“الفصل التاسع
__________
لم أكن أنوي القفز إلى الاستنتاجات أو تعميم صفات مجموعةٍ كاملةٍ من الناس بناءً على تصرّفات بعض أفرادها، ولكن إن أردتُ وصف شخصية «فليون»، فستكون تمامًا كالصورة النمطية لابن عائلةٍ ثرية مدلَّل من الجيل الثاني.
تشيبول (Chaebol): هي مجموعة شركات ضخمة تديرها عائلة غنية في كوريا الجنوبية.
قال ببرود:
“لقد أخبرتكِ بالفعل أنني لا أحب لمس الأشياء السوقيّة.”
فأجبته:
“وأنا أخبرتك مسبقًا أنني سأتأخر لأن عليّ اختيار فستان. ومع ذلك، سمعتُ أنك بحثتَ عني في الحديقة؟ أنت تقلق أكثر من اللازم.”
تنهدتُ. من الواضح أنه كان يؤمن بأن كل ما يفعله صائب. دفعتُ كوب الشاي جانبًا وابتسمتُ له ابتسامة هادئة.
“ولمَ فعلتَ ذلك؟ هل كنت قلقًا من أن أختفي؟”
“من قال إنني كنت قلقًا؟”
“أوبا.”
ابتسمتُ له كطفلة.
“أنت تُحدّق بي مجددًا. لهذا لا أستطيع قول أي شيء. أوبا، بصراحة، أنت دائمًا تفسد كل شيء.”
“أنا؟”
“نعم، أنت. في كل مرة تفتح فيها فمك. لا أجد كلماتٍ لوصف متنمّرٍ يضرب وصيفاتي في القصر.”
ضحك ضحكة خفيفة وقال:
“وما هذه الكلمات التي تخرج من شفاهٍ جميلة كهذه؟”
تحولت عيناه إلى نظرةٍ حادة، بينما ارتسم على شفتيه خطٌّ نحيل من الجمال القاسي.
“أنتِ لا تريدين قول ما في قلبك، ولا تريدين أن أعاقب وصيفاتك. إذًا، هل يمكنني معاقبتكِ بدلًا عنهن؟”
ابتعدتُ غريزيًا، لكنه مدّ يده وجذب وجنتيّ، وكأن الأمر كله لعبة تضحكه.
“هذا الفم الصغير… لماذا لا يقول إلا أشياء جميلة؟ هاه؟”
“آخ! أبوبوبو!”
كانت وجنتاي تتمددان بين يديه بقوة حتى دمعت عيناي.
صرخ “داين” وهو يرمي كتابه على رأس فلِيون:
“توقف!”
‘كيف لإنسانٍ يزعم أنه أخي الأكبر ألا يعرف مقدار قوّته؟’
لن أعتبر صبيًّا كهذا وسيمًا أبدًا. من كان يظن أن الشخصيات الثانوية في هذا العالم الروائي مجانين إلى هذا الحد؟
سألني داين بلطف:
“هل أنتِ بخير؟”
“لا.”
“يا إلهي، لقد احمرّت خدّك.”
“همف… أورابوني.”
رفع فلِيون حاجبيه بازدراء.
“أنتِ، لماذا تنادين ذلك الشخص بـ(أورابوني)؟”
“هيونغ.”
كم هو مضحك! يريد أن أكون لطيفة معه بعد تصرفه الوقح؟ لو يسكت فقط لكان وسيماً بحق.
قال داين مؤنبًا أخاه بهدوء وهو يلتفت نحوه:
“هيونغ، كم مرة عليّ أن أقول لك؟ آشلي أصغر منّا بكثير.”
ثم التفت إلى الفارس راي وقال:
“راي، في المرة القادمة التي يحدث فيها شيء كهذا، أخبرني فورًا.”
قال الفارس باعتذار متصنع وابتسامة غامضة:
“آه، عذري يا سموّ الأمير. ولكن في رأيي، يبدو أن هذا شأنٌ بينهما لا يستدعي تدخلكم.”
فتح داين عينيه البنفسجيتين على اتساعهما.
“كاذب، أنت فقط تجد الأمر مزعجًا.”
“صحيح، ولكنني لم أكن لأقولها هكذا.”
كان راي جريئًا في ردوده. اعتاد داين على وقاحته فتمتم:
“يا له من متغطرس… بأي حق تتكلم بهذه الطريقة؟”
صرخ فلِيون غاضبًا:
“ما هذا الوقح!”
كان سير راي هو الفارس المكلف بحمايتهم وبحمايتي أنا أيضًا. يبدو مخلصًا في الظاهر، لكن الإخلاص لم يسكن جسده يومًا منذ وُلد.
ثم نظر إليّ بعينيه الزرقاوين الداكنتين وقال بسخرية ناعمة:
“يا للعجب، يا صاحبة السمو، لا بد أنكِ تألمتِ كثيرًا.”
صرختُ به:
“أنت، إن كنت ستتحدث، فضع قليلًا من الروح في كلامك!”
مرحبًا؟ أنا التي يُفترض أنك تحميني!
“عبدُ الراتب.”
ضحك الفارس الشاب ضحكة عالية.
“أنا فقط أقوم بواجبي.”
“أيها الوغد، هل أرسلك لتموت من الجوع في بيتك المرة القادمة؟”
كنت أعلم أنه يسخر مني في قلبه. إنه مثالٌ سيّئ للفارس عديم الاحترام.
قال راي متهكمًا:
“يا للأسف، يا صاحبة السمو، هل أنتِ بخير؟ ماذا سنفعل؟ لو جرى شيء لوجهك الجميل!”
همست “هانا” التي كانت تتجول قلقًا بجانبي:
“لماذا لم يضبط صاحب السمو قوّته…؟”
“شش، لا بأس. هانا، اخفضي صوتك. أنا بخير الآن، عودي لمكانك.”
مهما كانت قلقة، لا يصحّ أن تتحدث هكذا أمام أحد من الطبقة العليا. لكن فلِيون هو من لاحظ أولًا.
“آشلي!”
زمجر فلِيون في وجهها. فارتجفت هانا ونظرت إليّ متوسلة. دفعتها خلفي بسرعة.
“اذهبي الآن!”
انحنت مسرعة وغادرت.
قال فلِيون ببرود:
“أنتِ ترفقين بأولئك الأدنى منك كثيرًا مجددًا.”
“ماذا قلت عني؟”
حدّقتُ فيه وأنا أضغط بمنديلٍ بارد على وجنتيّ.
“كم مرة يجب أن أقول لكِ حتى تستوعبي؟ بسبب لطفك المفرط معهم، يعاملونك كطفلة.”
“كلماتك غريبة يا أوبا. لماذا تكره وصيفاتي إلى هذا الحد؟”
كانت عيناه الزرقاوان تتغيران لونا مع الضوء، من سماء صافية إلى بحرٍ داكن. رغم صِغَر سنه، كانت ملامحه قد اكتملت جمالًا.
قال ببرود:
“الأمر واضح. هل تُطعمين الكلاب والخنازير تفاحًا؟ هل تتحدثين مع شجرة تفاح؟ إنهم مختلفون تمامًا.”
“لكنهم بشر أيضًا.”
“هل قلت إنهم ليسوا كذلك؟ قلتُ فقط إنكِ لا تحتاجين إلى معاملتهم بلطف.”
“متى ستُصلح فظاظة لسانك؟”
“هاه؟”
“قلتُ إن وجنتي تؤلمني لأنك شددتها بقوة.”
العيون مرآة الروح، وعيناه كانت انعكاسًا لطبعه السيّئ. عندما يصمت، يبدو فلِيون رجلاً جميلاً ذا حضور قوي، لكن نظرته كانت دائمًا حادة كالسيف.
“تسك تسك، ألا تعلمين أن العامة لا قيمة لهم إلا حين يزحفون تحت أقدامنا ويؤمنون بنا دون تردد؟ بدلًا من أن يصونوا كرامتهم، عليهم أن يتراجعوا خطوة… بسبب مخالطتك لهم، لا أسمع في قصرك سوى الضحك.”
“أليس من الطبيعي أن يُسمع الضحك في المكان الذي نعيش فيه؟”
“ماذا؟”
أخفضت صوتي سريعًا. كان طبع الأمير السادس مشهورًا بعصبيته.
“أأنتِ أختي الصغرى فعلًا؟”
عندما كنّا أصغر، كان أكثر فظاظة مما هو عليه الآن. لذلك، في يوم لقائنا الأول، عبّر بصدق عن مشاعره أمام والدته.
“مقززة… أليست وحشًا؟ نصف وجهها مشوّه بندبة قبيحة.”
حينها كانت الندبة على وجهي أكثر وضوحًا من الآن، منظراً مريعًا لطفلٍ لم يرَ في حياته سوى الجمال. قررت ألا أردّ عليه، فبعد كل شيء هو أخي ويكبرني بثلاث سنوات فقط. لكن كان ذلك خطأً فادحًا.
“آه، تذكّرت.”
كان أقسى مما توقعت، إذ لم يتعلم بعد كيف يخفي قسوته، لكنه بدا لي طفلًا بريئًا أكثر من كونه شريرًا.
“ألستِ تلك العامية المسكينة التي نُفيت بسبب الطاعون؟”
تجمّد كلّ الكبار الحاضرين عند سماع ذلك.
“ماذا؟ الأميرة؟ يا إلهي، أتريدون أن تجعلوا من هذا الشيء القبيح أختي؟ لا أريدها!”
فتمّ اقتياده بعيدًا من قِبَل والدته. ترك في ذهني انطباعًا قويًا وصعب النسيان.
كنتُ راشدة في داخلي، لذا تحملت كلماته وتركته يقول ما شاء. لكن لو كنت “آشلي روزيه” الحقيقية؟ لكانت تلك الكلمات حطّمتها.
عاقبته الإمبراطورة السادسة بشدة بعد ذلك.
وفي اليوم التالي، جاءني فلِيون ومعه هدية.
“هيه، يا قبيحة. خذي هذه.”
منذ ذلك اليوم، صار يأتي يوميًا، وأي شخص كان سيلحظ أنه أُجبر على ذلك.
“أمي قالت لي أن أعطيك هذا.”
“أمي قالت إنها لم تعد تستخدمه.”
“أمي صنعت لك مشعلًا.”
من السهل تخمين ما أمرته به والدته بالنظر إلى سلوكه وتصرفاته.
“أكره هذا، لكن لا خيار لي.”
كان يزورني كل يوم، مستخدمًا والدته كذريعة ليسلّمني أشياء ثمينة بلامبالاة.
“… ماذا تفعل؟ حتى لو رميتَ هذا، لن يوبّخك أحد.”
كان كل هذا سخيفًا، لكني لم أكرهه. كنت أكبر من أن أغضب من طفلٍ في العاشرة. لم أكن ضعيفة إلى درجة أن تهزّني كلمات طفلٍ كهذا.
وخاصة بعدما أدركت أن هذا العالم… ليس سوى رواية.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"