اليوم الثالث في تربية الصغار
رفع الثلاثة الصغار رؤوسهم في آن واحد ونظروا إليها، بأعينهم السوداء اللامعة، مما أثار في قلب “لين تشوشيا” شعورًا بالشفقة يا لهم من أطفال مساكين.
حسنًا…
كانت تنوي أن تطلب من هؤلاء “الصغار الأشرار” العودة إلى غرفتهم والنوم على أسرتهم،
لكنها عندما ذهبت للبحث عن الملابس، اكتشفت أن أسرّتهم ضيقة، صغيرة، فوضوية، ومتّسخة للغاية.
منذ أن تزوجت المالكة السابقة للجسد بـ “شيه جينغ مينغ” ولم تدخل حتى إلى غرفة الزفاف بسبب مغادرته العاجلة للمهمة العسكرية،
تعرّضت للسخرية من أهل القرية. ومع تحريض ابنة عمها، لم تهتم أبدًا بتنظيف أسرّتهم.
تنهدت، آه، مرة أخرى… ذنبٌ آخر من ذنوب المالكة السابقة.
“هيا بنا، سأقودكم إلى غرفة نومي أولاً.”
أمسكت “لين تشوشيا” بأيدي الثلاثة الصغار الذين بدؤوا يشعرون بالنعاس وسارت بهم نحو غرفتها.
لكن ما إن وصلوا إلى الباب حتى اكتشفت أنه مقفل.
تحسست جيبها، لم تجد المفتاح. آه… تذكّرت. معظم الطعام واللوازم كانت مخبّأة في هذه الغرفة.
الحبوب التي استخدمتها لطهي العصيدة سابقًا كانت من ضمن المؤونة المخفية
خصيصًا لتجنّب سرقتها من الصغار أو زوجة العم.
وحتى لو سُرقت، لن يعرفوا أنها خبأت المزيد بالداخل.
ولأن زوجة العم لم تجد المفتاح، خرجت غاضبة ودفعَت “لين تشوشيا” بشدة، فتسببت في جرحها ونزف جبهتها. فظنت أنها قتلتها وهربت مذعورة، ناسية أمر الطعام تمامًا.
المفتاح لم يكن معها، بل كان مخبّأ أسفل إحدى الطوب قرب باب الغرفة. لم تخفِ “لين تشوشيا” شيئًا عن الصغار، بل رفعت الطوبة أمامهم وأخرجت المفتاح.
راقبها الأطفال الثلاثة الهزيلون والسود البشرة بهدوء، يرمشون بعيونهم السوداء، دون أي تعبير على وجوههم، وكأن المشهد لا يعنيهم.
دخلت الغرفة بعد فتح الباب، فوجدت أنها مرتّبة ونظيفة. الطعام كان مخبّأ أسفل السرير، الملابس موضوعة على الأريكة المقابلة،
طاولة عالية عليها إبريق ماء دافئ، أوراق، أدوات كتابة، رباط شعر، وغيرها من الأغراض الصغيرة.
سعلت خجلًا—حياة المالكة السابقة لم تكن سيئة تمامًا، المشكلة الوحيدة أنها كانت تُهان من زوجة عمها.
عندما التفتت خلفها، لم تجد الصغار قد دخلوا. كانوا واقفين على الباب متجمدين، لا يجرؤون على الدخول.
كادت أن تناديهم بلطف، لكنها قطّبت حاجبيها وقالت بنبرة غير مبالية:
“ما بالكم واقفين عند الباب؟ ادخلوا! هل أنتظر حتى أدعوكم رسميًا؟”
الأخ الأكبر مدّ يده الصغيرة ليحمي أخويه خلفه. كان يعتقد أنها تخدعهم لتدخلهم ثم تغلق الباب وتضربهم بشدة.
“ادخلوا للنوم، علينا أن نستيقظ باكرًا غدًا لتنظيف المنزل المتّسخ. فهمتم؟”
قالت “لين تشوشيا” وهي تلاحظ نظرة الحذر في عيني الكبير.
بعد سماع هذا، بدأ الأخ الأكبر يقتنع، فأمسك بأيدي إخوته وتقدّم.
لكن الأخوين ظلّا يتمسّكان بثيابه بينما يداهما الآخرَيان مشدودتان، كأنهما مستعدان للهجوم.
لين تشوشيا: …
“اصعدوا إلى السرير، أنظروا إلى أقدامكم! قذرة جدًا، غسلتُها للتو. هل تعرفون كم تعبت في جلب الماء؟”
قالت بتأفف ورفعت عينيها، ثم رفعت الأخ الأكبر ووضعته على حافة السرير.
عندما رفعته، شعر بالفزع من تحرّك جسده في الهواء، فتمسك بشعرها بشكل لا إرادي.
“آخ… ما بك؟! تظنني سأضربك؟ لو كنت سأضربك، هل كنت سأطهوا لكم العصيدة وأغسلكم؟
لا وقت لديّ لإضاعة جهدي! اكبر وتعلّم، وثُر لأجل أمك! هل ترى جبيني؟ كم يؤلمني بعد أن ضربتني زوجة عمك اليوم!”
استمرت “لين تشوشيا” في التذمر، نبرتها مثل المالكة السابقة، لكن كلماتها جعلت الأطفال الثلاثة يشعرون بالارتياح.
“إذًا هذا سبب تغيرها المفاجئ…”
فكروا في أنفسهم ربما كانت خطتها أن تُربّيهم حتى ينتقموا لها لاحقًا!
رفعت الطفلين الآخرين واحدًا تلو الآخر، ووضعتهم على طرف السرير.
“اجلسوا جيدًا ولا تضعوا أقدامكم على السرير. سأذهب لإحضار قطعة قماش لمسح أرجلكم.”
خرجت “لين تشوشيا”، بينما التصق الصغار الثلاثة ببعضهم وهمسوا:
“أخي، ما الذي حصل لها؟”
كان الأخ الأكبر في الوسط، يجلس على يمينه ويساره أخويه. الصغير كان خائفًا ومتعلقًا بثيابه، بينما الثاني بدا مترددًا.
قال الكبير بتعجرف طفولي: “همف! بالتأكيد أدركت أنها لا تستطيع هزيمة زوجة العم وحدها،
وتعرف أنني أنا، شيه هونغ تشو رائع جدًا!”
قالها بفخر، متجاهلًا أنه نطق اسمه كما تناديه تلك “المرأة الشريرة”.
“واو…”
كان الأخ الأصغر يثق بأخيه الأكبر بشدة. فهو من كان يجلب له الطعام عند الجوع، ويحميه من الضرب.
لكن الثاني عبس بتردد:
“لكن، إذا لم تستطع هي مقاومة زوجة العم… كيف سنقدر نحن؟”
رفع الأخ الأكبر قبضته الصغيرة قائلاً: “الرجل لا يقول ‘لا أستطيع’!”
وصلت “لين تشوشيا” إلى الباب، وسمعت حديثهم الصغير. ابتسمت دون أن تضحك—هل يظنون أن أصواتهم خافتة؟ ومن أين سمعوا هذه العبارات أصلاً؟
عندما رآها الأطفال الثلاثة، صمتوا تمامًا. نظفت أقدامهم، ثم خرجت مرة أخرى لتجهيز حمامها.
عادوا للحديث برؤوس متلاصقة. قال الأخ الأكبر بنبرة طفولية متفاخرة:
“إن أذتنا، سنهجم عليها معًا! أخوكم سيحميكم!”
أومأ الأخوان برأسَيهما بحماسة، ثم بدأوا يتفحصون الغرفة.
السرير كبير جدًا مقارنة بأجسامهم الصغيرة، مهما تقلبوا فيه سيبقى واسعًا.
غسلت “لين تشوشيا” نفسها، ونظّفت الحمام، واقترب الليل.
لم تكن تنوي فعل شيء آخر، ففي هذا الزمن، لا كهرباء، النوم مع الغروب أمر طبيعي.
عادت للغرفة، فوجدت الأطفال يتوقفون عن اللعب عند رؤيتها. صعدت على السرير، ونظّمتهم، ثم سألت:
“هل تريدون أن أحكي لكم قصة قبل النوم؟”
فكّرت في أن معاناة الطفولة هي ما يجعل الأشرار يصبحون مظلمين.
إن أرادت أن تربيهم بشكل جيد، فعليها أن تعلّمهم معنى اللطف، الشجاعة، الذكاء، والرغبة في التعلم.
“استلقوا جيدًا، سأحكي لكم مغامرات الخنزير الصغير.”
اتسعت أعينهم السوداء الداكنة وهم يستمعون لها تقول “أمكم”، ويتساءلون عمّا تخطط له.
الأخ الأكبر نفخ خديه، وكأنه لا يهتم، لكنه أصغى.
الثاني نظر إليها بفضول، لكنه ظلّ متشككًا.
أما الصغير، فامتصّ إصبعه الصغير، مترددًا بين حبّه للاستماع وخوفه منها.
بدأت الحكاية:
“في زاوية من الغابة، عاشت مجموعة من الخنازير السوداء. وفي يوم، وُلد خنزير أحمر اللون.
عندما رأته أمه، خافت وظنّت أنه مريض.
رغم حبّ الأم له، إلا أنه كان يتعرض للتنمر من باقي الخنازير.
وقف الخنزير الأحمر وحيدًا، ينظر إليهم يلعبون، ويتمنى أن ينضمّ إليهم، ثم ينظر إلى حوافره الحمراء.
قالت له أمه إنه مريض فقط، وسيشفى لاحقًا…
ولكنه تذكر أن أمه أخبرته بوجود مملكة للحيوانات في الجنوب البعيد، فيها كنز يشفي جميع الأمراض…”
كان صوت “لين تشوشيا” ناعمًا، لكن القصة طالت، فبدأ الأخ الأكبر يغضب ويتخيّل نفسه مكان الخنزير:
“سنضربهم!”
قالها غاضبًا.
أما الثاني، فسأل ببراءة:
“هل توجد حقًا مملكة حيوانات وكنز يشفي كل شيء؟”
بينما فكر الثالث فقط في: “أريد اللحم…”
لين تشوشيا: …
ربما لم تكن مناسبة لرواية القصص.
مدّت يدها وربّتت على رأس الأخ الأكبر:
“من السيء أن تفكّر في الضرب دائمًا، يا كبير.”
وما إن رفعت يدها حتى تجمّد الأطفال الثلاثة، يخشون أن تضربهم.
لكن لم يكن هناك إلا لمسة ناعمة على الرأس، كأنها تهدئه.
“همف، من يجرؤ على إيذائي أو إخوتي، سأضربه! وإذا لم أستطع… سأعضه!”
فكّر الأخ الأكبر بعناد.
“حسنًا، وقت النوم الآن. ربما سترون في أحلامكم خنزيرًا سمينًا.”
قالت “لين تشوشيا” وهي تفكر أنها بحاجة لإعادة النظر في محتوى القصص التي ترويها.
لا بد من أن يناموا مبكرًا—السهر قاتل!
أدرك الأطفال أنها لا تنوي ضربهم، فشعروا بالراحة. تعبوا بسرعة، وسرعان ما غطّوا في النوم.
استمعت “لين تشوشيا” إلى أصوات أنفاسهم الناعمة، ثم أغمضت عينيها ونامت.
في الحلم، وجدت نفسها… في مكان مألوف.
مهلاً… أليس هذا المتجر الصغير الخاص بها؟
نعم، “لين تشوشيا” كانت تعمل في العصر الحديث لسنوات. في شبابها أحبّت المغامرة القفز بالحبال،
سباقات السيارات…
وحين تقدّمت بالسن قليلاً، تعبت، فافتتحت متجرًا صغيرًا أملاً في حياة هادئة تعتمد فيها على المتجر لتعيش تقاعدًا سعيدًا.
لكن، فجأة، وجدت نفسها داخل رواية…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــ
يـــــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل
وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 3"