95
مرّت فترةٌ طويلةٌ ولم يعد إسكاليون بعد.
نظرت بيلادونا من النافذة المظلمة بوجهٍ قَلِق.
“بدا وكأنه هرع للخروج من القلعة في وقتٍ سابق …… ألم يعد بعد؟”
رمشت بيلادونا بعينيها للحظة، ثم نهضت ببطءٍ وأنزلت ساقيها عن السرير. ارتدت نعالها الرقيقة واقتربت من الباب، ثم توقّفت عن المشي ونظرت إلى الوراء.
“……”
منذ الليلة الماضية، كانت خائفةً من البقاء بمفردها في غرفةٍ كبيرة.
كانت غرفة نومه، حيث وقع الحادث، أكثر رعبًا، لذلك عادت اليوم إلى غرفتها، لكنها كانت مخيفةً ومرعبةً بنفس القدر.
كان أحد الغرباء ميّتًا، وتم القبض على الآخر، لذا لابدّ أن الوضع أصبح آمنًا الآن ……. ومع ذلك، لم يكن لديها الشجاعة لفتح هذا الباب والسير في الردهة.
ابتلعت بيلادونا، التي كانت متردّدة، لعابًا جافًّا ووضعت يدها على مقبض الباب بوجهٍ مصمّم. التقطت ضوءًا صغيرًا من الطاولة الجانبية وبدأت في السير ببطءٍ في الرواق.
“سيدتي؟”
في تلك اللحظة، جاء صوتٌ من الطابق السفلي. أخرجت رأسها من الدرج ورأت هازل، التي كانت في مَهمّة الحراسة عند الفجر، ترفع رأسها إلى الأعلى.
إيماءة، إيماءة! إنها أنا!
عندما رأت وجهًا مألوفًا، شعرت بتوتّرها يخف.
“ألم تنامي في هذا الوقت … هل هناك خطبٌ ما؟ هل يجب أن أستدعي خادمة؟”
سألت هازل، التي صعدت الدرج بخفّةٍ درجتين أو ثلاث درجاتٍ في كلّ مرّةٍ ووقفت أمامها.
هزّت بيلادونا رأسها ونظرت إليها. ماذا عن إسكاليون …… ؟
“سيعود القائد قريبًا.”
إلى أين ذهب بجدية؟
أظهرت هازل، التي لاحظت تعبير بيلادونا المحتار، تعبيرًا مرتبكًا. حكّت حاجبيها المجعّدين وقالت.
“أوه، أعتقد أنه لم يقل للسيدة بعد لأنه غادر على عجل …… “
“……”
“الشريك الذي تم القبض عليه في فترة ما بعد الظهر قال شيئًا غريبًا. يبدو أن هناك شخصًا آخر استخدم بوابةً سريةً للتسلّل إلى جريبلاتا …… لكن، هذا الشخص ذهب خارج القلعة.”
خارج القلعة؟
إذن لم يكن هدفهم مجرّد قتل إسكاليون؟ ماذا يمكن أن يكون هناك خارج القلعة؟
“بمجرّد أن سمع القائد ذلك، ذهب للبحث عن الآنسة سكارليت لايتون، متسائلاً عن مكانها.”
“……!”
لا يمكن .. … !
فتحت بيلادونا عينيها على اتساعهما في دهشة. هل حدث شيءٌ لسكارليت؟
تردّدت هازل متسائلةً إن كانت تستطيع أن تقول ذلك أم لا، ثم فتحت فمها ببطء.
“أولاً وقبل كلّ شيء، في منزل الآنسة سكارليت لايتون …… لم نتمكّن من العثور عليها. ومع ذلك، لم يكن هناك أيّ علامةٍ على حدوث أيّ شيءٍ خطيرٍ هناك أيضًا.”
مرّت ببالها لحظةٌ عابرةٌ من الراحة، لكنها لم تستطع الاسترخاء.
إذن، إلى أين ذهبت سكارليت؟
“لا تقلقي كثيرًا. بما أن الآنسة سكارليت تميل إلى التجوّل دون أن تقول أيّ شيءٍ للقائد، فنحن نبحث في المنطقة المحيطة بمنزلها، والأماكن التي كانت تزورها كثيرًا، والمعارف الذين كانت قريبةً منهم لنجدها.”
عندما سمعت كلمات هازل، شعرت بدوارٍ متأخّر.
ترنّحت بيلادونا وأمسكت بالسور. تذكّرت وجه سكارليت، التي جاءت إلى القلعة وكانت تزعجها.
‘هذا الوغد القذر …….’
لذا خطّط البابا لقتل إسكاليون، وفي الوقت نفسه، خطّط للاحتفاظ بأخته غير الشقيقة، سكارليت لايتون، في حالة حدوث أيّ شيءٍ خارج الخطة.
‘لقد نسيتُ أنه يجهّز دائمًا تدابير مضادةً عند وضع الخطط …..’
عندما خطّط لطلاق بيلادونا وإسكاليون، ألم يرسل رسائل متظاهرًا بأنها عن طريق الخطأً في حالة عدم قيام بيلادونا بما يريده؟
أطلقت بيلادونا نفسًا مرتجفًا، وشعرت بالخجل من نفسها لأنها لا تزال عاجزةً أمام البابا.
إذا لم تكن هناك أيّ علاماتٍ على تعرّض سكارليت للأذى الآن ….. هل يخطّطون لأخذها إلى أستانيا؟ يمكن للبابا استخدامها كرهينةٍ لتهديد إسكاليون أو القيام بكلّ ما يريده.
“سيدتي، من فضلكِ اذهبي إلى غرفتكِ الآن. سيعود القائد قريبًا.”
دعمتها هازل وقالت.
أومأت بيلادونا برأسها بضعف. استندت إليها وعادت إلى الطريق التي جاءت منه.
* * *
سمعت صوت إغلاق الباب في غرفة نومها.
رفعت بيلادونا، التي كانت ملتفّةً على السرير وتنام بعمق، الجزء العلوي من جسدها بشكلٍ غريزي. في الظلام، كان إسكاليون يعقد ذراعيه، ويخلع ملابسه العلوية، ويتّجه إلى الحمام.
“إسكاليون …… “
عندما تحدّثت بيلادونا بصوتٍ خافتٍ جدًا، رفع رأسه على الفور.
“لم تكوني نائمة؟”
“سكارليت …… هل وجدتها؟”
“……”
لم يكن هناك إجابة. عضّت بيلادونا شفتها السفلية، وشعرت بقلبها يرتجف.
غيّر إسكاليون، الذي كان متّجهًا إلى الحمام، اتجاهه واقترب منها. وبينما اقترب، انتقل إليها الهواء البارد الذي كان يغلّفه نتيجة بقاءه في الخارج.
“لا تقلقي كثيرًا. إنها تتجوّل هنا وهناك عادةً دون أن تخبرني، لذا ربما لا يحدث شيءٌ بعد.”
“…….”
“إذن، اذهبي للنوم الآن. هل كنتِ خائفةً من النوم بمفردكِ ولم تتمكّني من النوم؟”
هزّت بيلادونا رأسها نافية.
بدا صوت إسكاليون هادئًا في البداية، لكنها شعرت بشعورٍ خافتٍ بالقلق. كان قَلِقًا من أنه ربما فقد أخته.
“أنا آسفة ……”
“ما الذي تهذين به؟”
“أعتقد أن البابا فعل ذلك بسببي ……”
أطلق إسكاليون تنهيدةً منخفضةً عند كلماتها.
“لا يمكن أن يكون خطأكِ. إذا فكّرتِ في الأمر، فمن المحتمل أن يكون هذا خطئي لاستفزاز البابا.”
“لكن ……”
“بيلّا، نامي الآن. أنا مُتعَبٌ قليلاً اليوم، لذا عليّ أن أغتسل بسرعة.”
استدار إسكاليون، الذي قاطع كلمات بيلادونا، على الفور. ودخل الحمام.
وسرعان ما سُمِع صوت الماء يتساقط من الصنبور.
“…….”
لم يكن أمام بيلادونا خيارٌ سوى الاستلقاء على الوسادة مرّةً أخرى.
وبعد بضع دقائق، توقّف صوت الماء وظهر إسكاليون، وهو يغطّي جسده بمنشفةٍ تقريبًا. ظنّت أنه سيذهب مباشرةً إلى السرير، لكنه أخرج كرسيًا من حول الطاولة وجلس عليه.
وبعد أن حدّق في الفضاء للحظة، خفض رأسه وكأنه يتألّم وتنهّد.
نهضت بيلادونا، التي كانت تراقبه، من مقعدها واقتربت منه.
“إسكاليون.”
وضعت يدها بهدوءٍ على كتف إسكاليون المتيبّس. وقفت بجانبه ببساطةٍ ومسحت على كتفه بصمت.
بعد لحظة، خرج صوتٌ منخفضٌ منه، الذي خفض رأسه.
“… سأذهب إلى أستانيا بمجرّد شروق الشمس غدًا.”
“حسنًا. هل نذهب معًا؟”
واجه إسكاليون صعوبةً في الإجابة على سؤال بيلادونا.
لم يكن يريد اصطحابها إلى أستانيا، لكنه كره تركها هنا بمفردها أكثر. لم يستطع معرفة أيّ قرارٍ يتّخذ من أجل سلامتها.
“…….”
“أريد أن أذهب.”
“هل تريدين الذهاب؟”
“نعم. أريد المساعدة في العثور على سكارليت، وهناك أشياءٌ أريد اكتشافها هناك بنفسي.”
أطلق إسكاليون تنهّدًا عميقًا بدلاً من الإجابة.
رفع إحدى يديه وسحب خصر بيلادونا أقرب إليه، واستند بوجهه عليها. قامت بيلادونا بلطفٍ بمسح مؤخّرة رأسه التي كانت مستندةً على بطنها.
“…… أريد قتل البابا.”
“…….”
“أشعر وكأنني أريد لكم ذلك الوجه الدهني الآن.”
نطق إسكاليون بكلّ كلمةٍ بقوّة، وهو يشدّ على فكّه السفلي. قامت بيلادونا بمسح شعره وفتحت فمها بهدوء.
“إذا كان صحيحًا أن البابا اختطف سكارليت، فلن يقتلها على الفور.”
“…….”
“إنه رجلٌ ماكر. ربما سيستخدم سكارليت كرهينةٍ لابتزازك. سيستخدم سكارليت إلى أقصى حدٍّ ممكن.”
“لن أسمح له أبدًا بفعل ما يريد.”
عند كلمات إسكاليون، نظرت إليه بيلادونا بوجهٍ مضطرب.
“لا تقلق كثيرًا. ستتمكّن بالتأكيد من إعادة سكارليت بأمان.”
“…… بيلّا، أنا سعيدٌ لأنكِ هنا.”
تمتم، لا يزال يدفن وجهه في جسد بيلادونا.
“عندما تقولين ذلك، تجعلينني أشعر أنني أستطيع فعل ذلك حقًا ….. لهذا السبب أشعر بتحسّن. حتى الآن، كنتُ حقًا ….. خائفًا.”
بدلاً من الإجابة، شدّدت بيلادونا قبضتها على وجهه. شعرت بالسعادة لأنها يمكن أن تكون مصدرًا لبعض الراحة الصغيرة له. في تلك اللحظة، حرّك يده على خصرها ووضعها داخل قميصها، ولمس الجرح على ظهرها بعناية.
“مَن فعل هذا؟”
“…….”
“ألن تخبريني حتى النهاية؟”
“إذا أخبرتُك، فلن يزيد هذا إلّا من رغبتكَ في قتل البابا؟”
“ذلك اللقيط مَن فعل ذلك؟”
أبعد إسكاليون وجهه عن جسدها بسرعة البرق. كانت عيناه الذهبيتان، اللتان تنظران إلى بيلادونا، مليئةً بالغضب المتأجّج.
“أخبريني. هل ذلك اللقيط هو مَن لمسكِ؟”
أدارت بيلادونا نظرها بعيدًا دون أن تقول كلمة. شدّ إسكاليون، الذي أكّد الإجابة بذلك، على أسنانه، وبرزت عضلاتٌ غاضبةٌ فجأةً من فكّه السفلي. شدّ قبضته بأوردةٍ سميكة.
“هناك سببٌ آخر لقتله.”
ولكن سرعان ما تغيّر وجهه، الذي كان يرتجف من الغضب، إلى تعبيرٍ يائس.
“كيف فعلتِ ذلك ……. بيلّا، لماذا لم تخبريني حتى الآن؟”
“…….”
“ألم تقولي أنكِ لا تريدين إخفاء أيّ شيءٍ عني بعد الآن؟ إذا أخبرتِني بهذا من قبل، فأنا ….. “
أطلق إسكاليون تنهيدةً مُحبَطةً وتوقّف عن الكلام. شعرت أنه منزعجٌ حقًا.
تردّدت بيلادونا وفتحت فمها.
“كنتُ قلقةً من أنكَ …… قد تصبح هكذا.”
“ماذا يعني هذا؟”
عبس وسأل. نظرت بيلادونا إليه بهدوءٍ وتحدّثت ببطء.
“إذا آذيتَ البابا أو قتلتَه …… ستُعتبر هذه خيانةً عظمى. يمكن نفيُكَ من الإمبراطورية أو الحُكم عليكَ بالإعدام لقتلكَ رئيس كهنةٍ عيّنه الإمبراطور نفسه.”
“وإن يكن؟”
“وإن يكن؟! بالطبع لم أكن أريد ذلك …… !”
“هل هذا هو السبب الذي جعلكِ تحوّليني إلى أحمقٍ عاد دون أن يلقّن الشخص الذي أوصل زوجتي إلى هذه الحالة درسًا؟”
“ليس هذا هو السبب …… !”
ابتعد إسكاليون عنها. ضغط بيديه على عينيه، كما لو كان مُتعَبًا.
“هذا هو الأسوأ.”
نبس بصوتٍ بائس.
“هل يعرف شعب إمبراطورية إليانور أنه شخصٌ كهذا؟ مجرمٌ يرتكب العنف ضد ابنته بالتبني دون أيّ شعورٍ بالذنب، يأمر بقتل أولئك الذين لا يسيرون حسب إرادته، ويختطف الناس؟”
“…….”
“أُشفِقُ على أولئك الذين يعتقدون أنه مبعوثٌ للنعمة.”
أزال إسكاليون اليد التي كانت تغطّي وجهه. في الظلام، رفع عينيه الذهبيتين ببطء.
تأجّجت عيناه بالتعب العميق والغضب.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1