اليوم كان يومًا سعيدًا ومليئًا بالرضا من جديد،
شعر الصغار الثلاثة أن أسعد ما في الحياة هو الأكل حتى الشبع، بل وتناول اللحم أيضاً.
وفي المساء، تم غلي حساء العظام اللذيذ، ولأول مرة يكتشف الصغار أن الحساء المغلي من العظام يمكن أن يصبح أبيض اللون كأنه ماء غسل الأرز،
وتفوح منه رائحة زكية للغاية، مما يجعل الأرز المنقوع فيه لذيذًا بشكل خاص.
مرة أخرى، أكلوا حتى امتلأت بطونهم، وبعد الطعام، لعبوا بالمكعبات، ثم بعد قليل من الراحة، تم أخذهم للاستحمام.
الشيء الوحيد الذي لم يُرضِ “لين تشوشيا” هو أنها يجب أن تذهب لجلب كميات كبيرة من الماء يوميًا،
كما أنها لا تجيد ذلك كثيرًا، لكنها للأسف ليست شخصية خارقة، ولم تتعلم كيفية تركيب مواسير مياه الشرب.
رغم أن السوبرماركت يحتوي على زجاجات مياه، لكنها مخصصة للشرب، ولو استُخدمت في غسل الصحون أو الاستحمام… فسيكون ذلك إسرافًا فادحًا.
بعد أن سحبت الماء، وضعت راحة يدها الحمراء أمام الصغار الثلاثة قائلة:
“آخ، يد ماما تؤلم كثيرًا، هل يستطيع كنزي الكبير أن ينفخ قليلاً على راحة يد ماما؟”
نظر الصغار الثلاثة الذين بدؤوا بتغيير نظرتهم تجاه “المرأة الشريرة” إلى يدها الحمراء،
وبعد تردد قصير، اقتربوا برؤوسهم الصغيرة ونفخوا بلطف على كف يد “لين تشوشيا”.
عندما رأت “لين تشوشيا” أولئك الأشقياء الثلاثة يتصرفون بلطف، رق قلبها وفكرت: هل تستطيع استخدام عربة خشبية لسحب الماء في المستقبل؟
لكنهم لا يملكون واحدة، ولا تعرف أحدًا في القرية جيدًا… ربما عليها أن تطلب “مساعدة” لتصنيع واحدة خصيصًا لذلك!
بعد أن قررت، اكتفت بالماء الذي جلبته:
“هيا، استحموا واحدًا تلو الآخر، فقط الصغار النظيفون والناعمون ذوو الرائحة الطيبة هم من يُحبهم الآخرون…”
كلما غسلت الملابس، كانت تصطحبهم إلى النهر لتفركها هناك، باستخدام صابون طبيعي من شجرة الصابون،
وبعد أن تجف، تفوح منها رائحة الشمس النظيفة المنعشة.
لاستحمام الصغار، استخدمت شامبو خاص بالأطفال، جعل أجسادهم تفوح منها رائحة زكية.
وُضعت المصابيح الكبيرة اللامعة في الحمام، المطبخ، الغرف، وصالة الطعام.
البيت الطيني المكون من طوب وسقف من البلاط لا يشبه تخطيط المنازل الحديثة، بل كان مخططًا أفقيًا:
من اليسار غرفتا النوم، في الوسط صالة الطعام، تليها المطبخ، وعلى الجانب الآخر الحمام.
المنزل لم يكن كبيرًا ولا يحتوي على فناء، بيت مغلق مصنوع من الطوب الطيني، الباب الأمامي في صالة الطعام،
بينما خلف المطبخ يوجد باب خلفي ضيق، مصنوع من الخشب.
وفي هذه اللحظة، فكرت “لين تشوشيا” أنه لو جاء أحدهم بفأس وبدأ بقطع الباب، ألن يستطيع التسلل بسهولة؟
لم ترَ من قبل أبوابًا حديدية تُباع في السوق، ما جعل الأمر معقدًا.
في الليل، أرادت أن تروي للصغار الثلاثة قصة للنوم، لكنها لم تكمل سوى بضع جمل، حتى سألها الكبير بعيونه اللامعة:
“ذلك… ذلك الخنزير الأحمر، ماذا حدث له؟”
في الواقع، حلم الصغير عدة مرات بالخنزير الأحمر، وكان يرغب بشدة في معرفة ما حدث لاحقًا.
عندما طرح سؤاله، أراد أن ينادي “ماما”، لكنه لم يستطع قولها، فقط تجاوز النداء وطرح سؤاله مباشرة.
بمجرد أن سأل، تذكّر الاثنان الآخران الخنزير الأحمر المنبوذ من الخنازير السوداء.
لا بد أن السبب في ذلك أن لحم الخنزير الأحمر ليس لذيذًا مثل لحم الأسود.
نظراتهم البريئة المليئة بالترقب ضغطت على “لين تشوشيا”،
لقد اجتهدت لابتكار قصة عن مكافأة الطيبين، وأنتم تشتاقون للخنزير الأحمر؟!
قالت بابتسامة عذبة وبصوت ناعم:
“لكن، أردت أن أحكي لكم قصة الخنزير الكبير، والخنزير الثاني، والخنزير الثالث وهم يزورون متجر التوزيع في المدينة…”
كان واضحًا أن الخنازير الثلاثة هم رمز لهم. لم يسبق لهم زيارة متجر التوزيع، فتزاحموا حولها لسماع القصة.
بدأت تحكي لهم عن كيف عثرت الخنازير الثلاثة على محفظة وأعادوها للشرطي، ثم تم مكافأتهم بثلاث مصاصات.
الصغار الثلاثة: مصاصات؟!
لم يتذوقوا السكر من قبل، فراحوا ينظرون إليها بأعين متلألئة مليئة بالتمنّي.
لين تشوشيا: ……
“ناموا، تناول السكر ليلًا يسبب تسوس الأسنان.”
أجبرتهم على النوم وهم يتذمرون، خاصة أن الصيف يجعل النوم الجماعي حارًا جدًا.
آه، لو كان هناك كهرباء، لأخرجت مروحة من السوبرماركت!
بينما كانت على وشك النوم، شمّت رائحة كريهة مريبة، ترافقت مع أصوات “سسس” خفيفة.
فتحت عينيها فجأة، وفتحت المصباح القريب من السرير. رأت ظلًا يتسلل خارج النافذة…
حدّقت بشدة:
تلك الأصوات، وذلك الشكل… هل كانت… أفعى؟!
تذكّرت أنها كانت قد سألت سابقًا امرأة مسنّة في القرية عن سبب وجود الأفاعي، وقالت إن وجودها عند سفح الجبل أمر طبيعي.
لحسن الحظ، كانت قد أخذت مسبقًا احتياطاتها، فبحثت في السوبرماركت ووجدت بودرة الزرنيخ الأصفر،
وقامت برشها حول الغرفة وأسفل السرير. بعد قليل، بدا أن الأفعى غادرت.
لكن “لين تشوشيا” لم تعتقد أن دخول الأفعى للمنزل كان صدفة.
هل هي هدية “رد الجميل”؟
ففي أول ليلة لها، أهدت العمة الكبرى هدية، فهل هذا… تبادل الهدايا؟!
خرجت إلى الصالة، ورشّت المزيد من البودرة حول البيت، المطبخ، الحمام…
ثم لاحظت أن حول سقف المنزل وعلى الجانب الخلفي، نمت عشرات النباتات الغريبة. استغرقت وقتًا لتتذكر اسمها:
نبتة جاذبة الأفاعي.
كانت تذكر أن الشخصية الأصلية تم تحذيرها من هذه النبتة من قِبل عجوز طيبة، وقيل لها أنها تجذب الأفاعي، ولا يجب إحضارها إلى المنزل.
لكن لماذا يزرعها الناس؟
لأنها تُستخدم كطُعم لصيد الأفاعي بسهولة، فتُستخدم لحومها للطعام.
ملاحظة: لا يُنصح بأكل الحيوانات البرية. هذا لمتطلبات الحبكة فقط، لا تقلدوا ذلك!
لكن “لين تشوشيا” لم تصدق أن زراعتها خلف منزلها كان صدفة.
فكّرت: من قد يحمل لها الضغينة؟ لا أحد سوى عائلة العمة الكبرى…
خصوصًا بعد أن علمت أن “لين تشيوشوان” حُبست بسبب فضيحة خطوبة.
وضعت القليل من البودرة على نفسها، واقتربت من النباتات وسحبتها بسهولة، فقد كانت مغروسة حديثًا.
ثم، بخطى خفيفة ومليئة بالسرور، ذهبت إلى منزل العمة الكبرى، لكنها لم تكن شريرة مثلها، فقط رمت النباتات عند الباب دون زراعتها.
بعدها، غسلت يديها في النهر، ثم عادت إلى المنزل وكأن شيئًا لم يكن.
في صباح اليوم التالي،
استفاقت “لين تشوشيا” للتو من نومها، ولا تزال في حالة نصف وعي، حينما دوى في أذنها صراخٌ مفاجئ حادٌّ مرعب،
وكأنه صراخ شخص رأى شبحًا.
لم تكن هي وحدها من سمعه، بل حتى الجيران في الجهة المقابلة لمنزل “العمة غاو” سمعوه أيضًا.
تأفف بعضهم، متضايقين من الإزعاج المستمر، لكنهم لم يلقوا له بالًا.
في منزل “العمة غاو”، كان اليوم من نصيب زوجة الابن الثاني لتحضير الفطور حسب جدول “نوبات الطهي” الأسبوعي.
وبينما كانت تتثاءب وتتجه إلى المطبخ بنصف وعي، وما إن فتحت قفل خزانة الحبوب لتحضير العصيدة،
حتى لدغتها أفعى في يدها!
لماذا… لماذا توجد أفعى هنا؟!
صرخت مذعورة:
“شيه هونغ يوان!! شيه هونغ يوان!!!”
الأفعى هربت، ولم تترك سوى جرحٍ دامٍ بثقبي أنياب واضحين.
كان “شيه هونغ يوان” لا يزال يرتدي حذاءه بتكاسل، لكن حين سمع صراخ زوجته المذعور،
اندفع بسرعة نحو المطبخ.
“هناك أفعى! لقد عضّتني!” صرخت وهي تبكي.
“هيا، نذهب للطبيب العجوز في مدخل القرية!” قال مذعورًا.
في هذا الزمان، لا وجود لمصل مضاد لسمّ الأفاعي، وكان الأمل الوحيد في الأعشاب الطبية لدى الطبيب الشعبي.
خاف “شيه هونغ يوان” أن تموت زوجته، فأسرع بها إلى الطبيب، وفي الطريق، تذكّر:
“ما هذه المصيبة؟ أول أمس أُصيبت أمي، واليوم زوجتي؟ هل أصاب بيتنا شيء من النحس؟!”
لكن زوجته لم تكن قادرة على سماعه من شدة رعبها، ظنّت أنها ستموت، وانفجرت بالبكاء:
“هونغ يوان… هل… هل سأموت؟ الأفعى عضّتني… أنا… أنا خائفة جدًا…”
أما بقية أفراد عائلة شيه، فحين علموا بأن زوجة الابن الثاني تعرضت للدغ أفعى، لم يبدُ عليهم الاهتمام، واعتبروا الأمر مبالغة.
صرخت “العمة غاو”:
“هيه! زوجة الابن الأكبر، اذهبي لتحضير الفطور!”
تذمرت زوجة الابن الأكبر، وشعرت بالظلم: ألم يكن الدور على زوجة الابن الثاني؟ لماذا يجب أن أتحمل يومًا إضافيًا؟
لكن حين رفضت التحرك، صرخت “العمة غاو” وبدأت بالتحقير:
“ماذا؟ تريدينني أنا، أمّ أولاد، أن أعد الطعام؟ أنا من أنجبت ولدين، ألا أستحق الراحة؟ أنتِ، اذهبي أنجبي اثنين، ثم تعالي تحدّثيني!”
كان كلامها موجّهًا بوضوح، تسخر من أن زوجة الابن الأكبر أنجبت فقط بنتين، بينما زوجة “شيه جينغ مينغ” لديها ثلاثة أولاد، مما أزعجها بشدة.
اشتعل غضب الزوجة الكبرى، ونظرت شرا نحو زوجها “شيه قوهآن”، وهي تشعر بالمرارة، لكن لم يكن بيدها حيلة، فذهبت بصمت لتحضير الطعام.
أما “العمة غاو”، فبدأ الشك يتسلل إلى قلبها…
هل ما حدث لهم بسبب ما فعلته الليلة الماضية؟! هل هو عقاب؟
خرجت من البيت تتفقد، ولم يكن من الصعب اكتشاف الجاني.
فأمام منزلهم مباشرة، كانت كومة من نباتات جاذبة الأفاعي!
صرخت بأعلى صوتها:
“من هذا الوغد الذي رمى نبتة جذب الأفاعي أمام بابي؟!”
سمعها نصف سكان الحي.
حتى زوجة الابن الأكبر، التي كانت تطهو العصيدة، خرجت غاضبة وقالت:
“من هذا الحقير قليل الضمير اللي عملها؟! هل وُلد بدون مؤخرة؟!”
سخريتها تلك أثارت غضب “العمة غاو”، لكنها تظاهرت بعدم السماع.
هل نسيت أنها فعلت نفس الشيء؟!
قالت بصوت غاضب:
“أكيد هي لين تشوشيا، الحقيرة، ضربتني بالأمس، والآن جاءت لتنتقم! يا لها من خبيثة!”
ثم أمسكت بالنباتات، وانطلقت تبحث عن “لين تشوشيا” لتحاسبها.
زوجة الابن الأكبر نظرت بدهشة:
ما دخل “لين تشوشيا” في الأمر؟ أليس القائد قد حذرهم من الاقتراب منها؟!
بناءً على معرفتها بـ “لين”، كانت دائمًا ضعيفة تُضرب بلا مقاومة، فكيف تجرؤ على فعل شيء كهذا؟!
ربما العمة نفسها هي من جلبت العداوة إلى بيتها…
فصاحت:
“قوهآن! أسرع! أمّك ذاهبة لتفتعل مشكلة مع “لين تشوشيا” من جديد!”
كاد “شيه قوهآن” يسقط من الذهول، وركض يلحق بأمه،
لكن “العمة غاو” كانت قد وصلت بالفعل إلى باب “لين”، وبدأت تصرخ، ترمي بالنباتات على الأرض، وتصرخ بأبشع الشتائم.
استفاقت “لين تشوشيا” من النوم وهي تتثاءب، والأطفال الثلاثة كانوا لا يزالون نائمين، لكن صراخ “العمة” أيقظهم.
حتى الجيران خرجوا ليشاهدوا المشهد من بعيد، فالفوضى في بيت “العمة غاو” كانت دومًا مادة دسمة للفرجة.
“لين تشوشيا” خرجت بهدوء وقالت بلطف:
“عمّتي، ماذا جاء بكِ؟”
كأنها لا تدري شيئًا.
صرخت “العمة غاو”:
“أيتها العاهرة! وضعتِ نبتة جذب الأفاعي أمام بابي! هل تريدين قتلي؟! هل جننتِ؟!”
وهاجمتها، لكن “لين” تفادت الضربة، وكادت “العمة” تسقط على الأرض من شدة اندفاعها، مما جعل الناس يصدّقون أنها اصطدمت بالحائط بالأمس بسبب حماقتها.
قالت “لين” ببراءة:
“أنا؟ متى فعلتُ ذلك؟ أنا لم أذهب إلى الجبل أمس أصلًا. هل تحاولين تلفيق تهمة لي؟”
ردت “العمة” بصراخ متوتر:
“من يدري؟! ربما خرجتِ في منتصف الليل لتفعلينها!”
لكن صوتها المرتفع المرتجف كشف ترددها، و”لين” التقطت ذلك بذكاء.
قالت “لين” بنبرة مكسورة:
“لكننا تصالحنا بالأمس، والقائد أصلح بيننا، لماذا تفترضين أنني أريد أذيتكِ؟”
“العمة غاو” غضبت جدًا، وفي لحظة انفعال، قالت دون قصد:
“أكيد لأنكِ عرفتِ أنني أنا من زرعتها في بيتكِ، فجئتِ تنتقمين، أليس كذلك؟!”
سكتت فجأة بعدما أدركت أنها اعترفت أمام الجميع!
لكن “لين تشوشيا” لن تدعها تفلت.
صرخت فجأة بدهشة:
“عمّتي! كيف تجرئين؟! زرعتِ نبتة جذب الأفاعي في بيتي؟! هذا فظيع! الحمد لله أن السماء عادلة وعاقبتكِ!”
ردت “العمة” باندفاع:
“نعم، زرعتها في بيتك، وأنتِ انتقمتِ مني! أليس كذلك؟!”
وفي اللحظة التي كانت ستهجم فيها مجددًا، اختبأت “لين” خلف الحشد، و”العمة” حاولت ملاحقتها.
وصل “شيه قوهآن” في تلك اللحظة، وكان قد سمع آخر اعترافاتها…
صرخ:
“أمي!! ما الذي تقولينه؟! أمام الناس؟! هل جننتِ؟!”
ثم جرّها بقوة إلى المنزل، وهي تصرخ وتحاول الإفلات.
قال “شيه قوهآن” للناس معتذرًا:
“عذرًا أيها الجيران، أمي أصيبت بالحمى منذ الأمس، واليوم رأت أفعى، فربما اختلّ عقلها وقالت كلامًا بلا وعي…”
الجميع أومأ بابتسامة مصطنعة:
نفهم… لكن ما في القلب في القلب.
وفي المنزل، ما إن وصلوا، حتى صرخ “شيه قوهآن”:
“أمي! كيف تجرئين على فضحنا بهذا الشكل؟! كل القرية عرفت الآن!”
تفاجأ الأب “شيه وانغ” وزوجة الابن الأكبر وسألوا:
“ما الذي حصل؟!”
أجاب بوجه متجهم:
“أمي زرعت نبتة جذب الأفاعي عند بيت “لين”، ثم اعترفت بذلك أمام الجميع!”
فقالت “العمة” بتلعثم:
“أنا… لم أقصد… لكن تلك الحقيرة أغضبتني!”
صرخ فيها الأب:
“كفى! هل لا يمكنكِ التزام الهدوء؟!”
ضرب الطاولة، وجلست “العمة” دون أن تنبس ببنت شفة.
بعد أن غادر “شيه قوهآن” وهو يجرّ والدته، التفتت “لين تشوشيا” إلى الجيران المتفرجين،
ونظرت إليهم بوجه حزين وبنبرة امتنان:
“لم أكن أتوقع أن عمتي قد تكون شريرة إلى هذه الدرجة… أن تزرع نبتة جذب الأفاعي أمام بيتي
لا أعرف من هو الشخص الطيب الذي لاحظ الأمر… لا بد أنه فعل ذلك بدافع حُبّه لزوجي جينغ مينغ، حقًا، أنا ممتنة جدًا…”
قالت ذلك والدموع تملأ عينيها، بانفعال يشبه البكاء من شدّة التأثر.
أما الجيران الذين سمعوا، فلم يشكّ أحدهم في كلامها.
الجميع يعلم أن “العمة غاو” امرأة متسلطة شرسة، لا تحب أحدًا، وتتنمّر على كل من حولها.
كثير من الناس لا يطيقونها أصلاً، فما بالك حين يتأكدون أنها تحاول الإضرار بأم أرملة مع ثلاثة أطفال!
قال أحدهم:
“الحمد لله، أن العقاب جاءها سريعًا. هذا هو الجزاء العادل.”
وقالت أخرى:
“تخيلي لو أن الأفعى دخلت بيتكم، الأطفال ما زالوا صغارًا جدًا، ماذا كان سيحدث؟”
“اذهبي الآن لتحضير الفطور، لا بأس عليكِ.”
وقالت عجوز أخرى بصوت هامس:
“يالإلهي العمة غاو تخطت الحدود، هذه تُعتبر محاولة قتل! علينا إبلاغ قائد الفريق، لا بد من ردعها!”
كان الجميع يعتبر الشجار السابق بين “لين” والعمة مجرد مشاكل عائلية، لكن محاولة قتل؟!
لا أحد يرضى أن يكون التالي على لائحة العمة السوداء.
“نعم! سأذهب فورًا لإبلاغ القائد!”
قالت امرأة ضخمة الجسم وهي تلوّح بخصرها،
وانطلقت فورًا في اتجاه بيت القائد.
أما “لين تشوشيا”، فلم تكن تتوقع أن تؤول الأمور إلى هذا الحد من الحُسن، وهي لم تخشَ أن تُتهم
، لأن الاعتراف صدر من فم العمة نفسها، وبحضور جميع الجيران.
ولم يعرف أحد أنها هي من ردّت الهدية بذكاء…
الجميع ما زال يظن أن “لين تشوشيا” هي تلك الزوجة الضعيفة الخجولة التي تُضرب ولا ترد – عدا أطفالها الثلاثة، فهم وحدهم يعرفون الحقيقة.
بعد أن ودّعت الجيران، عادت إلى بيتها بابتسامة دافئة، وقالت وهي تدخل المنزل:
“أحبائي الصغار، استيقظوا، حان وقت غسل الوجه وتنظيف الأسنان، وسنأكل الفطور بعد قليل…”
وبينما كانت تدخل، خرج الصغار الثلاثة من الغرفة وهم يرتدون أحذيتهم الصغيرة.
قالت لهم:
“اليوم، سنأكل فطائر باللحم ونشرب الحليب، لنصبح طوال القامة، أقوياء البنية، حسنًا؟”
ثم أضافت:
“وبعد الإفطار، سنذهب معًا لنجمع علف الخنازير، موافقون؟”
فردوا ببراءة:
“موافقووون!”
بالنسبة لهم، طالما أنهم يأكلون حتى الشبع، فكل شيء آخر لا يهم. حتى جمع العلف ليس مشكلة.
وبعد أن أنهوا الإفطار، وغسلوا الأطباق بسرعة، خرجت “لين” برفقة الصغار.
في الطريق، التقت ببعض أهل القرية، فقالوا ممازحين:
“إلى أين يا زوجة جينغ مينغ؟ ومعكِ الجيش الصغير؟”
ضحك أحدهم وقال:
“هل ستأخذينهم إلى الحقل؟”
ردّت مبتسمة:
“لا، سنذهب لقطع علف الخنازير، سأمر بالمخزن لأخذ المنجل.”
في ذلك الزمن، كانت الأدوات الزراعية ملكًا جماعيًا للقرية، لا يسمح بامتلاكها شخصيًا.
وبينما ذهبت لأخذ المنجل، جعلت الأطفال ينتظرون خارجًا، ثم رفعت المنجل ولوّحت به بثقة،
وانطلقت مع صغارها نحو سفح الجبل.
وفي نفس الوقت، وفي أقصى الحدود، كان “شيه جينغمينغ” قد أُصيب إصابة بالغة أثناء تنفيذ مهمة،
ونُقل إلى مستشفى ميداني، والحمى تشتعل في جسده.
زملاؤه كانوا يشعرون بالذنب، أحدهم قال:
“لو أنني كنت أكثر حذرًا… لما تعرّض لهذا!”
نظروا إليه وهو يتألم في غيبوبة، يبكي ويتشنج، حتى اضطر الأطباء والممرضات للتدخل سريعًا.
لكن الألم الذي كان “جينغمينغ” يشعر به، لم يكن بسبب الإصابة فقط…
بل من كابوس مرعب كان يراه.
رأى نفسه قد استُشهد أثناء مهمة، وأطفاله الثلاثة تُركوا في القرية دون أب، وزوجته “لين تشوشيا” أصبحت كزوجة أب شريرة، تضربهم وتوبّخهم،
وتحرمهم من الطعام، فيضطرون لأكل الأعشاب البرية وبقايا الطعام…
وحين كبروا قليلًا، كانت تطاردهم بالعصا، وتجبرهم على العمل لإعالتها…
في الحلم، كان “جينغمينغ” يرى كل شيء من بعيد، يصرخ، يحاول لمسهم، لكنه لا يستطيع التأثير على شيء، كل شيء يمر أمامه كأن روحه فقط هي الموجودة.
ألم، وندم، وغضب…
كيف؟! كيف تُعامل أطفالي هكذا؟!
لين تشوشيا!!!
استفاق من الحلم وهو يبكي ويتشنج، والطبيب هرع نحوه!
صرخ أحد الجنود:
“الطبيب! الطبيب! تعال بسرعة! إنه يتشنج! حالته تسوء!”
وسارع الطبيب العسكري لإسعافه…
…
لكن في الطرف الآخر من البلاد، لم تكن “لين تشوشيا” تعلم شيئًا عن هذا.
ففي رواية الأصل، كانت “شيه جينغمينغ” شخصية تُقتل في مهمة ولن تظهر مجددًا، ولهذا كانت تركّز الآن بكل جهدها على تربية أطفالها الثلاثة ليصبحوا أناسًا صالحين، نافعِين للوطن والمجتمع.
أو على الأقل… أن يكبروا بصحة جيدة، وأن يكونوا أولادًا بارّين يعيلون أمهم في شيخوختها…
لحسن الحظ، علف الخنازير لا يُجمع من أعالي الجبال، بل من السفوح.
قالت للصغار بحماس:
“أولادي الأحبّاء، عليكم أن تتعلموا من ماما كيف نعمل، حسنًا؟!”
لكن الحقيقة أن “لين” لم تكن تعرف كيف تجمع العلف، فبدت حركاتها خرقاء جدًا.
نظر إليها الصغار بدهشة…
ما هذه الحركة الغريبة؟!
كانوا قد رأوا الجارات من قبل وهنّ يجمعن العلف بحركات ماهرة وسريعة.
أما “لين”، فكانت بالكاد تسيطر على المنجل، وكادت تؤذي نفسها!
الصغير الأكبر عبس، يفكر:
هل أساعدها؟ لكن إن فعلت، ستطلب مني المساعدة كل مرة…
الصغير الأوسط قبض بيده الصغيرة وهو متوتر، يفكر:
لقد قدمت لنا اللحم، الفطائر، الحليب، الأحذية… يجب أن أساعدها!
الصغير الأصغر كان يتأملها بدهشة:
لماذا تحرّكها مختلفة عن باقي الجارات؟
وأخيرًا، لم يحتمل الأوسط، فتقدم منها وقال بصوت ناعم:
“هل… هل أساعدك؟”
استدارت “لين” باندهاش، وأدركت ما قاله، فهزّت رأسها بقوة:
“لا لا لا، لا يمكن! أنت ما زلت في الرابعة من عمرك! لا يجوز لك أن تقوم بالأعمال الشاقة!”
لكنه حار في أمره…
لكن أولاد الجيران يساعدون في كنس الأرض، وجمع الحطب… لماذا أنا لا؟
وما إن همّ بالمساعدة، قفز الأخ الأكبر وقال:
“لا! سأقوم أنا بذلك!”
كيف أدع أخي الصغير يعمل وأنا لا؟ هذا لا يصح!
بدأ الشجار، وفكرت “لين” في كلماتها…
هل قلت لهم يمكن أن يساعدوا؟! لا لا، المنجل حاد جدًا! ماذا لو جرح أحدهم؟!
وفجأة قال الأوسط بصوته الرقيق:
“ماما، أنا عطشان…”
هذه الكلمة…
كأن سهمًا من الطفولة قد اخترق قلبها!
“ماما”؟!
تجمّدت، ثم أشرقت ملامحها، وغمرت السعادة وجهها:
“حبيبي! ماما ستحضر الماء فورًا! كيف نسيت أن آخذ الزجاجة؟!”
ركضت فرحة بخطى سريعة نحو البيت.
أما الصغار الثلاثة، فحدّقوا فيها…
هذه المرأة الشريرة… سهلة الخداع جدًا!
قرروا من سيجمع العلف بقرعة “حجر ورقة مقص”، ففاز الأوسط، وجلس الأكبر حزينًا على طرف التل:
“انتبه لنفسك يا أخي…”
وبينما كان الأوسط “شيه شينغ” يجمع العلف بحركات رشيقة ومنظمة، كان الأكبر يراقبه بانبهار ويهمس:
“أنت رائع يا أخي!”
قال الأوسط بصوت ناعم:
“أمي تتعب كثيرًا، تعطينا لحمًا، فطائر، حليبًا، ملابس… يجب أن أساعدها.”
الأكبر كان يربط العشب إلى حزم، وعندما عادت “لين”، رأت الحزم المرتبة بعناية، فذهلت:
“مَن… مَن قام بكل هذا؟!”
رد الأوسط بشجاعة:
“أنا.”
ألقت بزجاجة الماء جانبًا، واحتضنته قائلة:
“أنت بطل يا شينغ! حين تكبر، سنغزو معًا كل عشب الجبل!”
—
تعليق نهاية ا
لفصل:
لين تشوشيا: عليك أولًا إعطاء “حلوى”، ثم “ضربة”، لا تكسر حماسة الأطفال فجأة!
الأخ الأكبر: أنا أخٌ غير مؤهل… لم أتمكن من الفوز بالعمل… أخي، أنت حقًا رائع.
الأوسط: لو لم أساعد، المرأة الشريرة ستتوقف عن إعالتنا!
الأصغر: سأنجح أيضًا! يقبض على قبضة يده الصغيرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يـــــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل
وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 18"