اليوم الثاني عشر من تربية الصغار
ذهبت “لين تشوشا” في النهاية إلى الحديقة لقطف بعض الخضروات، وقررت أن تمر غدًا على جمعية التوريد والتوزيع لترى إن كان هناك بذور خضروات،
فالحديقة أوشكت على النفاد، وحان الوقت لشراء بعض البذور وزراعتها.
طهت مرة أخرى حساء البيض مع الأعشاب البحرية، وفتحت علبة من المعلبات. في هذا الزمن، كان هذا يعتبر من الأطباق الفاخرة المرتبطة بأيام الأعياد!!!
وبسبب خشيتها من أن يراها أحد، أغلقت الباب أثناء تناول الطعام. لم يكن هناك كهرباء، فأشعلت مصباح الكيروسين،
لكن الإضاءة لم تكن كافية، فجلبت مصباحًا كهربائيًا كبيرًا، ذلك النوع الذي يدور ويلمع – شيء باهظ الثمن،
مضيء جدًا، ولا يختلف كثيرًا عن المصابيح الكهربائية الحالية.
حين رآه الأطفال الثلاثة، اتسعت أعينهم دهشة وهتفوا “واو!” لم يسبق لهم أن رأوا شيئًا كهذا،
فلم يتمالكوا أنفسهم واندفعوا نحوه، ومدوا أيديهم الصغيرة القصيرة يريدون لمسه.
قالت لين تشوشا وهي ترفع حاجبها مبتسمة: “هذا مصباح، غالٍ جدًا، يعادل ثمن عشرة كيلوجرامات من لحم الخنزير!”
ولم تكن تفكر إطلاقًا فيما إذا كان من غير المناسب أن تُظهر مثل هذه الأشياء في هذا الزمن.
في نظر لين تشوشا، حتى وإن كان هؤلاء الثلاثة “الصغار الأشرار” أذكياء، فهم لا يزالون في الرابعة أو الخامسة من عمرهم فقط.
وبما أنها لم تتعامل من قبل مع أطفال، فقد شعرت أنهم لا يشبهون أطفال المستقبل الذين التحقوا بروضة الأطفال، فلا حاجة للتوجس أو الحذر منهم.
وإلا، إن كانت ستتوخى الحذر في كل شيء، فما فائدة مجيئها لهذا العصر لتقاسي الصعاب؟
وإن كانت تملك “إصبعًا ذهبيًا” (مجازًا لقدرة خارقة) ولا تجرؤ أن تأكل أو تشرب، ألن تكون قد جلبت الشقاء لنفسها؟
عندما سمع الصغار أن المصباح يعادل عشر كيلوجرامات من لحم الخنزير، سحبوا أيديهم بسرعة قبل أن تلمس المصباح،
لكن أعينهم السوداء المستديرة بقيت تحدق بانبهار في هذا النور.
“ما، ما أبهى نوره، كأنه نور النهار…”
ولأول مرة، بدأ الطفل الثاني يشعر أن هذه “المرأة الشريرة”، يبدو أن هناك… شيئًا غريبًا بشأنها؟
لكن في هذه اللحظة، وُضعت الأسماك والبيض على الطاولة. الخضروات نأكلها كل يوم، فلا جديد فيها،
أما لحم السردين المعلب فكانت له رائحة شهية تختلف عن السجق المجفف، وحساء البيض كان أيضًا لذيذًا…
على الفور، طار من أذهانهم ذلك الإحساس بالغرابة، وجلسوا بشكل منتظم، وكل واحد منهم يمسك ملعقته الصغيرة،
وعندما بدأت لين تشوشا توزع اللحم والحساء، شرعوا بالأكل بنهم، وكأنهم خنازير صغيرة.
أما شوك السردين، فقد أزالتها عند فتح العلبة،فلا يمكن بالطبع أن تطلب من طفل في الثالثة أو الخامسة من عمره أن يفرز الشوك.
كانت وجبة مشبعة مرة أخرى، امتلأت بطونهم حتى انتفخت. لدرجة أن لين تشوشا اضطرت إلى التوقف عن فكرة إعداد حليب الأطفال لهم، خشية أن يتخموا.
في الحقيقة، لو لم تكن لين تشوشا تمنعهم، لكانوا قد تناولوا وعاءين إضافيين من الأرز في كل وجبة.
بدأت تفرك بلطف بطونهم الصغيرة، ولحسن الحظ أنها حممتهم قبل العشاء، وفي الوقت نفسه بدأت تحكي لهم قصة مغامرات “الخنازير الصغيرة”،
التي ألفتها بنفسها. هذه المرة، أصبح الأبطال الثلاثة هم: الخنزير الكبير، الخنزير الثاني، والخنزير الثالث.
الأطفال الثلاثة (الكبير، الثاني، والثالث): لديهم الأدلة والدوافع التي تؤكد أن “الخنازير” في القصة هم هم بالتحديد!!!
مد الأطفال أيديهم الصغيرة على بطونهم المستديرة، “لا، بطوننا لا تشبه الخنازير أبدًا”، وتنهدوا خلسة، في محاولة لإخفاء بطونهم.
لكن ما إن مرت ثلاث ثوانٍ حتى زفروا، فعادت بطونهم إلى شكلها المستدير، ثم رمقوا لين تشوشا بنظرة خاطفة، ليروا إن كانت قد لاحظت ذلك.
لين تشوشا التي كانت قد أزيحت يدها، كانت تروي القصة بجدية.
عندما رأت بعينها الجانبية تصرفاتهم اللطيفة، كادت تذوب من فرط اللطافة.
“حقًا، الأطفال هم كائنات شفائية، خاصةً أولئك المفعمين بالبراءة.”
رغم أن هؤلاء الصغار الثلاثة يعانون من الشحوب والنحافة الآن، إلا أنه بعد يوم وليلة من العيش معهم،
شعرت لين تشوشا أن لا أحد من أطفال الآخرين يضاهي أطفالها جمالًا.
وعندما تسمّنهم وتغذيهم حتى يصيروا بيض الوجوه ممتلئين، سيصبحون أكثر روعة.
ابتسمت ابتسامة دافئة، وهذه المرة لم تروِ لهم مغامرة غريبة، بل حكت قصة “الخنازير الثلاثة التي بنت منازلها، حتى جاء الذئب الكبير السيئ.”
استمع الثلاثة إلى القصة بتعبيرات معقدة، حتى إنهم نسوا أن يشدوا بطونهم ليخفوا “كرش الخنازير”.
الكبير قال: “أنا لست غبيًا لهذه الدرجة، لا يمكن بناء بيت من قش!”
الثاني قال: “البيت المصنوع من الخشب سهل الهدم، وسهل الاحتراق، لن أستخدم مواد كهذه.”
أما الثالث، الذي تم مدحه، فابتسم بخجل وثقة خفيفة، لم يعد يشعر بالخوف كما من قبل،
وقال مبتسمًا: “في الحقيقة، أنا أيضًا… أستطيع حماية إخوتي.”
قالت لين تشوشا بمبالغة، رافعة ذراعيها مهللة: “صحيح، أطفالنا الكبار والثاني لن يكونوا أبدًا بغباء الخنزير الكبير والثاني، إنهم الأذكى في العالم… آه،
بل إن أطفالنا الكبار والثاني والثالث هم أذكى من رأتهم أمهم في العالم بأسره.”
…
مقابل هذا الدفء الذي يسود بيت “لين تشوشا”، كان بيت عائلة “لين” في فوضى بسبب اختفاء ثلاث بيضات.
قالت الزوجة الكبرى بلهجة ساخرة ممتعضة: “لا نعرف من هذا الجشع الذي سرق البيض، نحن نعمل ونتعب ولا نأكل، حتى أطفالي لا يأكلون…”
شعرت “لين تشيوشانغ” بالذنب قليلًا، فقالت وهي تجلس على مائدة الطعام، مقلدة نفس النبرة: “صحيح، لا نعرف من الذي سرق البيض ولم يعترف!”
كادت زوجات العائلة أن ينفجرن من وقاحة “لين تشيوشانغ”، فمن غيرها في البيت أكول ومتقاعس؟
لكن، الجميع يعلمون أن لا أحد يمكنه أن يؤذي “لين تشيوشانغ”، يمكنهم فقط السخرية منها بالكلام:
“كل ما تفعله هو الأكل بالمجان والضجيج، من يدري إن كانت ستتزوج أصلًا؟”
قال الزوج موجّهًا كلامه لزوجته: “كفى، لا تتحدثي أكثر من ذلك.”
بدت تعابير وجهي والدي “لين” غير مريحة، فكل القرية تعلم بما حدث ظهيرة اليوم عند عائلة “شيه”،
وكل هذا بسبب خلاف بين الحماة والكنة… من لا يسخر من ذلك؟
غضب الأب وسألها مباشرة: “تشيوشانغ، هل أنت من أخذ البيض؟”
تجعدت جبين الأم حين سمعت السؤال: “أيها العجوز، لماذا تتهم ابنتك فورًا؟ تشيوشانغ ليست من هذا النوع، ثم إن المفاتيح أخفيتها جيدًا…”
قال الأب: “إن لم تكن هي، فمن؟ والكنة الكبرى لم تخطئ، فتاة بهذا العمر، كانت تصر على الزواج من شيه جينغ مينغ، ثم تراجعت، وقامت بالدراما،
ودائمًا تتكاسل عن العمل!!!”
صرخت “لين تشيوشانغ”: “بابا!!! أنا لم أفعل، وكيف لي أن أتزوج من عائلة مثل عائلة شيه؟”
لقد نسيت كل ما فعله والدها ووالدتها سابقًا لترتيب زواجها، كما نسيت أنها عندما أدركت في حياتها الجديدة أنها لم تتزوج بعد،
قامت بالصراخ والبكاء حتى وافق أهلها على تزويج “لين تشوشا” بدلًا منها…
قال الأب بحزم: “انتهى الأمر، اليوم كل واحد يحصل على بيضة، ما عدا تشيوشانغ!”
لم تهتم الأسرة بدموعها أو تعبيراتها، فقد سئم الجميع من تحمل عواقب أفعالها، وإن ضاق الإخوة بها ذرعًا،
فمن سيحميها إذا تزوجت في المستقبل؟
لكن “لين تشيوشانغ” لم تكن تدري كم كان والدها يفضلها، وظنت أن عائلتها قد تغيّرت. اتسعت عيناها من الصدمة،
وباكيةً، ركضت خارجًا غير مكترثة بالظلام، مما اضطر عائلتها للذهاب والبحث عنها لاحقًا.
كانت “لين تشيوشانغ” تشعر بالظلم حتى الموت، في حياتها الماضية أيضًا، قالوا إنها أصبحت من عائلة “شيه” بعد زواجها منهم… وبكت…
في تلك اللحظة، جلس “سون شيانغشيوي” تحت شجرة، وكان قد ربح بضع سنتات من القمار،
سعيدًا وهو ينزل من الجبل، وبينما مرّ من هناك، رأى “لين تشيوشانغ” تبكي…
…
في الليل، نام الأطفال الثلاثة بجانب بعضهم، نومًا هنيئًا، وحلموا بأنهم تحولوا إلى تلك الخنازير التي تطاردها الذئاب…
وفي صباح اليوم التالي، استيقظ الكبير غاضبًا جالسًا، متأكدًا أن “المرأة الشريرة” تعمدت ذلك!
في هذه اللحظة، كانت “لين تشوشا” قد أعدت الفطور، وذهبت لإيقاظهم، لتراهم خارجين من الغرفة،
فبدأت تحثهم على الإسراع في غسل أسنانهم، مهددة: “من لا يغسل أسنانه، لا يحصل على اللحم اليوم!”
غسل الثلاثة أسنانهم ووجوههم وأيديهم، وجلسوا على الكراسي الصغيرة، أمام كل واحد منهم وعاء حليب صغير،
وفي طبق آخر ثلاثة فطائر شار سيو (فطائر محشوة بلحم خنزير مشوي).
أين اللحم؟
نظر الثلاثة بعينين لامعتين نحو “لين تشوشا” متهمين إياها بالكذب،
ففتحت فطيرة شار سيو وقالت: “هذا فطير، مصنوع من دقيق أبيض، ومحشو بلحم خنزير.”
وأضافت: “أنتم نحيفون وقصار القامة، إذا خرجتم وتقابلتم مع أحد في شجار، لن تتمكنوا من الفوز.
هذا الحليب، سيجعلكم أطول وأقوى، حتى تتمكنوا من حماية إخوتكم.”
بمجرد أن قالت ذلك، توهجت أعينهم الصغيرة، وأمسكوا بالفطيرة الصغيرة بأيديهم وأخذوا قضمة…
“واو، لذيذ!” ثم رشفة من الحليب، لم يكن حلوًا… لكن، بما أن “لين تشوشا” قالت ذلك، لم يجرؤوا على عدم الشرب.
بعد الإفطار، خرجت “لين تشوشا”، وأوصتهم بألا يركضوا في كل مكان، يمكنهم اللعب أمام الباب، وستعود قريبًا.
أومأ الثلاثة بلا مبالاة، فهم لا يعرفون أطفال القرية جيدًا، فأين سيذهبون؟ اللعب بالكرات الزجاجية والمكعبات أفضل.
لكن بينما كانت “لين تشوشا” تغادر، ظلت أعينهم تلاحقها بشوق.
قالت لهم بابتسامة حنونة: “حسنًا، ماما سترجع بسرعة، حسنًا؟” ثم انحنت لتقبّل كل واحد منهم على وجنته.
الكبير المتكلف قال “همف” ببرود: “من، من يريدك أن تعودي مبكرًا؟ ولا تجرئي أن تقبليني.”
الثاني اللطيف أومأ مبتسمًا دون كلام، بينما خجل الثالث الصغير، مشدًا بلطف على كمّ أخيه، خجلًا متورد الخدين…
وبعد قليل من خروجها، وبينما كانوا يستعدون للعب بالكرات الزجاجية، ظهر فجأة عند الباب سبعة أو ثمانية أطفال وهم يهتفون:
“كبير، ثاني، ثالث… تعالوا نلعب!”
—
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظات توضيحية:
“إصبع ذهبي” هو تعبير شائع في الروايات الصينية يشير إلى قدرة خاصة أو عنصر غامض يمنح البطل ميزة فريدة في العالم الجديد.
“جمعية التوريد والتوزيع” هي مؤسسة حكومية في الصين القديمة تُستخدم لتوزيع السلع الغذائية والاحتياجات الأساسية خلال فترات التقنين.
“فطيرة شار سيو” (: فطيرة صينية شهيرة محشوة بلحم الخنزير المشوي.
————————————————-
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يـــــــــــــتبع
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل
وترك تعليق لطيف
..
انستا: mary.kimi01
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات لهذا الفصل " 12"