نادراً ما رفعت جوزفين صوتها وهي تسحب إيفرت إلى نهاية الرواق المهجور.
“هذا ما أتساءل عنه أيضاً. لا أعرف. ربما أصابني مسٌّ مفاجئ.”
ضحكَ بتلقائية.
في الواقع، لم يكن لكلماتِ تلكَ السيدةِ التي ألقت سُخْرِيةً مُبطنة على جوزفين أيُّ قيمةٍ لتُؤْخَذَ بعينِ الاعتبار. هذا النوعُ من الناسِ ماهرٌ فقط في العثورِ على عيوبِ الآخرينَ وتقليلِ شأنِهم.
فبالنسبةِ لإديث، التي لا تفتقرُ إلى المال، ينتقدونها لأصلِها، وبالنسبةِ لجوزفين، التي لديها أسرةٌ عريقةٌ ولكنها مُعسرة، ينتقدونها لفقرِها –
أخرجَ علبةَ الخاتمِ التي كانَ يحملُها في جيبِهِ منذُ أنْ رُفِضَ عرضُ زواجِهِ، وطأطأَ رأسَه.
“تزوجيني فحَسْب. فغدًا على أيِّ حال، ستنتشرُ شائعةُ أنني وقعتُ في حُبِّكِ تمامًا.”
“أرفض.”
“……يا آنسة بيلمور. لماذا لا يُمكنكِ منحي شرفَ الزواجِ منكِ، أنا الذي أفتقرُ للكثيرِ؟”
“حسناً، هذا لأن لديكَ ضعفٌ عقليٌّ.”
بالطبعِ، رُفِضَ عرضُ الزواجِ بِشَكْلٍ صارخٍ هذهِ المرةِ أيضاً.
***
على الرغمِ من مظهرِهِ الذي يشبهُ الخيز المُشَرَّحَ المَغْمُوسَ في الحليب، كانَ لدى إيفرت هاملتون جانبٌ عنيدٌ أكثرُ ممَّا يَبْدُو. تنهدت جوزفين وهي تُطِلُّ عليهِ جالساً بجانبِها.
“في عصرِ الجشعِ، لا تنسوا معنى المُشَارَكَة. المالُ هو اختبارٌ أُسْنِدَ إلى أيدي البشر، وعلى مَن يمتلكُهُ أنْ يُثْبِتَ بهِ نِعْمَةَ الإلهِ –”
كانَ الأسقفُ توماسُ يُقَدِّمُ عِظَةً حماسيةً من المِنْبَر، لكنَّ ذلكَ الرجلَ لم يكن يستمعُ على الإطلاق.
على ما يبدو، لم يكنْ مُقربًا من الكنيسةِ في الأصل. كانتْ وضعيتُهُ المُنكمشة تُظْهِرُ بوضوحٍ أنهُ يُجْبَرُ على الاستماع.
“لكنَّ الطقسَ جميلٌ، ومن المؤسفِ البقاءُ محبوسين داخلَ الكنيسةِ في مثلِ هذا اليوم.”
مالَ إيفرتُ برأسه بمرح وهَمَسَ مُجَدَّدًا.
“هاه؟”
“ماذا سيحدثُ لو رآنا الناسُ وأطلقوا الهراء……”
“ماذا يَهُمُّ؟ إذا تسللنا بهدوء، فلن يعرفَ أحد.”
عَبَسَتْ جوزفين، لكنها لُجمت للحظةٍ بسببِ الابتسامةِ المُخَادِعَةِ على طرفِ شفتِهِ.
في الواقع، كانَ الطقسُ مُشْمِسًا جدًا اليوم. انْسَابَتْ أشعةُ الشمسِ عبرَ الزجاجِ المُعَشَّقِ للكنيسةِ على المقاعد، لدرجةِ أنَّ إغراءَ المشيِ بِبُطْءٍ في الشارعِ رَفَعَ رأسَهُ بهدوء.
ومعَ ذلك، لا يمكن. مُطْلَقًا لا يمكن. وفي تلكَ اللحظةِ التي كادَتْ أنْ تقولَ فيها ذلكَ بصرامةٍ –
“مَن يُثِيرُ هذهِ الضَّجَّةَ في هذا الوقتِ المُقَدَّسِ من العِبَادَة؟”
دَوَّى صوتٌ من المِنْبَر. في تلكَ اللحظةِ، تَوَجَّهَتْ كلُّ الأنظارِ في الكنيسةِ إليهما. لَاحَتْ على وجهِ الأسقفِ توماسَ نَظْرَةُ “كنتُ أعلم” عندما رأى مَن هو المَعْنِيّ.
“آه، يا إلهي! حَقًّا، لا يمكنُ إخفاءُ دَمِ العائلة.”
أمسكَ الأسقفُ جبهتَهُ وظلَّ يحدقُ في السقفِ لوقتٍ طويل. كانَ هذا التَّوَجُّعُ وكأنهُ جزءٌ من صلاةٍ أو مُنَاجَاةُ استسلامٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 139"