بعدَ أنْ أدركتْ الحبَّ فجأةً، كانَ الفكرُ الوحيدُ الذي عبرَ ذهنَ إديث هو مدى حظِّها بابتعادِها عن يوريك الآنَ.
لو كانتْ تواجهُ وجهَهُ كالمعتادِ، أو حتى لو لامستْ يدُهُ يدَها عابرةً- لربما احمرَّ وجهُها وانفجرَ في مكانِهِ.
لكنْ، يجبُ ألا تُظهرَ ذلكَ أبدًا.
أثناءَ صنعِ دميةٍ جديدةٍ، كررت العهدَ في قلبِها مراتٍ.
حتى لو كانا مخطوبين…
إذا عرفَ يوريك أنَّ لديها هذهِ المشاعرَ وحدها، كم سيتفاجأ؟
فوقَ ذلكَ، كانَ رجلاً لامباليًا لم يرسل رسالةً واحدةً منذُ أكثرَ من شهرٍ. حبٌّ مؤلمٌ من جانبٍ واحد! مجردُ التفكيرِ يجعلُها تشعرُ بالظلمِ.
لحسنِ الحظِّ، كانَ الشهرُ طويلاً بما يكفي. لذا آمنتْ أنَّها ستكونُ هادئةً عندَ رؤيتِهِ مجددًا.
…بالطبعِ، كانَ ذلكَ وهمًا كبيرًا.
“هل أنتِ بخيرٍ؟”
“آه، نعم.”
“وجهُكِ محمّرٌ. هل أصبتِ بنزلةِ بردٍ؟ ليسَ ضربةَ شمسٍ، أليسَ كذلكَ؟”
“آه، نعم.”
“…ما زلتِ غاضبةً.”
“آه، نعم.”
نظرَ يوريك إلى إديث، التي كررتْ نفسَ الردِّ كدميةٍ آليةٍ معطلةٍ، بعيونٍ هادئةٍ. كانَ الرئيس كيدسون، الذي يراقبُهما بفضولٍ، يتحدثُ بحذرٍ.
“كح، آنسة هاميلتون. سننظرُ إيجابيًّا في التكملةِ التي اقترحتِها. سنصنعُ نموذجًا أوليًّا أولاً.”
كلما تحدثَ الرئيسُ كيدسون، كانتْ دميةُ جينجي في حضنِهِ تُخرجُ لسانَها.
غويك-
“هذا رأيي فقط، لكنْ ‘السيدَ يوري’ سيكونُ ناجحًا بلا شكٍّ.”
لمَ يقولُ هذا الآنَ؟ ارتجفت كتفا إديث.
…لعلَّهُ لم يسمع؟ نظرت إليهِ خلسةً.
لكنْ، بسببِ صوتِ كيدسون العالي، بدا واضحًا أنَّهُ سمعَ. كانَ ينظرُ إليها بتعبيرٍ مرتبكٍ، كأنَّهُ لا يفهمُ معنى كلامِهِ.
“…السيد يوري؟”
سألَ يوريك بهدوءٍ. ابتلعتْ إديث لعابَها تحتَ نظرتِهِ الطالبةِ للتفسيرِ. تبادلَ عيونٍ صامتةٍ لبضعِ لحظاتٍ.
“……..”
“كح! ليسَ شيئًا كبيرًا…”
استسلمت لعينيهِ الزرقاوينِ وأدارتْ رأسَها. لم تستطعْ. كلما التقتْ عيناها بعينيهِ، كانَ قلبُها يخفقُ.
تظاهرتْ بالهدوءِ، وبحثتْ في حقيبتِها، وأخرجتْ شيئًا.
“صنعتُهُ كتكملةٍ لجينجي. لم يُقررْ بعدُ.”
في يدِ إديث، كانتْ دميةُ رجلٍ نبيلٍ بشعرٍ فضيٍّ يرتدي بدلةً أنيقةً. الحاجبانِ المرتفعانِ بزاويةٍ خمسِ درجاتٍ وعينانِ كالقططِ كانتا النقطةَ الأساسيةَ.
كانتْ أجملَ بكثيرٍ من جينجي، بل وظريفةً. صحيحٌ أنَّها تبدو قليلاً مهملةً بسببِ مهاراتِها، لكنْ النموذجَ سيكونُ أفضلَ بكثيرٍ.
تمتمت بهذا في داخلِها، وضغطتْ على بطنِ الدميةِ. فجأةً-
بوينغ!
قفزَ قلبٌ زجاجيٌّ من الصدرِ.
“لونُ القلبِ عشوائيٌّ.”
من القلبِ الشفافِ الأكثرِ شيوعًا إلى القلبِ المتلألئِ بألوانٍ زاهيةٍ. كانتْ تخططُ لصنعِهِ من الكريستالِ اللامعِ بدلاً من الزجاجِ.
لا أحدَ يعرفُ لونَ القلبِ قبلَ فتحِ العلبةِ. كلُّ لونٍ لهُ ندرتُهُ، مما يحفزُ الرغبةَ في الجمعِ.
إذا صُمّمتْ بظرافةٍ أكثرَ من جينجي، مع متعةِ تغييرِ الملابسِ، فسيكونُ ذلكَ مثاليًّا.
“يقلقُ دائمًا من كسرِ قلبِهِ الهشِّ، ويحافظُ على موقفٍ باردٍ تجاهَ الآخرينَ. ويُهزمُ دائمًا من جينجي.”
“….هااه.”
كانَ واضحًا من هوَ الملهمُ. الشخصُ الذي انتهكتْ حقوقَ صورتهِ دونَ علمِهِ، وقفَ متصلبًا، ذراعاهُ متقاطعتانِ، يحدقُ في الفراغِ بصمتٍ عميقٍ.
مرَّ وقتٌ ثقيلٌ، و-
أخيرًا، أومأ يوريك ببطءٍ، بحركةٍ تحملُ الاستسلامَ والقبولَ وربما قليلاً من التخلي.
“حسنًا. افعلي ما شئتِ.”
“حقًّا؟”
“لا أظنُّ أنَّني سأمنعُكِ. فقط… أتمنى أنْ يفشلَ في السوقِ.”
أغلقتْ إديث فمَها بدلاً من الردِّ.
لم يعرفْ هذا الرجلُ بعدُ. في عالمِ الأعمالِ، لا توجدُ كلمةُ «فشلٍ» في قاموسِها.
تجولَ يوريك و إديث في حديقةِ هيلسنغتون ببطءٍ.
كانتْ الحديقةُ في أواخرِ الخريفِ هادئةً بشكلٍ غريبٍ. تكسرتْ الأوراقُ البنيةُ والذهبيةُ تحتَ أقدامِهما برفقٍ.
هبتْ نسماتٌ باردةٌ تخترقُ الياقاتِ، لكنْ الهواءَ كانَ نقيًّا بلطفٍ.
كانتْ المرةَ الأولى التي تجولا فيها معًا في الربيعِ. حينها، كانَ كلُّ شيءٍ غريبًا ومحرجًا… لقد مرَّ وقتٌ طويلٌ.
تغيرَ الكثيرُ منذُ ذلكَ الحينِ. أعمالُها، و- مشاعرُها تجاهَهُ.
لبعضِ الوقتِ، لم يتحدثا. يبدو أنَّهُ كانَ مشغولاً حقًّا. بدا يوريك أنحفَ قليلاً، وخطُّ فكِّهِ أكثرَ حدةً.
…خطيبٌ وسيمٌ كهذا مضرٌّ بالصحةِ. وسامةٌ غيرُ ضروريةٍ.
لحمايةِ قلبِها النابضِ بعنفٍ، كانَ عليها تفعيلُ «عينينِ ضبابيتينِ» تلقائيًّا.
أخيرًا، رفعتْ رأسَها بعيونٍ نصفِ مغمضةٍ. كانَ عليها قولَ شيءٍ عندَ رؤيتِهِ مجددًا.
“يوريك-“
“إديث.”
ومضَ كلاهما عندَ نطقِ اسميهما معًا. بعدَ صمتٍ قصيرٍ، مالَ يوريك برأسِهِ وقالَ:
“تكلمي أولاً.”
عندما أُتيحتْ الفرصةُ، شعرتْ بالحرجِ الشديدِ. بعدَ عدةِ سعالاتٍ وتهيئةِ حنجرتِها، فتحتْ فمَها.
“آسفةٌ على ذلكَ اليومِ. كنتُ حساسةً زيادةً عن اللزومِ. لم تكنْ كلماتُكِ مخطئةً.”
نظرَ يوريك إليها بعيونٍ لا تُقرأ. كبحتْ إديث قلبَها المرتجفَ، واستمرتْ بحذرٍ.
“أنهيتُ الأمرَ مع دانيال جيدًا. ليسَ قطعَ علاقةٍ! فقطْ… سأحافظُ على مسافةٍ مناسبةٍ.”
زفرَ يوريك نفسًا طويلاً. فركَ حاجبَهُ بإبهامِهِ، وبدا مرتبكًا.
«أنا الشخص المُحرج…. لأنني جعلتُ آنسة تعتذر أولًا.”
رغمَ تقصيرِهِ أحيانًا، كانَ يوريك نبيلاً يعرفُ آدابَ المجتمعِ جيدًا. نظرَ إليها بحزنٍ خفيفٍ.
“أنا آسفٌ أيضًا. كنتُ قاسيًا ذلكَ اليوم.”
“…هذا صحيح.”
توقفَ يوريك لحظةً عندَ ردِّها القصيرِ، لكنْ استمرَ.
“لم أكنْ جادًّا بشأنِ الشكلياتِ. فقطْ شعرتُ بعدمِ راحةٍ لقربِكِ من صديقِ طفولتِكِ. بشكلٍ محرجٍ.”
غطى يوريك فمَهُ بحرجٍ وأدارَ نظرَهُ. كانَ الارتباكُ واضحًا، وكانتْ أذناهُ مُحمرتينِ قليلاً على غيرِ العادةِ.
لم تستطعْ إديث كبحَ الفكرةِ التي ظهرتْ.
“…كنتَ غيورًا، أليسَ كذلكَ؟”
“غيورًا-“
“صحيح، أليسَ كذلكَ؟”
“هااه، نعم. يبدو أنني كنتُ كذلك.”
“حسنًا، سأغفرُ لكَ.”
أومأتْ إديث بهدوءٍ. ربما بسببِ مرورِ الوقتِ، أصبحتْ أكثرَ هدوءًا وتستطيعُ النظرَ إلى الأمورِ من بعيدٍ.
لم تكنْ بريئةً تمامًا أيضًا. قررتْ أنَّ كليهما تبادلا اللومَ، وتناسيا الأمرَ.
“على أيِّ حالٍ، لديَّ أخبارٌ أودُّ إخبارَكِ بها.”
غيرَ يوريك الموضوعَ، كأنَّهُ لا يطيقُ الجوَّ المحرجَ.
“تمَّ تمريرُ قانونِ حقوقِ التأليفِ في البرلمانِ. سيستغرقُ بضعةَ أيامٍ ليصبحَ نافذًا… لكنْ قضيةَ جينجي المزيفةِ انتهتْ.”
على عكسِ القانونِ السابقِ الذي حمى الفنونَ النقيةَ فقطْ، وسَّعَ القانونُ الجديدُ الحمايةَ لتشملَ الإبداعاتِ التجاريةَ.
انسدَّتْ كلماتُ إديث لحظةً.
كانَ هذا هو سببُ انشغالِهِ؟ بسببِ هذا القانونِ؟
بدأَ قلبُها يخفقُ بغرابةٍ. لمَ لم يخبرْها بشيءٍ عن هذا العملِ المهمِّ؟
لم تعرفْ حتى أنَّهُ يُحضرُ مثلَ هذا القانونِ. كم أخفى ذلكَ بعنايةٍ!
“خشيتُ أنْ يفشلَ الأمرُ فأخيبَ ظنَّكِ. أردتُ إخبارَكِ بعدَ التأكدِ.”
عندما انتهى يوريك، أغلقتْ إديث شفتَيها بإحكامٍ.
شعرتْ بقلبِها يدغدغُها. كانتْ مجردَ كلمةٍ، لكنْ عينيها احترقتا قليلاً.
أنزلتْ رأسَها، ولمستْ جفنَها بحذرٍ. لم تكنْ ستبكي، لكنْ لم تستطعْ منعَ الدموعِ.
فجأةً، انحنى يوريك ليواجهَ عينيها. أمسكَ خدَّيها بحذرٍ بيديهِ الكبيرتينِ.
ارتجفتْ إديث عندَ لمسةِ يديهِ الدافئتينِ. رفعتْ رأسَها ببطءٍ، فكانَ وجهُهُ أمامَها مباشرةً.
خفقَ قلبُها مرةً أخرى. هذا… قريبٌ جدًّا، أليسَ كذلكَ؟
كانتْ رموشُهُ الجميلةُ مرئيةً بوضوحٍ.
عندما داعبَ نفسُهُ جبهتَها، استنشقتْ نفسًا عميقًا. وفي تلكَ اللحظةِ-
تحركتْ عيناهُ ببطءٍ نحوَ شفتَيها.
— ترجمة إسراء
التعليقات لهذا الفصل " 100"