100
“أيّها القائد! ما الذي تنوي فعله؟”
أمسك جراهام بإسكاليون، الذي كان يتحرّك بنظرةٍ نصف فاقدةٍ للعقل. وقف أمامه بكامل جسده، مشيراً بعينيه بشكلٍ يائس للفرسان المحيطين لطلب المساعدة.
عندما فهم الفرسان إشارته، هرعوا معًا لإيقاف إسكاليون.
“دعوني.”
“إلى أين ستذهب؟ هل تنوي اقتحام الفاتيكان بمفردك؟”
“إذا كان هذا ما يتطلّبه الأمر، فنعم.”
“عُد إلى رشدك!”
حاول جراهام ثنيه وإيقافه مجدّدًا، لكن إسكاليون دفعه بقوّةٍ بعيدًا. لم يستسلم جراهام، الذي سقط بعيدًا، وعاد إليه مجدّدًا.
“لنبحث عن هازل أولاً ونتحدّث إليها. لابدّ أنها تعرف ما حدث هناك بالضبط!”
“……”
“فقدانك لعقلكَ واقتحامكَ لهم هكذا لن يفيد السيدة بشيء! فكّر جيدًا، إسكاليون. حتى إن وضعنا خطّةً مُحكَمة، لا نعرف إذا كنّا سنتمكّن من إنقاذ السيدة وسكارليت أم لا. إذا استمريّت هكذا بلا تفكير، فلن نجني شيئًا!”
“… هااه.”
تنهّد إسكاليون بعمق.
في تلك اللحظة، استغلّ جراهام الفرصة ونظر إلى تيموثي.
“أيها الشاب، أرشدنا إلى منزلك!”
“نـ نعم! اتبعوني من فضلكم.”
تأكّد تيموثي من تثبيت تينا قبل أن يدير جسده ويتحرّك بسرعة.
***
“أيّها القائد، أنا آسفة …”
كان منظر هازل، التي تحقّقوا منها في منزل تيموثي، أسوأ ممّا توقّعوا. عبس جراهام عندما نظر إليها بتمعّن، كان وجهها مليئًا بالجروح هنا وهناك، بدا أنها تعرّضت لهجومٍ دون أن تكون مستعدة.
“كيف يمكن لشخصٍ من الفاتيكان أن يضرب الآخرين بهذا الشكل؟”
” ….. ليس لديّ ما أقوله.”
“هاه … على الأقل، من الجيد أنكِ استعدتِ وعيكِ. أخبرينا بكلّ ما تتذكّرينه عن الحادثة.”
عبست هازل، التي كانت تفرك ذراعها من الألم، ببطءٍ وبدات الحديث.
“بعد أن وصلت السيدة إلى هذا المنزل، كنتُ أتفقّد المناطق المحيطة كإجراءٍ احترازي. حينها، رأيتُ الكاردينال وستةٌ من الأشخاص الذين استأجرهم يقتربون من بعيد. حاولتُ العودة فورًا إلى المنزل، لكن … فجأةً شعرتُ بوخزةٍ في عنقي ثم أظلمت رؤيتي.”
” أظلمت رؤيتكِ؟”
سأل جراهام مجدّدًا عند القصة غير المتوقعة.
أومأت هازل برأسها وضيّقت عينيها محاولةً تذكّر التفاصيل.
“نعم. لا أعلم إن كانت إبرةً مسمومةً أم حقنةً أم شيءٌ آخر مختلفٌ تمامًا، لكنني أتذكّر تلك الوخزة والظلام المفاجئ. بعد ذلك، تعرّضتُ للضرب المُبرِح …”
أخفضت هازل رأسها، غير قادرةٍ على الاستمرار.
” ….. أعتذر للغاية لأنني لم أتمكّن من حماية السيدة.”
“ألم يكن مجرّد دوارٍ مؤقت؟”
“قد يكون كذلك، لكن …”
فرك جراهام شعر هازل بخشونة، التي ما زالت غير قادرةٍ على رفع رأسها، ورفع صوته عمداً.
“حسنًا! بحقك! استعيدي نفسكِ وانضمّي إلينا. علينا الآن دخول الفاتيكان للبحث عن السيدة وسكارليت.”
“جراهام، تحقّق من ذلك.”
“هاه؟ من ماذا؟”
قال إسكاليون، الذي كان واقفًا صامتًا منذ البداية، فجأةً وأشار برأسه نحو هازل.
“تحقّق مما إذا كانت إبرةً مسمومةً أو حقنة. نحتاج إلى معرفة ما إذا كان ذلك من فعلهم أو أن هناك طرفًا آخر.”
“أليس هذا مجرّد خيالِ من هذه الحمقاء؟”
“هاه، لا …! شعرتُ بها بوضوح!”
فتحت هازل فمها وكأنها شعرت بالظلم. تنهّد إسكاليون ورفع رأسه.
نبست هازل، التي كانت تنظر إليه، وشفتها السفلية ترتجف.
“قبل فقداني للوعي، سمعتهم يتحدّثون … قالوا أنه إذا تعاونت بهدوء، فسوف يعفون عن حياتي …”
أغلقت هازل عينيها بشدّةٍ وكأنها تشعر بالألم.
“لذلك … لذلك وافقت السيدة على الذهاب معهم. من أجلي … ولكنني لم أستطع حمايتها …”
“حسنًا، يكفي.”
استدار إسكاليون وقال.
“أستدعوا الساحر. أظن أنه قد حان الوقت للاستماع إلى ما لديه.”
***
في الظلام، كانت بيلادونا تحدّق في الباب المغلق بإحكام.
باستثناء أنفاسها، لم يكن هناك أيّ صوت. لم تكن تستطيع التحديد ما إذا كان هذا المكان داخل الفاتيكان أم لا.
“انتظري هنا.”
قال الكاردينال نيكولاس، الذي قادها إلى هنا معصوبة العينين، هذه الكلمات قبل أن يتركها في هذه الغرفة الضيقة ويختفي. جلست بيلادونا مقيّدةً إلى كرسيٍّ في وسط الغرفة، غير قادرةٍ على فعل شيءٍ سوى التحديق في الباب المُغلَق أمامها.
‘كم عليّ البقاء هنا؟’
بدأ جسدها يشعر بالألم بعد ساعات من الجلوس مقيّدة.
سأنتظر قليلاً. إذا لم يُظهِر أحدٌ أيّ إشارةٍ للمجيء، فسأضطرّ إلى إسقاط الكرسيّ بالقوّة وقطع الحبل …..!
في ذلك الوقت، بدأت تسمع خطواتٍ خفيفةٍ تأتي من بعيد جدًا.
كانت تعرف مَن هو صاحب تلك الخطوات المميّزة، الذي يجرّ أقدامه بخطواتٍ قصيرة.
“……”
سرعان ما توقّفت الخطوات المتزايدة عند الباب مباشرة.
رأت مقبض الباب يدور، وبدأ الباب الخشبي القديم يُفتَح بصرير. تسلّل شعاعٌ من الضوء من الخارج إلى الداخل، متّسعًا شيئًا فشيئًا ليضيء الظلام الذي يلفّ الغرفة.
ضيّقت بيلادونا، التي اعتادت على الظلام، عينيها من شدّة الضوء ورفعت رأسها.
“بيلادونا.”
تحدّث البابا بروناس إلى ابنته التي كانت في الظلام. كان الضوء يسطع خلف ظهره، لذا لم تستطع رؤية ملامح وجهه. حدّقت فيه بيلادونا بصمت.
“لقد مرّ وقتْ طويلٌ منذ أن كنتِ بهذه الغرفة، صحيح؟”
هل سبق للقديسة أن زارت هذه الغرفة؟
بلعت بيلادونا ريقها بصعوبة، وغمرها شعورٌ غريبٌ بالقلق.
تحرّك بروناس ببطءٍ نحو الداخل، مقتربًا منها خطوةً بخطوة.
رفعت بيلادونا رأسها قليلاً لتواجهه عندما اقترب منها.
“إنه أمرٌ مُحبِطٌ قليلاً أن أتلقّى هذه النظرة من ابنتي العزيزة …. لقد مرّ وقتٌ طويلٌ منذ أن رأيتُ مثل هذا التعبير، باستثناء عندما كنتِ صغيرة.”
“……”
“لا تقلقي، لن ألمسكِ اليوم. جئتُ فقط لأعرض عليكِ صفقة.”
بعد أن أنهى كلماته، وتحرّك خلفها.
شعرت بيلادونا بأن الحبال التي كانت تقيّد جسدها قد فُكَّت، وأطلقت نفسًا كانت تحبسه. تماسكت بالكاد حتى لا يسقط جسدها المخدّر للأمام.
“لم يكن هناك داعٍ لتقييدكِ بهذه الطريقة، يبدو أن الكاردينال نيكولاس بالغ قليلاً. سأعتذر نيابةً عنه.”
قال بروناس بصوتٍ هادئٍ ورحيمٍ الذي يستخدمه في حضرة العامة.
ما هذا؟ لماذا تتصرّف هكذا وتزيد من توتري؟
استمعت بيلادونا لصوته، دون أن تترك حذرها.
“في يومٍ من الأيام، خطر لي سؤال. تسائلتُ ما إذا كنتُ أضيّق عليكِ كثيرًا طوال تلك السنوات؟”
فكّ حبال بيلادونا كلّها وألقاها على الأرض. وتحرّك للأمام ووقف أمامها، حيث كانت تجلس، واستمرّ مرّةً أخرى.
“تسائلتُ ما إذا تمسّكتُ بكِ قريبًا مني أكثر ممّا ينبغي بحجة حمايتكِ من المخاطر.”
“……”
“إلى درجة أنكِ انجذبتِ إلى سحر مكانٍ لم تزوريه من قبل، إلى درجة أنكِ وقعتِ في حبّ شخصٍ لم تلتقي به من قبل.”
ما الذي تحاول قوله بحق خالق الجحيم ..؟
أبقت بيلادونا فمها مغلقًا للحظة واستمعت إلى ما كان يريد أن يقوله. واصل البابا بروناس الحديث بصوتٍ خافت.
“لهذا السبب، صغيرتي. أنتِ الآن مسحورةٌ بالأشياء الجديد عليكِ. أشياءٌ لن تقدّم لكِ أيّ نفع.”
“……”
“أنتِ قديسة أستانيا، يبدو أنكِ نسيتِ أنكِ في مكانٍ أسمى وأروع عندما تكونين هنا، بجانبي.”
وقف بروناس مستقيمًا أمامها مباشرة.
“كنتُ أتمنى لو أنكِ أدركتِ هذا بنفسك، لكنكِ لم تفعلي. لكن لا بأس. لا تقلقي، سأمنحكِ فرصةً أخرى.”
أمسك بطرف ذقنها ورفعه لأعلى.
“إذا أخبرتُكِ بطريقةٍ غير مباشرة، فلن تستوعبي، لذا سأخبركِ بوضوح. عودي إلى أستانيا.”
هزّت بيلادونا رأسها بعنف، وحرّرت ذقنها من قبضته. حدّقت فيه ونفت برأسها غير موافقة. ابتسم البابا وأطلق ضحكةً منخفضة.
“حتى بعد كلّ هذا، ما زلتِ لا تفهمين. حسنًا، سأدعكِ تختارين. في الغرفة المجاورة، هناك أخت زوجكِ الصغيرة. كنتُ أعتقد في البداية أنها مجرّد عشيقةٍ تافهة، لكن بعد التحقيق، اكتشفتُ أنها أخته غير الشقيقة. هذا أفضل ممّا أردت.”
سكارليت؟
عضّت بيلادونا على شفتيها السفلى. تابع البابا ٨و يفرك ذقنه.
“تُرِكت وحدها منذ أن تم إحضارها، ربما لم يُقدَّم لها أيّ طعامٍ أو ماء. ربما لم تسمع شيئًا طوال اليوم. أتسائل إن كان الكاردينال نيكولاس قد قيّدها كما قيّدكِ.”
“……”
“إذا وعدتِ بالبقاء هنا، فسآخذ هذا المفتاح وأفتح بابها المغلق الآن، سأسمح لها بالعودة إلى جريبلاتا تحت حماية زوجكِ والعيش بأمان.”
رفع البابا المفتاح الذي كان يحمله، واتسعت عينا بيلادونا قليلاً وهي تنظر إليه.
هذا المفتاح؟
رغم أنه بدا مختلفًا، إلّا أن شكله وحجمه يشبهان المفتاح الأخير الذي كانت تملكه. على وجه الخصوص، كان الانحناء في الزاوية اليسرى متطابقًا تقريبًا.
فتح البابا فمه، وأعاد المفتاح الذي أظهره لها لفترةٍ وجيزةٍ إلى جيبه.
“ولكن إذا لم تعديني، سأتركها فقط تموت هناك وحدها. لا أعرف كم ستتحمّل.”
كيف تجرؤ … كيف تجرؤ على استخدام سكارليت لتهديدي؟
بدأت أنفاس بيلادونا، التي كانت تجلس هناك بسكون، تزداد ثقلًا. لم تستطع أن تصدّث أن البابا، الذي من المفترض أنه يخدم الإله، يفعل شيئًا كهذا.
“وحين ينتهي كلّ شيء، سأخبر زوجكِ بكلّ ما حدث. سيعرف كيف أن زوجته اختارت أن تقتل شقيقته.”
شهقت بيلادونا بصوتٍ خافت.
بدأت قبضتاها ترتعشان من الغضب الذي لا يمكن السيطرة عليه.
” مَن سيختار اللورد ديتت بين زوجته وأخته؟”
“……”
“ماذا سيفكّر فيكِ عندما يكتشف أن زوجته العزيزة، التي كانت تستطيع إنقاذ أخته بالبقاء في أستانيا، لم تفعل؟ ….. وإن عرف، هل ستكون بقيّة حياتكِ الزوجية سعيدة؟”
ارتفع صوت بروناس بنبرةٍ خبيثةٍ وكانه يستمتع بذلك.
“بيلادونا، لقد كنتِ غارقةً في حلمٍ سخيف. السعادة البسيطة والعادية للحياة اليومية ليست من نصيبكِ. كنتُ أنا مَن جلبكِ هنا، وأنا مَن صنعكِ. لذا، من الأفضل أن تدركي مكانكِ، القديسة الوحيدة لأستانيا.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1