هل حقاً لم بهزم أحدٌ لعنة الجنية؟ حسناً، إذا لم يستطعْ سمو الدوقِ نَفْسُهُ مقاومتها، فكيفَ يمكنني أنا أنْ أفوزَ؟ في النهايةِ، كانَتْ الأمورُ محتومةً على هذا النَّحْو.
تمتم إيفرت في داخله ومَدَّ يَدَهُ ببطءٍ إلى جيبِه. كانَ قماش الصندوقِ الصغيرِ المخمليِّ يَلْمَسُ أطرافَ أصابعِهِ بلطفٍ في كلِّ مرة، لكنْ –
لماذا بدا مُحرجًا للغايةِ الآن!
بعدَ أنْ حرك شفتيهِ لبعضِ الوقت، أخرجَ الصندوقَ أخيرًا وقَدَّمَهُ للمرأةِ التي أمامَهُ.
جوزفين بيلمور.
إلى الشخصِ الذي تسبب في كلِّ هذهِ الفوضى.
“لنتزوج.”
كانت أشعةُ الشمسِ تنعكسُ على الألماسِ الكبير، ممَّا جعلَهُ يَكادُ يُبهر العين. نظرت جوزفين إلى الخاتَمِ الذي بَدَا ثمينًا للوهلةِ الأولى، ثم رفعت رأسَها ببطء.
“أنا، حتى لو كنتُ أنا، لستُ قليلَ الذَّوْقِ لدرجةِ الكذبِ في عرضِ الزواج.”
“هذا مُفَاجِئ. ألم تكنْ أنتَ مَشْغُولًا بتجنُّبِي، يا سيد هاملتون، طوال الوقتِ الماضي؟”
حسناً، هذا لأنَّ إخوتَكِ كانوا يبحثون عني بِشَغَف! كانَ المستقبلُ واضحًا أمامي، وهو أنني سأُجَرُّ إلى قاعةِ الزفافِ بمجردِ أنْ يُمْسَكَ بي، لذلكَ كنتُ أختبئُ وأتجنَّبُ الظهورَ بقدر الإمكان.
‘هل تكرمين بشرف معرفة اسمِكِ، يا آنسة؟’
لقد قبلتُ ظهرَ يَدِها فقط مَعَ تلكَ الكلمات! كانَ الأمرُ وكأنني مُغازلٌ وَقِحٌ لا يُطاق.
لا أزالُ أحلمُ بذلكَ. تلكَ اللحظةُ التي كُنْتُ فيها مُحَاصَرًا وارتجفُ وحدي بينَ ضَخَامَةِ الرجلينِ اللذينِ حَاوَطَانِي في ذلكَ اليوم.
أقسمُ، ماذا فعلتُ؟ أليستْ تلكَ مجردَ آدابٍ اجتماعية؟ حتى أنني كُنْتُ أكثرَ لُطْفًا من المعتادِ بسببِ اللعنة!
لكنْ في ذلكَ الوقتِ لم أكنْ أعرفُ.
لم يكنْ هناكَ قَطُّ رجلٌ واحدٌ تَجَرَّأَ على مُغازلةِ جوزفين بيلمور حتى على سبيلِ الدُّعَابَة.
“……”
ظلت جوزفين تحدِّقُ في الخاتمِ بصمتٍ، بوجهٍ لا يُعرف ما تُفَكِّرُ فيهِ. هل قالوا إنها أكبرُ مني بسنتين؟ لم يكنْ من الشائعِ في المجتمعِ الأرستقراطيِّ أنْ تصلَ سيدةٌ إلى هذا السنِّ دونَ خطبة.
— تلكَ ليستْ لَطِيفَةً، والأهمُّ من ذلك، أنها لا تملكُ أيَّ قيمةٍ مادية.
كانَ على إيفرتَ أنْ يُعَبِّرَ عن اشمئزازِهِ من الأحاديثِ الرخيصةِ التي تَدورُ حولَ جوزفين في الناديِ الاجتماعي. كانَ سببُ قولِهم ذلكَ واضحًا.
عائلةُ بيلمور الكونتية.
عائلةٌ عريقةٌ لطالما أنجبت جنودًا. كانوا يُقدرون الشَّرَفَ فوقَ كلِّ شيء، ولكنْ لسوءِ الحظِّ، على عكسِ بَسَالَتِهم، لم يكونوا مَوهُوبِينَ في المالِ أبداً.
بسببِ الكونتِ السَّابِقِ الذي أضاعَ ثروةً طائلةً بالاحتيالِ والضمانات، أصبحتْ عائلةُ بيلمور حاليًا على وشكِ الانهيار.
‘لكنْ كانَ هناكَ أيضًا بعضُ الشُّعورِ بالمسؤوليةِ تجاهَ السيدة.’
عندَ سماعِ تلكَ الكلمات، لم يستطع إيفرت قولَ أيِّ شيء. إذا لم يكن يوريك غلاسهارت قد تحمل تلكَ المسؤوليةَ، فماذا كانَ سَيَكُونُ وضعُ إديث الآن؟ عندما راودته تلكَ الفكرة، لم يعدْ بإمكانه تجنُّبَ المرأةِ التي أمامَهُ.
على الرغمِ من أنَّ الوضعَ لم يكنْ مُشَابِهًا لِوَضْعِ أختِهِ وزوجِها حيثُ كانَ المجتمعُ الأرستقراطيُّ بأكملهِ يُراقبهما، إلا أنَّ عائلتَها كانتْ تأخذُ الأمرَ على مَحْمَلِ الجَدِّ على الأقل.
حسناً، لنتحملِ المسؤوليةَ إذاً. إيفرت هاملتون، أنتَ رجلٌ نبيلٌ على الرغمِ من كونِكَ ثريًا طارئًا.
عندما أومأ برأسه بإصرار، تحدثن جوزفين بهدوء.
“سأعتبرُ عرضَ الزواجِ لم يُقَلْ.”
……ماذا؟
“سأتعاملُ معَ الأمرِ جَيِّدًا في العائلة، لذا لا داعي للقلقِ بعدَ الآن، سيدي.”
تبددت عزيمته القويةُ في الهواءِ في لحظة. بينما كانَ إيفرت يرمش بذهول، نهضت جوزفين من مَكَانِها.
كانَتْ حركتُها وهي تلتقط مظلتها الموضوعةَ بجانبِها سلسةً ومنضبطةً كالجندي. لدرجةِ أنَّ إيفرت الذي رآها كادَ يُصَابُ بالوهم.
……تلكَ مِظَلَّةٌ، صحيح؟ ليستْ سيفًا؟
“لا، إذا ذهبتِ هكذا، فماذا أفعلُ؟ هل تريدينَ أنْ أعيشَ معَ اللعنةِ إلى الأبد؟ أنا لا أريدُ ذلك!”
“ألا بأسَ بهذا؟”
أجابت جوزفين بهدوء.
“سيَكُونُ من حولِكَ سُعَدَاءَ لأنكَ أخيرًا نَضَجْتَ.”
“هـ هذا صحيح، لكن!”
هل لأنَّ الجنية لم يستطعْ تحملَ رؤيةِ إيفرت المُرتبك وهو يتخبط؟ عاودته اللعنةُ مرةً أخرى.
“آنسة بيلمور، أتوسلُ إليكِ، أَرْجُو أنْ تُعِيدِي النظرَ في اقتراحي.”
“انظرْ إلى هذا! أنتَ لستَ في وعيِكَ الآن. أنتَ تقريبًا في حالةِ ضعفٍ عقليّ. لا يمكنني الزواجُ باستغلالِ مثلِ هذهِ الحالة.”
“أفتقرزإلى البصيرةِ اللازمةِ لفهمِ ما يدورُ في ذهنِكِ، يا آنسة.”
“……على أيِّ حال، أنا آسفةٌ حقًا. قد يبدو الأمرُ كَذَرِيعَة، لكنني أيضًا لم أُرِدْ هذا الموقف.”
بعدَ تلكَ الكلمات، استدارتْ جوزفين وغادرت.
لم يتبقَ سوى تعبيرُ إيفرت المُحْبَطِ وحيدًا.
***
حسناً، ربما كانَ هذا شيئًا جيدًا. على أيِّ حال، لم أكنْ يائسًا للزواجِ من تلكَ المرأةِ بحُبّ، أليسَ كذلك؟
بالنسبةِ لسمو الدوق، فقد صُدِمَ الجميعُ لأنَّ شخصًا لم يُبْدِ اهتمامًا بالنساء أبدًا، أصبحَ فجأةً لطيفًا تجاهَ شخصٍ ما…….
بالمقارنة، لم يكنْ تأثيرُ إيفرت بتلكَ القوة. فماذا سيحدثُ لو عاملَها بلطف؟
علاوةً على ذلك، على عكسِ يوريك الذي كانَ يزورُ إديث في كلِّ فرصة، كانتْ لعنته هادئةً نسبيًا.
لابدَّ أنَّ الأمرَ كذلك. يجبُ على الرجلِ المهذبِ أنْ يحافظَ دائمًا على مسافةٍ مناسبة.
لذا، حتى لو تتبع جوزفين من حينٍ لآخر، فلا داعي للقلقِ –
فجأةً، برد الجوُّ في القاعةِ بشكلٍ غريب. أخفى البعضُ ابتساماتِهِم خلفَ مَرَاوِحِهم، بينما رفعَ آخَرونَ كؤوسَ النبيذِ. دارَت أعين الجميعِ ولكن لم يرفع أحدٌ يَدَهُ.
آه، تبًا.
ضغط إيفرتُ على شفتيهِ. امتدَّ الوقتُ المُحرِجُ وكأنهُ ألفُ سنة. على الرغمِ من أنَّهُ لم يكن جادًّا، إلا أنَّ رؤيةَ المرأةِ التي تلقت عرضَ زواجِهِ تتعرض لمثلِ هذه الإهانةِ –
لم يكنْ شيئًا سعيدًا بالنسبةِ له.
“خمسمائة.”
لهذا السبب. لقد ألقى بمبلغٍ من المالِ يمكنُهُ شراءُ عربةٍ فاخرةٍ دونَ تفكير.
“خمـ خمسمائة!”
ارتجفَتْ صرخةُ مُنَظِّمِ المزاد. تَحَوَّلَتْ أنظارُ القاعةِ بأكملِها إلى مكانٍ واحد. في صمتٍ سادَ لدرجةِ أنهُ كانَ يمكنُ سماعُ الأنفاس، تنهد إيفرتُ فقطْ وهو مُتَّكِئٌ باسترخاءٍ على كُرسيه.
التعليقات لهذا الفصل " 138"