الفصل الرابع: أصبحتُ ممرضة عدوي (4).
نظرت أغات إلى ميزان الحرارة بوجه مذهول. لقد مرّت ساعة منذ أن تناول الكابتن خافض الحرارة، ومع ذلك لم تنخفض حرارته. بل بدا وكأن الحمى ارتفعت قليلًا.
“يبدو أنه لا يوجد أي تحسن.”
نزل من السرير.
“إلى أين تنوون الذهاب؟”
“سأخرج قليلًا وأعود.”
أغات اعترضت طريقه وهزّت رأسها.
“لا يجوز. بجسدك هذا، كيف تخرج؟”
“البقاء في الغرفة فقط خانق. سأتنفس قليلًا من الهواء وأعود.”
“أنت مريض يا كابتن، لا يجب أن تخرج. الهواء البارد سيزيد الحمى سوءًا.”
“لن يضر. سأخرج قليلًا فقط. لا تقلقي كثيرًا.”
خطا للأمام بخطوات كبيرة، فارتجفت كتفا أغات لا إراديًا من شدة قربه.
“إن لم تتنحي، سيلامسني جسدك.”
“لا يجوز. عُد إلى السرير.”
رغم تحذيرها، لم تتراجع.
“هذه مسؤولية اخترتها بنفسك يا ممرضة ناتالي.”
اقترب خطوة أخرى، فارتطم جسدها بعضه ببعض. دقّ قلب لا يُعرف إن كان قلبها أم قلبه بعنف.
رفعت رأسها ببطء.
“كابتن، عد إلى السرير.”
بدت كلماتها وكأنها تقول أرجوكم، أتوسل إليكم.
رفع يديه مستسلمًا وتراجع.
“لقد خسرت.”
ثم صعد إلى السرير بابتسامة باهتة.
أحضرت أغات وعاء ماء ومنشفتين وذهبت مسرعة عبر الممر. لقد مرت أسبوعان منذ جراحة إزالة الرصاصة، وظنت أن لا خطر يهدده الآن. خلال تلك الفترة لم يكن الكابتن متذمرًا مثل باقي الجرحى، لم يطلب مسكنات، كان يتناول حساءه كله، ويؤدي أنشطته اليومية بشكل مقبول. لذلك كان مرضه المفاجئ صادمًا لها.
هل كان يتظاهر بالتماسك؟ يتظاهر بالصحة والتعافي رغم الألم؟
مستحيل. هذا الرجل المتغطرس لم يكن ليخفي مرضه. وهو من سلالة نبلاء عظماء، لا بد أن يكون صارمًا مع جسده أكثر من أي شخص آخر.
وقفت أمام باب الغرفة، أخذت نفسًا قصيرًا وفتحت الباب.
كان الكابتن مغمض العينين، مظهره هادئ كأنه نائم. وضعت أغات الوعاء على الطاولة الصغيرة، بلّلت منشفة وتقدمت نحوه. أبعدت خصلات شعره عن جبينه، ووضعت المنشفة الباردة فوق جبينه الحار. ارتعش وجهه قليلًا من البرودة.
مسحت وجهه بلطف، وفجأة قبض على معصمها بقوة.
“ماذا تفعلين؟”
“كنت أمسح وجهك بالماء لتخفيف الحرارة.”
سحبت يدها من قبضته. صحيح أنها لم تمس بشرته مباشرة، لكن لمستها كانت لينة أكثر مما ينبغي. بإمكان الممرضة أن تمسح وجه المريض، لكن بهذه الطريقة القريبة؟ وكأنها… تحاول إغراؤه.
خفضت بصرها بسرعة، هاربة من عينيه كالعادة.
أطلق ضحكة قصيرة متعبة، كأنه يسخر من نفسه لأنه أولى الأمر معنى آخر.
“إن كان هذا يزعجك، سأضع المنشفة على جبينك فقط.”
تراجعت خطوة إلى الوراء بلا تردد، فأزعجه ذلك أكثر.
“لم أعانِ من حمى شديدة من قبل، فأربكتُكِ يا ممرضة ناتالي. استمري كما كنتِ.”
“لكن سيلزم أن ألمس وجهك… هل ستتحمل ذلك؟”
“إنها منشفة ماء. ليس ثمة ما يستدعي القلق.”
ثم أغمض عينيه.
خمدت حدته مع إرخاء جفنيه. ترددت أغات قليلًا ثم رفعت يدها من جديد. لم يكن من السهل عليها أن تمسح وجه آشلي غلوستر تحديدًا.
“ممرضة ناتالي.”
“حلقي يؤلمني.”
“…”
“حتى التنفس صار صعبًا. هل الحمى تفعل هذا عادة؟”
هزّت رأسها ثم أجابت بصوت مطمئن:
“بمجرد أن يعمل الدواء وتنخفض الحرارة، سيخف الألم. أنت شخص قوي يا كابتن، لا داعي للقلق.”
أزالت المنشفة من جبينه وأعادت تبليلها بماء بارد. وضعتها على جبينه مجددًا، وأخذت الأخرى لتتابع مسح وجهه بلا تردد هذه المرة.
إن كان حلقه يؤلمه، فهذا يعني أن الحرارة سترتفع أكثر…
ابتسم الكابتن رغم ضعفه.
“أرهقتكِ كثيرًا يا ممرضة ناتالي، بسببي.”
“هذا ليس إرهاقًا. فأنا الممرضة المسؤولة عنك، وهذا واجبي.”
“أشكركِ. لقد ظننت… أنكِ ترغبين بقتلي.”
“…”
“وإن صحّ حدسي… فهذا وقت مثالي. فأنا مريض، وإن مت الآن فلن يشك أحد.”
“وفّر طاقتك وأغلق فمك.”
عبست بوجه متجهم، وقد أرعبها أكثر من كشف نواياها، أنه يتحدث عن موته بهذه البساطة.
ثم خفضت صوتها قليلًا، شاعرة أنها ربما كانت قاسية أكثر من اللازم:
“كابتن…؟”
لكنه لم يرد.
“…..”
لم يفتح الكابتن فمه لأي سبب، واكتفى بالصمت. بدا وكأنه ينفذ تعليماته السابقة بعدم إضاعة الطاقة وترك الفم مغلقًا.
“لا تقلق، نم جيدًا.”
بينما كانت أغات تود مغادرة الغرفة بهدوء، توقفت فجأة، شعور غريب بالقلق اجتاحها.
“كابتن…؟”
وضعت يدها على كتفه وهزّته، لكنه لم يتحرك، كأنه فاقد للوعي.
ازدادت حرارة جسده، وارتفعت حرارته أكثر فأكثر، حتى بدا جسده يغلي.
“عليك أن تصحو.”
طرقت وجنتيه برفق وحاولت التحدث إليه، لكن لم يأتِ أي رد.
شعرت أغات بخفقان قلبها، فأمسكت بمعصمه لتتحقق من النبض. كان ضعيفًا جدًا، بالكاد يمكنها التمييز بين كونه حيًا أو ميتًا.
لا… لا يزال هناك نبض. إنه حي.
بدأ الظلام يحيط برؤيتها، لكنها ركزت ذهنها جيدًا، فتجنبت الفوضى والتوتر.
وضعت المنشفة المبللة على جبينه، ومسحت وجهه ورقبته برفق.
مرت ساعات طويلة، ولكن حرارة الكابتن بدأت تهدأ قليلًا.
وضعت ماءً فاترًا في ملعقة وأدخلته بفمه برفق. ومع ذلك، استمر الوقت في الانسياب بهدوء. بدا كأن الفجر لم يطل بعد، لكن الليل سقط مجددًا.
أشرقت الشمس، ثم عاد الظلام مرة أخرى في الخارج.
أشارت عقارب الساعة إلى الخامسة صباحًا.
حضرت ماءً جديدًا، ووضعته على جبينه مجددًا.
مرت فترة طويلة، وأغات لم تلاحظ كم من الوقت مضى قبل أن تستسلم للنوم، رأسها مستند على ذراع الكابتن القوية والكبيرة.
كان حلمها مغطى بالضباب.
وسط ساحة القرية، كانت الطيور تبحث عن شيء لتلتهمه.
اخترقت فتاة صغيرة الضباب وركضت عبر الساحة.
تطاير الدم من الأرض، واغمق ثوب الفتاة باللون الأحمر.
وصلت أخيرًا إلى موقع المأساة، ورأت عشرات الجثث متناثرة في الساحة.
“أبي…!”
سقطت الفتاة على الأرض، ساقاها لا تطيقان حمل جسدها.
ارتفعت أعلام عائلة غلوستر في وسط الساحة.
سالت دموع الفتاة وهي تحدق بالصلبان الحمراء المنقوشة على الأعلام.
“لا… لا يمكن!”
هزّت رأسها بعنف، رافضة ما تراه من مجزرة، لكنها رغم ذلك وجّهت عينيها إلى الجثث تبحث عن والدها.
همست، ففتحت عيناها قليلاً، ونظرت نحو سقف الغرفة بعيون هادئة.
تمدد الكابتن، غارقًا وجهه في ذراع الممرضة النائمة.
“لماذا هنا…؟”
هل نام وهو يستخدم ذراعها كوسادة؟
تذكّر أنه في الليلة الماضية كانت لديه حمى، وكانت الممرضة متوترة بشأنه.
هل اعتنت به طوال الليل؟
لم يصدق أن الممرضة التي كانت تظهر العداء له طوال الوقت، قضت الليل تعتني به.
ربما لم يكن لها إلا أن تتظاهر وتستسلم للنوم على جانب السرير.
لاحظ الكابتن وجود منشفة مبللة على جبينه.
تنفس ببطء، وحرك كتفه ليزيل المنشفة بيده الأخرى.
“آه!”
قفزت الممرضة بدهشة، لكنها لم تُحدث ضجة، لأن الكابتن كان لا يزال مغمض العينين، يمكنه أن تبقيها غافلة عن استيقاظه.
أغمضت عينيها للحظات، ثم فتحتهما لتعاين الكابتن مستلقيًا على السرير.
“كابتن…؟”
وضعت يدها على جبينه، وهدأت عينيه المرتجفتين.
كان لابد من التحقق من الحرارة بدقة باستخدام ميزان الحرارة.
انحنت لأخذ قياس الحرارة، وارتفعت جفونه قليلاً، فالتقطت عيناها النظرة الموجهة إليها، ورفعت عينيها ببطء لتلتقي به.
الانستغرام: zh_hima14
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"