لكن، أن ينادي الطفل المتغطرس والدته بـ”ماما” سرًا أمام الآخرين، فقد كانت لحظة أثارت حماسًا في قلب “لين تشوشيا” لا يمكن لأحد فهمه.
وحين أثنت عليه، لم تستطع كبح نفسها، فطبعَت قبلة ولمسة حب على خده. “طفلي الصغير المشاكس هو الأفضل! هذا ابني!”
أما “دا زاي”، الذي تلقى هذا الإطراء والقبلة من هذه المرأة الشريرة، فقد احمرّت أذناه وخداه على الفور، وامتدّ الاحمرار ليغطي وجهه بالكامل.
وكان يشعر أصلاً بالحرج، والآن زاد خجله، وبدأ يركل الأرض بقدميه الصغيرتين غاضبًا بخجل، وقال بصوت طفولي مرتبك:
“أنتِ، أنتِ، أنزليني، أنزليني الآن…”
لكنه لم يتمكن من قولها بنبرة قوية، بل بدت مثل تمتمة خجولة، وجعلت جسده كله يرتجف من الإحراج والضيق.
نظرت “لين تشوشيا” إلى شكله، وفهمت أن طفلها المتعجرف الصغير يشعر بالخجل، فارتسمت على شفتيها ابتسامة مقوسة، وعيناها تلمعان كنجمتين:
“حسنًا حسنًا، طفلي صار يعلم كيف يراعي مشاعر ماما، صار يعرف أن ماما تتعب إذا حملته، صح؟”
تعمدت فهم كلامه بشكل خاطئ، وأعلنت ذلك صراحة، مما جعل “طفل” يشعر بإحراج أكبر،
فحدق بها غاضبًا بخجل، قبل أن تهبطه من يديها.
وما إن أنزلته حتى اندفع راكضًا إلى داخل المنزل، لا يرغب في مواجهة “لين تشوشيا” في تلك اللحظة.
هل كان “إفل ثاني” و”سا يختبئان خلف الباب، يقلدان أسلوب “لين تشوشيا” في التجسس، وعندما رأيا “دا زاي” يُحتضن ويُقبّل، اتسعت أعينهما من الذهول.
ثم رأيا “دا زاي” يركض بساقيه القصيرتين ويعبر عتبة الباب بسرعة.
وبينما كان يركض، كانت “لين تشوشيا” قد اقتربت منهما، لتجد أمامها الطفلين اللطيفين، “إر زاي” و”سان زاي”، اللذين تعلّما فن المراقبة.
قالت بابتسامة:
“إر زاي، ماما تحبك كثيرًا أيضًا.”
ولم تنسَ أن “إر زاي” هو أول من ناداها بـ”ماما”. وبما أن “شيا جينغمينغ” قد لا يعود، فستعيش معهم الأربعة متكاتفين.
وإن تجرأوا على عصيانها، فالأم العظيمة ستعاقبهم بعقاب مجتمعي قاسٍ!
ثم انحنت ورفعت “إر زاي” بذات الطريقة، وكان في الرابعة من عمره، أخف من “دا زاي” بخفة ملحوظة،
ثم هزّت جسده قليلًا وقالت:
“إر زاي، هل تحب ماما؟”
كان “إر زاي” لا يزال مذهولًا، فقبل أن يستوعب ما يحدث، رُفع في الهواء وسمع هذا السؤال المباشر… هل يحب ماما؟
توهّجت مشاعره للحظة، لم يفكر يومًا في الإجابة، لكنه كان يعلم أنه طالما “لين تشوشيا” موجودة،
فإن الجدة الكبرى، حتى لو أرادت ضربهم، فلن تجرؤ.
صحيح أن “لين تشوشيا” كانت تؤذيهم من قبل، لكن… ذلك كان في الماضي. بعد حديثها معهم، بدأت تتغير.
وبالنسبة لهم، فإن “لين تشوشيا” الحالية أفضل من تلك القديمة، ولو بالمقارنة فقط.
أما بالنسبة لسؤالها، فقد راودته أفكار كثيرة، لكنه لم يرد. عندها، مثلما حدث مع “دا زاي”، طبعت قبلة على وجهه وقالت متظاهرة بالحزن:
“يا للظلم، ماما تحب إر زاي كثيرًا، لكنه لا يحب ماما… ماما حزينة جدًا…”
ثم أنزلته وجلسَت على عتبة الباب، تتنهد بحزن شديد، تنبعث منها طاقة من الحزن والانكسار، لا يمكن تجاهلها.
أما “إر زاي”، الطفل الحنون الدقيق، فقد شعر بالتوتر عندما رأى هذا المشهد. ظل واقفًا في مكانه مشوشًا، وبعد ثوانٍ، تقدم ببطء.
مد يده الصغيرة وسحب طرف قميصها، وقال بصوت طفولي ناعم
:
“ماما، إر زاي… إر زاي، أيضًا، يُحبك…”
وما إن سقطت كلماته الناعمة حتى
أشرقت ملامح “لين تشوشيا”، واستدارت فجأة واحتضنت طفلها الرقيق:
“كنت أعلم أن إر زاي يحب ماما!”
وفي اللحظة التالية، سلمته مصاصة ضخمة وقالت:
“هذه الحلوى الكبيرة مكافأة للصغار الذين يحبون ماما!”
كانت المصاصة بحجم قبضة يد شخص بالغ، وعندما سلمتها له، نظر “سان زاي”، الطفل الخجول ذو الشهية الكبيرة، إلى الحلوى بعينين متألقتين.
عيناه الكبيرتان والسوداوان تلمعان، تحدقان بالحلوى بشغف، وبصمتٍ، تنقلان رسالة واضحة: “أنا أريدها.”
رمش “إر زاي” بعينيه، وقد لاحظ رغبة “سان زاي” في الحلوى، لكنه تذكّر أن “لين تشوشيا” قالت إنها مكافأة لمن يحبها، مما يعني أن “سان زاي” لم يحصل عليها.
فشدّ قبضته على الحلوى دون وعي. هو… هو، ليس أنه لا يريد إعطاءها، لكن… لكن… ربما على “سان زاي” أن يكون أكثر شجاعة.
رغم أن “إر زاي” رقيق ومتفهم، إلا أنه مجرد طفل في الرابعة، ويحب الحلوى كثيرًا، خاصة تلك الكبيرة،
كانت هذه أول مرة يرى واحدة بهذا الحجم، وقد أحبها كثيرًا… كثيرًا جدًا…
وشعر ببعض المرارة في قلبه، وتساءل: لو لم يُعطِ الحلوى لأخيه، هل سيبدو وكأنه ليس أخًا جيدًا؟
وبعد صراع داخلي، رفع رأسه ونظر إلى “سان زاي”، ثم قرر أن يؤدي واجبه كأخ كبير، وتقدم خطوة ليعطيه الحلوى.
لكن، قبل أن يكمل حركته، كانت “لين تشوشيا” قد رفعت “سان زاي” بالفعل.
جلست على العتبة وهي تحتضنه في حجرها، وهو في الثالثة من عمره، خفيف جدًا، لا يزال نحيلًا بعض الشيء، بالتأكيد لأنه لم يأكل ما يكفي بعد.
قالت له:
“سان زاي، ماما لم تتحدث كثيرًا معك، لكنك دومًا مجتهد، تساعد في نشر الغسيل، وتساعد في قطع عشب الخنازير.
يا إلهي، وأنت بهذا العمر الصغير، وتقوم بكل هذه الأعمال! أنت حقًا نعمة من الله على ماما…”
نبرة “لين تشوشيا” في حديثها مع “سان زاي” لم تكن مثلما كانت مع “دا زاي” حين أثنت عليه،
ولا مثلما كانت مع “إر زاي” حين غلبتها العاطفة، بل كانت ناعمة ورقيقة، تدلل الطفل بحنان،
وبين طيات كلامها امتدحت اجتهاده المعتاد. فلتتذكروا، “سان زاي” لا يزال في الثالثة فقط، لا يشتكي من التعب، ولا يتذمر من المشقة.
وفي اللحظة التي احتضنته فيها “لين تشوشيا”، أصيب “سان زاي” بالذهول. فحتى الآن،
كانت العلاقة الحميمة مع “لين تشوشيا” من نصيب “دا زاي” و”إر زاي”، ولم يحدث أن احتضنته هكذا من قبل.
عينيه المستديرتين اتسعتا من الخوف، وحدّق بعينيه المبللتين نحو “لين تشوشيا” بنظرة مظلومة،
وكأنه على وشك الانفجار بالبكاء في اللحظة التالية.
قالت “لين تشوشيا” مهدئةً بصوت ناعم:
“سان زاي الحبيب، ماما كانت تمدحك، لا تبكِ، لا تبكِ.”
وعندما لاحظت ارتجافه في أحضانها وتذكرها أنه لم يسبق لها أن تحدثت إليه أو احتضنته من قبل،
أدركت فجأة السبب في خوفه منها.
من المؤكد أن هذا بسبب ما ارتكبته “النسخة السابقة” من نفسها.
ورغم أنها لا تحب الاعتراف بذلك، لكنها الآن تستخدم جسدها، وبالتالي فالذنب ذنبها.
كان عليها أن تُراجع نفسها.
وبينما كانت “لين تشوشيا” تهدهده بلطف بين ذراعيها، وتربت على ظهره برقة، همست بصوت ناعم ومطمئن:
“سان زاي الحبيب…”
تحت تأثير هذه الطمأنينة والحنان، بدأت مشاعر الخوف في “سان زاي” التي كادت تفجر الدموع من عينيه تهدأ تدريجيًا
، واستطاع أخيرًا الجلوس في حجرها من دون أن يصرخ أو يقاوم.
قالت له “لين تشوشيا”:
“سان زاي، ماما تطبخ لك اللحم كل يوم، أليس كذلك؟”
كانت ترى أنه من الضروري التواصل عاطفيًا مع “سان زاي”. فطفل في مثل سنه لا ينبغي أن يكون منطويًا أو خجولًا إلى هذا الحد.
فهو مستقبلًا سيكون عبقريًا، وعالمًا!
حين سمع “سان زاي” هذا الحديث الحنون، وتذكّر وجبات اللحم الشهية والدافئة التي يتناولها كل مرة،
ارتسمت على وجهه تعابير الذاكرة الجميلة، وهزّ رأسه بإذعان.
فقالت له “لين تشوشيا” متابعةً الحديث بصوت ناعم مخصص للأطفال:
“علينا أن نشرب الحليب صباحًا، ونأكل اللحم في كل وجبة، حتى نصبح سمينين، ثم نطول، صحيح؟”
نظر “سان زاي” إلى “لين تشوشيا” بعينيه السوداوين الواسعتين دون أن يرمش، وأصغى إلى كلامها،
ثم تذكر طوله، وفكر في أطوال أطفال الآخرين، فعقد حاجبيه ورفع قبضتيه الصغيرة بحزم.
هو أيضًا يريد أن يكبر ويطول!
قالت له “لين تشوشيا”:
“سان زاي، أنت جميل، وإذا أكلت جيدًا، فستصبح في المستقبل شابًا طويلًا وقويًا.”
وفي تلك اللحظة،
نظرت إلى عينيه، ورأت فيهما نظرة مليئة بالثقة والإصرار، وكأنه يقول: نعم، سأكون كذلك!
ضحكت “لين تشوشيا” بصوت خفيف، شعرت بالرضا.
يبدو أن داخل “سان زاي” ليس ضعيفًا كما يظهر، ربما… فقط كان خائفًا في السابق.
لذلك، كان عليها أن تواصل تهدئته وتغذية ثقته بنفسه.
“سان زاي مجتهد وذكي أيضًا، حتى في لعبتي الطاولة والمكعبات، يستطيع الفوز على دا زاي وإر زاي، هذا مدهش جدًا!”
وفي اللحظة التي قالت فيها ذلك، كان الأخوان، “دا زاي” و”إر زاي”، يختلسان النظر من الخلف.
سمعا كلامها، وظهرت على وجه “إر زاي” الصغير لمحة من الاستسلام، أما “دا زاي” فانتفخ من الغضب، تقولين ما تشائين، لكن لمَ الزج بنا في كلامك؟
لا شك، هذه المرأة الشريرة تفعلها عن قصد.
خاصة “دا زاي”، الذي لم ينسَ أنها قبل قليل رفعته للأعلى، وقبّلته، وقالت له كم تحبه، ومع ذلك…
رمق من طرف عينه الحلوى الضخمة التي في يد “إر زاي”، لم يكن يحسد أخاه على الحلوى، لكنه شعر بالظلم: ألم تقل “لين تشوشيا” إنها تحبه كثيرًا؟ فلمَ لم تهدِه له؟
شعر بالمرارة.
هل… هل يعني ذلك أن “دا زاي” ليس محبوبًا بما فيه الكفاية؟
بدأ بإزاحة أطراف قميصه بيده، غارقًا في دوامة من الأفكار المزعجة…
لين تشوشيا: وهي تربي ثلاثة أطفال يختلفون في شخصياتهم، عليها أن تكون أكثر حرصًا وعدلًا، وتمسك الميزان بيد متساوية…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دا زاي: هذا فظيع! لا بد أنها لم تعد تحب دا زاي!
إر زاي: أنا الأخ الأكبر، يجب أن أُعطي المصاصة لأخي الصغير.
سان زاي: أنا الألطف بينهم…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 23"