79
بمجرد دخولهم المبنى الذي تقع فيه الغرفة، هدأت الأجواء الصاخبة فجأة. كان هذا المكان الذي سُمِح فيع فقط للبابا بروناس والقديسة بيلادونا والكاردينال نيكولاس وعددٌ قليلٌ من الكهنة بالدخول إليه، لذلك لم يتمكّن أيّ شخصٍ آخر من الدخول.
كان الصوت الوحيد الذي تردّد عبر الممر المؤدّي إلى غرفة بيلادونا هو صوت خطواتها وخطوات البابا يسيران جنبًا إلى جنب.
“……..”
نظرت بيلادونا إلى البابا بجانبها، وشعرت بالحيرة.
لقد توقّعت ذلك، لكنها لم تكن تعلم أنه كان مُصمِّمًا على عدم إعادتها إلى جريبلاتا. شعرت بثقلٍ ووجعٍ في الكتف الذي كان يحتضنه.
“بيلادونا، هل لديكِ شيءٌ تريدين قوله؟”
فتح البابا فمه عندما شعر بنظرتها. ابتلعت بيلادونا لعابًا جافًّا وفكّرت في الأمر.
إذا أخبرتُه الآن …….
“لديّ أيضًا شيءٌ لأخبركِ به.”
ومع ذلك، قبل أن تتمكّن بيلادونا من إنهاء تفكيرها، تحدّث البابا أولاً.
“هل يمكنكِ أن تعطيني أوراق طلاقكِ الآن؟ أعتقد أنه من الأفضل وضع النقاط على الحروف.”
انقبض قلبي عند سماع كلمات البابا. في اليوم الأول الذي أتت فيه إلى أستانا، أجابت بشكلٍ غامضٍ على سؤاله حول أوراق الطلاق، ومنذ ذلك الحين، لم يكن هناك أيّ ذِكرٍ آخر لها.
كنتُ أشعر بالارتياح لأنه لم يذكُر الأمر ثانيةً حتى نهاية احتفال عيد الميلاد، ولكن الآن حان الوقت ……. عضّت بيلادونا شفتها السفلية ودارت عينيها بقلق.
‘لقد تركتُ أوراق الطلاق في جريبلاتا ……. ‘
على أمل توضيح نواياها لإسكاليون، تركت بيلادونا أوراق الطلاق بتوقيعه عليها على المكتب.
لذا بغض النظر عن مدى جهدها في البحث عنها، لم تكن هنا …..
عندما لم تُجِب بيلادونا، تحدّث البابا مرّةً أخرى.
“همم؟ بيلادونا. ألم يحن الوقت لتتذكّري أين وضعتِ أوراق الطلاق؟”
أومأت بيلادونا برأسها، غاصبةً بعض القوّة على زوايا شفتيها.
عندما وصلا إلى مقدّمة الغرفة، تراجع البابا خطوةً إلى الوراء وأشار لها بفتح الباب. فتحت بيلادونا الباب بأيدٍ مرتجفة.
“سأنتظر بالخارج، لذا أحضريها.”
قال البابا، واقفًا في الرواق. نظرت بيلادونا إلى الغرفة حيث لا يمكن أن تكون أوراق الطلاق موجودة، ثم بدأت في المشي.
ماذا يجب أن أفعل؟ هل أخبره أنني تركتُهم هناك بعد البحث عنهم؟ هل يجب أن أقول أنني فقدتُهم في الطريق إلى هنا …؟ ألن يغضب مرّةً أخرى؟ كان ذهني مشوّشًا بأفكارٍ معقّدةٍ ومُقلِقة.
حرّكت بيلادونا، التي دخلت الغرفة دون تفكير، يديها ببطءٍ وفتّشت في الأمتعة التي أحضرتها. ومع ذلك، نظرًا لأنه مُحالٌ أن تكون أوراق الطلاق هنا على أيّ حال، كانت هذه لفتةً لا معنى لها.
“ألم تعثري عليها بعد؟”
وبينما أجبرت نفسها على تضييع الوقت، سمعت البابا يحثّها من الخارج.
تردّدت بيلادونا ثم التقطت القلم والورقة من على المنضدة بجانب السرير.
[أنا آسفة. لا أستطيع إيجاد أوراق الطلاق. أعتقد أنني تركتُها في جريبلاتا. هل يمكنني العودة والحصول عليها؟]
هـ هل يمكنني أن أكتب هكذا …؟
بيلادونا، التي كانت تنظر بهدوءٍ إلى الملاحظةة التي كتبتها، خربشت خطًّا سميكًا فوقها. بدا الأمر وكأنه من الواضح أنها تريد العودة إلى جريبلاتا، حتى لو كانت تستخدم أوراق الطلاق كذريعة، لذلك لم تعتقد أنها ستنجح.
[أنا آسفة. لا أستطيع إيجاد أوراق الطلاق الآن، لكنني سأبحث عنها أكثر قليلاً.]
في الوقت الحالي، بدا من الأفضل ترك الأمر هكذا وكسب بعض الوقت. تنفّست بيلادونا بعمقٍ بعد أن التي انتهت من الكتابة، وخرجت من الغرفة.
عندما سلّمت الملاحظة للبابا، الذي كان يقف في الرواق، تحوّل نظره إلى الأسفل.
اعتقدت أنه قد يغضب أو ينزعج على الفور، لكن البابا بدا هادئًا بشكلٍ مدهشٍ بعد قراءة محتويات الملاحظةة.
“فهمت.”
قَبِل البابا الملاحظة التي سلَّمَته إياها.
إذن، هل يمكنني أن أستريح اليوم؟ كانت ساقاي ترتعشان قليلاً منذ فترة …….
وبينما كان واقفًا هناك، يراقبها، سحق البابا الملاحظة في يده بقوّة.
انزعجت بيلادونا ورفعت رأسها.
“لقد أخبرتُكِ منذ أن كنتِ صغيرة أنه يجب عليكِ الاعتناء بممتلكاتكِ جيدًا، لكنكِ لم تتحسّني كثيرًا حتى بعد أن أصبحتِ بالغة، أليس كذلك، بيلادونا؟”
امتلأت عيناه ببطءٍ بالحقد القاسي.
بدأ جسد بيلادونا يرتجف بعد تأكيد ذلك. كان خوفًا غريزيًا.
هيك ……. شعرت بيلادونا بأنفاسها تتقطّع في حلقها ورفعت عينيها.
ومع ذلك، على عكس مخاوفها، أخذ البابا نَفَسًا عميقًا وأدار رأسه بسرعة.
“سأترك الأمر هذه المرّة.”
“……..”
عند سماع هذه الكلمات، هدأ جسدها المرتجف ببطء. غمرها شعورٌ بالارتياح لأنها تمكّنت أخيرًا من تجاوز الأمر بأمان.
في تلك اللحظة، فتح البابا، الذي كان يلفّ الورقة المكوّمة في قبضته، فمه مرّةً أخرى.
“لكن إذا لم تجدي الأوراق في المرّة القادمة …… عليكِ أن تستعدّي.”
“……..”
“في النهاية، إذا استمررتِ في ازعاجي، فسأقوم باستبدالكِ.”
بلعت بيلادونا ريقها بصعوبة.
لم تستطع فهم الكلمات الأخيرة للبابا، لكن كان عليها أن تُجبِر رقبتها المتيبسة، التي لم تتحرّك كما تريد، على الإيماء.
* * *
في ساحة التدريب في قلعة جريبلاتا، انهار إسكاليون، الذي أنهى التدريب، على الأرض وسأل.
“جراهام، ما هو اليوم؟”
قال جراهام، الذي كان يجلس أمامه ويمسح عرقه.
“ألستَ على درايةٍ بالتاريخ؟ لقد سألتَني نفس السؤال بالأمس.”
“كم عدد الأيام التي مرّت منذ عيد ميلاد جلالة الإمبراطور؟”
“سألتَني نفس الشيء بالأمس …… “
“لقد مرّت عشرة أيامٍ بالضبط اليوم.”
أجاب هازل بسرعةٍ نيابة عن جراهام، الذي كان يتذمّر ويشتكي.
تصلّبت ملامح وجه إسكاليون عند سماعه إجابة هازل.
“أوه، لقد أصبح وجهكَ أكثر شراسة.”
“توقّف، نائب القائد!”
وبّخ هازل جراهام، الذي بدأ يضحك على إسكاليون. ألقى جراهام الخنجر الذي كان يحمله لأعلى ولأسفل ولوّح به.
“أعتقد أن القديسة مشغولةٌ جدًا؟ لم تَعُد إلى جريبلاتا حتى بعد انتهاء الحَدَث.”
“لا بد أن ذلك لأن المؤمنين يأتون باستمرارٍ إلى أستانيا بعد فترةٍ طويلة. السيدة تواجه صعوبةً في العودة لأن هؤلاء المؤمنين متطلّبون جدًا!”
“هل هذا صحيح حقًا؟ أليس لأن أستانيا أفضل بكثيرٍ للعيش فيها من هنا؟”
غرق وجه إسكاليون أكثر عند سماع الكلمات التي قالها على سبيل المزاح.
أمسك هازل، الذي رأى وجه إسكاليون، بذراع جراهام وسحبه.
“توقّف عن التحدّث بالهراء واخرُج! أريدكَ أن تساعدني في التنظيف!”
“أيّ نائب قائدٍ هذا الذي يساعد في التنظيف؟ افعل ذلك بنفسك.”
“آه، هيّا أسرِع!”
عندما جرّ هازل جراهام بعيدًا، أصبح المكان هادئًا أخيرًا. خفض إسكاليون رأسه إلى الأرض وتنهّد.
كان بإمكانه رؤية حبات العرق تتقطّر من طرف رأسه، وتصنع دوائر على الأرض.
“سـ سأعود بالتأكيد. أ-أوراق الطلاق أيضًا …. التي أرسلتَها من خلال وولف ….. لن أوقّعها. أنا فقط ….. إ-إن انتهى …. حدث عيد الميلاد، بطريقةٍ ما …. سأعود ….. إلى جريبلاتا …. هاه!”
منذ أن غادرت بيلادونا، كان آخر صوتٍ أخرجته بصعوبةٍ يتردّد في رأسه مثل تعويذة.
انتظرتُ لأنها قالت إنها ستعود.
انتظرتُ، وتحمّلتُ يومًا طويلاً، لأنها قالت إنها ستعود بعد حفلة عيد الميلاد.
لكن عشرة أيامٍ مرّت بالفعل منذ حفلة عيد الميلاد الملعونة تلك. في هذه الأثناء، لم تكن هناك أيّ أخبارٍ من بيلادونا في أستانيا.
‘هل كانت كذبة؟’
خطرت ببالي جملةٌ مريرة.
ربما غيّرت رأيها بمجرّد عودتها إلى أستانيا. ربما اختفت إرادتها الضعيفة عندما عادت إلى بيئةٍ أكثر راحةً من جريبلاتا القاسية والباردة.
“الكهنة من أستانيا وسيمين.”
يا إلهي، تبرُز الأفكارٌ عديمة الفائدة الآن.
حكّ إسكاليون مؤخرة رأسه بعصبيةٍ وعبس.
ربما كان ذلك لأنه كان لديها الكثير مما تفعله في أستانيا، تمامًا كما قال هازل. ربما كانت حقًا مشغولةً مع المؤمنين. كانت شخصًا لطيفًا وطيّبة القلب بطبيعتها.
نعم، هذا صحيح.
ستعود بيلادونا قريبًا إلى جريبلاتا.
ولكن بعد بضعة أسابيع أخرى بلا معنى، أصبح كلّ شيءٍ مؤكّدًا الآن.
دخل إسكاليون المكتب الهادئ، والتقط التقويم على المكتب.
ما هو اليوم؟ وكم عدد الأيام التي مرّت منذ الاحتفال بعيد الميلاد؟
أغلق جراهام، الذي كان يقول مازحًا أن اليوم هو اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر منذ الاحتفال بعيد الميلاد، فمه بعد مرحلةٍ ما. بدأ هازل في مراقبة كلّ تحرّكاته عن كثب. لقد عرفوا ذلك أيضًا.
أنها لن تعود. كانت بيلادونا باقيةً في أستانيا.
“…….”
واقفًا بلا تعبيرٍ في وسط المكتب، رفع إسكاليون رأسه فجأةً ومشى وكأنه استيقظ للتوّ.
سار نحو المكتب، وسحب الدرج السفلي بعنف، وأخرج أوراق الطلاق من الداخل. لقد تركتها بيلادونا على مكتبه عن قصد.
ومع ذلك، بعد تركها هنا …….
انتشر طعمٌ مريرٌ في فمه.
ها …….
إن إدراكه للخيانة كان دائمًا أمرًا سيّئًا، لكن خيانتها كانت من النوع الذي يترك جروحًا عميقة. شعر إسكاليون بأن الأرض تحت قدميه تنهار مرّةً أخرى وشدّ جسده بكلتا فخذيه.
لقد خدعتني، لقد خُدِعتُ مرّةً أخرى.
وقف ساكنًا للحظة، ينظر إلى أوراق الطلاق التي تحمل توقيعه فقط، ثم استدار. خرج إسكاليون إلى الرواق وبصق وهو ينزل الدرج.
“وولف.”
“نعم! سعادتك.”
سار وولف، الذي كان يقف في الردهة، بسرعةٍ نحوه.
“جهّز العربة. سأكون بعيدًا عن القلعة لبضعة أيام.”
“حسنًا. إلى أين ستذهب؟ كم عدد الأشخاص الذين سيرافقوك؟ إذا أعطيتَني تسليمًا موجزًا للعمل المتبقّي، فسأتأكّد من إنهائه دون أيّ مشاكل.”
على الرغم من وابل الأسئلة، كان ذهنه بسيطًا.
“أستانيا. سآخذ جراهام وهازل فقط.”
“نعم، فهمت ……. ماذا؟”
رفع وولف، الذي كان يكتب التعليمات في دفتر ملاحظاته، رأسه متأخّرًا في دهشة.
كانت أستانيا حيث كانت سيّدته. ماذا سيفعل اللورد هناك …… ؟
“معذرةً ……. ما هو الغرض من زيارتك ……. هـ هل يمكنني أن أسأل؟ سأنقل هذا إلى الفرسان.”
ردًّا على سؤال وولف الحَذِر، بصق إسكاليون دون تغييرٍ كبيرٍ في تعبير وجهه.
“لقد تركت شيئًا خلفها، لذلك سأعيده.”
“تركت شيئًا خلفها …… ؟”
“هذا.”
لوّح إسكاليون بالورقة التي كان يحملها أمام وولف.
سرعان ما شحب وجه وولف عندما أدرك ماهية الوثيقة.
في النهاية، اللورد …… !
“أوه، لا!”
أضاف وولف، الذي نطق على عجلٍ كعذر.
“الآن بعد أن فكّرتُ في الأمر، هناك جبالٌ من الأوراق التي يجب عليّ التعامل معها، وعليّ أن أعتني بالإقليم الذي تراخى بسبب الاحتفال بعيد الميلاد، وهناك إبادة بسيطة مقرّرة، ولديّ اجتماعٌ مع ماركيز إيريس الأسبوع المقبل، لذلك سيكون من الصعب جدًا عليكَ المغادرة الآن!”
ومع ذلك، لم يَقُل إسكاليون كلمةً عن ذلك واستدار عائدًا إلى الدرج.
“سنغادر في أقرب وقتٍ ممكن، كُونوا مستعدّين غدًا صباحًا.”
لم يبدُ أن أيًّا ممّا تلاه وولف الآن عن مهام جريبلاتا يعنيه شيئًا.
كان عليه أن يذهب للبحث عن زوجته المزعجة التي ضربته في مؤخرة رأسه مرّةً أخرى ولم تَعُد.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1