الفصل الثاني: أصبحتُ ممرضة لعدوي (2)
الغرفة الواقعة في الطابق الثاني عند نهاية الممر الأيمن، كانت حتى وقت قريب مكان إقامة الطبيب العسكري “ألفونس”.
وحين غادر ألفونس المستشفى الميداني بسبب إصابته بالتهاب رئوي، تُركت الغرفة فارغة، فتم تحويلها إلى غرفة مرضى.
وبما أن المستشفى الميداني ضيق، فحتى سكن الأطباء لا يحتوي سوى على سرير واحد وطاولة صغيرة بالكاد.
كم سيكون خانقاً.
بمجرد التفكير أنها ستضطر للبقاء معه طوال اليوم، شعرت أغات بأنها لا تستطيع التنفس.
بعد قليل، وقفت عند نهاية الممر الأيمن، وبملامح غير راضية طرقت باب الغرفة.
لكن لم يكن عليها أن تنتظر جواباً، فهذه غرفة مرضى. أدارت مقبض الباب ودخلت مباشرة.
كان الرجل جالساً مستنداً إلى رأس السرير، وكأنه ينتظر دخولها، فالتقت عيناه بعينيها على الفور.
نظرته الواثقة والمتعجرفة جعلت أغات تقبض يدها بقوة.
قالت بصوت ثابت:
“ابتداءً من اليوم، سأكون الممرضة المسؤولة عنك، اسمي ناتالي.”
ابتسم قائلاً بنبرة مبتهجة، وكأنها المرة الأولى التي يلتقيها فيها:
“تشرفت بلقائك يا ممرضة ناتالي، أرجو أن تعتني بي جيداً من الآن فصاعداً.”
لم تُبعد أغات نظرها عنه. كان يبتسم ابتسامة دافئة كأشعة الشمس.
لكنها كانت شاهدة على وجهه الحقيقي من قبل.
انحنت برسمية باردة، فارتسمت على شفتيه ابتسامة مريرة، تماماً كما كانت تريد.
عندها فقط أدركت أغات ما الذي يتوجب عليها فعله هنا.
لقاؤها بـ غلوستر في هذا المستشفى الميداني كان هدية من القدر. لم يكفِ أن تترك له ندبة بسيطة، بل يجب أن تُذيقه عذاباً أليماً وقاسياً.
وبعد أن عقدت العزم، ارتسمت على شفتيها ابتسامة مشدودة.
لم تعد تتألم من مأساة الماضي، فالرغبة في الانتقام الجديد أشعلت قلبها من جديد.
✦✦✦
كان غداء المريض حساءً ثخيناً من البطاطس والخضار.
اضطرت أغات أن تظل واقفة أمام سريره حتى ينهي طعامه، دون أن توجه له نظراتها.
كانت تحدق بصمت نحو النافذة، حين سمعت صوته الخافت:
“لا تبقي واقفة، اجلسي. ستتعب ساقاك.”
“أنا بخير.”
“وأنت واقفة هكذا، تبدين مثل خادمة. اجلسي.”
وأشار بذقنه نحو الأريكة.
رمشت أغات للحظة، وحدقت في وجهه. الشمس المتدفقة من النافذة انعكست على ملامحه، فبدت أكثر إشراقاً.
كان وسيماً… على الأقل في المظهر فقط.
“ساقاي لا تؤلماني. وإن كنت غير مرتاح، يمكنني الخروج قليلاً.”
ابتسم آشلي بعينيه الزرقاوين قائلاً بهدوء:
“أنا طلبت منك الجلوس على الأريكة، لا المغادرة. وجودك هنا هو عملك، أليس كذلك؟”
ابتسامته جعلت صدر أغات ينقبض برعب.
لكنها كانت قد رأت وجهه الحقيقي منذ زمن، فلم تسمح لوجهها أن يفضح مشاعرها.
ظلت واقفة صامدة، فتمتم بصوت خافت بالكاد يُسمع:
“لا تطيعين الأوامر إذن.”
كان صوته منخفضاً، لكنه وصل واضحاً إلى أذنها.
أمسك بالملعقة وأخذ يتناول الحساء بصمت.
ورغم أن الطعام لم يكن يناسب ذوق النبلاء، إلا أنه أنهى كل ما في الطبق.
حين أعطته الدواء وكوب الماء، قال بأدب:
“شكراً لكِ، يا ممرضة ناتالي.”
أومأت برأسها دون كلام، محدقة نحو الأرض.
“ما اسم هذا الدواء؟”
رفعت رأسها بسرعة، دون قصد، لتلتقي عيناه. كان يحمل الحبة في يده ويبتسم ابتسامة خفيفة.
“إنه (ميكافين). مضاد للالتهابات.”
قال هامساً وهو يضع الحبة في فمه ويرفع الكوب إلى شفتيه:
“آه، مضاد التهاب… فهمت.”
وعيناه لا تفارقانها، مما جعل أغات تبعد نظرها بسرعة. ثم جمعت الأطباق الفارغة وخرجت من الغرفة بخطوات ثابتة.
✦✦✦
كان على “أغات” أن تعتني بـ “الكابتن غلوستر” من السابعة صباحاً حتى التاسعة مساءً.
عند السابعة: قياس حرارته ومساعدته في غسل وجهه.
عند الثامنة: بعد الإفطار تعطيه الدواء، وتطهر جرحه وتغير الضماد.
عند الواحدة ظهراً: بعد الغداء، تعطيه الدواء وتقيس حرارته، ثم تخرجه على الكرسي المتحرك ليستنشق بعض الشمس. بعد ذلك تعيد ستائر الغرفة ليأخذ قيلولته.
بعد القيلولة: تراقب حالته، وتعطيه صحيفة أو كتاباً للقراءة.
عند السابعة مساءً: بعد العشاء، تعطيه آخر دواء وتفحص حالته.
عند الثامنة: تساعده على الاستعداد للنوم.
وفي الأثناء، سيأتي الطبيب “هاوت” للفحص أحياناً، وقد يزوره بعض الضباط، وكانت “أديل” الممرضة قد أكدت على أن واجب الممرضة الخاصة هو التأكد من راحة الكابتن.
كادت “أغات” أن تحتج على معاملتها كممرضة مقيمة لا تغادر الغرفة، لكنها كتمت نفسها.
ما أقلقها فعلاً هو أنها ستظل بجانبه من السابعة صباحاً حتى التاسعة مساءً بلا توقف.
رغم أن نصف ساعة مُنحت لها للغداء والعشاء، إلا أنها في بقية الوقت ملزمة بالبقاء في الغرفة.
لحسن الحظ، كانت غرفة ألفونس السابقة واسعة نسبياً ومريحة.
كان فيها إلى جانب السرير، أريكة وطاولة صغيرة وكرسي واحد. وفوق الطاولة وُضع طَست ماء صغير، وفوقه مرآة صغيرة على الجدار. أما الجدار المقابل فقد عُلّقت عليه ساعة مستطيلة.
أخذت أغات الضمادات والمعقم من غرفة التمريض، ثم حدقت قليلاً في الممر الأيمن.
رغم أن خطواتها تثاقلت، إلا أنها مضت نحو غرفة “الكابتن غلوستر”.
حين عادت إلى غرفته، كان آشلي يتحدث مع أحد الضباط الصف.
التفت الرجل نحوها، فانحنت له بأدب قائلة:
“مرحباً.”
ابتسم قائلاً:
“آه، ألستِ تلك الممرضة التي رأيتها من قبل؟”
“نعم، لقد تم تعييني كممرضة خاصة للكابتن.”
أجابت بابتسامة دافئة أكثر من المعتاد.
عندها التفت آشلي إلى الضابط الصف وسأله بنبرة عابرة، بينما عيناه تراقبان أغات:
“هل كنتما تعرفان بعضكما من قبل؟”
ابتسم الضابط قائلاً:
“لقد رأيتها يوم نُقلتم إلى المستشفى الميداني، كانت موجودة عند سريرك. ومنذ ذلك الحين بقيت عالقة في ذهني… فهي جميلة جداً. صحيح أنها بدت متحفظة ومتجهمة في ذلك اليوم، لكن الآن أراها ودودة ولطيفة. أظن أن ذلك كان بسبب خطورة حالتك يومها.”
وبينما التقت عيناه بعيني أغات، ابتسم بخجل.
لكن صوت “الكابتن غلوستر” قطع الجو فجأة:
“الرقيب ميلر… هل ما زال لديك ما تقوله؟”
“هاه؟”
حين أعاد ميلر السؤال ببلادة، رفع آشلي حاجبه قليلاً.
“نعم، إذن سأنسحب الآن.”
كان قد أنهى إيصال كل ما لديه، لذا كان من الطبيعي أن يخرج.
لكنه لم يتوقع أن يُطرد بتلك السرعة، فحيّا آشلي بتحية عسكرية مترددة، ثم انحنى برأسه نحو أغات، وخرج من غرفة المرضى.
“يبدو أن عليّ أن أدخل متأخرة قليلاً.”
قالت ذلك بابتسامة رقيقة وهي تقترب من السرير.
تضيّقت عينا آشلي بعض الشيء، إذ كانت المرأة تقف بجانبه دون تحفظ.
وفوق ذلك، بدا وجهها وكأن عليه ابتسامة.
“هل حدث أمر سارّ لكِ؟”
“الجو مشمس. إنه وقت التنزّه، هل ترغب بالخروج؟”
تسرب نفس قصير من بين أسنان آشلي. أن تقول إن السبب هو “الجو المشمس”…
لم يكن ليصدق كلمات الممرضة كما هي، فقد سبق أن كُشف أمامه الكثير.
ومع ذلك، ظهرت أمامه اليوم بوجه مختلف، وكأنها تبحث عن طريقة جديدة.
قبل لحظات فقط كانت كقطة متوترة على جانب الطريق، والآن بدت كأنها تغيّر أسلوبها.
“لنخرج في نزهة إذن.”
“نعم، لن تندم على ذلك.”
قامت أغات بترتيب المطهّر والضمادات داخل درج المنضدة الصغيرة، ثم أحضرت له كرسياً متحركاً لأنه لم يكن قادراً على الحركة بسهولة بعد. وحين نزل من السرير وجلس على الكرسي، دفعته ببطء من الخلف.
✦✦✦
رفعت أغات رأسها نحو سماء أوائل الصيف.
كانت السماء صافية بلا غيمة واحدة، والنسيم القادم من الغابة ينعش الصدر، كأنه يربّت على الضيق ويهدّئه.
وحين توقفت وهي تدفع الكرسي المتحرك، تبع آشلي حركتها بتيقّظ.
“لقد جئنا بعيداً جداً.”
“ظننت أنك لا تحب الأماكن المزدحمة.”
صحيح أنه لا يحب الضوضاء، لكن لم تكن هناك حاجة للمجيء إلى مكان خالٍ من الناس تماماً.
فهذا المستشفى الميداني قريب من الجبهة، وهو ذو مكانة عالية لا بد أن يطمع بها العدو.
لكن آشلي لم يعلّق على قولها، فقد كان عليه أن يتظاهر بالجهل كي يتمكّن من استكشاف ما تخفيه.
“الهدوء مريح لي، لكن يبدو أن الممرضة ناتالي ستتعب بسببي.”
“هذا عملي، لا أجد فيه أي مشقّة.”
ربما أدركت أنه يقصد العودة، فبدأت في إدارة الكرسي.
“الممرضة ناتالي.”
“نعم؟”
“لنرتح قليلاً قبل أن نعود.”
“هنا تقصد؟”
“نعم، توقفي من فضلك.”
توقفت أغات عند طلبه.
نهض آشلي من الكرسي المتحرك واستدار لينظر إليها من علٍ.
فقد كان فضوله حول وجهها يزداد طوال الطريق إلى هنا.
الانستغرام: zh_hima14
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 2"