اليوم الثالث عشر من تربية الصغار
عندما سمع دا زاي(طفل اكبر)، إير زاي(طفل وسط)، وسان زاي(طفل صغير) أحدًا يناديهم، رفعوا رؤوسهم معًا بتعبير حائر،
ليروا أن من يناديهم هم أطفال القرية – معظمهم أولاد صغار في السادسة أو السابعة – وهم يلوحون بأذرعهم بحماس وينادونهم بفرح كبير.
هذه النبرة المليئة بالبهجة أعطت الآخرين شعورًا مضللًا، ما جعل الصغار الثلاثة يظهرون لمحة من الحيرة في أعينهم: هل كانت علاقتنا جيدة معهم من قبل؟
أما أولئك الصبية الخمسة أو الستة فلم يبدوا أي اهتمام بكيفية تعامل الصغار معهم، فهم جاؤوا بدعوة من “لين تشو شيا” للعب مع هؤلاء الأطفال الصغار.
في صباح اليوم، وكعادتهم، لم يكن لديهم شيء ليفعلوه في المنزل، فكانوا يتجولون ويتسكعون خارجًا،
حتى ظهرت “لين تشو شيا” وهي تحمل كيسًا من رقائق البطاطا المقلية ذات الرائحة الشهية
. وما إن فتحت الكيس حتى انتشرت رائحة قوية جعلت أطفال الجيران يشعرون بالجوع الشديد حتى كادوا يبكون شوقًا للطعام.
جذبت الرائحة على الفور انتباه خمسة أو ستة أولاد، وبعد أن حصل كل منهم على ثلاث رقائق،
قالت لهم: “إذا لعبتم جيدًا مع صغاري الثلاثة واعتنيتم بهم حتى أعود من الجمعية التعاونية في البلدة،
فسأعطيكم كل ما تبقى في الكيس، ولكن لا تقولوا شيئًا للأطفال الثلاثة عن هذا الأمر، مفهوم؟”
أول فكرة خطرت ببال الصبية كانت: هل سنقوم برعاية أطفال؟
عادةً ما يعتبرون من هم أصغر منهم سنًا غير مناسبين للعب معهم، لكن بعد أن تذوقوا الرقائق وقال أحدهم وهو يمضغها “كركشة كركشة” بطرب:
“كم هي لذيذة!”، وراح يلعق أصابعه من شدة الاستمتاع، أصبحوا متحمسين للعب.
وبعد الإفطار، تركوا أوانيهم وأندفعوا للخارج.
“هيا نلعب معًا، دعونا نلعب لعبة ‘ضرب الغزاة’!” – بالنسبة لهم، ضم الأطفال الثلاثة إلى لعبتهم لم يكن أمرًا صعبًا على الإطلاق.
لكن، وبما أن دا زاي ورفيقيه قد تعرضوا للتنمر من أطفال القرية سابقًا،
فقد شعروا بالتوتر أمام هؤلاء الصبية رغم أنهم ليسوا نفس الأشخاص الذين آذوهم، لكن الخوف ظل باقيًا.
ظنوا أن هؤلاء الأولاد جاؤوا ليستهزئوا بهم. خاصة أن إير زاي وسان زاي أصغر سنًا، وإن نشب شجار بينهم
، فسيكون الوضع في غير صالحهم. لذا، هز دا زاي رأسه وقال: “لا نريد.”
توسعت أعين الصبية الستة بدهشة، وكأنهم لا يصدقون أنهم، وهم من تكرم وسمح للأطفال الثلاثة باللعب معهم، قوبلوا بالرفض؟!
انتفخت خدودهم، ولولا وعد “لين تشو شيا” بالكيس الكبير من رقائق البطاطا، لكانوا قد غادروا فورًا.
“لا تحبونها؟ إذًا، ما رأيكم بلعبة ‘الإمساك بالصغار’؟” قال أحدهم محاولًا تبديل اللعبة.
“لا نريد!” أجاب دا زاي، غير مستوعب لماذا يصر هؤلاء على اللعب معهم.
“إذًا، ماذا عن لعبة رمي أكياس الرمل؟” جرب أحدهم مرة أخرى وهو يعبس من صعوبة الأمر.
لكن دا زاي هز رأسه مرة أخرى. هنا لاحظ أحد الأولاد الكبار ما يحمله سان زاي في يده – كان عبارة عن كرات زجاجية صغيرة – فهتف بعينين لامعتين: “ما هذا؟”
شعر سان زاي بالتوتر تحت نظرات الأولاد الأكبر سنًا، فاختبأ وراء إير زاي.
أجاب الأخير بعد لحظة تقدير للموقف وهو يعض شفتيه: “هذه كرات زجاجية.”
“ممتاز، لنلعب بها!” قال أحد الصبية وهو يصفق بيديه بحماس واقترب ليبدأ اللعب.
كان الأطفال الثلاثة في البداية متوترين وخائفين، لكن اللعبة أثارت حماسهم. تشبثوا بالكرات الصغيرة،
ينظرون إليها بترقب وتوتر: لا تصبها، لا تصبها… أوه نعم! جاء دوري!
—
في هذه الأثناء، خرجت “لين تشو شيا” متجهة نحو الساحة الكبرى في القرية، حيث يتم عادةً عقد الاجتماعات وتُركن فيها الجرارات الزراعية.
وحين وصلت، كان العديد من القرويين قد سبقوها.
رآها بعض الجيران فنادوا عليها بصوت عالٍ: “يا زوجة جينغ مينغ، هل ستذهبين إلى البلدة أيضًا؟ ما الذي تنوين شراءه؟”
ابتسمت “لين تشو شيا” بخجل وحيَاء، وقالت بلهجة معتذرة: “أريد فقط شراء بعض القماش لصنع ملابس للأطفال، ثيابهم كلها ممزقة وبالية،
ويمشون حفاة طوال الوقت. سأشتري لهم أيضًا نعال مطاطية. خالتي، هل ستذهبين إلى الجمعية التعاونية؟ خذيني معك إن أمكن…”
لم تكن قد تعرفت على أحد مسبقًا، لكنها صعدت مستندة على عصاها،
فهي تعلم أن العيش في القرية لا يمكن أن يتم بعزلة دائمة، وإن لم تكن بحاجة شخصيًا، فلا يمكن ترك الأطفال الثلاثة في وحدة تامة حتى ينغلقوا على أنفسهم.
ابتسامتها الخجولة أظهرت ملامحها المشرقة والجميلة، ما جعل الناس يشعرون بأنها فتاة طيبة حقًا.
لم يفهم أحد لماذا كانت عائلة “شيه” دائمًا ما تعاندها.
قالت إحدى الجارات بحماس: “تعالي، تعالي، اجلسي بجانبي، فالجرار سيمتلئ بعد قليل…”
ردت “لين تشو شيا”: “شكرًا لكِ، خالتي.” ودون أن تدري، أصبحت وسط مجموعة من النساء في منتصف العمر.
وبالرغم من خجلها الظاهري، إلا أن لسانها الفصيح جعلها تتآلف معهن سريعًا، وبدأت تتابع معهن أخبار القرية.
—
على الطريق نحو البلدة، لم يكن الطريق مرصوفًا بالإسمنت كما في العصر الحديث، بل كان طريقًا من الطين والحصى الصغير،
ومليئًا بالحفر، ما جعل “لين تشو شيا” تشعر بالغثيان الشديد.
وبمجرد أن وصلت إلى البلدة ونزلت من الجرار، بدأت تتقيأ جافة عدة مرات:
“لا أستطيع… مضى زمن طويل منذ آخر مرة ركبت فيها جرارًا… لن أجرؤ على القدوم مرة أخرى!”
جعلت هذه الكلمات البعض ممن كان يفكر في إطلاق إشاعة مفادها أن “لين تشو شيا” حامل،
يتراجع عن نواياه. حتى وإن كانت مزحة، لكن بعض المزحات يجب أن تُكبت من جذورها.
ثم تبعت الخالات باتجاه الجمعية التعاونية – فهي المكان الوحيد الذي يمكن الشراء منه، بالإضافة إلى محل اللحوم.
—
عندما وصلت إلى الجمعية، بدا كل شيء وكأنه مأخوذ من فيلم قديم. لم تأتِ “لين تشو شيا” إلى هنا كثيرًا من قبل،
فلم تكن لديها ذكريات قوية في هذا المكان، لذا نظرت حولها بفضول.
تقدمت إلى طاولة البيع قائلة: “أريد ثلاث لفات قماش، باللون الأسود، الأزرق الداكن، والبني المحمر.”
نظر إليها البائع بلا مبالاة وسأل ببرود: “هل لديكِ قسائم قماش؟”
“بالطبع. وأيضًا أريد نعال مطاطية بالمقاسات 22، 24، و26.” أجابت دون اكتراث بأسلوب البائع، وأعلنت بوضوح ما تريد شرائه.
وفي أقل من دقيقتين، أكملت مشترياتها دون أن يُتاح لها حتى الاختيار، إذ لم يكن هناك سوى نوع واحد من نعال الأطفال.
حملت أغراضها في كيس من جلد الأفعى، وبعد أن رأت أن باقي الخالات ما زلن يتجادلن مع البائع، ذهبت إلى محل اللحوم ومعها قسائم اللحم.
—
في محل اللحوم، كان الحشد كبيرًا، والجميع يشترون اللحم الدهني، أو على الأقل نصف دسم.
ففي ذلك العصر، كان الناس يعتبرون أن اللحم الدهني هو الأفضل، لأنه يحتوي على أكثر دهون –
وهذا يعني سعرًا أفضل مقابل الوزن – ومعظم الجزارين كانوا يقطعون نصف دسم تلقائيًا.
عندما جاء دورها، قالت “لين تشو شيا”: “أريد ثلاثة أرطال من اللحم نصف الدسم، لكن أريد أن يكون فيه لحم أكثر من الدهون.”
تفاجأ الجزار ومن حوله بهذا الطلب، وظنوا أنها تجهل الأمر، فنبهها أحدهم بلطف: “اللحم الدهني هو الألذ، يا ابنتي.”
أضافت بمرح وخجل: “وهناك الكثير من الناس ينتظرون، بالمناسبة… هل يمكن أن تعطيني قطعتين من عظام الخنزير التي تُزال من اللحم؟”
وافق الجزار فورًا، فالعظام كانت عادة تُعطى للكلاب.
ثم قالت: “عمي، لا أريد أن أستغل الدولة، خذ مني جزءًا من اللحم مقابل العظام والأحشاء، أليس من العدل أن أدفع؟
لا أريد أخذ شيء مجانًا من ممتلكاتنا الجماعية!”
هذا التصرف أثار إعجاب الجميع، وأشادوا بأخلاقها العالية. قطع الجزار قطعة لحم أقل من رطل وأعطاها الباقي.
وضعت “لين تشو شيا” اللحم أولًا، ثم العظام، وأخيرًا الأحشاء. رائحة الأحشاء كانت قوية، لكنها كانت راضية تمامًا.
ثم حملت الكيس الكبير وتوجهت إلى مكان توقف الجرار، حيث كان بعض الناس هناك، ونظروا باستغراب إلى حجم الكيس الذي تحمله.
قالت بابتسامة عفوية: “ألم أقل لكم؟ اشتريت للأطفال ثيابًا ونعالًا، وكان من المفترض أن أشتري اللحم فقط،
لكن عندما رأيت العظام والأحشاء بأسعار شبه مجانية… لم أستطع المقاومة.”
فتحت إحدى الخالات الكيس، لكن رائحة الأحشاء الكريهة جعلتها تعبس، فهي كانت ترتدي ملابس نظيفة هذا اليوم،
فقالت بنبرة نصح: “أليس جينغ مينغ يرسل لك راتبه شهريًا؟ لماذا التوفير المفرط؟”
فأجابت “لين تشو شيا” بوجه مليء بالأسى: “خالتي، أنتِ تعرفين أهل زوجي… أي راتب؟ لقد توقفوا عن إرساله منذ زمن…”
وأخيرًا وصلت إلى هدفها: التلميح لمعاناتها أمام الجميع.
ورغم شعورها الداخلي بالانتصار، إلا أنها بدت على السطح حزينة ومهمومة.
—
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يــ
ـــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل
وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 13"