لم يكنْ يوريك يعرفُ، لكنَّ إديث، التي قرأتْ كُتيّب الرحلاتِ جيدًا قبلَ السفرِ، كانتْ تعرفُ ما هو. مع أنها لم تكنْ تهتمُّ كثيرًا، مثلَ زوجها تمامًا.
“ألمْ أقلْ لكَ من قبل؟ هذه هي فترةُ أكبرِ عيدٍ في إيلانكو.”
الاحتفالُ بالأكلِ والشربِ لم يختلفْ عن أيِّ عيدٍ آخرَ. لكنْ كانَ هناكَ شيءٌ واحدٌ مميزٌ:
إقامةُ مسابقةٍ لتكريمِ الشخصِ الذي يُعبّرُ عن حُبِّهِ لشريكِهِ بأكبرِ قدرٍ في كلِّ منطقةٍ.
باسمِ: مسابقةِ “عاشق العصر”!
“يا لها من دولةٍ تقومُ بكلِّ أنواعِ الغرائب.”
“يوريك، على الرغم من كلِّ شيء… لا يجبُ أنْ تُقلل شأنِ تقاليدِ دولةٍ أخرى هكذا.”
على تَأْنِيبِها، أومأَ يوريك برأسِهِ معَ تنهيدةٍ خفيفة. عانقَ كتفَ زوجتِهِ وألقى نظرةً على الماركيزِ. لم يكنْ هناكَ سوى كلمةٍ واحدةٍ يمكنُه قولُها في هذا الموقف:
ومن حيثُ لا يدري، كانتْ هذهِ الكلماتُ بمثابةِ إثارةٍ مُفْجِعَةٍ لِغَضَبِ الماركيزِ غوتييه الذي كانَ مُحْتَدِمًا بالفعلِ.
“ايك! لَنذهَب ولنرى!”
***
“هل استمتعتما بالجولةِ؟”
“نعم. جان، كما قُلْتَ، منظرُ القريةِ من أعلى التلّةِ كانَ جميلًا حقًا.”
……لكانَ أجملَ لو لمْ يتدخل ذلكَ الرجلُ الغريبُ في المنتصف. ابتلعتْ إديث هذهِ الكلمةَ.
“يوريك، مسابقةُ العشاقِ تلكَ……يجبُ ألّا تشارك فيها أبدًا.”
“هاه، لماذا قد أشاركُ في شيءٍ كهذا؟ لا تقلقي. سأبقى هادئًا.”
تنفست الصعداءَ برفقٍ لِرؤيةِ تعابيرِ يوريك التي تنم عن عدمِ الاهتمامِ إطلاقًا. نعم، إنهُ قَلَقٌ لا داعيَ له.
في الماضي، ربما كانَ يوريك سيُحدِثُ ضجةً للمشاركةِ في المسابقةِ بسببِ اللعنة. لكنْ الآنَ وقد زالتِ اللعنة، فمن المستبعدِ أنْ يفعلَ ذلك.
ما يزالُ يوريك رجلًا لطيفًا، لكنهُ يكرهُ السلوكياتِ المبالغَ فيها علانيةً أمامَ الآخرين.
لكنَّ شعورَها بالاطمئنانِ تَمَزَّقَ بكلمةٍ واحدةٍ تلتْها من جان:
“آه، لم تكونا تعرفانِ ذلكَ إذن. لا يتوجبُ عليكَ المشاركةُ بنفسِكَ!”
كانتْ طريقةُ التحكيمِ تقومُ على اختيارِ حُكّامٍ سِرِّيينَ عشوائيًا كلَّ عام، ويقومونَ بمراقبةِ الناسِ في الخفاء. لذلكَ يمكنُ لأيِّ شخصٍ أنْ يكونَ مرشحًا حتى دونَ تقديمِ طلبِ مشاركةٍ.
“بطبيعةِ الحالِ، سلوكُ الشخصِ المعتادُ هو المهم! سُمِعَ أنَّ سُمُوَّ الدوقِ مشهورٌ في إيوتن بلطفه أيضًا……هاها، ربما تفوزُ هذهِ المرةَ؟”
ردَّ يوريكُ على مديحِ جان بضحكةِ استهزاءٍ قصيرة.
“لا أهتمُّ. المعيارُ غامضٌ أساسًا. بالإضافةِ إلى ذلك، ألا يمكنُ للحُكّامِ تقييمُ الجميعِ؟ إنهُ أمرٌ مَهْزُوزٌ للغايةِ.”
“حسناً، ربما هذا صحيحٌ؟”
أشارَ جان، الذي كانَ يتعرق بغرابةٍ، إلى النافذةِ وغيّرَ الموضوع.
“سيتمُّ تناولُ غداءِ اليومِ هُناك.”
كانَ هناكَ مطعمٌ فاخرٌ يقعُ في ذلكَ المكان. لم يكنْ كبيرًا، لكنهُ كانَ نظيفًا، وأصصُ الزهورِ والطاولاتُ الخارجيةُ الموضوعةُ تحتَ مِظَلَّةٍ بيضاءَ أضْفَتْ جوًا من الدفء.
في هذهِ الأثناءِ، رحَّبَ نادلٌ كانَ يمسحُ الطاولاتِ بجان بحرارةٍ عندما رآهُ. وكما لو أنَّ الحجزَ كانَ جاهزًا، قادَ الزوجينِ على الفورِ إلى مائدةٍ ذاتِ إطلالةٍ جميلةٍ.
عندما سحبَ يوريك الكرسيَّ لإديث، انْحَنَى جان باحترامٍ وهو يبتسمُ بلطفٍ.
“إذًا، أراكما لاحقًا.”
“ألن تأكلُ؟”
“لقد أحضرتُ طعامي من المنزلِ.”
قالَ جان ذلكَ وهو يُظْهِرُ بخفّةٍ ساندويتشًا مُغَلَّفًا بورقٍ من حقيبتِهِ. بدا المحتوى هزيلًا بعضَ الشيءِ بالنسبةِ لوجبةِ صبيٍّ في مرحلةِ النموّ.
“تَنَاوَلْ طعامَكَ هنا أيضًا.”
“ماذا؟ لا يمكنني ذلك. كيفَ أتجرّأُ على ذلكَ.”
“وإلّا سيتوجّبُ عليكَ الانتظارُ طويلًا. أرشدوا جان إلى مقعدٍ أيضًا.”
اتَّسَعَتْ عينا جان وراحَ يُلَوِّحُ بيديهِ على كلماتِها للنادل. لكنهُ سرعانَ ما أدركَ أنَّ ثمنَ وجبتِهِ لا شيءَ بالنسبةِ للضيفين أمامَهُ. احْمَرَّ وجهُه، وترددَ للحظةٍ، لكنهُ ابتسمَ بخجلٍ في النهاية.
“شكرًا جَزِيلًا لاهتمامِكُمَا.”
غادرَ جان وهو يُلْقِي التحيَّةَ، وتبعَ النادلَ إلى طاولةٍ بعيدةٍ قليلًا عنهما. حركاتُهُ في لمسِ أدواتِ المائدةِ وقائمةِ الطعامِ بلمسةٍ غريبةٍ، جَعَلَت المرءَ يُدركُ مجددًا أنهُ لا يزالُ صبيًا في سنِّ المراهقةِ.
“يبدو أنكِ مُعجبة بهذا الشابِ.”
“بفضلهِ، نحنُ نسافرُ براحةٍ.”
على الرغم من أنهُ كانَ اليومَ الأولَ، إلا أنَّ الرحلةَ كانت أسهلَ بفضلِ جدولِ جان المُدَبَّرِ. لم تكنْ ظروفُهُ ميسورةً؛ لأنهُ كانَ يعملُ لكسبِ لقمةِ العيشِ.
“شكرًا لانتظارِكُمَا.”
سرعانَ ما وُضِعَتِ الأطباقُ المطبوخةُ حديثًا على المائدةِ. لقد كانَ نظامًا غذائيًا إيلانكويًا نموذجيًا.
“كُلِي جيدًا. ألمْ تتخطي وجبةَ الفطورِ هذا الصباحَ بسببِ النعاسِ؟”
“أنتَ أيضًا، لم تتناولْ إلّا فنجانًا من القهوةِ. كُلْ أنتَ أيضًا يا يوريك.”
“ماذا أفعل؟ أنا أشعرُ بالشبعِ بمجردِ النظرِ إليكِ وأنتِ تأكلينَ.”
كانت مقدرةً أنْ يقولَ مثلَ هذا الكلامِ السخيفِ بوجهٍ جادّ. ضحكتْ إديث بسخريةٍ وأخذتْ ملعقةً من الحساءِ إلى فمِها. هل هذا بسببِ وجودِهما في بلدٍ أجنبيّ؟ كلُّ شيءٍ بدا هادئًا ومسالمًا، على الرغمِ من كونهما يتناولانِ الطعامَ في مطعمٍ.
من جهةٍ، كانَ جان يأكلُ بجدّ. خدَّاهُ منتفخانِ، وأخرجَ دفترًا صغيرًا من جيبِهِ وبدأَ يكتبُ شيئًا بحماسٍ. يا لَهُ من طعامٍ لذيذٍ.
“أوه، عزيزي. سأُطْعِمُكَ. آاااه-“
لكانَ أفضلَ لو لمْ يكنْ هناكَ أشخاصٌ يُبَالِغُونَ في إظهارِ عاطفتِهِمْ في كلِّ مكان. كانَ معظمُ الضيوفِ مُلْتَصِقِينَ ببعضِهِمْ البعضِ مثلَ حشرةٍ واحدةٍ.
وفي الوقتِ ذاته، كانَ يُدِيرُ رأسَهُ بينَ الحينِ والآخَرِ مُرَاقِبًا شخصًا ما، مما يدلُّ على أنهُ كانَ يولي اهتمامًا لِذَلِكَ الحكمِ السريّ.
“ليعش الحُبُّ إلى الأبد!”
……هل هذا حُبٌّ أمْ تعذيب؟ لماذا يفعلُ هذا في منتصفِ الوجبةِ؟ حتى إديث، التي أصبحتْ محصنةً ضدَّ المظاهرِ العلنيةِ للعاطفةِ بفضلِ اللعنةِ، وجدتْ هذا صعبًا.
لم يكن أمامَها خيارٌ سوى أنْ تأخذَ الخبز. خصلةٌ من شعرِها انْسَدَلَتْ على جبهتِها بسببِ انحنائِها. مشطها يوريكُ بلطفٍ بأطرافِ أصابعِهِ دونَ أنْ يَتَفَوَّهَ بكلمة.
“شعرُكِ قد طالَ كثيرًا.”
“هل هو سيئٌ؟”
“لا يهم.”
سَنَدَ يوريك ذقنَهُ، وأَمَالَ رأسَهُ جانبًا وهو يُدِيرُ كأسَ الماءِ ببطءٍ. نظرت إلي عيناهُ بإصرارٍ غريبٍ.
“كلُّ شيءٍ جميلٌ في عيني.”
……في تلكَ اللحظةِ.
سادَ المطعمَ صمتٌ غريبٌ. هذا الشعورُ كانَ مألوفًا. تمامًا مثلَما انْصَدَمَ الناسُ منذُ زمنٍ بعيدٍ من تصرّفاتِ يوريك اللطيفة عندما بدأَتِ اللعنةُ حديثًا.
“يا إلهي.”
قَطَعَ همسُ شخصٍ ما الصمتَ.
“من المستحيلِ أنْ يوجدَ عاشقٌ حنونٌ كهذا وهو أجنبيٌّ! هذا غيرُ معقول!”
“ربما هذا هو الحُبُّ الخَفِيُّ. إنهُ مثلُ الحساءِ الذي يُطْبَخُ على نارٍ هادئة. مُدَغْدِغٌ جدًا!”
في تلكَ اللحظةِ، سَقَطَتْ ملعقةٌ كانَ يمسكُها أحدهم على الأرضِ.
التعليقات لهذا الفصل " 128"