98
“هل لديكِ أيّ مكانٍ تتوقّعين وجوده فيه؟”
عند سؤال هازل، أخذت بيلادونا دفتر ملاحظاتها وقلمها اللذين كانت قد حضرتهما مسبقًا، وبدأت تكتب بسرعة.
[ماذا عن المكتبة؟]
هاه …لا!
نظرت إلى ما كتبته للتوّ، ثم خربشت عليه بالحبر الأسود.
[بما أنه قال أنه قد انتقل، فماذا عن الذهاب إلى مكان تجمّع العربات؟.]
صحيحٌ أن فابيون كان يتردّد على المكتبة لمحاولة فكّ رموز دفتر اللغة القديمة الذي تركته القديسة بيلادونا، لكن لو كان الأمر كذلك، لما كان عليه أن يفرغ أغراضه من الفندق.
ربما كان قد انتهى بالفعل من فكّ تلك الرموز.
“حسنًا، لنرَ … يبدو أن أكثر الأماكن ازدحامًا الآن هو …”
بينما كانت هازل تدور بعينيها، أشارت نحو وجهةٍ معيّنة.
“ماذا عن الذهاب أمام السوق؟ أعتقد أننا قد نجد الكثير من العربات هناك.”
حسنًا! أومأت بيلادونا رأسها، ثم تَبِعتها.
عندما وصلوا إلى وسط أستانيا، عند السوق المفتوح المزدحم، أصبحت الجموع كثيفة. أمسكت بيلادونا برداء هازل بإحكامٍ لتتأكّد من عدم انفصالهما.
“أخي!”
فجأة، تردّد في أذنها صوت طفلةٍ مألوف. استدارت بيلادونا بسرعة.
‘هذا الصوت …؟’
“تينا، كوني حذرة.”
تلاه صوتٌ آخر مألوف. استدارت بيلادونا على الفور وسحبت رداء هازل بحدّةٍ لتتوقّف عن التقدّم.
“هاه؟ سيدتي …؟”
نظرت هازل إليها باندهاش.
لكن بيلادونا لم تتردّد، وتوجّهت مباشرةً نحو المكان الذي سمعت منه الصوت. وما إن استدارت عند الزاوية حتى رأت تيموثي وتينا يمسكان بأيدي بعضهما البعض ويتفحّصان إحدى الأكشاك.
كما هو متوقّع، إنه تيموثي …! لم أكن أتوقّع هذا الحظ الجيد!
ابتسمت بيلادونا وهرولت نحوهما. في مدينةٍ كبيرةٍ مثل أستانيا، لم تكن تتوقّع أن تلتقي بشخصٍ تعرفه، شعرت بأن لقائها بتيموثي وتينا يبدو كفألٌ حسن.
“هاه؟ … قـ قديسة؟”
وضعت بيلادونا إصبعها السبابة بسرعةٍ على شفتيها عند رؤية تيموثي المندهش. كانت تختبئ حاليًا من انتباه الناس بتغطية ردائها، لذا كان عليها تجنّب الكشف عن هويّتها بصوته المرتفع.
“آه…! لحظة، لماذا أنتِ في أستانيا …؟ أوه، لا، لـ ليس هذا ما قصدتُه …”
بدا تيموثي مرتبكًا للغاية بظهور بيلادونا المفاجئ أمامه، تلعثم وأدار عينيه، غير قادرٍ على إخفاء ارتباكه.
في تلك اللحظة، صرخت تينا بصوتٍ عالٍ وهي تراقب شقيقها.
“لنذهب إلى مكان آخر ونتحدّث!”
بدا أنها أكثر اتزانًا وهدوءًا من تيموثي. حينها فقط نظر تيموثي، الذي استعاد وعيه متأخّرًا، حوله. بدا وكأنه يبحث عن مكانٍ يجذب قدرًا أقلّ من الاهتمام.
لكن كانت هذه أستانيا، إحدى أكبر مدن إمبراطورية إليانور، وكانوا حاليًا في المكان الأكثر ازدحامًا في السوق، ممّا جعل العثور على مكانٍ هادئٍ للتحدّث مع بيلادونا شبه مستحيل.
أخيرًا، وبعد بحثٍ غير مُجدٍ، حكّ تيموثي رأسه وسأل.
“إذا كان الأمر لا يسبّب لكِ أيّ مشاكل، فهل يمكنني دعوتكِ إلى منزلنا؟”
***
“سيدتي، هذا الرجل لا يبدو مسنًّا على الإطلاق.”
“…..”
“ولا يبدو كأنه ساحر. كما أن نظراته لكِ مهذّبةٌ للغاية بطريقةٍ غير ضرورية.”
وما المشكلة في كونه مهذّبًا …..
دفعت بيلادونا هازل بعيدًا، التي ظلّت تهمس في أذنها. واصل الحديث، وهي تنظر إلى تيموثي وتينا اللذين كانا يسيران أمامها بريبة.
“هل أنتِ واثقةً تمامًا من أنه شخصٌ يمكن الوثوق به؟”
أوه، تيموثي لطيفٌ جدًا وشخصٌ بريءٌ تمامًا!
نظرت إليها بيلادونا بامتعاض، وابتعدت دون أن تقول كلمةً واحدة.
“رغم تواضع المكان، لكن … تفضلي بالدخول.”
أخيرًا، وصلوا إلى منزلٍ صغيرٍ في شرق أستانيا. فتح تيموثي الباب ودعاهم للدخول.
عند دخولها، حنت بيلادونا رأسها بإشارةٍ امتنان، ثم خطت إلى الداخل. كانت المساحة صغيرةً ولكنها مريحةٌ ودافئة.
في النهاية، لم أعثر على فابيون …..
كانت فرصةً أيضًا للتحقّق من سلامة تيموثي وتينا، ومعرفة حالتهما بعد لقائهما بالبابا، لذا انتهى بها الامر إلى اتّباعهما.
بدا تيموثي متوتّرًا قليلاً لاستضافته شخصًا مثل بيلادونا لأوّل مرّةٍ في منزله، فأحضر لها بحرصٍ كرسيًا قويًّا ومريحًا.
“من فضلكِ، اجلسي هنا.”
وهازل؟ عندما التفت لتنظر إليها، هزّ كتفيها وقالا.
“سأتجوّل قليلاً في الجوار لتفقّد الأمور. لا تقلقي بشأني، خذي راحتكِ في الحديث.”
وبعد أن قالت ذلك، استدارت وغادرت المنزل.
هزّت بيلادونا رأسها بموافقة، ثم جلست بإستقامة. اقتربت تينا منها وجلست أمامها.
“سيدتي القديسة! إنه لشرفٌ كبيرٌ أن ألتقي بكِ مجدّدًا!”
ابتسمت بيلادونا بعفوية، ووجدت نبرة كلامها غير معتادةٍ بالنسبة لطفلة. ربّت تيموثي على رأسها وضحك كأنه لا يستطيع إيقافها. وبينما كان يرتّب خصلات شعر تينا المتناثرة، التفت نحوها وسأل.
“سيدتي القديسة، كنتُ أعتقد أنكِ عدتِ إلى جريبلاتا في المرّة الأخيرة، لكن ما الذي أتى بكِ إلى أستانيا؟”
أخرجت بيلادونا دفترها المُعَدّ مسبقًا.
[عدتُ مؤقتًا لأن لديّ بعض الأعمال في الفاتيكان، لكنني وجدتُ الأبواب مغلقة. هل تعرف ما الذي حدث؟]
“ماذا؟ حتى القديسة لم يُسمحوا لها بالدخول؟”
تفحّص تيموثي الكلمات واتّسعت عيناه دهشة وسأل مرّةً أخرى. ثم عبس كما لو أنه تذكّر شيئًا ما ثم فتح فمه مجددًا.
“كان هناك شيءٌ غريبٌ بالفعل منذ مساء البارحة. كيف أشرح ذلك ….. بدا كما لو أنهم يستعدّون لاستقبال ضيفٍ مهمٍّ أو يخبّئون شخصًا ما. عادةً ما أغادر الفاتيكان ليلاً بسبب تينا، ولكن عندما حاولتُ الدخول صباح اليوم، وجدتُ الأبواب مغلقةً تمامًا ولم يُسمَح لي بالدخول. لذلك قرّرتُ قضاء الوقت مع تينا.”
إذن …. فقد أغلقوه فجأة. ضيّقت بيلادونا عينيها.
[حتى وإن كان شيئًا صغيرًا، هل يمكنكَ أن تخبرني ماذا رأيتَ بالأمس؟]
“ها… لم يكن لديّ وقتٌ للنظر حولي لأن بالي كان مشغولاً بتينا. لا أتذكّر أيّ شيء. أنا آسف …”
خفض تيموثي رأسه بتعبيرٍ مذنب.
أوه، لم أقصد إلقاء اللوم عليك، تيموثي ……!
مدّت يدها لتعزية تيموثي، الذي بدأ فجأةً يلوم نفسه. ربّتت برفقٍ على كتفه المنحني والتقطت قلمها مرّةً أخرى.
[بالمناسبة، هل انتهيتَ من مقابلتك مع البابا آخر مرّة؟ تلك التي كانت مع تينا؟]
“أوه، بشأن هذا …”
كان سؤالاً لتغيير الموضوع والتدخّل في أمرٍ كانت تتآكل قلقًا بشأنه. توقّف تيموثي عن الكلام عند سؤالها.
نظر إلى تينا، التي كانت تلعب بأصابعها بجانبه، ثم فتح فمه مرّةً أخرى.
“بصراحة، في البداية، ظننتُ أنني مُنِعتُ من دخول الفاتيكان بسبب ذلك. لقد خيّبت أمل البابا.”
[خيّبت أمله؟]
“كان هناك شيءٌ أراد البابا تأكيده مع تينا، عندما كانت معي، كان بإمكانهل القيام بذلك بسهولة، ولكن أمامه، لم تستطع القيام بذلك بالقدر الذي أرادته. أعتقد أن السبب كان لأنها كانت متوتّرةً للغاية …… “
كان هذا وحده توضيحًا كافيًا.
لم تُظهِر تينا قدراتها العلاجية للبابا في ذلك اليوم، ولم يستطع البابا تأكيد ما إذا كانت قديسةً حقًا ذات قوّةٍ مقدّسة.
‘ياللراحة ……’
نظرت بيلادونا إلى تينا بابتسامةٍ خفيفة. لقد هزّت رأسها فقط، مؤكّدةً لا ألّا تُظهِر أبدًا قوّتها المقدّسة بعد أن أجبرت نفسها على دخول المكتب. شعرت بالفخر الشديد بتينا، التي فهمت ذلك بذكاء ولم تُظهِر قدراتها أبدًا.
‘كيف يمكنها أن تكون ذكيّةً إلى هذا الحد؟’
لم يكن لِزامًا على تينا أن يجرها البابا وتضطرّ لمواجهة نفس المصير المرير الذي عاشته. ربّتت بيلادونا على خدّها بوجهٍ سعيد.
“ومع ذلك، فإن البابا شخصٌ رحيمٌ وكريمٌ بعد كلّ شيء”.
ماذا؟ مَن فعل ماذا؟
فشلت بيلادونا في السيطرة على تعبيرها عند ملاحظة تيموثي التي أفسدت المزاج ببضع كلماتٍ فقط. ومع ذلك، استمرٍ تيموثي في الحديث دون أن يرى وجهها العابس.
“لا بد أنه شعر بخيبة أملٍ كبيرةٍ بنا، لكنه لم يستسلم.”
لم يستسلم …… ؟ انتابني شعورٌ غريبٌ بعدم الارتياح.
هل من الممكن أنه كان سيستمرّ في مراقبة تينا؟
“مرّةً في اليوم، يرسل ساحرًا ومعلّمًا خاصًّا لمنزلنا لمحاولة كسب ثقة تينا.”
بمجرّد أن انتهى من الحديث، سُمِع صوت طرقٍ على الباب.
“أوه، لقد وصلوا في الوقت المناسب! القديسة، إنهم جميعًا من الفاتيكان، لذا يمكنكِ العودة معهم عندما يغادرون.”
ابتسم تيموثي وقام من مقعده، جاهلاً بما يدور حوله. راقبته بيلادونا وهو يقترب من الباب بوجهٍ خالٍ من أيّ تعبير.
إذن مَن جاء ……؟
“ادخل!”
فتح تيموثي الباب على مصراعيه. ومع ذلك، لم يكن أحدًا من الفاتيكان، بل كانت هازل، غارقةً في دمائها.
كانت هازل متّكئةً على المدخل، غير قادرةٍ على الوقوف بشكلٍ صحيح، خارت قواها بمجرّد فتح الباب.
“آغه ….”
انهارت على الأرض، وتكوّرت على السجادة، وأطلقت تأوّهًا متألّمًا.
“……!”
قفزت بيلا دونا من مقعدها بهلع.
مـ ما هذا ……؟ مَن فعل هذا بحق الجحيم؟
كان من الصعب تصديق أنها، التي خرجت لمراقبة المنطقة فقط، عادت بهذا الشكل.
وعندما كانت على وشك الركض مباشرةً إلى هازل، ضرب صوتٌ مألوفٌ أذنها.
“القديسة بيلادونا، كنتِ في منزل الكاهن تيموثي. أيّ نوعٍ من العلاقات الفريدة هذا الذي بينكما؟”
رفعت رأسها لترى، من خلال نظراتها المذهولة، الكاردينال نيكولاس يقف عند الباب ومعه رجالٌ مجهولون يحملون هراواتٍ حادّة، كانوا خلف هازل التي سقطت.
***
تمتم جراهام بهمس لإسكاليون، الذي كان عباسًا ويعبث بشعره الأسود المتساقط على جبهته.
“قد تكون الليلة فرصتنا. لنتسلّل إلى الداخل وننقذ سكارليت.”
“لا نعرف حتى كيف يبدو الفاتيكان من الداخل. إذا فعلنا ذلك، قد ينتهي بنا الأمر بإثارة غضب البابا أكثر.”
سأل جراهام بتوتر.
“إذاً، أيّها القائد، ما خطّتك؟ هل ستنتظر حقًا حتى الصباح للتفاوض بشأن سكارليت؟ مع ذلك البابا المحتال؟”
“……”
في تلك اللحظة، اقترب منهم أحد الفرسان الذين جاءوا معهم من جريبلاتا، وكان يراقبهم.
كان يواجه صعوبةً في التدخّل بين إسكاليون وجراهام، اللذين كانا يجريان محادثةً جادّة، وبمجرّد أن رأى فرصة، فتح فمه بسرعة.
“سيدي القائد، هناك شخصٌ جاء لمقابلتك، أخبرتُه أنكَ مشغولٌ الآن، لكنه كان عنيدًا جدًا بشأن رؤيتكَ حتى أخبرتُه أن يأتي في وقتٍ لاحق ….”
“مَن هو؟”
عبس إسكاليون وكأنه منزعجٌ واستدار نحو الفارس. عند سؤاله الحاد ونظراته الأكثر حدّة، ابتلع الفارس لعابه بصعوبةٍ وتلعثم في الإجابة.
“لـ لا أعرف … إنه كبيرٌ في السنّ جدًا وله لحيةٌ طويلةٌ جدًا جدًا … إنه سـ ساحر.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1