اليوم الخامس عشر من تربية الأطفال
لم تساعد لين تشوشيا، بل كانت تراقبهم وهم يرتبكون قليلًا أثناء ارتداء أحذيتهم، وعلى وجهها ابتسامة لطيفة تعلو شفتيها،
وكانت في الغالب تشير لهم فقط إلى كيفية التمييز بين اليمين واليسار. وبعد أن انتهوا من ارتداء الأحذية،
أخرجت ثلاث قطع من القماش، وقالت:
“تعالوا، اختاروا اللون الذي تحبونه.”
الأولاد غالبًا لا يفضلون الألوان الزاهية مثل الوردي، لذلك سرعان ما اختار الثلاثة ألوانهم المفضلة
الابن الأكبر اختار الأسود، والثاني الأزرق الداكن، والثالث البني المحمر.
كانت كل قطعة من القماش كبيرة بما يكفي لصنع طقمين من الملابس، بالإضافة إلى سراويل داخلية للأطفال الصغار،
ولكن… بخصوص الألوان… آه، شعرت لين تشوشيا أنها أساءت التقدير، كان من الأفضل أن تشتري قماشًا أبيض اللون.
فالملابس الداخلية لا ينبغي أن تُصنع من أقمشة داكنة.
“جيد جدًا، بما أن أطفالنا اختاروا، فالأم ستذهب الآن للبحث عن شخص يساعدنا في الخياطة.”
قالت لين تشوشيا بابتسامة مفعمة بالفرح، وحملت الأقمشة الثلاثة وهمّت بالخروج.
لكنها توقفت على عتبة الباب، وهي تنظر إلى أطفالها الثلاثة الذين كانوا يحدقون بها بعيون تملؤها الترقب، فشرحت قائلة:
“لا يمكنني مساعدتكم الآن، ماما لا تعرف كيف تخيط، وأيضًا يجب أن آخذ البيض لأطلب المساعدة.
تذكروا أن تراقبوا لحم الخنزير جيدًا في البيت.”
كان الأطفال في البداية ينوون اللحاق بها، لكنهم جمدوا في أماكنهم على الفور. بالمقارنة بين الملابس ولحم الخنزير،
أيهما أكثر أهمية؟ لا حاجة للسؤال، بالطبع لحم الخنزير!!!
بذل الأطفال الثلاثة جهدهم في رفع قطعة اللحم التي تزن ثلاثة جنيهات وأعادوها إلى الداخل.
كانوا أذكياء بما يكفي ليتذكروا أن جدة العائلة سرقت طعامهم سابقًا، لذا كان عليهم إخفاؤه جيدًا.
أما بالنسبة لأحشاء الخنزير والعظام؟
فلا أحد يهتم بها، لا بد أن “المرأة السيئة” كانت غبية واشترتها عن طريق الخطأ.
حين خرجت لين تشوشيا حاملة القماش، تذكرت الأطفال الخمسة أو الستة الذين كانت قد “دعَتهم” للعب مع أطفالها، فقررت أن تأخذ طريقًا أطول لتبحث عنهم.
وعندما قابلت أول طفل، طلبت منه أن ينادي باقي الأطفال الخمسة.
لم يكن هذا لأنها لا تثق به، بل لأن الأطفال عندما يشتهون شيئًا، قد ينسون كل شيء آخر.
وحين تجمع الستة أطفال، أعطتهم كيسًا كبيرًا من رقائق البطاطس،
وقالت:
“هذه الحقيبة من رقائق البطاطس أتركها لكم.”
ثم ذهبت إلى منزل المرأة التي تساعد في خياطة الملابس في القرية، واستحضرت ذكريات الجسد الأصلي…
“خالة، هل يمكنك مساعدتي في خياطة بعض الملابس؟”
وضعت القماش على الطاولة، وأخرجت أيضًا أربعة أو خمسة بيضات وكيسًا صغيرًا من الطحين الأبيض، ووضعتهما جانبًا.
الخالة التي كانت تساعد في خياطة الملابس لم يكن لها زوج ولا أولاد. زوجها وابنها شاركوا في الحرب قبل سنوات ولم يعودوا أبدًا.
وأحيانًا يأتي البعض لطلب مساعدتها في الخياطة ويقدمون لها طعامًا، لأن الخالة كانت تقول دائمًا:
“لا آخذ شيئًا مقابل عمل لم أقم به، لا آخذ إبرة ولا خيطًا من الناس.”
وكان أهل القرية يكنّون لها احترامًا كبيرًا. ولو كان ذلك في الزمن القديم، لكانت تُعد من شيوخ العشيرة.
في السابق، كان يتم الدفع لها نقدًا، ولكن بعدما أصبح البيع والشراء ممنوعًا، بات الناس يجلبون الطعام أو الأشياء كنوع من الشكر فقط.
قالت الخالة:
“خذِ الطحين معك، هذا العدد من البيض كافٍ، ما نوع الملابس التي تريدين صنعها؟”
اقتربت الخالة وهي تنظر إلى القماش، وبمجرد أن رأت الألوان، علمت أنها ليست مخصصة للزوجة الصغيرة أمامها.
أجابت لين تشوشيا:
“ملابس لأولادي الثلاثة، واحد عمره خمس سنوات، والثاني أربع، والثالث ثلاث.”
ثم أعطتها مقاساتهم، فأومأت الخالة برأسها.
“هممم.” أجابت، وقد بدأت تفكر في نوع وتصميم الملابس المناسبة لهذه القطع من القماش.
……
عندما عادت لين تشوشيا، رأت أطفالها الثلاثة جالسين على العتبة، وأعينهم الواسعة مليئة باليقظة وكأن هناك لصًا في الجوار، مما جعلها تشعر بالحيرة.
“ما هذا؟ أبطال ماما الصغار، تلعبون لعبة ما؟”
قال الابن الأكبر بسرعة:
“أسرع، أسرع، لقد خبأت اللحم، لا تدعي أحدًا يعرف.”
وبمجرد أن رآها تعود، ركض نحوها بخطوات صغيرة، وأمسك بها ليأخذها إلى مكان الإخفاء.
لين تشوشيا: (أمم… هل الأمر يستحق كل هذا؟)
“حسنًا، حسنًا، ماما ستساعدكم في إخفائه.”
وفي لحظة، فهمت سبب تصرفهم هذا، فربتت على رؤوسهم بلطف وقالت مادحة:
“أطفالي أذكياء جدًا، لولاكم لما فكرت ماما في إخفائه. لكننا الآن في فصل الصيف، ولو تُرك اللحم طويلًا سيتعفن، لذا ستقوم ماما بتجميده وحفظه، موافقون؟”
من الجيد أن يكون لديهم هذه النية، لكن لا مكان في العالم يمكنه حفظ الطعام أفضل من متجرها “السوبر ماركت”،
حيث يتوقف الزمن، ولا تنتهي صلاحية الطعام، ويظل الضوء يعمل دائمًا.
نظر الثلاثة لبعضهم في حيرة:
ما هو التجميد؟ وما هو الحفظ بالتبريد؟
لم تشرح لين تشوشيا لهم. أخرجت اللحم دون أن يلاحظوا، ثم عرضت الطبق الرئيسي للغداء: أحشاء الخنزير.
“ما هذا؟ هل يُؤكل؟”
قال الابن الأكبر وهو يرى أن أخويه تراجعا مترددين، فشعر أنه بصفته الأخ الأكبر يجب أن يكون شجاعًا، وسأل بصوت طفولي شجاع.
“طبعًا، هل يشك الاكبر في ماما؟ لقد أطعمتكم أرزًا بالنقانق، وسردين بفول الصويا، ولفائف اللحم…”
ثم بدأت لين تشوشيا تتظاهر بالبكاء بحركات درامية، وقالت:
“أوووه، الامبر يشك في ماما! ماما حزينة!”
فور أن سمعها تبكي، ارتبك الابن الأكبر، وتذكر كل ما فعلته هذه “المرأة السيئة” لأجلهم في
الأيام الماضية. في الواقع… لم تكن سيئة جدًا…
لو بقيت هكذا دائمًا.
تقلص وجهه الصغير بتردد، ثم قال بصوت طفولي متأنق بنبرة خجولة:
“ليس، ليس هكذا… فقط… رائحتها كريهة…”
لم يستطع هذا الطفل المتكبر أن يعبر عن مشاعره الحنونة بشكل مباشر،
فاكتفى بالإشارة إلى أن الرائحة كريهة، لا أكثر.
“كنت أعلم أن الاكبر هو الأفضل! ماما تحبك أكثر من الجميع!”
قالت ذلك وهي تحتضنه، فاحمرت وجنتاه خجلًا.
“تحبني أكثر؟”
حاول الاكبر دفعها بعيدًا عندما اقتربت لتقبّله على خده،
لكنه، وبكل خجله، لم يستطع مقاومة “الخالة الغريبة”… آه لا، “الماما الطيبة”.
ثم قامت لين تشوشيا بمعاملة الجميع بالمثل، واحتضنت الطفلين الآخرين، قائلة:
“ماما تحب توني وتوتو أيضًا…”
وبعد أن أرضت أطفالها الثلاثة، أخذت وعاء أحشاء الخنزير، وذهبت معهم إلى النهر وهي في قمة السعادة. أحضرت معها الملح أيضًا، فهي تنوي تنظيف الأحشاء جيدًا.
الأطفال الثلاثة كانوا يجلسون على صخرة قريبة:
“إذا، إذا كانت كريهة وغير لذيذة، سنأكل فقط قطعة واحدة…”
في النهر، كان بعض أهالي القرية يغسلون الملابس، وآخرون الخضروات. تم تقسيم مجرى النهر بذكاء: الجزء العلوي لغسل الخضار، المنتصف به بركة صغيرة لغسل الملابس، والجزء السفلي للماشية.
قالت إحدى السيدات وهي تغسل الخضار:
“هاي، تشوشيا، هل سمعتِ؟ ابنة عمك على ما يبدو بدأت تواعد ذاك الوغد سون من القرية؟”
ردت لين تشوشيا باستغراب:
“هاه؟ لم أسمع، متى حصل ذلك؟ هل هذا صحيح؟”
ردت سيدة أخرى بصوت مرتفع وهي تغسل الملابس في الأسفل:
“كيف لا يكون صحيحًا؟ حتى زوجة بخيل القرية رأتهما بعينها! ويقولون أنهما اختفيا في الغابة!”
عندما يتعلّق الأمر بالنميمة، فإن أصوات نساء القرية لا تعرف الخجل، وحديثهن يكون دائمًا متحمسًا.
“مستحيل! ما سمعته أنا مختلف، قيل إنهما فقط ذهبا لجمع الخيزران في الجبل…”
“أليست النتيجة واحدة؟ سمعت أن لين تشيوشوانغ كانت تبكي وتصرخ رافضة الزواج من شيه جينغمينغ، والآن؟ تورّطت مع وغد؟”
“بالضبط، بعض الفتيات هذه الأيام لا يعرفن الحشمة.”
“هل يعقل أن يكون ذاك الوغد سون قد هددها؟ واضح أنه شخص لا يُعتمد عليه.”
اشتد النقاش دون أن تحصل لين تشوشيا على فرصة للتعليق، فاكتفت بغسل الأحشاء وهي تتابع بهدوء.
واتضح أن إحدى السيدات رأت بالفعل لين تشيوشوانغ وسون شيانغشيو معًا، وانتشر الخبر في القرية كالنار.
والآن، هل والدا لين تشيوشوان على علم؟
بالطبع… كانا غاضبين جدًا، وكادا يضربانها بالمكنسة.
قال والدها غاضبًا:
“لين تشيوشوانغ، هل تعلمين ما يقوله الناس عنك؟ لقد جلبت العار لعائلتنا!”
لكنها لم تستمع، وكانت غاضبة هي الأخرى: أنتم لا تعرفون كم سيكون سون شيانغشيو غنيًا في المستقبل!
ردت زوجة أخيها بازدراء:
“أوه، كنت ترفضين شيه جينغمينغ وتبكين طوال الوقت، والآن تقضين وقتك مع وغد؟”
أمسكت أمها يدها وقالت بحنان:
“تشيوشوانغ، ابتعدي عنه فورًا، ذهبت للمخطّبة، وسأجد لكِ زوجًا أفضل.”
لكن لين تشيوشوان، التي لم تكن تنوي الاعتراض، انتفضت فجأة وصرخت:
“لا يمكن!”
جعل هذا التصريح الجميع يحدق بها بعيون متسائلة.
قالت أمها:
“لا يمكن؟ تشيوشوان، قولي لي بصراحة… هل، هل…”
ثم نظرت بخوف إلى بطنها:
لا، لا يكون…؟!
——————————————
ملاحظات توضيحية:
“الاكبر، توني، توتو” هي أسماء دلع للأطفال، مأخوذة من الأصل الصيني بطريقة تحافظ على النغمة العاطفية والطفولية.
“الخالة “: في الثقافة الصينية، تُستخدم للإشارة إلى النساء الأكبر سنًا باحترام، حتى وإن لم تكن من العائلة.
“أحشاء الخنزير” تشمل الأحشاء الداخلية التي تُستخدم في بعض الأطباق التقليدية الصينية، مثل الكبد أو الأمعاء.
“السوبر ماركت الذي يجمّد الزمن” هو عنصر خيالي مأخوذ من سياق الرواية.
————————————————-
ـــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يـــــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل
وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 15"