الفصل السابع: أصبحتُ ممرضة عدوي (7)
قبل قليل، قام آشلي بفك الضمادات عن يديه، ثم نزع الغرز التي خاط بها جرحه.
وما إن انتهى من تجهيز نفسه حتى حملت أغات حقيبتها وخرجت مع آشلي من غرفة المستشفى.
أمام البوابة الرئيسية للمستشفى الميداني كانت هناك شاحنة عسكرية متوقفة لنقل الجرحى.
كانت الشاحنة هي نفسها التي يستقلها الجنود عادة في تنقلاتهم، سقفها مغطى بقماش، لكنها لم تكن مناسبة لنقل المصابين.
غير أنّ زمن الحرب لا يسمح بترف الاختيار.
كان على متن الشاحنة بالفعل ثلاثة جرحى مع جنديين مسلحين للحراسة، لذلك لم يبقَ سوى أن يصعد آشلي ومعه أغات.
وفي اللحظة التي همّا فيها بالتحرك، ركض ميلر نحو آشلي وأدى له التحية العسكرية.
“سأقوم بمرافقتكم حتى مستشفى نويل العسكري، وأؤمّن الطريق.”
“أعتمد عليك.”
تقدّم ميلر ليفتح الباب الخلفي لسيارة الجيب الواقفة هناك، ثم تنحّى جانباً.
فوجئت أغات بنفسها تمسك ذراع آشلي وتوقفه.
فالتفت آشلي ينظر إلى اليد البيضاء التي أمسكت بذراعه ثم رفع عينيه نحوها.
“أليست الشاحنة العسكرية هي المخصصة لنقل الجرحى؟”
لكن ميلر هو من أجاب بدلاً من آشلي:
“الضباط لا يستخدمون شاحنات الجنود.”
لم تستطع أغات إخفاء شعورها المزعج فاكتفت بهز رأسها.
لم تفهم لماذا يزعجها أن تُنقل منفصلة عن باقي المصابين.
عبس آشلي وصعد إلى السيارة العسكرية.
وحين همّ ميلر بإغلاق الباب، انطلقت فجأة نبرة منخفضة وحادة:
“الرقيب ميلر.”
“نعم، سيدي النقيب؟”
“أجلس الممرضة ناتالي بجانبي.”
“الممرضة…؟”
اكتفى ميلر بنظرة صارمة من آشلي كإجابة.
“تفضلي بالصعود، آنسة ممرضة.”
“لكن… أنا من المفترض أن أرافق الشاحنة العسكرية…”
“اصعدي فوراً. لا نريد إطالة الحديث.”
قالها آشلي بصوت لا يختلف عن التهديد.
قبضت أغات يدها بإحكام.
لا يمكنها أن تبقى حبيسة معه في مكان ضيق يومين كاملين.
كانت على وشك أن تقول إنها ستجلس في المقعد الأمامي إذا لم يكن في الشاحنة، لكن آشلي سبقها:
“الممرضة ناتالي سترافقني كممرضة شخصية، تذكّري هذا جيداً.”
أشار آشلي برأسه وأطلق أمراً صارماً.
لم تجد أغات بداً من كتم مشاعرها الشخصية مؤقتاً، واستحضرت في ذهنها واجب الممرضة الخاصة وما يترتب عليه خلال اليومين المقبلين.
أخذت نفساً عميقاً وتقدمت نحو السيارة.
“الممرضة ناتالي؟”
سمعت صوتاً من خلفها، فالتفتت لتجد الممرضة الكبيرة أديل ومعها الممرضة إليانا.
أديل انحنت باحترام نحو آشلي الجالس في المقعد الخلفي.
“سيدي النقيب، نتمنى لكم السلامة.”
“أحسنتن عملاً طوال الفترة الماضية.”
اقتربت إليانا من أغات وهمست لها في الأذن:
“أحقاً ستسافرين مع النقيب في هذه السيارة؟”
فاكتفت أغات بإيماءة صغيرة.
فأغمزت إليانا بعينها في دلال، ثم رفعت صوتها بلطف لتودّع آشلي:
“سيدي النقيب، مع السلامة.”
“الممرضة إليانا، لا بد أنك مشغولة، لكن أشكرك على توديعنا.”
تفاجأت إليانا، فقد كان النقيب يعرف اسمها!
وبما أن الحظ لم يسعفها لتكون ضمن الممرضات المسؤولات عنه، كاد قلبها يقفز من الفرحة.
“الممرضة ناتالي، تفضلي بالصعود كي ننطلق.”
أومأت أديل برفق لأغات أن تركب السيارة.
“سأعود قريباً.”
“اعتنِ جيداً بالنقيب ولا تجعليه ينزعج.”
“سأضع ذلك في بالي.”
أجابت أغات بما تحب أديل أن تسمعه ثم صعدت السيارة.
وما إن جلست حتى انطلقت الشاحنة العسكرية متقدمة السيارة لتكون بمثابة حراسة لها.
بعدها قاد ميلر السيارة وتحرك بهم.
ظلت إليانا تنظر بأسى إلى السيارة المبتعدة، ثم تمتمت:
“قالوا إن الطريق إلى نويل يستغرق يومين، إذن سيعودون خلال خمسة أيام على الأكثر.”
لكن أديل ردّت بهدوء وهي تحدّق في السيارة المبتعدة:
“الممرضة ناتالي… لن تعود إلى المستشفى الميداني.”
“ماذا…؟!”
بما أنها كانت تظن أن مهمتهم مجرد مرافقة النقيب آشلي إلى مستشفى نويل العسكري ثم العودة، لم تجد إليانا بُداً من رفع نبرة صوتها بدهشة.
لكن أديل قالت بصرامة وهي تلتفت إلى الممرضة الفضولية:
“وقت العمل يا ممرضة إليانا. عودي فوراً إلى عنبر المرضى.”
استدارت أديل، فيما بقيت إليانا تحدّق في السيارة العسكرية التي تقلّص حجمها شيئاً فشيئاً حتى بدت كنقطة في الأفق.
كانت ناتالي التي التقتها صباح اليوم في المغسلة قد أخبرتها أنها ستعود فور وصولهم إلى المستشفى العسكري، وأن الأمر لا يتعدى يومين فقط. لأول مرة كانت تصارحها بما تخفيه في داخلها.
لكن ها هي أديل، الممرضة الكبيرة، تؤكد أنها لن تعود أبداً.
ما معنى هذا؟ لم تأخذ حتى أمتعتها معها! هل يعقل أن يكون هذا صحيحاً؟
مهما يكن، من الواضح أن ناتالي نفسها لم تكن تعلم الحقيقة حين صعدت السيارة العسكرية.
✦✦✦
كانت السيارة العسكرية تهتز بقوة وهي تشق الطريق الوعر، حتى توقفت أخيراً عند حاجز على خط الجبهة الأمامية.
اقترب جنديان من الشرطة العسكرية من السيارة.
ناولهم ميلر أوراق الهوية وأوراق التحقق من الأفراد. وفي هذه الأثناء ألقى جندي آخر نظرة عبر النافذة الخلفية على آشلي وأغات.
تلقّى آشلي نظراته ببرود وهو متكئ في مقعده، ثم أدار رأسه فجأة ليتفقد أغات.
كانت تعض شفتها السفلى بتوتر.
هل هي خائفة؟ من المفترض أنها رأت الجنود المسلحين أكثر من مرة، ومع ذلك كانت متوترة.
قال لها بصوت هادئ:
“لا داعي لارتجافك وكأنك مجرمة.”
أرادت أغات أن تنكر أنها كانت ترتجف، لكنها رأت أن الصمت خير من الجدل.
أضاف آشلي بنبرة واثقة:
“لا تقلقي. طالما أنت معي، ستكونين بأمان يا ممرضة ناتالي.”
أدار رأسه مجدداً نحو الأمام.
كانوا قد اجتازوا خط الجبهة، لكن الاسترخاء ما زال مبكراً. فالتضاريس الجبلية المتشعبة قد تُخفي عدواً متربصاً في أي لحظة. احتمال ضعيف، لكنه ليس مستحيلاً.
بعد ساعات من السير توقفت الشاحنة العسكرية على جانب طريق ترابي ناءٍ.
أبطأ ميلر سيارة الجيب ثم ركنها خلفها.
قال وهو يفتح الباب:
“سنأخذ استراحة قصيرة.”
خرج هو أولاً، وتبعه الجنود والجرحى من الشاحنة، ما أوحى أنها فرصة لقضاء الحاجة.
رفع آشلي عينيه نحو أغات وسأل بابتسامة ساخرة يخفيها بصعوبة:
“والممرضة ناتالي، ماذا ستفعلين؟”
أجابت ببرود:
“أنا بخير.”
كانت قد قللت شرب الماء منذ الليلة الماضية، فظنت أنها ستصبر حتى الوصول.
لكن آشلي أضاف محذراً:
“الفرصة التالية لن تكون قبل خمس ساعات.”
رفضت بإصرار:
“قلت لك إنني بخير.”
رمقها آشلي بنظرة سريعة ثم نزل من السيارة.
شعرت أغات بحاجة إلى بعض الهواء بعد جلوس طويل، فنزلت هي الأخرى.
التفت آشلي إلى الوراء حين لمحها، ثم ابتسم بخفة وهو يشعل سيجارة على بعد أمتار.
كان جسده لم يتعافَ بعد، ومن المفترض أن يمتنع عن التدخين. لكن أغات لم تكن في مزاج لنصحه، فأدارت وجهها.
مدّت يديها وشبكت أصابعها فوق رأسها لتتثاءب قليلاً.
لمحت بعض الجنود وهم يخرجون سجائر رخيصة خلف الأشجار.
ثم عادت بنظرها من حيث يقف آشلي.
غير أنها أدركت فجأة أن المشهد تغيّر خلال لحظة قصيرة.
شعرت بقشعريرة تسري في ظهرها وبشعر عنقها ينتصب.
أرادت أن تصرخ محذّرة، لكن رقبتها تيبست.
بصعوبة التفتت بجسدها ونظرت إلى آشلي بحدة.
رفع عينيه إليها، وكأنما استجاب لندائها الصامت.
وهناك، خلفه مباشرة، كان أحدهم يراقبه.
شهقت أغات.
أمال آشلي رأسه باستغراب، لكنه لم يفهم.
وما إن همّت بالركض نحوه حتى دوّى:
“طااااااااانغ!”
انطلقت رصاصة نحوه في اللحظة نفسها التي ارتمت فيها أغات على جسده لتغطيه.
سقط الاثنان أرضاً بقوة، بينما دوّى صدى الطلقات.
أسرع الجنود والحرس إلى أسلحتهم.
صرخ أحدهم:
“العدو!”
انهمرت الطلقات. وسقط المهاجمان اللذان استهدفاه صرعى على الفور.
لكن آشلي لم يكترث لهم، فقد كان يحدّق بذعر في المرأة الملقاة بين ذراعيه.
“الممرضة ناتالي! هل أنت بخير؟”
لم تجب.
ارتجف قلبه حتى شعر وكأنه سيسقط.
“الممرضة ناتالي…”
كان صوته يرتعش وهو يتوسلها:
“أجيبي، أرجوكِ.”
لكن شفتيها بقيتا منطبقتين.
ثم أحس ببلل دافئ ينتشر بسرعة على صدره حيث كان يحتضنها.
“لا… هذا لا يمكن…”
رفع جسدها بين ذراعيه ليتفقدها.
كان كتفها الأيمن غارقاً في الدماء.
ضغط بيد مرتجفة بمنديله على الجرح.
“افتحي عينيكِ… أرجوكِ افتحيهما!”
زمجر صوته وكأنه يختنق بالدموع.
ومع ذلك، بقيت عيناها مغمضتين بعناد.
اشتعل الغضب في داخله.
لم يعد يهم السبب.
صرخ بصوت متهدج:
“ناتالي! افتحي عينيكِ الآن!”
ركض ميلر وبقية الجنود نحوه.
“سيدي النقيب، لا تفعل هذا بنفسك… الممرضة…”
توقف ميلر عن الكلام، عاجزاً عن قول الحقيقة، فيما زمجر آشلي بصوت حاد:
“سنعود إلى المستشفى الميداني فوراً!”
رفع جسدها بين ذراعيه وسار بخطوات عريضة وحازمة نحو السيارة العسكرية.
الانستغرام: zh_hima14
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات