2
لم تستطع جوديث التحرّك للحظة. كأنها استحوذت عليها تلك النظرة. في هذه الأثناء تحركت عينا أسيل الزرقاوان الفاتحتان ببطء.
فحص أسيل عيني جوديث وأنفها وخديها بدقة، ثم انتقل إلى شفتيها، حيث عبست عيناه الجميلتان قليلاً. مد أسيل يده لامست أصابعه الطويلة والمستقيمة شفتي جوديث برفق. رغم أنها كانت لمسة قصيرة، إلّا أنها شعرت بالدوار للحظة، وكأنها أُصيبت بنزلة برد رهيبة.
“انظري، شفتيكِ تنزفان.”
دار رأس جوديث، فأخفضته بسرعة. لكن سرعان ما أمسك أسيل بذقنها، كانت لمسة حذرة وحازمة. رفع أسيل ذقنها دون تردد. بينما أغمضت جوديث عينيها بإحكام، مرّر إبهامه بخفة على شفتيها. لقد كان ناعمًا ودافئا.
جوديث، التي كانت متيبسة مثل سمكة على رمح، فزعت ودفعت أسيل بعيدًا.
“ماذا تفعل؟!”
تسارع قلب جوديث بجنون. فكرت: “لا بد أن وجهي كان محمرًا حتى دون أن أنظر.”
على عكسها، التي كانت مضطربة إلى حد التصبّب عرقًا باردًا، ظل أسيل هادئًا ومتماسكًا.
أخرج أسيل شيئًا من جيب سترته. كان عبارة عن منديل أبيض مُطرز بشعار عائلة جرنياس.
لقد شعرت جوديث وكأنها استيقظت من حلم.
“هذا….”
“لا أحتاجه!”
فجأة، تجمّعت الدموع الشفافة في عيون جوديث.
“افعل هذا النوع من الأشياء مع خطيبتكَ!”
عضت جوديث شفتيها مرة أخرى لكبح جماح الدموع التي هددت بالسقوط. لكنها لم تتمكن من منع صوتها من الارتعاش بشكل مثير للشفقة.
“أسيل، أكرهكَ بشدة. حتى أنني أبغضكَ.كل شيء فظيع.”
ركضت جوديث وكأنها تريد الهروب.
رغم أن جوديث قالت أنها تكرهه وتبغضه بفمها. في الحقيقة، أسيل فيدليان لم يفعل أي شيء خاطئ. جوديث عرفت ذلك. ربما أفضل من أي شخص آخر. إذا كان هناك أي خطأ، فهو أن أسيل كان لطيفًا جدًا وجعل الناس يسيئوا الفهم.
لكن أسيل كان في الأصل من هذا النوع من الأشخاص. كان متعاطفًا بطبيعته، ويتفهّم ظروف الآخرين بعمق، وكان شخصًا حنونًا. وكان من الحماقة منها أن تُصدّق هذا الجانب.
“غبية، حمقاء، أنانية!”
ضربت جوديث رأسها بالوسادة، وهي تلعن نفسها.
لكن الأفكار المُلحّة لم تفارق جوديث. كلما حاولت نسيانها ازدادت وضوحًا، وكأنها تسخر منها.
آخر تعبير رأت جوديث على وجه أسيل، كان واضحًا. عيناه الزرقاوان الفاتحتان المتذبذبتان وشفتيه المتصلبتين. لقد كانت المرة الأولى التي ترى فيها جوديث مثل هذا التعبير على وجه أسيل.
“هل كان متألمًا؟ لا بد أنه كذلك.”
لم تستطع جوديث كبت مشاعرها التي ثارت للحظة، فانتهى بها الأمر إلى إيذاء أسيل. لهذا السبب كانت تتجنبه.
يبدو أن أسيل كان يعلم أن جوديث كانت تتجنبه لبعض الوقت، حيث أستمر في طلب مقابلتها. إذا أصبحت شائعة أن رئيس عائلة فيديليان المستقبلي كان يكافح من أجل يتيمة من عائلة نبيلة ساقطة، فإن شرف أسيل سوف يتلطخ. ولهذا السبب لم يكن أمام جوديث خيار سوى مقابلة أسيل اليوم.
كان سبب تجنب جوديث لأسيل بسيطًا لم تعد ترغب في أن يؤذيها.
لم يمضِ وقت طويل قبل أن يسألها أسيل هذا السؤال.
“ماذا ستفعلين بعد التخرج من الأكاديمية؟”
لم تستطع جوديث الإجابة. فتحت فمها وأغلقته. لأنها لم تفكر في الأمر قط. لطالما بدت حياتها بعد التخرج وكأنها مستقبل بعيد.
لكن التخرج كان يقترب بسرعة. أدركت جوديث ذلك، فشعرت بالذهول كما لو أنها تلقّت ضربة على رأسها بمطرقة.
سألها أسيل بحذر.
“إذا كانت لديكِ أي أفكار للعمل كمساعدة لي في عائلة فيدليان.”
بل إن أسيل عرض على جوديث راتبًا أكثر سخاءً بكثير مما يمكنها أن تحصل عليه، حتى لو عملت في العاصمة.
لكن…
“لا.”
رفضت جوديث دون تردد لحظة.
اتسعت عينا أسيل، كما لو أنه لم يتوقع أن ترفض جوديث عرضه. كان انعكاسها في عينيه الزرقاوين الفاتحتين.
“لماذا؟”
لقد بدا أسيل وكأنه لا يستطيع أن يفهم.
“أو هل هناك أي شرط آخر تريديه؟ اخبريني. سأفعل أي شيء.”
ولكن جوديث هزّت رأسها بصمت.
بغض النظر عن مدى جودة العمل والراتب، لم تكن لدى جوديث أي نية لقبول عرض أسيل… أن تُصبح مساعدةً لأسيل يعني البقاء بجانبه إلى الأبد. بمعنى آخر، كان عليها أن تُشاهد أسيل يتزوج ويعيش بسعادة من أقرب مكان.
كان جحيمًا حيًا. مجرد تخيّل ذلك كان أمرًا مروعًا ومُحبطًا.
“أريد فقط أن أكون معكِ كصديق وزميل عزيز مدى الحياة. كما كنا دائمًا.”
قال أسيل تلك الكلمات القاسية بعينين مليئتين بالشوق الصادق.
كانت الكلمات كالخناجر الحادة التي شقّت قلب جوديث. بالطبع، لن يعرف أسيل أبدًا.
وهنا بدأت جوديث تتجنب أسيل.
وكأنه الدوقة فيدليان كانت على علم بعرض أسيل، وصلت لجوديث رسالة مؤخرًا من عائلة فيدليان.
وكأن الدوقة فيدليان تقول لها: لا تتورطي أكثر مع أسيل.
وفي النهاية، وبناءً على نصيحة الدوقة فيدليان، اعتادت جوديث التي أعلنت خطوبتها أن تعض شفتيها. شعرت بلسعة من شفتيها الممزقتين بالفعل، ومرة أخرى…. أصابعه التي لامست شفتيها برفق، دافئة وناعمة. فجأة، احمرّ وجه جوديث في لحظة دفنت وجهها بين يديها.
“لا بد أنني مجنونة! مجنونة حقًا.”
لعنت جوديث نفسها مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، استاءت من أسيل.
بالنسبة لشابة من عائلة ساقطة، يتيمة بالكاد دخلت الأكاديمية برعاية دوقية فيدليان، فقد اعتقدت جوديث أن أسيل ليس لديه أدنى فكرة.
تمتمت جوديث في نفسها: “لقد كان الأمر سيكون أسهل لو أنه وبخني هكذا.”
لقد كان واضحًا ما سيقوله أسيل عندما يلتقيا مرة أخرى.
[جوديث، إذا كنتُ قد أزعجتكِ مرة أخرى دون قصد….]
كان أسيل يهمس بلطف.
[أعتذر بشدة. إذا أخطأتُ، فأرجو إخباري.]
ويُضيف أسيل بحذر، ويخفض نظره.
[سأُصلح ذلك مهما كان الأمر.]
“آه…”
لم تستطع جوديث كبح جماح نفسها أكثر، فشدّت شعرها. شعرت بوخز في فروة رأسها من الألم.
هانا، زميلة جوديث في السكن، هزّت رأسها وكأنها لا تستطيع أن تُصدّق عينيها.
رفعت هانا نظارتها ذات الإطار الأسود بإصبعها السبابة وقالت.
“جوديث، إنه ليس وقت الامتحان حتى الآن، فلماذا أنتِ مجنونة بالفعل؟”
عند هذه الكلمات، توقفت جوديث عن سحب شعرها والصراخ.
“آسفة، هانا.”
لم تكن غرفة تسكنها بمفردها. كان للنبلاء غرف فردية، أما النبلاء الساقطين وعامة الناس فكانوا يسكنون غرفًا مزدوجة.
ابتسمت جوديث ابتسامة محرجة.
حدّقت هانا في جوديث للحظة، ثم حوّلت نظرها إلى مكتب جوديث.
على المكتب الخشبي البني، كانت هناك أكوام من الرسائل من المرشحين للزواج الذين اختارتهم الدوقة فيدليان. لقد تمّ تكديسها بشكل متقارب لدرجة أنها بدت وكأنها على وشك السقوط في أي لحظة.
“أنتِ محظوظة. تتلقين رسائل حب من كل مكان.”
تمتمت هانا، غافلةً عن الوضع.
أما جوديث، فلم تستطع إلّا أن تبتسم ابتسامة محرجة.
“هل ستُخطبين؟ مع من ستُخطبين؟”
“حسنًا…”
توقفت جوديث عن الكلام.
في الواقع، لقد قرّرت أن تُخطب، ولكنها لم تفكر بعد على وجه التحديد مع من ستكون هذه الخطوبة. ولكن حان الوقت للبدء بالتفكير في هذا الأمر. لو بدأت بإرسال الردود ومقابلة المرشحين الآن، فسوف تتمكن من المضي قدمًا في حفل الزفاف في الوقت المناسب للتخرج.
“من سيكون جيدًا؟”
“همم.”
أمالت هانا رأسها كأنها تفكر للحظة.
لم تتوقع جوديث أن تجيب هانا إجابة مناسبة، رغم أنها سألت.
ولكن المثير للدهشة أن هانا، التي كانت تفحص كومة الرسائل، تحدثت بسهولة.
“تشيس كارداندي؟”
أضافت هانا باختصار.
“عائلته طيبة، وهو وسيم جدًا. مع ذلك، لا أعرف شيئًا عن شخصيته.”
“آه!”
أطلقت جوديث تعجبًا قصيرًا.
“لو كان تشيس كارداندي… أليس هو الرجل الذي كانت أولويته الأولى في الحياة هي السيف فقط؟”
رجل تغيّب عن دروس الأكاديمية ليتدرّب على المبارزة في ساحة التدريب… هذا كان التقييم العام لتشيس كارداندي.
وكان تردّد جوديث قصيرًا.
بالنسبة لجوديث، كان هو العريس المثالي، لدرجة أنها تساءلت لماذا لم تفكر فيه من قبل…
“شكرًا لكِ، هانا.”
“هاه؟ لماذا فجأة؟”
هانا، التي كانت قد أمالت رأسها، فتحت فمها على مصراعيه.
“لا يمكن…. أنتِ.”
اقتربت هانا من جوديث وأمسكت بكتفيها.
أطلقت هانا كلمات كأنها تُعيد جوديث إلى رشدها.
“جوديث أمزح. ماذا لو كان وسيمًا جدًا؟ إنه مهووس بفنون المبارزة ولا يهتم بعائلته ولن يكترث حتى بخطيبته، ويمارس المبارزة يوميًا فقط!”
ابتسمت جوديث بمرح.
“نعم، يُعجبني ذلك.”
بعد أن تركت تعبير هانا المذهول، وجدت جوديث ختم عائلة كارداندي في كومة الرسائل على مكتبها وأمسكت به في يدها.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 2"