمك مقبول، وستفكر أيضًا في بعض الأعشاب الطبية التي تغذي وتجمّل البشرة.
“المرأة عندما تتقدم في السن، لا يمكنها الاستغناء عن التعويض الغذائي!”
أما بالنسبة لـ”شي جينغمينغ”، فقررت أن تدعه يرتاح قليلًا في الفترة القادمة، كي لا يرهقها كثيرًا بسبب شهوته.
وفي اليومين التاليين، ذهبت “لين تشوشيا” وسألت بعض الجارات المتزوجات بجانبها، وسألت بصوت خافت ولم تقل إنها تواجه مشكلة، بل فقط ادعت أنها تريد أن تقوي جسدها.
وهكذا… تم تفسير الأمر خطأ من قبل الآخرين، وظنوا أن “شي جينغمينغ” هو الذي يعاني من مشكلة!
وبعد يومين أو ثلاثة، بدأ “شي جينغمينغ” يشعر بأنه لم يشبع من “اللحم” مؤخرًا، وأصبح مزاجه سيئًا، فصار أكثر صرامة في تدريبه للجنود.
وفي ظهيرة أحد الأيام، عندما عاد إلى المنزل، استوقفه المفوّض السياسي القديم، وأخرج له مجموعة من الأعشاب الطبية بطريقة غامضة للغاية، وقال:
“خذها إلى المنزل، واصنع بها شوربة دجاجة مسنّة، أو اغلي بها دواءً صينيًا، فأنت رجل، وأنا أفهمك، أفهمك.”
حدّق “شي جينغمينغ” في المفوّض السياسي بذهول:
“ها؟ ماذا تقول؟”
ولما رآه المفوّض يتظاهر بعدم الفهم، ابتسم بتفهّم، فبصفته رجلًا، فهو يعرف أن الرجال يعتزون بكرامتهم، ولا يحبون أن يظهروا بمظهر الضعف أمام الآخرين.
قال له:
“خذها معك، واذهب لتتناول طعامك، ولا تجهد نفسك كثيرًا بعد الآن.”
ففي التدريبات، كان “شي جينغمينغ” يبذل جهدًا أكبر من أي جندي، ليكسب احترامهم.
“أما بالنسبة لإنجازك الأخير، فقد تم الحديث عنه على مستوى عالٍ، وقريبًا، ستتخلص من لقب (نائب)…”
كان المفوّض السياسي يحب هذا الشاب الواعد، لذلك قال كلامه بصوت منخفض كي لا يحرج “شي جينغمينغ”.
“شي جينغمينغ”، الذي أُعطي كومة من الأعشاب، لم يفهم ما يجري، فحملها إلى المنزل وسلمها لـ”لين تشوشيا”.
وبعد يومين آخرين، سمع “شي جينغمينغ” من الآخرين عن الإشاعة التي تقول إنه “غير قادر”، وكل هذا بسبب أن “لين تشوشيا” قالت إنها بحاجة لتقوية جسدها!
غضب بشدة، وفي تلك الليلة، قرر أن يثبت عمليًا لـ”لين تشوشيا” إذا ما كان قادرًا أم لا.
وفي النهاية، اكتشف…
آه، اتضح أن المشكلة ليست فيه، بل فيها هي.
وبعد ذلك، إذا سمع
من أحد شيئًا، صار يتظاهر بأنه لم يسمع شيئًا.
هو لا يحتاج إلى كرامة، لكن زوجته تحتاج!
وسام الرجل، ليس بالضرورة أن يُظهره للغرباء!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 35 - نــــــهاية 2025-08-18
- 34 2025-08-18
- 33 2025-07-07
- 32 2025-07-07
- 31 2025-07-07
- 30 2025-05-09
- 29 2025-05-08
- 28 2025-05-08
- 27 2025-05-08
- 26 2025-05-08
- 24 2025-05-06
- 23 2025-05-06
- 23 2025-05-06
- 22 2025-05-04
- 21 2025-05-04
- 20 2025-05-04
- 19 2025-05-04
- 18 2025-05-04
- 17 2025-05-04
- 16 2025-05-04
- 15 2025-04-16
- 14 2025-04-16
- 13 2025-04-16
- 12 2025-04-16
- 10 2025-04-14
- 9 2025-04-14
- 8 2025-04-14
- 7 2025-04-14
- 6 2025-04-14
- 5 2025-04-11
- 4 2025-04-11
- 3 2025-05-18
- 3 2025-04-11
- 2 2025-04-11
- 1د 2025-04-16
- 1 2025-05-08
- 1 2025-04-11
- 0 2025-03-15
التعليقات لهذا الفصل " 32"