لم تكن حركة “العجوز لين” خفية على الإطلاق، فأي شخص يولي القليل من الانتباه كان بإمكانه ملاحظة أن يدها وُضعت على بطن “لين تشيو شوانغ”.
لم يكن أفراد عائلة لين أغبياء، فقد فهموا جيدًا ما تعنيه هذه الحركة،
وعلى الفور تركزت أنظار الجميع على “لين تشيو شوانغ”.
“سون هون زي”، شاب عاطل عن العمل، طائش وغير جاد،
لا يذهب حتى للحقول لزراعة الأرض، وملامحه عادية تمامًا، “تشيو شوانغ”… ما الذي أعجبها فيه؟
هل من الممكن أن…؟
لم تكن “لين تشيو شوانغ” عمياء، فقد لاحظت نظراتهم على الفور، وعندما تتبعت أعينهم أدركت أنهم ينظرون إلى بطنها؟
وبعد ثانية، احمر وجهها بغضب وصرخت بتحدٍّ:
“ليس هناك شيء! ما الذي تتخيلونه؟”
“إن لم يكن هناك شيء، فابتعدي عن سون هون زي، فهو ليس مكانًا جيدًا لك!”
فهو لا يملك عائلة، ولا يعمل في الحقول لكسب نقاط العمل، هل من المعقول أن تتكفل “تشيو شوانغ” بإعالته؟
“أختي، إن لم تجدي من ترتبطين به، فلدينا ابن عم من جهة أمي، ربما يكون أكبر سنًا قليلاً،
لكنه أكثر اجتهادًا من سون هون زي، ومن الأفضل أن نتزوج من أقاربنا…”
قالت زوجة أخيها بصوت مرتفع، ولم تكن توجه الحديث لـ”لين تشيو شوانغ”،
بل للعجوز “لين”، لأنها صاحبة القرار في النهاية.
أما “لين تشيو شوانغ” فلم تُعر كلام زوجة أخيها أي اهتمام، وقالت:
“أمي، سون شيانغ شيو شخص جيد، ثم إن التائب عن الخطأ لا يُقدَّر بمال، وأنا واثقة أنه سيصبح رجلًا صالحًا في المستقبل!”
إذا لم أساعده الآن وهو في أصعب أوقاته، فلن يكون لوقوفي بجانبه قيمة عندما تتحسن أحواله لاحقًا.
لكن هذا الإصرار الأعمى لم يُقنع الوالدين العجوزين في عائلة لين،
بل بدأوا يظنون أن ابنتهم أصيبت بالجنون لأنها تصر على الزواج من “سون شيانغ شيو”.
“أعتقد أن سون شيانغ شيو أفضل بكثير من شي جينغ مينغ، ذلك الأخير لديه ثلاثة أطفال من زواج سابق،
وتلك العمة القاسية التي ضربت “تشو شيا” حتى نزف رأسها!”
“سأتزوج سون شيانغ شيو، نحن اتفقنا على ذلك…”
غضب الأب “لين” كثيرًا، وصفع “لين تشيو شوانغ” على وجهها بشدة:
“اصمتي فورًا!!”
أما العجوز “لين”، فقد أمسكت بالمكنسة وبدأت تضربها بعنف. كان قرارها حاسمًا،
اليوم لا بد من حبس “لين تشيو شوانغ” في غرفة الحطب لعدة أيام كي تفكر جيدًا، وإن لم تُخرج الماء من رأسها، فلا تفكر في الخروج.
عندما كانت “لين تشيو شوانغ” تتعرض للضرب، كانت ملامح وجهها مليئة بعدم التصديق،
وكأنها لم تكن تتخيل أن يعاملها أهلها بهذه القسوة ويمنعون عنها سعادتها بهذا الشكل.
صرخت وحاولت التملص كما فعلت الليلة الماضية واندفعت للخروج باكية تريد الذهاب إلى “سون شيانغ شيو”،
لكنها لم تصل إلى الباب حتى أمسكت بها زوجة أخيها.
وأثناء صراعها، خدشت “لين تشيو شوانغ” ذراع زوجة أخيها بأظافرها بشدة، فغضبت الأخيرة وأمسكت خصرها بقوة،
فهي أقوى من “تشيو شوانغ” لأنها معتادة على الأعمال الشاقة.
بكت “تشيو شوانغ” بحرقة وهي تتألم، وتم قذفها في غرفة الحطب، هذه المرة مهما بكت أو صرخت لم يهتم أحد.
زوجة أخيها دفعتها ببرود إلى داخل الغرفة وأغلقتها بإحكام، ثم غضبت وأشارت إلى ذراعها وهي تسب زوجها تلميحًا وتقول:
“انظر لما فعلته أختك بي؟ انظر كيف شوهت ذراعي!”
كلماتها جعلت باقي أفراد العائلة يرون ما حدث، ومن التعاطف في البداية، تحولت مشاعرهم إلى الضيق، والآن…
الوالدان فقط ما زالا يشعران بالقلق، أما الإخوة والأخوات وأولادهم، فقد اعتبروا “تشيو شوانغ” عبئًا كبيرًا،
الأفضل أن تتزوج وتخرج من المنزل، ما الفائدة من بقائها هنا؟
وصلت الضوضاء التي أحدثتها عائلة لين إلى الجيران، فالجميع في القرية علم بأمرهم، وكانوا يعرفون ما يُشاع اليوم في القرية.
وبهذه المناسبة، بدأ الجيران يحذرون بناتهم:
“إياكن أن تكنّ مثل فتاة عائلة لين، تلك الفتاة عديمة الحياء، في السابق مثلها كان يُلقى بهن في قفص الخنازير!”
عار وفضيحة.
الفتيات الصغيرات استمعن لتحذيرات والديهن بهدوء وأومأن برؤوسهن،
فهن لم ينشأن في بيئة مدللة مثل “تشيو شوانغ”، ويعلمن جيدًا أن سمعة الفتاة ونقاءها أمر في غاية الأهمية.
“الزواج بقرار من الأهل، وبوساطة الخطّابة.”
أما “لين تشيو شوانغ”، التي حُبست في غرفة الحطب، فلم تُبدِ أي ندم، جلست هناك وظهرها للضوء،
ملامحها مظلمة، وعيناها مليئتان بالكراهية والغضب:
لماذا لا يُسمح لي بالسعادة؟ إنهم العقبة التي تمنعني من الزواج بـ”سون شيانغ شيو”!
يستحقون الموت.
لكن مهما صرخت أو غضبت، لم تستطع الخروج. لم يكن أمامها سوى الجلوس بهدوء تفكر في خطة،
وبدأت بالإضراب عن الطعام كنوع من الاحتجاج.
العجوزان من عائلة لين لم يباليا بإضرابها، بل اعتبرا أن الأهم الآن هو البحث عن خطّابة لتزويجها في أسرع وقت،
فإن تزوجت “سون هون زي” فستُدمّر حياتها بالكامل.
…
العودة إلى ظهر اليوم، عندما بدأت الضوضاء، كان الكثير من أهل القرية قد سمعوا بما يحدث في بيت آل لين،
وحتى “سون شيانغ شيو” وصلته الأخبار.
كان “سون شيانغ شيو” في داخله سعيدًا بمشاعر “تشيو شوانغ” تجاهه، وكان يتخيل أن الزواج بها سيكون أمرًا رائعًا؛
زوجة تدفئ الفراش وتقوم بأعمال المنزل…
لكن عندما سمع أن عائلة “تشيو شوانغ” لا تعتبره مناسبًا، تغيرت ملامحه تمامًا.
هل كانوا يمزحون معه؟
“تُف!”
بصق على الأرض، ووضع يديه في جيوبه، وبلا مبالاة اتجه نحو الجبال ليكمل لعب القمار مع رفاقه، ممسكًا بالعملة القليلة التي ربحها بالأمس.
…
أما في بيت “شيه”، فبسبب ما حدث بالأمس، كان الجميع في مزاج سيء، ولم يرغبوا حتى في الذهاب إلى متجر التموين في البلدة.
لم يكن لديهم مال لشراء شيء على أية حال، فقرروا الخروج إلى الجبل لجمع بعض الأعشاب أو
الفطر أو ربما أفاعٍ أو سنجاب لتكون وجبة إضافية.
جمعت “العمة غو” كثيرًا من فطر “تيان أ” ووضعتها في شوربة الخضار للغداء، مؤكدة أن الطعم سيكون لذيذًا،
كما حملت على ظهرها ساق خيزران ثقيلة، مما منحها شعورًا بالأمان والسعادة.
لكن من المؤسف أن السنجاب الذي رأوه هرب بسرعة، وإلا كانوا قد أمسكوا به.
في طريق العودة، قابلوا بعض سكان القرية، فتظاهرت “العمة غو” بالابتسام، وكأن شيئًا لم يحدث بالأمس.
كانت تتقن مفهوم “طالما أنني لست محرجة، فالإحراج يكون من نصيب الآخرين”.
لم يذكر أحدٌ من الناس أمامها المصائب التي حدثت في بيتها، بل بدأوا في الحديث عن فضائح بيت “لين”،
و”العمة غو” كانت مولعة بالقيل والقال، ففي القرية لا توجد وسائل ترفيه، والحديث عن الآخرين هو الوسيلة الوحيدة للتسلية.
“تلك الفتاة ليست جيدة على الإطلاق، كانت تصرّ على الزواج من “جِنغ مينغ”،
ثم غيرت رأيها فجأة وأعطتنا “تشو شيا”، والآن تحاول أن ترتبط بـ”سون هون زي”؟ يا للعار!”
هزّت “العمة غو” رأسها بازدراء، وتناست قسوتها السابقة على عائلة “شيه جينغ مينغ”، وأصبحت تناديه: “ابننا جينغ مينغ”.
ولم يعارض أحد من أهل القرية هذا التغيير، ففي نظرهم، مهما حدث في الداخل، يجب أن يتحدوا خارجيًا في مواجهة الآخرين.
“بالفعل، كيف يمكن أن يكون “سون هون زي” شريكًا مناسبًا؟ سمعت أنها تبكي وتصر على الزواج به!”
تنهّدوا وعبّروا عن احتقارهم.
أومأت “العمة غو” برأسها، وقالت بازدراء:
“لحسن الحظ ليس لدي ابنة… لو كانت لي ابنة وتصرفت مثلها، لكنت قتلتها بنفسي.”
لكن بطبيعة الحال، لا يمكنهم البقاء يتحدثون عن نفس الشخص طوال الوقت، فذلك يفتقر للتنوع.
تحدثوا عن هذه العائلة وتلك، إلى أن وصلوا إلى “تشو شيا”، وقال أحدهم ناصحًا “العمة غو”:
“يا “سون شو”، خففي قسوتك على “تشو شيا” وأولادها الثلاثة، حياتهم ليست سهلة، ذهبوا للبلدة اليوم ولم يشتروا سوى بقايا لحم الخنزير وعظامه،
“جينغ مينغ” يعمل بجهد ويرسل لكم راتبه… ومع ذلك أنت تؤذينهم؟”
“حتى أنا لم أعد أتحمّل، ضربتِ “تشو شيا” حتى سال دمها، إن ماتت، من سيهتم بالأطفال؟
لا أحد في بيت “شيه” يعرف كيف يعتني بهم، وإلا لما استعجل “جينغ مينغ” الزواج لإحضار زوجة ترعاهم!”
لكن… “تشو شيا” كانت طيبة، حتى أنها اشترت قماشًا وأحذية للأطفال.
إلا أن “العمة غو” لم تركز على هذا الجزء، بل صاحت بدهشة:
“ماذا؟ ذهبوا للبلدة؟ واشتروا بقايا لحم خنزير وعظام؟ من أين لها بالمال؟ ألم تقل إن راتبه بالكامل أعطي لي؟”
ملامحها امتلأت بالغضب وكأنها تعرضت لخيانة كبيرة، بدت كأنها مستعدة لقتل “تشو شيا”.
تجمدت المرأة التي كانت تتحدث معها للحظة، أدركت أنها ربما قالت شيئًا خاطئًا…
أمسكت بذراع “العمة غو” وقالت بانزعاج:
“سون شو، لا تقولي إنك ذاهبة لتتعاركي معها؟ أنت خالة، أليس من العيب أن تتصرفي هكذا؟”
سمع بعض المارة حديثهما، وأبدوا اشمئزازهم من تصرف “العمة غو”:
“حقًا؟ أخذتِ راتب ابن أخيك، وهو بالكاد استطاع شراء بقايا لحم، وأنتِ تريدين حتى هذه؟”
“سلوك متنمر! لا يغتفر.”
لكن “العمة غو” لم تكترث، في النهاية، مضت سنوات وهي تعيش هكذا، وربما كان البعض يحسدها سرًا.
“والدا جينغ مينغ ماتا مبكرًا، ونحن من ربيناه، لذا كل راتبه من حقنا!”
قالتها بكل فخر دون خجل، لم تكن من النوع الذي يخاف من كلام الناس.
الوقاحة هي طريقها للربح.
ثم، وبكل غيظ، اتجهت نحو بيت “تشو شيا” وأطفالها الثلاثة.
أما من بقوا خلفها، فقد هزوا رؤوسهم بأسى، لم يستطيعوا مساعدتها، لكن كان لا بد من إبلاغ قائد الفريق،
خشية أن تتكرر مأساة الأمس عندما أصيبت برأسها.
وخاصة المرأة التي تحدثت عن “تشو شيا”، هرعت بسرعة إلى بيت قائد الفريق.
في ذلك الوقت، كانت “تشو شيا” قد غسلت بقايا لحم الخنزير، وتحمل الطشت مع الأطفال عائدة إلى المنزل.
ما إن دخلت، حتى سمعت صوتًا مألوفًا غاضبًا يصرخ عند الباب.
“تشو شيا، أيتها المنحوسة العاهرة! اخرجي لي!”
ولم تتوقف عند الباب، بل دخلت مباشرة كأن البيت بيتها، وما إن رأت بقايا لحم الخنزير على الطاولة حتى شعرت بالاشمئزاز.
فأهل القرية لا يأكلون هذه الأشياء عادة، فهي تُطهى بدون توابل فتصبح كريهة الطعم والرائحة.
“العمة غو” لم تكن معجبة بالطعام، بل غاضبة لأن “تشو شيا” استخدمت مالها لشراء هذا القذر؟ وكأن المال يسقط من السماء!
قالت “تشو شيا” بهدوء وهي تنظر لأطفالها:
“يا صغاري، ادخلوا الغرفة.”
كان النقاش في الخارج على وشك أن يصبح عنيفًا، ولم ترد إخافتهم.
تقبض الصغار على قبضاتهم الصغيرة بغضب، يحدقون في تلك العجوز الشريرة، لكنهم يعرفون أنهم لا يستطيعون مقاومتها.
رأت “العمة غو” نظراتهم، فاشتعل غضبها أكثر، وبدأت تسير نحوهم، عازمة على تأديبهم.
لكن “تشو شيا” لم تسمح لأحد بأن يمس “أشرارها الصغار”، فاقتربت منها، والابتسامة تعلو وجهها:
“يا عمة، تلك الهدية التي تركتها لي في المرة الماضية… لم أردّها لك بعد!”
في اللحظة التي تساءلت فيها “العمة غو” عن الهدية، أمسكت “تشو شيا” بشعرها فجأة، وضغطت على كتفها،
ثم دفعتها بقوة نحو الحائط
!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يـــــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل
وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 16"