في تلك الأمسية، غمرَت أنوارُ الشموع الخافتة قاعة الولائم في قصر إلفينستر بضياءٍ رقيق.
أُقيمت مأدبة عشاء للترحيب بزيارة الملكة شارلوت وابنتها الأميرة أستريد إلى إيوتن.
وبما أن الإمبراطور وصفها بـ”أمسية عائلية”، لم يحضر الوفد المرافق من فينتلاند، كما لم يظهر الطفل الصغير الذي قيل إن الأميرة أحضرته معها.
“كحّم… أرحّب بزيارة أختي!”
بعد نفثة خفيفة، رفع جيمس السادس كأسه معلنًا نخب المناسبة.
وفيما كان يرفع كأسه بحركةٍ مترددة بعض الشيء، التقت عينا إديث بأمير الإمبراطورية. كان إدوارد، الذي يبتسم عادةً لكل امرأة، يرفع زاوية فمه كعادته، لكن ابتسامته بدت هذه المرة أقل حيوية من المعتاد، كأنها تخلو من روحها.
“هااه…”
كانت الأجواء في التجمعات العائلية للعائلة الإمبراطورية عادةً مفعمة بالدفء والود، لكن قاعة الولائم هذا المساء كانت تخيّم عليها توترٌ غريب.
في صمتٍ ثقيل، كانت إديس تتناول طعامها بحذرٍ شديد، خشية أن تصدر أي صوتٍ من أدوات المائدة عن طريق الخطأ.
كانت هذه المأدبة دعوةً مفاجئة. لا تزال ذكرى استعجالها لإحضار فستان من قصر هاميلتون، وتزيّنها على عجل، وركضها المسرع نحو القصر حيّةً في ذهنها.
— لستِ مضطرة للحضور.
— من الأفضل أن تحضري.
اختلفت آراء إليسا ويوريك حول دعوة الملكة شارلوت. فقد رأت إليسا أن الموقف سيكون محرجًا بلا شك، وأنه لا داعي للحضور، واعدةً بأنها ستتولى تقديم عذرٍ مقنع دون أن تقلق إديث.
أما يوريك فقد رأى أن هذه تجربةٌ لا بد من خوضها عاجلًا أم آجلًا، وأن الظهور الأول في حضور أفراد العائلة الإمبراطورية الآخرين قد يكون أفضل.
— سأذهب.
في النهاية، اختارت إديث اتباع نصيحة يوريك، فبما أنها وعدت بالزواج منه، كان عليها مواجهة هؤلاء الأشخاص يومًا ما.
وعلى الرغم من أنها أدركت منذ اللحظة الأولى أن الملكة شارلوت ليست بالشخصية الهيّنة، إلا أنها فكرت أنها، كملكة الشمال، لن تلتقيها كثيرًا على أي حال. ومع شخصية مثل شارلوت، قد يترك الرفض انطباعًا أعمق مما ينبغي.
— حسنًا، إذا كان هذا قراركِ.
هكذا قالت إليسا، ثم راحت تنقل إليها بسرعة معلوماتٍ عن شارلوت: ما تكرهه، وأي نبرة أو سلوك يثير استياءها، وغيرها من المعلومات القيّمة. لكن منذ أن جلست إديث في مكانها، لم تُظهر الملكة أي اهتمامٍ بها.
“هل الطعام يناسب ذوقك؟ لقد أولته إليسا اهتمامًا خاصًا.”
تحدث جيمس السادس بنبرةٍ ودية، ربما لأن الجلسة عائلية. أومأت شارلوت برأسها بأناقة وهي تمسك بالشوكة لتقطع قطعة من اللحم.
“ليس سيئًا.”
كانت نبرتها مفعمة بالرسمية. بدا الإمبراطور مرتبكًا للحظة، ثم حول نظره بعيدًا.
“مأدبة إيوتن بعد غيابٍ طويل.”
كان الطبق الرئيسي لهذا المساء عبارة عن لحم بقري مغطى بمعجون الفطر وملفوف بطبقات من عجينة البف باستري ثم مشوي.
ملاحظة : الطبق دا اسمه “بِيف ويلينغتون” وهو طبق بريطاني

وعلى عكس العادة التي تسودها الأطباق على الطريقة الإيلانكوية، تم اختيار هذا الطبق مراعاةً لذوق شارلوت.
“لطالما أحبت أختي أطباق إيوتن التقليدية منذ صغرها، لذا أعددنا هذا خصيصًا.”
على الرغم من قوة إيوتن السياسية، كانت سمعة مطبخها متواضعة مقارنةً بالثقافة الإيلانكوية التي تفوقت بوضوح في هذا المجال. وبالطبع، كانت إظيث تميل إلى الأطباق الجنوبية أو تلك الإيلانكوية. لذا، كان ذوق شارلوت نادرًا بلا شك.
“ما رأيك بمطبخ الشمال؟ ألا تجدينه قاسيًا بعض الشيء؟”
في محاولة لتخفيف التوتر، طرحت إليسا سؤالًا بابتسامة. هزت شارلوت رأسها.
“أحبه لأن توابله ليست قوية. طعمه الخفيف يجعلني أستمتع به أكثر.”
تساءلت إديث في نفسها عن الأطباق المميزة لفينتلاند، لكنها لم تستطع تذكر سوى أطباق الرنجة.
“أليس المطبخ الإيلانكوي هو الرائج في الدول هذه الأيام؟ ألستُ على صواب، أستريد؟”
“نعم، أمي.”
كانت الأميرة أستريد، ابنة الملكة، امرأةً ذات بشرة بيضاء شاحبة بشكل لافت وهالة هادئة. كانت إحدى أقرباء يوريك القليلين، باستثناء إدوارد. جلست الأميرة بأناقة مكرّسة، واكتفت بتحية مقتضبة قبل أن تركز على طعامها فقط.
“الطريقة الإيلانكوية… الطعام، المسرحيات، كل شيء فيها مبالغ فيه، لا يروقني.”
قالت شارلوت ذلك، ثم التفتت فجأة إلى يوريك بنظرةٍ حادة كالسيف.
“خاصة تلك القصص العاطفية المجنونة المغلفة بالرومانسية.”
فجأة، توقفت أصوات أدوات المائدة. تركزت الأنظار على يوريك، لكنه استمر في تقطيع اللحم بهدوء تام.
“هل سمعتِ بخبر الخطوبة؟”
“نعم، حتى في الشمال لديّ أذنان. كان صاخبًا جدًا.”
وضعت شارلوت شوكتها بهدوء وقالت ببرود:
“لم أكن أتوقع هذا منك، يوريك. كنت أظنك مختلفًا عن بقية أفراد العائلة الإمبراطورية.”
“حسنًا، يبدو أن الدم لا يكذب.”
كان يوريك، بطباعه الباردة، مختلفًا بالفعل عن الأرشيدوق بنينغهام أو الأمير إدوارد. ربما كان هو الابن الأحب إلى قلب شارلوت. لو لم يُصب باللعنة، لما خيّبت أملها أبدًا.
“نعم، هذا صحيح. لقد أصبحتَ شبيهًا بإليسا تمامًا، خاصة في عادتك برفض الفرص الجيدة.”
“أختي!”
نادَت إليسا بصوتٍ منخفض نادرًا ما تستخدمه، بينما كان يوريك يفرك بإبهامه مقبض كأس النبيذ ببطء، مائلًا رأسه قليلًا.
“يبدو أن كلام جلالتك يحمل إهانةً لعائلة غلاسهارت.”
بالنسبة إلى يوريك، الذي يُقدّر شرف عائلة غلاسهارت، لم يكن هذا الكلام ليمر دون أن يثير استياءه.
“لم أقصد الإهانة. عائلة غلاسهارت عريقة، وهذا جيد إلى هذا الحد.”
ثم، لأول مرة، حولت شارلوت نظرها إلى إديث، التي كانت تتعامل معها طوال الوقت كأنها غير موجودة.
“ما اسمكِ؟”
“إديث هاميلتون.”
عند إجابتها، لوَت شارلوت شفتيها الرقيقتين.
كان رد فعلها يعكس ازدراءً أنيقًا، نمطيًا للطبقة العليا في إيوتن، تجاه اسمٍ غريب من عائلة متواضعة لم تسمع بها من قبل.
وكان ذلك متوقعًا، فقد حصل والد إديث على لقبه بعد زواج شارلوت إلى فينتلاند.
“همم، البارون هاميلتون رجلٌ موهوب جدًا. تأثيره على اقتصاد الصناعة في إيوتن ليس بالهين.”
“هناك أشياء لا يمكن شراؤها بالمال، مثل التاريخ العريق.”
أغلق جيمس السادس فمه عند كلمات شارلوت.
ربما كان شعور الذنب لإرسالها متأخرة إلى بلدٍ آخر للزواج، أو ربما لأنها، في شبابها كأميرة، تولت شؤون الإمبراطورية نيابة عن الإمبراطور الراحل الذي كان بعيدًا عن السياسة، أو لأنها أحبطت بنفسها مشروع قانون في البرلمان لدعم توريث الإناث.
أمام موقفها الحازم، تراجع الإمبراطور نادرًا، لكنه أشار بعينيه إلى شقيقه الأصغر.
تلقّى الأرشيدوق بنينغهام الإشارة وفتح فمه على الفور:
“الآنسة هاميلتون سيدةٌ رائعة، جميلة وذكية!”
“سيدة…”
ابتسمت شارلوت بمكرٍ خفي. عندما واجهت إديث تلك الابتسامة، شعرت كأن دلوًا من الماء البارد سُكب عليها، لكن عقلها أصبح أكثر صفاءً.
منذ خطوبتها ليوريك، تغيرت نظرات الناس إليها تدريجيًا، لكنها كانت معتادة على تحمل النظرات الحادة والتحيزات في الأوساط الاجتماعية. لكن هذه المرة كانت مختلفة.
“ليست كل السيدات متساويات.”
كان يوريك إلى جانبها. تلك الكلمات، تلك النظرات، كانت عادةً تتحملها وحدها. ظنت أنها اعتادت عليها، لكنها، أمامه، لم ترغب في أن تظهر بهذا الشكل. كأن شعورًا قديمًا بالعار، دفنته منذ زمن، عاد ليرفع رأسه من جديد.
“شارلوت!”
صاحت إليسا مذهولة وهي تنهض من مقعدها، لكن شارلوت ظلت هادئة.
“في الوقت الحاضر، أصول التجار-”
“إديث.”
في تلك اللحظة، نادى يوريك اسمها بهدوء. كانت نبرته ناعمة ومنخفضة. بكلمة واحدة فقط، ذاب التوتر الذي كان يعتصرها، وشعرت بالارتياح.
“هناك بعض الصلصة هنا.”
مال يوريك برأسه قليلًا ووضع إصبعه على شفتيها.
ضغط إبهامه بحذر لكنه بحزم على شفتيها، رغم أنها كانت خالية من أي صلصة.
تحت لمسته، شعرت بشفتيها تنضغطان بلطف. ثم رفع إصبعه ببطء إلى فمه، ولامس لسانه الطرف ببطء، لعقًا لأثرٍ غير موجود. تحت ضوء الشموع، لمعت حركة لسانه الحمراء برقة.
“ظريفة.”
ابتسم يوريك، وهي ابتسامة نادرة، مطويًا زوايا عينيه.
“بالفعل، لا يمكنكِ العيشُ بدوني.”
“آه…”
“هل جنّ؟ ما الذي يفعله فجأة؟” فكرت إديث. في تلك اللحظة، رنّ صوت سقوط أداة مائدة في مكانٍ ما.
على الرغم من الشائعات الكثيرة، كان هذا المشهد الصريح أول مرة يراه الجميع. غرقت القاعة في صمتٍ لحظي، واتسعت الأعين مذهولة. ثم نهض الأرشيدوق فجأة من مقعده.
“انظروا إلى هذا! الحب يكفي، فما المانع؟”
ضحك بعنف حتى بدت عيناه تدمعان.
“ما أهمية التاريخ؟ لا أحد يتزوج من عظام! أليس كذلك، إدوارد؟”
“هاها! صحيح تمامًا.”
“لا يمكنك العيش بدوني. يا لها من كلمات رومانسية!”
كأنهما يشاهدان أوبرا مباشرة، صفّق الاثنان بحماس. ومع هذا التصفيق الحار، تحولت القاعة في لحظة إلى ضجيجٍ مرح.
“بالفعل، يا له من مشهد رومانسي!”
على الرغم من أن إليسا تعرف ابنها جيدًا، ابتسمت كفتاة حالمة. وهكذا، ذاب الجو المتجمد للمأدبة في لحظة، ليعود إلى طبيعته.
نعم، هذه هي العائلة الإمبراطورية في إيوتن.
— ترجمة إسراء
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 53"