اليوم الرابع عشر من تربية الصغار
ظلّ على وجه “لين تشو شيا” ذلك الابتسام الخجول الحييّ، وكانت تهز رأسها متقبّلةً نصائح الآخرين بتواضع،
لكن في داخلها كانت تقول: شكرًا على رأيك، لكني لن أغيّره.
ثم بدأ الآخرون يصلون واحدًا تلو الآخر إلى المكان المخصص لانتظار الجرّار. وحين رآها بعضهم،
بادروا بتحيتها، وتبادلوا أطراف الحديث حول ما اشتروا. فمثلًا، حين رأوا كيسها الكبير المصنوع من جلد الأفعى، عرفوا أنها اشترت الكثير.
أعادت “لين تشو شيا” تكرار ما قالته سابقًا:
“عظام الخنزير تصلح لغلي الحساء، وهي مفيدة جدًّا لتسمين الأطفال،
سمعتُ أن فيها… ما يسمونه بالقيمة الغذائية؟ آه، رخيصة ومفيدة جدًا…”
لكن لهجتها المبالغة جعلت النساء الأخريات يتبادلن النظرات ويقلبن أعينهن بامتعاض: أيّ قيمة غذائية هذه؟ طالما هناك لحم،
فالأطفال سيصيرون سمينين بلا شك. إما أنها خُدعت، أو تحاول خداعنا…
لكن، بفضل دعاية “لين تشو شيا” المتكرّرة، عرف معظم من ذهب إلى البلدة أن لا راتب أو إعانات تصل إليها، لأن كل شيء تأخذه عائلة “شيه”.
وعندما تذكّروا كيف أن “عمة الكلبة” – كما يطلقون على قريبتها –
ضربت رأسها قبل يومين، تنهدوا بشفقة: مسكينة هذه الفتاة، لا بد أنها تعرضت للتلاعب.
الآن بعد أن أصبحت تفكر في شراء ملابس وأحذية للأطفال، فهذا يعني أنها تغيّرت للأفضل.
وبعد أن أثنوا عليها قليلًا، بدأوا في الحديث عن تصرفات تلك العمة السيئة.
أما عن التدخل شخصيًا ومواجهة العمة؟ مستحيل. في أحسن الأحوال، سيواسون “لين تشو شيا” بالكلمات.
—
في خضم انتظارها، أخذت “لين تشو شيا”
تتلفت من حولها بفضول:
“غريب، لماذا لم أرَ اليوم “لين تشيو شوانغ”؟ هل لأنها عادت في الزمن،
صارت تحتقر الجمعية التعاونية؟ وفضّلت البقاء في القرية؟”
أما “لين تشيو شوانغ”، فلم تكن تهتم أصلًا بالجمعية التعاونية، إذ لم يعطها أهلها مصروفًا،
والركوب على الجرّار كان بالنسبة لها عذابًا، وكانت قد جربته مرة من قبل وكرهته.
علاوة على ذلك، كان عندها موعد مع “سون شيانغ شيوي”.
—
في الليلة الماضية، بعد أن وبّخها أهلها، خرجت “لين تشيو شوانغ” تبكي وتهرول مبتعدة،
وجلسَت تحت شجرة كبيرة تبكي بصمت، وهناك التقت بـ “سون شيانغ شيوي” العائد للتو من عمله.
كان “سون شيانغ شيوي” يتذكّرها، لكنه في البداية ظن أنه رأى شبحًا، فشحب وجهه من الخوف.
ولما دقّق النظر واكتشف أنها “لين تشيو شوان”، زفر بضيق وحدّق فيها:
“تبكين؟ في هذا الوقت من الليل؟ عودي بسرعة إلى البيت!”
رغم أن كلماته كانت توبيخًا، إلا أن “لين تشيو شوان”، المتأثرة فعلًا، ومع تصوّرها الوردي عنه،
سمعت كلماته على أنها اهتمام، وبدأت تحكي له أحزانها وسط بكاءها.
“سون شيانغ شيوي”: من قال إنني أريد سماع كل هذا الثرثرة؟ أريد فقط أن أعود وأنام.
لكنه تمتم بانزعاج:
“صحيح، لا ينبغي التجول ليلًا، هذا غير آمن، لحسن الحظ أنني أنا من صادفك. ارجعي للبيت الآن.”
(هو في الواقع كان يريد أن يقول: “عُودي بسرعة ولا تخيفيني.”)
لكن عندما التقت عيناه بعينيها المملوءتين بالدموع على وجهها الجميل، ابتلع كلماته الغاضبة، وأعاد صياغتها بلطف.
“شيانغ شيوي، أنت طيب فعلًا.” تمتمت بها “لين تشيو شوانغ” برقة،
فشعر هو بخدر يسري في جسده، خاصة أنه لم يعش تجربة كهذه مع أي فتاة من قبل.
وبشكل غامض، وافق على أن يلتقيا في اليوم التالي. وعندما عاد إلى البيت واستلقى على فراشه،
بدأ يفكر: هل يمكن أن تكون “لين تشيو شوانغ” مهتمة بي؟
ولمَ لا؟ فهو وسيم، ومعه بعض المال، وعائلته تملك منزلًا، ورغم كسله، إلا أنه قادر على إعالة زوجة…
وهكذا، في اليوم التالي، عندما التقيا مجددًا، كان “سون شيانغ شيوي” حماسيًا جدًا. ومع وجود مشاعر متبادلة،
أصبح الجو دافئًا بينهما بسرعة.
لقاءهما لم يكن سرًا، وسرعان ما علم أهل القرية أن “لين تشيو شوانغ” على علاقة بـ “سون شيانغ شيوي”
– المعروف بأنه شاب مستهتر – بل وبدأ الحديث عن أنهما أصبحا في مرحلة الخطوبة.
في هذه الأثناء، لم تكن عائلة “لين” تعلم بالأمر، وكانت والدة “لين” منشغلة بزيارة خاطبة في القرية المجاورة لتبحث عن زوج مناسب لابنتها
– رجل طيب ومن عائلة محترمة.
—
اقترب الظهيرة في البلدة، وارتفعت الشمس أكثر فأكثر. وكان سائق الجرار قد بدأ يُعد العتاد لتشغيله –
مستخدمًا الرافعة من نوع “Z” – استعدادًا للانطلاق. لكنّ أولئك المثقفين (الذين أُرسلوا من المدينة للعمل في القرية) لم يأتوا بعد.
أثار هذا تأفف بعض القرويين الذين لم يحتملوا الوقوف تحت الشمس دون ظل:
“ما الذي يفعلونه؟ لماذا تأخروا؟”
“يعلمون جيدًا أننا نعود جميعًا مع الجرار، فهلّا أسرعوا في إنهاء تسوقهم؟ أنا أريد أن أذهب لقطع بعض العشب بعد العودة!”
“يا “لاو تشانغ”، لماذا لا ننطلق ونتركهم؟ لسنا مثلهم، نحن عندنا أشغال كثيرة!”
صرخ أحدهم باتجاه السائق.
لكنّ بعض الناس رأوا أن الانتظار ليس مشكلة:
“كلنا من قرية واحدة، وقد أوصيناهم بالعودة مبكرًا، لا بد أنهم سيأتون حالًا.”
“نعم، دعونا ننتظر قليلًا…”
مرّت خمس دقائق أخرى، وتحت لهيب الشمس الحارقة، بدأ الصبر ينفد، وازداد غضب القرويين.
لم يأتِ سوى اثنين من المثقفين، أما البقية… فلا أثر لهم. ساءت وجوه الجميع.
“أظنني رأيت بعضهم يتجه إلى المطعم الحكومي!”
صرخ أحد القرويين فجأة، وتغيّرت تعابير وجوه الآخرين بسرعة، خاصة النساء اللواتي بدأن في الصراخ.
تبا! نحن هنا نحترق من الشمس، وهم هناك يأكلون في مطعم الدولة؟!
زاد الغضب، وبدأ العرق يقطر من جباههم.
“لاو تشانغ، انطلق، لا داعي لانتظار تلك الشرذمة. ملابسي الجديدة تبللت بالكامل من العرق!”
“صحيح! كلنا قلنا سنشتري ونعود، أنا أسرعت حتى لا أتأخر عن الجرار. هل يظنون أنفسهم نبلاء أو أمراء؟!” صاح رجل مسنّ.
أما المثقفان اللذان عادا باكرًا، فبقيا واقفين بصمت، رأساهما مطأطئان من الخجل، ولم يجرؤا على الكلام.
وفجأة، ظهرت مجموعة من سبعة أو ثمانية مثقفين يحملون طرود البريد ويركضون نحو الجرار.
“آسفون، تأخرنا!” قالوا وهم يلهثون، لكنهم قوبلوا بتنهيدة جماعية من الازدراء، وأمر القرويون السائق بالانطلاق فورًا.
جلس “لاو تشانغ” خلف مقود الجرار – وهو على الأقل محميّ بسقف – وقال:
“لا تتحدثوا، سننتظر قليلًا بعد.”
فهو لا ينتمي إلى القرية، وإذا أعادهم ناقصين سيلام هو.
—
وبينما عاد البقية متثاقلين، نظر إليهم القرويون بغضب شديد. وفي الطريق، كانت المطبات تؤدي إلى تصادم متعمد بين الجالسين بجوار المثقفين.
أما “لين تشو شيا”، فظلت واقفة دون تدخل، فهي لا تعرف بالضبط خلفية هذا النزاع، لكن سلوك الطرفين أوضح لها أن الخلاف قديم.
حقًا، الطبيعة البشرية معقّدة. فليس كل القرى متشابهة، بعضهم يعيش في وئام، وبعضهم في خلاف، وبعضهم لا يتفاعل أصلًا.
اهتز الجرار خلال الطريق الوعرة، ولم تولِ “لين تشو شيا” اهتمامًا بالداخل، بل فقط رغبت في العودة إلى بيتها وتربية صغارها جيدًا.
—
حين وصلت إلى مدخل البيت، كان الصغار يلعبون بسعادة. وعندما رأوها، نسوا تمامًا أنهم جاؤوا للعب مقابل رقائق البطاطا.
لوّحوا لها مودّعين، ثم فجأة تذكّروا:
“يا للهول! نسينا أخذ بقية كيس البطاطا!”
بدأوا بالبكاء داخليًا.
“ماما عادت! هل اشتقتم لي يا صغاري؟” نادتهم وهي تضع كيس جلد الأفعى داخل الباب،
ثم أسرعت لتضمّ صغارها وتطبع قبلة على كل منهم.
أما الصغار الثلاثة، فتفاوتت ردودهم بين البرود والحرج، بينما فتحت “لين تشو شيا”
الكيس الكبير وقالت بفرح:
“أحضرت شيئًا جيدًا اليوم!”
اقترب الأطفال الثلاثة بفضول، لكن أول ما رأوه كان أحشاء الخنزير ذات الرائحة الكريهة، فتغيرت تعابيرهم بشدة،
وكأنهم يسألونها:
“هل لديكِ ميول غريبة؟”
وفي اللحظة التالية، عبسوا أكثر: “هل تخطط هذه المرأة الشريرة لإيذائنا مجددًا؟ الرائحة تشبه… البراز؟ مستحيل!”
لكن “لين تشو شيا” تجاهلت تعابيرهم قائلة:
“لا تحكموا عليها من رائحتها الآن! عندما أجهزها وأقليها… ستكون شهية جدًا!”
ورفعت إبهامها بإعجاب.
رد فعل الصغار؟
…
تراجعوا خطوة بصمت.
ففهمت “لين تشو شيا” الأمر، ولم تُصرّ عليهم. بل بدأت بتنظيف الأحشاء في وعاء ماء، ثم أخرجت العظام، وأخيرًا ظهر البطل المنتظر: ثلاث أرطال من اللحم!
في تلك اللحظة، أضاءت أعين الصغار الثلاثة، وتقدّموا خطوة صغيرة نحو اللحم: لحم!!!
ابتسمت “لين تشو شيا”، وأخرجت من الكيس الآخر القماش والنعال المطاطية، وكادت تضعهم مع بقية الأغراض،
لكنها تذكرت أن القماش سيتّسخ من الدهون، ففصلتهم في كيس منفصل – لحسن الحظ كانت قد أحضرت واحدًا إضافيًا.
“تن تن! انظروا، هذه الأقمشة الثلاثة مخصصة لصنع ملابس جميلة لصغاري الأعزاء.
وهذه الأحذية، تفضلوا، لكل منكم زوج.”
أعطتهم الأحذية حسب المقاسات، وتلألأت أعينهم بفرح لدرجة أنهم لم يتمالكوا أنفسهم عن قول “واو!”،
وأمسك كلٌّ منهم بالنعال الصغير، وبدأوا بمحاولة تجربته على أقدامهم الصغيرة.
————————————————–
ملاحظات توضيحية:
عمة الكلبة: مصطلح مهين يُستخدم للإشارة إلى امرأة قاسية أو شريرة.
الشباب المثقفين: الشباب المثقفون الذين أُرسلوا من المدن للعمل في الريف خلال الثورة الثقافية.
————————————————-
ـــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يـــــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل
وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 14"