كانت “العمة غاو” غاضبة لأن “لين تشوشيا” خدعتها من
قبل، قائلة إنه لم يعد لديهم مال أو طعام،
بل وأخافتها وهي تغطي رأسها بالدم وكأنها ستموت، مما جعلها تهرب مذعورة، لكن تبين أن كل ذلك لم يكن إلا فزعاً كاذباً.
وعندما وصلت إلى باب منزل “الذئاب الصغيرة البيضاء” الثلاثة، سمعت من الداخل ضحكاً وأصواتاً مليئة بالفرح.
ذلك المشهد الدافئ جعل غضبها يتحول إلى خزي، خصوصاً أن بيتها كان يعجّ بالفوضى الآن.
بمجرد دخولها، لم تكن تنظر إلى أحشاء الخنزير بازدراء فحسب،
بل إن نظرات الذئاب الثلاثة الصغيرة البيضاء كانت تملأها بالغيظ، فكيف لشخص مثل “العمة غاو”
ذات الطبع الحاد أن يتحمل ذلك؟ والأسوأ أنها لاحظت أن هؤلاء الأطفال الثلاثة البغيضين يرتدون أحذية جديدة.
أحذية جديدة!
بمجرد أن تذكرت كم أنفقت من مالها في متجر التوزيع لشراء الأحذية، بدا الغضب واضحاً على وجهها وهي تتجه نحو الأطفال الثلاثة محاولة نزع الأحذية منهم.
لم يكن حفيدها قادراً على ارتدائها الآن، لكنها فكرت أنه عندما تحمل زوجة ابنها الآخر وتلد، فإن الطفل سيكبر ويرتديها.
لكن قبل أن تتحرك، تقدمت “لين تشوشيا” وهي تبتسم لتعتذر. في البداية، كانت “العمة غاو” تنوي التفاخر وإعطاء “لين” درساً قاسياً لتُريها قوتها، ولكن…
هذه المرأة الحقيرة، أمسكت بشعرها فجأة وارتطمت بها في الجدار بقوة!
“طنننغ!” دوى رأس العمة غاو بالألم، صرخت بصوتٍ عال وكأنها تحتضر،
الألم انتقل من رأسها إلى أذنيها وبدأت دموعها تسيل، كم كان ذلك مؤلمًا…
تقلصت حدقات أعين الأطفال الثلاثة بشدة من الصدمة، توقف تنفسهم، ولم يصدقوا أعينهم:
المرأة الشريرة… تغلبت على العمة الكبرى؟!
“لين تشوشيا!” صاحت “العمة غاو”، لم تتعلم من الدرس بل شعرت بإهانة كبرى أن تجرؤ “لين” على ضربها.
أمسكت بها “لين” مجددًا من شعرها، وكانت على وشك ضربها مرة أخرى.
صوتها الحاد والمسموم كان يشبه صرير المعادن، ومن نبرة صوتها، علمت “لين” أن “العمة غاو” لم تستسلم بعد.
آه، كيف لهذه المرأة أن تكون بهذه القوة؟!
السابقة (المتجسدة القديمة) لامستها مرة واحدة فقط واختفت إلى الأبد.
“آه يا عمتي العزيزة، لماذا أنتِ غاضبة هكذا؟ أليس هذا الهدية التي أحببتِها دائماً؟ ألستِ من يرسل لي مثل هذه الهدايا طوال الوقت؟…”
تحدثت “لين تشوشيا” بابتسامة مريبة، مثل مريضة مهووسة، واقتربت من أذن “العمة غاو” بصوت رقيق،
لكنها شدت شعرها بقوة أكبر.
قبل أن ترد “العمة غاو”، اصطدمت رأسها بالجدار مرة ثانية، هذه المرة نزف الدم منها فعلاً.
الأطفال الثلاثة لم يستطيعوا تصديق أعينهم،
المرأة الشريرة… كيف أصبحت بهذا العنف؟!
“هل تريدين قتلي؟!” صرخت “العمة غاو”، رأسها يدور بشدة، أرادت الصراخ لكن شعرت بالغثيان فجأة.
في تلك اللحظة، كانت “لين تشوشيا” تستعد لترك “العمة” على الأرض، لتموت وتذوق اليأس كما ذاقته هي
لكن فجأة، تجمد جسدها.
مثل ساعة عتيقة تحركت ببطء، وأدارت رأسها لترى الأطفال الثلاثة ينظرون إليها بذهول، بأعين واسعة صامتة.
كادت تبكي من الندم، هل أفسدت مستقبلهم؟!
لو أن هذه المشاهد العنيفة أثرت على طفولتهم، وتحولت أحلامها في تربيتهم على اللطف والتعاون والدراسة والولاء للوطن إلى سراب، فماذا ستفعل؟!
كل هذا بسبب انفعالها المفرط، الذي جعلها تنفس عن غضبها،
حتى نسيت وجودهم.
سحبت ابتسامة صلبة على وجهها وقالت بلطف قسري، “في الواقع، أمي كانت لطيفة جدًا، فقط، عمتكم الكبرى بالغت في إيذائنا، لذا اضطررنا للدفاع عن أنفسنا…”
بدأ عقلها يعمل بسرعة، مع أن العذر كان واهياً، لكنها فكرت،
ماذا لو صدقوه؟
ثم جلست على ركبتيها لتهدئهم، وفجأة، جاء صوت صاخب من الباب:
“عمة غاو، لا تفعلي شيئًا شريرًا!”
“تشوشيا، لقد أتيتُ مع قائد الفريق لإنقاذك!”
كان الصوت بعيدًا،
لكنه محمّل بالقلق خشية أن تكون “لين” قد ماتت.
حين سمعت “لين تشوشيا” ذلك، تغيرت ملامح وجهها على الفور، نظرت إلى “العمة غاو” الملقاة على الأرض، ثم إلى الأطفال الثلاثة.
قالت:
“العمة الكبرى شريرة جدًا، تعالوا نعاقبها معًا، اتفقنا؟”
ثم ربتت على رؤوسهم وهمست: “لا تقولوا شيئًا، فقط ابكوا.”
عندما اقتربت “الزوجة الكبيرة” وقائد الفريق من الباب، سمعوا من الداخل أصوات بكاء حادة. شعر القائد بضيق مفاجئ في صدره، هل… مات أحدهم؟
أسرع بخطاه، لكنه لم يصل إلى الباب حتى خرجت “لين تشوشيا” و”العمة غاو” تتشاجران،
“لين” تبكي وتصرخ،
“عمتكِ الكبرى، كيف تجرؤين على معاملتنا هكذا؟!”
أما “العمة غاو” فكانت تسب بفظاظة،
“أيتها الحثالة، سأمزق وجهكِ! سأقتلك أيتها الـ…”
ثم هاجمتها بقسوة.
صرخ القائد:
“توقفي!”
لكنه كان متأخراً، فقد رفعت “العمة” يدها لتضرب “لين”، فدفعتها الأخيرة وسقطت على الأرض.
جلست “لين” على الأرض تبكي بمرارة، دون أي اعتبار لمظهرها الجميل، تضرب قدميها وتصرخ:
“جينغمينغ، لماذا لست في البيت؟! زوجتك وأطفالك يُضربون!”
“أنت في الخارج تحمي الوطن، بينما نحن هنا نُهان ونُضرب…”
صوتها كان حزينًا جدًا، مما جعل كل من سمعها يشعر بالأسى.
وانضم الأطفال الثلاثة بالبكاء، وركضوا نحوها، يحتضنونها، يبكون بمرارة.
عند سماع اسم “جينغمينغ”، أصبح وجه القائد أكثر حرجًا.
لم يكن هذا الحرج موجهًا إلى “لين تشوشيا”، بل إلى “العمة غاو” التي دُفعت.
كان “شيه جينغمينغ” قد التحق بالجيش، وخرج لحماية الوطن. هذا أمر يستحق الاحترام والفخر
، لكن أهل القرية، بدلاً من أن يعتنوا بعائلته، سمحوا لهم بأن يُضربوا ويُهانوا.
عندما دُفعت “العمة غاو” وتعثرت إلى الوراء، تذكرت ما حدث أمس عندما دُفعت أمام الناس من قبل زوجة ابنها الثاني،
وهو ما جلب لها الإذلال. غضبها اشتعل من جديد.
لقد كانت تكره “لين تشوشيا” منذ البداية، فوجهت كل غضبها نحوها. لم تستطع الرد على زوجة ابنها،
لكن هل “لين تشوشيا” صعبة إلى هذا الحد؟ حتى لو كان القائد موجودًا، فهي لم تكن تضعه في اعتبارها.
أو ربما، كانت ترى أن الخلاف مع أبناء “عائلة شيه” لا علاقة له بالقائد.
صرخت:
“لين تشوشيا! تجرؤين على دفعي؟! تبًا لكِ، سأمزقكِ إربًا!”
نهضت بتمايل من الأرض، متجاهلة بكاء “لين”، وواصلت تهديدها. لكن يبدو أنها نسيت قاعدة بسيطة:
من يصرخ أولاً قبل أن يضرب، يتم إيقافه دائمًا.
وهكذا، عندما سمع القائد تهديدها الغاضب، ورأى وجهها المشوّه بالحقد، صرخ بصوت غاضب:
“سون شو!!!”
الرجال الذين رافقوا القائد كانوا يفهمون لغة العيون جيدًا، فبمجرد رؤيتهم لملامحه، هرعوا لإيقاف “العمة غاو”.
لم تكن “العمة” مستعدة للاستسلام بسهولة، وبدأت تلوّح بذراعيها القويتين في وجههم، مخدشة أذرعهم بأظافرها الطويلة.
لكن الرجال لم يكونوا ضعفاء أيضاً، وبعد أن خدشتهم، أمسكوا بيديها وأجبروها على الثبات، وكأنهم شرطة تمسك بمجرم.
صرخت “العمة غاو”:
“أيتها اللقيطة! أيتها الحقيرة المقرفة!”
لكن “لين تشوشيا” تجاهلتها. كانت تعرف أن تصرفات “العمة” تبدو شرسة، لكنها على أهبة الاستعداد.
وإن لم يمنعها القائد، فكانت مستعدة للدفاع عن نفسها بأي وسيلة.
قالت “العمة غاو” للقائد وهي تصرخ وتشتكي:
“قائد الفريق! انظر إلى جبيني! إنها ضربتني، هذه القذرة!”
لكن “لين” بكت وهي ترد بصوت مرتجف:
“أنتِ… أنتِ من اصطدمتِ بالجدار! أنتِ فقط من تضطهد زوجات الجنود.
لو… لو لم أعد أتحمل، فسأذهب للبلدية أو المحافظة لأرفع شكوى! ووووووو!”
كانت تبكي وهي تغطي وجهها، وكان البكاء مليئًا بالحزن والألم.
تقدمت ثلاثة رؤوس صغيرة، الأطفال الثلاثة، ودفنوا رؤوسهم في حضن “لين تشوشيا”، وبكوا معها، مكونين صورة أسرية حزينة.
توجهت كل مشاعر الغضب نحو “العمة غاو”، فحتى لو ادعت أن “لين” ضربتها، فإن الجميع يعرف أن “لين” كانت امرأة خائفة،
ضعيفة، تُضرب باستمرار من قبل “العمة” وعائلتها.
الأغلب ظن أن “العمة” كانت على وشك ضرب “لين”، لكنها تفادت الضربة، واصطدمت هي بالجدار بنفسها.
قال القائد:
“سون شو! كلنا نعرفكِ جيدًا. من العار أن تهاجمي زوجة جندي! جينغمينغ يدافع عنا بدمه، ونحن هنا نضرب زوجته؟”
توقف قليلاً بعد سماع “لين” تقول إنها سترفع شكوى،
فكر أن لو وصلت القضية إلى الجهات العليا، سيكون أول من يُحاسب.
بدا على “العمة غاو” الدوار والغضب، فصرخت:
“قائد الفريق! أنتَ منحاز! لم تحقق في شيء! اسأل الأطفال الثلاثة! لقد رأوا كيف أمسكتني من شعري وضربت رأسي بالحائط! أنا من نزف دمه، أووووه…”
لكن وهي تتكلم، بدأ الدوار يشتدّ عليها وبدأت بالتقيؤ، فخفف الرجال من قبضتهم خوفًا من أن تتقيأ عليهم.
في هذه اللحظة، كان عدد كبير من سكان القرية قد تجمع حول منزل “لين تشوشيا”، وتحدثوا بصوت عالٍ:
– “واضح إن العمة غاو كانت تنوي إيذاء زوجة جينغمينغ، وانقلب السحر عليها.”
– “صحيح، لو كانت تشوشيا قوية حقًا، لما كانت تُضرب من عائلة شيه طوال الوقت.”
– ” الاطفال مساكين، اسمعي بكاءهم، يقطع القلب.”
كل هذه الكلمات كانت بمثابة صفعات على وجه “العمة”، حتى أغمي عليها من شدة الغضب والدوار.
وفي الطرف الآخر من القرية، كان “شيه قوهآن” (الابن الأكبر) وزوجته قد سمعوا بالأحداث من الأهالي،
فأسرعوا عائدين.
لم يكن لديهم مشكلة في أن تذهب الأم (العمة غاو) لإزعاج “لين تشوشيا”، فهي عادة ما تعود بأغراض من منزلها.
لكن “لين” كانت قد تعرّضت للأذى مؤخراً، وكانت لا تزال مصابة. فلماذا العودة لإثارة
المتاعب؟
لو أصيبت “لين” إصابة قاتلة، فسيُمنع أحفادهم من دخول المدينة أو العمل مستقبلاً.
عندما وصلوا، صُدموا بأن من أغمي عليه لم تكن “لين”، بل أمهم!
قال القائد بنبرة صارمة:
“أتيتما في الوقت المناسب. سون شو زوجة ابنكم ليست غريبة الأطوار من يومٍ وليلة. أعرف كل شيء.”
“العمة غاو” كانت ترفع صوتها على القائد لأنه من جيلها. أما أبناءها وزوجاتهم، فلم يجرؤوا على معارضة القائد.
قال “شيه قوهآن” محرجًا:
“قائد الفريق، آسف، أمي سببت لك الكثير من الإزعاج.”
أجابه القائد بوجه بارد:
“أنتم تعلمون خطأكم. جينغ مينغ جندي يدافع عنا، وزوجته وأطفاله يُضربون؟ عار عليكم!”
أحسّ “شيه قوهآن” وزوجته بالحرج، وتمنّوا لو لم يأتوا.
قالت الزوجة بسرعة:
“أجل، أجل، كله خطأ أمي. نحن حاولنا إقناعها، لكنها لم تستمع. آسفة، يا لين تشوشيا، لن ندعها تزعجكِ مجددًا.”
رفعت ابتسامة مصطنعة، وكأن شيئًا لم يحدث، لكن “لين” لم ترد، بل احتضنت أطفالها فقط.
عبست “الزوجة الكبرى” قليلاً، كانت تظن أن اعتذارها يكفي. لكنها صُدمت حين تجاهلتها “لين”.
فقالت بمرارة:
“قائد الفريق، سنأخذ أمي ونرحل، لا ندري مدى خطورة إصابتها.”
في سرهم، كانوا يظنون أن “لين” هي السبب في إصابة والدتهم، ولو لم تتفاداها، لما أصيبت.
قال القائد بنبرة تهديد:
“إن عادت والدتكم مجددًا وأثارت المتاعب، لن أرحمكم. سأرسل فرقة ‘الذراع الحمراء’ لإصلاحكم!”
(في تلك الحقبة، كانت فرقة “الذراع الحمراء” أقوى من الشرطة).
ارتجف الزوجان من الخوف وقالوا:
“نعم، نعم، لن نكررها، نحن بخير مع تشوشيا.”
لكن القائد لم يصدقهم، فقط ثقته بتهديده جعلته مطمئنًا.
قال:
“أنتم أذقتم عائلة جندي مرارة الظلم. هذا أمر خطير. لو استمرّ، سأرسلكم إلى مزرعة الإصلاح في الشمال الغربي!”
كان يحاول تهدئة الموقف، خصوصاً مع “لين تشوشيا”، ثم أردف:
“أيضاً، أنتم سرقتم مهمة جمع علف الخنازير من منزل جينغ مينغ. من الغد، ستعود هذه المهمة لهم.
لن أقسم العمل، سأحسب نقطتي العمل اليومية لصالح تشوشيا.”
(تُحسب نقاط العمل في القرى الصينية كأجر يومي مرتبط بالعمل الجماعي).
شعر “شيه قوهآن” بالخسارة الكبرى، فكر في نفسه:
ما حاجتنا لجلب المشاكل؟ ألم تكن والدتي ذاهبة فقط لشراء أحشاء الخنزير وبعض العظام؟
لا أحد في العائلة يحبها أصلاً!
أما “لين تشوشيا”، فكانت تقول في سرها:
ما هذا جمع علف الخنازير؟ لماذا يُفرض عليّ؟ أنا لا أريده أصلاً!
كانت ترى أن حتى دون نقطتي العمل، تستطيع أن تعيل نفسها والأطفال الثلاثة، فهناك راتب “شيه جينغ مينغ”، وقريبًا قد تحصل على منحة “الشهيد”…
قالت وهي تبكي وتتنهد:
“قائد الفريق، لا داعي لهذا. دعهم يحتفظون بالعمل، لا بأس…”
ضحكت الزوجة الكبرى في سرها:
الآن فقط تودين التراجع؟ فات الأوان.
لكن القائد عبس وقال:
“لماذا أنتِ ضعيفة هكذا؟ إن لم تواجهي الأمور بنفسك، فلا أحد سيفيدك بشيء.
إن لم تجمعي العلف، فلتعملي في الزراعة غدًا!”
وبعد لحظة من التردد، حاول أن يكون لطيفًا:
“اهتمي بأطفال جينغ مينغ الثلاثة، إنهم طيبون ومهذبون. لا تكوني كما كنتِ سابقًا.”
وبعد وقفة قصيرة، أضاف:
“لو واجهتِ أي صعوبة، تعالي إليّ مباشرة.”
حدّق فيها الزوجان بدهشة وغضب، وشعرا أن “لين” تلاعبت بهم. قالا:
“لين تشوشيا!”
لكنها التفتت إلى القائد وقالت بوجه مظلوم:
“قائد الفريق، يبدو أن عمي وعمتي غير راضيين أنني أخذت منهم العمل…”
رد القائد بنظرة صارمة:
“شيه قوهآن! ألا تخجل من نفسك؟ هل يُعقل أن تظلموا أرملة بثلاثة أطفال؟!”
أدرك “شيه قوهآن” أن القائد لن يعطيه فرصة، فشدّ على ذراع زوجته وقال:
“نعم، نعم، لن نفعل ذلك مجددًا. هيا، خذي أمي ولنعد.”
كان غاضبًا، شعر بأن كرامته دُهست أمام الجميع، لكنه لم يستطع الرد، فقط بلع الإهانة وذهب مع زوجته.
لم يرَ أهل القرية أي خطأ في وصف القائد “أرملة بأطفال”، بل كان ذلك تعبيرًا صادقًا عن حال “لين” الآن بعد غياب زوجها.
وبعد أن غادر أبناء عائلة “شيه”، تقدم القرويون نحو “لين” يواسونها:
– “عليك أن تكوني قوية، حتى تحمي أطفالك.”
– “نراكِ أصبحتِ أمًّا طيبة الآن، تابعي على هذا النحو.”
– “حين يعود جينغمينغ، ليؤدبهم جميعًا!”
– “صحيح أن عمتك بالغت كثيرًا، لكن لا تقلقي، كل شيء سيتحسن.”
ابتسمت “لين تشوشيا” بلطف، وهي تضم أطفالها وتقول:
“شكرًا لكم جميعًا، سأهتم بأطفالي جيدًا، وشكرًا لمساندتكم، ممتنة جدًا…”
حتى إن لم يفعل أحد شيئًا فعليًا، كانت تشكرهم علنًا، فهي تريد بناء سمعة طيبة.
فاليوم قد لا يبدو لهذا فائدة،
لكن من يعلم؟ ربما تنفعها في المستقبل.
ورداً على مجاملتها، رد القرويون بلين:
“اذهبي الآن، حضّري طعامكم. نحن سنعود لمنازلنا.”
ابتسمت بخجل وهي تحك رأسها:
“أعذروني، نطبخ أحشاء الخنزير، ربما لا يناسب ذوقكم…”
لوّح الناس بأيديهم تعبيرًا عن التعاطف:
مسكينة، وصلت إلى حدّ أكل الأحشاء…
وغادر الجميع، لينقلوا قصة “لين تشوشيا” المؤلمة في كل أنحاء القرية، مؤكدين على قسوة عائلة “شيه” وحقارتهم.
وهكذا، أصبح هناك تباين حاد بين سمعة “لين” المتعاطف معها، وسمعة “عائلة شيه” السيئة.
في تلك اللحظة، عادت “لين تشوشيا” إلى المنزل برفقة الأطفال الثلاثة، وأغلقت الباب. أشعلت الضوء،
وابتسمت بلطف وهي تنظر إليهم بحنان.
“لقد كنتم رائعين اليوم. حميتم أمكم.”
قالت ذلك بابتسامة حنونة، رغم بقايا الدموع على وجهها. تلك العاطفة،
وذلك الدفء، جعلا عيون الأطفال الثلاثة تتألق من الفرح. شعروا بثقة أكبر في أنفسهم، واندفعوا نحوها بحماس.
لكنها تابعت:
“لكن عليّ أن أعتذر. قبل قليل، أمام القائد، كذبت وقلت إن العمة ضربت نفسها… هذا غير صحيح. لا يجوز أن نكذب، حسنًا؟”
أرادت أن تغرس فيهم مفاهيم الصواب والخطأ. أوضحت لهم أنها فعلت ذلك مجبرة، لكنها تعرف أن الكذب خطأ، ولن تكرره أمامهم.
أكبرهم، الذي يظن نفسه ذكيًا، عقد حاجبيه وقال بصوت طفولي:
“لكن… نحن لم نرد أن تظلمنا العمة!”
كان صوته الصغير ممزوجًا بالحيرة، شعر أن ما فعلوه صحيح، خصوصًا أن القائد صدّقهم ووبّخ العمة.
ابتسمت “لين” بحزن وقالت:
“هذه المرة، لم يكن أمامي حل آخر. لكن لاحقًا، لا يجوز الكذب أبدًا، اتفقنا؟”
ثم مدّت إصبعها الصغير وقالت بلطف:
“هيا، لنقسم على ذلك.”
فمدّ الأطفال الثلاثة أصابعهم وكرّروا معها:
“نقسم، من يخلف، هو خنزير كبير!”
ثم همس أحدهم:
“لكن الخنزير الكبير طعمه لذيذ…”
ضحكت “لين” من أعماق قلبها:
“هيا بنا، لنقلي أمعاء الخنزير!”
كانت تفكر أنها لولا العمة، لكانت قد أكلت منذ فترة. الآن، بعد كل هذا البكاء والعراك، صارت جائعة جدًا، وكادت تسمع قرقرة بطنها.
قطفت ثوماً من الحديقة، وأحضرت الزنجبيل وبعض صوصات الطهي، وبدأت التحضير.
أما الأطفال الثلاثة،
فجلسوا يلعبون المكعبات بهدوء، يتهامسون عن الأمعاء المطهوة:
– “لا تأكلوا كثيرًا، قد تكون مقرفة!”
– “الحلوى أفضل من الأحشاء!”
– “لكن لا بأس، المهم أن لا تغضب ماما…”
وفجأة، انتشر العطر الزكي في البيت، وأذهلهم.
ما هذه الرائحة؟!
كلهم التفتوا إلى المطبخ بدهشة.
كيف يمكن أن تكون… لذيذة إلى هذا الحد؟!
حركوا أصابعهم من فرط الحماس. عندما أنهت “لين” الطهي، أعدت أيضاً بعض الخضار لأجلهم.
وضعت الطبقين على الطاولة، وقدّمت لكل واحد منهم وعاء صغير وملعقة.
قالت بحنان:
“كلوا جيدًا، تناولوا الخضار أيضًا، ستكبرون بصحة جيدة!”
بدأ الأطفال الثلاثة يأكلون بنهم، يلتهمون الخضار واللحم، ولم يتوقفوا للكلام، وكأنهم في سباق.
لاحظوا أن “لين” تأكل فقط أمعاء الخنزير ولا تلمس اللحم، فشعروا بالحيرة.
هل… تترك اللحم لنا؟
قالت وهي تمد لهم قطعة من الأمعاء:
“تريدون تذوقها؟ جربوا، وإن لم تعجبكم، فلا تأكلوها.”
أخذ كل منهم قطعة، ووضعها في فمه.
الطعم كان مفاجئًا، لذيذًا ودافئًا، لا وجود للرائحة الكريهة التي تخيلوها.
… إنها لذيذة فعلاً!
ثم تناولوا نصف وعاء آخر من الأرز، وتمددوا على الأرض، يربتون على بطونهم الممتلئة، ووجوههم مغمورة بالسعادة.
لو أننا نأكل هكذا كل يوم… سيكون ذلك حلماً!
أما “لين تشوشيا”، فقد أنهت طبق الأمعاء بالكامل، وجلست تمسّد بطنها برضى.
ثم غسلت الأطباق،
وبدأت تقلق،
رائحة الأكل قوية جدًا… ربما يشك أهل القرية أنني خدعتهم.
—
في منزل “عائلة شيه”، عاد الابن الأكبر وزوجته وهم يسندون “العمة غاو”، التي ما زالت غاضبة.
لم يهتم بها أحد، فزوجها خرج للعمل، وابنها الثاني وزوجته ما زالا ساخطين من أحداث الأمس.
استفاقت العمة لاحقًا، وما زالت تنوي الانتقام.
قال ابنها “قوهآن” بغضب:
“كفى يا أمي! القائد حذرنا، لا تتدخلي في أمور منزل جينغمينغ!”
تجمدت حركتها وقالت:
“ماذا؟ ألم يعاقب القائد تلك الحقيرة؟!”
قال:
“بل أمرنا أن نعطيها مهمة جمع العلف.”
استشاطت غضبًا:
“لماذا يأخذ عملنا ويعطيه لها؟!”
قال:
“بسبب إصابتها السابقة، خاف القائد أن نقتلها. أمي، لماذا ذهبتِ إليها أصلاً؟ راتب جينغ مينغ في يدنا…”
لكن لم يكن أحد منهم يعلم أن “شيه جينغمينغ” كان قد ترقّى، ورفع راتبه، وأرسل ما تبقى منه إلى “لين” مباشرة قبل مهمته الأخيرة.
صرخت:
“رأيت اليوم أنها اشترت للأطفال أحذية جديدة! لا بد أن معها مالًا! لا بد أن تخفي المال عنا!”
فقال “قوهآن” بجدية:
“حتى لو صح ذلك، لا نستطيع افتعال المشاكل الآن. القائد هدّدنا بإرسالنا إلى مزرعة الإصلاح في الشمال الغربي.”
تبدّل وجه العمة، وسكتت قليلاً، ثم قالت:
“حسنًا…”
لكن في قلبها، كانت نيران الانتقام تشتعل. لن تهدأ حتى تنتقم من “لين تشوشيا”.
خ
رج ابنها دون أن يعلم ما تخطط له.
وفي وقت متأخر من الليل، ذهبت “العمة غاو” إلى الحقول، وجمعت نبتة تُعرف باسم “عشب جالب الأفاعي”،
ثم تسللت نحو بيت “لين”، ونثرتها حول السقف والجدران الخلفية…
وابتسمت في الظلام، بعينين تملؤهما الحقد، وهي تلمس جبهتها المصابة، لا تزال تؤلمها.
تبًا لكِ يا “لين تشوشيا”… إن لم أقتلك، فلست أنا!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يـــــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 17"