-أعتقد أننا كنا عاشقين (2)-
“إذا كان الأمر يسبب لك الإزعاج، فلا داعي لأن تتحدث.”
“أنا آشلي.”
“آشلي؟”
“نعم. هذا هو الاسم الذي أطلقته عليّ والدتي.”
عرّف الرجل عن نفسه بنبرة هادئة. غير أن عينيه لم تبتسما على الإطلاق رغم ذلك.
كرّرت أغات الاسم على لسانها كما فعل هو من قبل — “آشلي”.
بما أنه لم يذكر اسم العائلة، بدا واضحًا أنه من العامة.
فبين العامة، هناك من يحملون أسماء عائلية ورثوها من آبائهم، لكن بسبب الحروب الطويلة كان عدد الأيتام الذين لا يملكون اسم عائلة كبيرًا أيضًا.
“هل كنتُ أعرفك من قبل يا سيد آشلي؟”
الآن بعد أن تبادلا التعارف، حان وقت السؤال الأهم.
فمنذ اللحظة التي رأته فيها، لم يتوقف هذا السؤال عن الدوران في ذهنها.
“نعم، هذا صحيح.”
“…!”
لم يتردد الرجل لحظة واحدة في الإجابة، فشعرت أغات بأن قلبها ينبض أسرع قليلاً.
أن تكون تعرف رجلًا بهذه الوسامة!
وفوق ذلك، بدا عليه الاهتمام بها كما لو كانا مقربين، وظل في غرفتها منذ البداية حتى الآن.
ومع ذلك، لم يخطر ببالها أنه ربما كانا عاشقين أو على علاقة مشابهة لذلك.
فهي لم تشعر نحوه بأي حرارة أو حنين مميزين كما يشعر العشاق عادة، حتى وإن فقدت ذاكرتها، فليس من المعقول ألا تتعرف على حبيبها لو كان أمامها مباشرة.
“هل يمكنك أن تخبرني كيف كنا نعرف بعضنا؟”
“كنتِ الممرضة الخاصة بي.”
“أنا؟”
“نعم.”
كما توقعت، لم يكونا عاشقين ولا في علاقة قريبة من ذلك.
ومع هذا، شعرت أغات بنوع من الفخر عندما علمت أنها كانت ممرضته الخاصة.
لكن الغريب أن ذاكرتها لم تحتوِ على أي مشهدٍ من عملها في مستشفى، ولا على أي صورةٍ له كمريض.
كيف يمكن ألا تتذكر أي شيء على الإطلاق؟
“لقد استيقظتِ بعد عشرة أيام من الغيبوبة. لا تحزني كثيرًا بسبب فقدان الذاكرة.”
قال الرجل بلطفٍ وكأنه قرأ ما في نفسها.
كان صوته دافئًا على عكس ملامحه الباردة تمامًا.
ربما كانت هي من أساءت الحكم عليه من مظهره فقط.
✦✦✦
حرّكت أغات عينيها بخفة، وهي تراقب الرجل الجالس على الأريكة يقرأ كتابًا خلسة.
“هل هناك ما تريدين قوله؟”
“ها؟ آه، لا، لا شيء.”
ارتبكت أغات وأخذت نفسًا عميقًا رغم أنها لم تفعل شيئًا خاطئًا.
لم تحرك سوى عينيها، فكيف علم بذلك؟
وجودها معه في الغرفة وحدهما جعلها في غاية التوتر.
الأطباء والممرضات غادروا قبل قليل، ولم يأتِ أحد بعد.
كانت لا تعرف كيف تتعامل مع هذا الوضع الغريب، أن تشارك الغرفة نفسها مع رجلٍ كانت ممرضته سابقًا.
هل السبب هو نقص الغرف في المستشفى؟
بينما كانت تواصل التفكير، سُمِع صوت طرقٍ على الباب.
تنفست الصعداء بسرور، مرحّبة بالطارق وكأنه جاء لينقذها من الموقف المربك.
“مرحبًا.”
ألقت التحية بابتسامة مشرقة على الممرضة الشابة التي دخلت الغرفة.
بدت في عمرها تقريبًا، فشعرت بالراحة على الفور.
بادلَتها الممرضة النظرات ثم انحنت باحترام نحو الرجل قائلة:
“مرحبًا، سيدي النقيب.”
“أهلًا بالممرضة إليانا، تفضلي بالدخول.”
رحّب بها الرجل بنبرة ودودة، مما دلّ على أنه يعرفها جيدًا.
كانت أغات تتابع المشهد بصمت عندما التفتت إليها إليانا وسألتها:
“ناتالي، كيف تشعرين؟”
“أنا… بخير، تقريبًا.”
كانت تدعى إليانا، أو هكذا سمعت أغات، لكن عقلها لم يسعفها بأي ذكرى عنها.
خفضت نظراتها معتذرة، متمنية لو أنها تتذكر شيئًا ولو بسيطًا، لكن ذاكرتها كانت خالية تمامًا حتى من هذه الزميلة.
أومأت إليانا برأسها بتردد، متحفظة في كلامها وكأنها تخاطب غريبة وليست زميلة.
ثم نظرت نحو النقيب، إذ كان عليها أن تعقّم جرح المريضة وتعيد تثبيت الدعامة.
قال الرجل بصوت منخفض دون أن يرفع عينيه عن الكتاب:
“لا بأس، لا تهتمي لأمري.”
“آه، نعم، حسنًا.”
إليانا حاولت ألا تُظهر ارتباكها، ونظرت إلى أغات. طوال الفترة الماضية، كانت الممرضة أديل هي المسؤولة وحدها عن رعايتها، ولمّا لم تذكر أديل أي تفاصيل إضافية، لم تكن تعلم أن عليها القيام بذلك أمام النقيب.
“يجب أن تخلعي ملابسك لأفك الضماد.”
كانت أغات ترتدي قميصًا أبيض ناعم الملمس. وعلى الرغم من أنه بدا فضفاضًا قليلًا على جسدها النحيل، إلا أنه كان لا بد من فك الأزرار وخلع القميص لتطهير كتفها ولفّ الضماد من جديد.
“آه، نعم.”
حبست أغات أنفاسها، ووضعت يديها على مقدمة القميص. لكن وجود الرجل الجالس على الأريكة جعلها تتردد في الحركة.
ترددت لحظة ثم نظرت خلسة إلى آشلي. كانت متأكدة أنه يعلم أنها تنظر إليه، لكنه ظلّ مركزًا في قراءة الكتاب دون أن يُبدي أي رد فعل.
“سيد آشلي؟”
كان صوتها خافتًا بالكاد يُسمع، لكن الرجل رفع رأسه عن الكتاب ونظر إليها.
“هل ناديتِني يا آنسة أغات؟”
أجابها بنبرة لطيفة وابتسامة صغيرة على شفتيه. كانت استجابته طبيعية وسلسة، ومع ذلك شعرت أغات بشيءٍ من الانزعاج تجاهه.
“أريد تغيير الضماد.”
كانت الغرفة مشتركة بينهما، لكن لم يكن بينهما أي علاقة. وبكلماتٍ أخرى، إن كانت ستخلع قميصها فعليه أن يخرج من الغرفة.
“هل وجودي يسبب لك الإزعاج؟”
سألها بنظرة هادئة وثابتة. كان عليها أن تقول “بالطبع” فورًا، لكنها لم تستطع النطق تحت نظرته المباشرة.
تجنبت النظر إليه، وعضّت شفتها بخفة.
قالوا إنها كانت في غيبوبة لمدة عشرة أيام، فهل كان هذا الرجل يشاهد تبديل ضماداتها طوال تلك الفترة؟
إن كان الأمر كذلك، فلماذا فعل ذلك؟
كان عليها أن تسأله، لكنها لم تستطع. ذهنها كان فارغًا تمامًا، فلم تقدر على مواجهته.
“بما أنكِ لا تتذكرين، سأخبرك. خلال الأيام العشرة الماضية، أنا من كان يطهّر جرح كتفك ويبدّل الضماد.”
“ماذا؟”
شهقت أغات وإليانا في الوقت نفسه. ولم يكن آشلي غبيًا لدرجة ألا يفهم ما تعنيه نظرات المرأتين.
“كنتُ أول من لفّ الضماد على كتفك عندما أصبتِ. كنا نتشارك الغرفة، وأنا أجيد مثل هذه الأمور، لذلك تولّيت الأمر بنفسي لا أكثر.”
“لكن… لماذا؟”
كانت نظرات أغات تسأله: هناك ممرضات للقيام بذلك، فلماذا تدخلت بنفسك؟ خصوصًا أن تطهير الجرح ولفّ الضماد الجديد يتطلب خلع القميص.
“ألم تصابي أثناء إنقاذي؟ شعرت أن من واجبي أن أساعدك بنفسي.”
قالها بنبرة مهذبة لكنها حازمة، ليؤكد أنه لم يقصد أي شيء آخر.
لم تستطع أغات الرد، فاكتفت بالصمت.
“سأخرج قليلًا لأتنفس بعض الهواء.”
أغلق آشلي الكتاب، وقف، وانحنى بأدب أمامهما قبل أن يغادر الغرفة.
وما إن خرج حتى زفرت أغات أنفاسها بعمق، مدركة أنها كانت مشدودة الأعصاب طوال الوقت.
“ناتالي، ما الذي يحدث هنا بالضبط؟”
“لا أعرف، صدقيني.”
كانت تظن أن الممرضة أديل هي من كانت تهتم بها طوال الوقت، لكن تبيّن أن النقيب هو من كان يبدّل الضماد ويطهر الجرح بنفسه. صحيح أن ناتالي (أغات) كانت قد أصيبت بالرصاص في كتفها أثناء محاولتها منعه، لكن ذلك لا يبرر أن يحلّ محلّ الممرضات بنفسه.
“أحقًا لا تتذكرين شيئًا؟”
سألتها إليانا بشك، تحدّق فيها بعينين ضيقتين. لكن حتى لو واصلت الضغط عليها، فلن تعود ذاكرتها فجأة.
“نعم، لا أذكر شيئًا على الإطلاق. ولهذا… لدي سؤال، هل يمكنني أن أسألك؟”
“لنبدّل الضماد أولًا.”
ولأنها لم تستطع البقاء في الغرفة طويلًا، سارعت إليانا إلى فك أزرار القميص.
تحت القماش الأبيض، كانت الضمادة ملتفة بإحكام على كتف أغات، نظيفة ومنسقة بشكل مثالي.
يبدو أن الرجل هو من قام بلفّها، كما قال. كانت متقنة إلى درجة أنه لو قال أحد إن طبيبًا من فعلها، لصدّقوه.
وحين أزالتها كلها، انكشف أثر جرحٍ طويل غُرز بخيوطٍ سميكة وسط بشرتها الشاحبة.
“لا بد أنه كان مؤلمًا جدًا.”
همست إليانا بأسى وهي تحدق بالندبة للمرة الأولى.
وتمنت لو تستطيع أن تعود بالزمن لتكمم فمها حين سألتها قبل قليل عمّا إذا كانت حقًا لا تتذكر شيئًا.
شعرت بالندم، ثم قالت بصوتٍ منخفض وهي تتابع تطهير الجرح:
“ناتالي، أنا آسفة.”
“على ماذا؟”
ردّت زميلتها التي فقدت ذاكرتها بصوت نقي وهادئ، وكأنها لا تفهم على الإطلاق ما الذي يدعو للاعتذار.
الانستغرام: zh_hima14
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"