لقد كان الأمر بمثابة راحة لأن شخصًا ما كان يحترمها كثيرًا، لكن بالنسبة لجوديث، كان الأمر مزعجًا للغاية.
“أستاذ، كما تعلم، أنا من عائلة نبيلة ساقطة.”
“ما أهمية ذلك؟ لقد عرضتُ هذا العرض لأن خسارة موهبة مثلكِ ستكون خسارة. على أي حال، لا توجد قاعدة في لوائح الأكاديمية تنص على أن أشخاص بمثل وضعكِ لا يمكنهم أن يكونوا أساتذة.”
“ولكن هل يقبل الطلاب النبلاء أن يأخذوا دورة دراسية أقوم بتدريسها…؟”
قاطع الأستاذ كاريل جوديث مرة أخرى.
“الأغبياء لن يفعلوا، أما الأذكياء فسيفعلون. ما عليكِ سوى تعليم الأذكياء فلا تقلقي. إذًا ما هو جوابكِ؟”
لم تستطع جوديث الإجابة بسهولة. فجأةً، تصبح أستاذة مساعدة، وفي الأكاديمية المرموقة، ليس أقل… بالطبع، عرفت جوديث ذلك. كانت هذه فرصة عظيمة بلا شك. لكنها لم تستطع تقبّل الأمر باستخفاف.
فكرت جوديث: “ألَا ينبغي أن يُدرّس الطلاب من هم أذكى وأكثر شغفًا مني؟”
لم تختار جوديث المحاسبة من بين العديد من التخصصات لسبب خاص. كان ذلك ببساطة بسبب إمكانية تطبيقه على نطاق واسع في مجالات مختلفة وكان له آفاق توظيف جيدة. بالطبع، الآن، بسبب الدوقة فيدليان، كانت جوديث في وضع يفرض عليها أن تُخطب قبل أن تحصل على وظيفة…
تحدّث الأستاذ كاريل فجأة، ربما لأنه كان يُفكر في عدم استجابة جوديث.
“هل هذا بسبب خطوبتكِ؟”
“عفوًا؟”
“دعينا نعقد اجتماعًا ثلاثيًا.”
فكرت جوديث: “كيف عرف أنني مخطوبة؟”
وبطبيعة الحال، كانت الشائعات قد انتشرت بالفعل في الأكاديمية بأن جوديث كانت مخطوبة لتشيس كارداندي.
تمتمت جوديث في نفسها: “لأنن أعلنتُ ذلك بجرأة أمام الطالبات اللاتي توافدن لرؤية تشيس في ذلك اليوم..ربما سمع الأستاذ كاريل عن ذلك منهن؟”
وفي محاولة لمتابعة مجرى المحادثة استمعت جوديث إلى الأستاذ كاريل وهو يقول.
“تشيس كارداندي. هل هذا الرجل المشاغب يطلب منكِ فقط القيام بالأعمال المنزلية بعد الخطوبة، مما يصعب عليكِ الإجابة؟”
“لا، ليس الأمر كذلك.”
“دعينا نعقد اجتماعًا ثلاثيًا.”
ظل الحديث يتجه نحو عقد اجتماع ثلاثي.
كلما حاولت جوديث قول شيء، كان الأستاذ كاريل يقاطعها ويقول.
“أحضري تشيس كارداندي. لنعقد اجتماعًا ثلاثيًا.”
وبعد أن تكرّر ذلك عدة مرات، أدركت جوديث أن الأستاذ كاريل كان يفعل ذلك عن قصد.
فكرت جوديث: “كان الأستاذ يعلم، وكان يعلم أنني سأرفض العرض. فكان يقول هذا كذريعة لكسب الوقت. لكن لماذا؟ لماذا كل هذا العناء؟”
لم يكن لدى جوديث أي فكرة عن سبب قيام الأستاذ كاريل بشيء مزعج للغاية.
الأستاذ كاريل، الذي كان يُراقب جوديث بهدوء، والتي لم تكن قادرة على فعل هذا أو ذاك، فجأة مدّ يده وربّت على رأسها.
“جوديث، إذا لم تتمكني من الثقة بنفسكِ، ثقي بحكمي.”
انفتح فم جوديث. ربّت البروفيسور كاريل على رأسها. لم يضربها بكتاب ليجعلها تستعيد رشدها، بل ربّت عليها برفق.
لو أخبرت جوديث الطلاب الآخرين بهذا، لسخروا منها وقالوا إنها تحلم. كان الأمر صعب التصديق.
جوديث، التي شعرت بالغرور قليلاً، لم يكن لديها خيار سوى أن تسأل مرة أخرى.
“أستاذ، لا أفهم لماذا تفعل هذا فجأة…”
“لقد كنتُ أُراقبكِ.”
وقال الأستاذ كاريل شيئًا غير متوقع حقًا.
“كنتُ أُراقبكِ منذ أن كنتِ طالبةً جديدةً في امتحان المحاسبة الأساسي. لا تزال ورقة الامتحان على مكتبي.”
“ماذا؟ لماذا…؟”
تمتمت جوديث في نفسها: “لو كان ذلك امتحان المحاسبة الأساسي، لكان ذلك عندما كنتُ جاهلة تمامًا. لا بد أن إجابات ورقة الامتحان كانت غير دقيقة وفظة.”
احمرّ وجه جوديث من الخجل. فكرت: “لماذا كان يراقبني؟ لم تكن لدي أدنى فكرة.”
وكان ذلك لأن الأستاذ كاريل كان يعامل الجميع على قدم المساواة بغض النظر عن وضعهم. لقد تعامل مع الطلاب ذوي المكانة العالية، والطلاب ذوي المكانة المنخفضة والطلاب المتفوقين جميعًا بنفس الموقف الفاتر.
“بصراحة، اعتقدتُ أنكِ ستأتين إلى مختبري بشكل طبيعي بعد التخرج.”
“عفوًا؟”
“لقد أعددتُ لكِ مكانًا مسبقًا.”
وأشار الأستاذ كاريل بإصبعه إلى مكان معين.
كان هناك بالفعل مكان نظيف وفارغ. عندما رأته جودیث اندهشت.
“لكن تشيس كارداندي، ذلك الرجل…”
وتحدّث الأستاذ كاريل بصوت مليء بالاستياء، وكأن تشيس كان عدوه. لكن بعد ذلك تحدّث مرة أخرى بصوتٍ هادئ.
“دعينا نعقد اجتماعًا ثلاثيًا.”
انتشرت حقيقة أن الأستاذ كاريل كان يستكشف جوديث بسرعة كبيرة. حتى بدا الأمر كما لو أن شخصًا ما نشر الشائعة عمدًا.
وبينما كانت جوديث تسير في الممر المؤدي إلى الفصل الدراسي، كانت النظرات التي تلقتها تجعل خديها يلسعان.
فكرت جوديث: “لم أقل شيئًا، فمن الذي كان بإمكانه نشر الكلمة؟ هل من الممكن أن يكون الأستاذ كاريل؟”
يبدو أن هذا هو الجواب الوحيد الممكن لكن كان من الصعب تصديقه. كان من الصعب أن تخيل الأستاذ كاريل يتفاخر باستكشاف جوديث.
انتاب جوديث شعور مريب. فأبقت رأسها منخفضًا وسارت مسرعة في الردهة، لكن شعر جوديث الوردي كان ملفتًا للنظر.
وسرعان ما أصبح شعورها المشؤوم حقيقة…
“جوديث.”
اعترض أحدهم طريق جوديث. وعندما رفعت رأسها، وقفت طالبة ذو تعبير حاد عاقدةً ذراعيها، تنظر إليها. شابة ذات شعر بني، جوديث عرفتها جيدًا. كانت واحدة من الطالبات اللاتي أخذن دورة المحاسبة المُتقدمة معها. ويبدو أنها كانت واحدة من مجموعة الشابات التي طردتهن عندما كانت مع تشيس في ساحة التدريب. كان اسمها روديشا روجينا، وهي الثانية في صف المحاسبة.
حاولت جوديث ألّا تبدو خائفة ونظرت مباشرة إلى روديشا، وكأنها تسألها عما تريد.
ثم قامت روديشا، التي كانت تُحدّق في جوديث بعيون شرسة، بفك ذراعيها. اختفت النظرة الشرسة، وأمسكت روديشا بيد جوديث بيأس، قائلة.
“أنا آسفة، لقد تمَّ القبض عليّ مع هذا الدفتر من قبل الأستاذ كاريل.”
فكرت جوديث: “اليوم سمعتُ أشياء كثيرة غير متوقعة.”
وبينما كانت جوديث تفكر في ذلك، نظرت إلى روديشا.
فكرت جوديث: “الآن بعد أن نظرتُ عن كثب، كانت عيون روديشا البرتقالية التي اعتقدتُ أنها كانت تتألق بالحقد مليئة بالدموع. بدا الأمر كما لو أن نظراتها لم تكن شرسة بل كان ميل عينيها إلى الأعلى هو ما جعل الأمر يبدو كذلك.”
تحدثت روديشا بنبرة مليئة بالندم.
“كان يجب أن أكون أكثر حذرًا…. هل هذا هو السبب الذي جعل الأستاذ كاريل يتصل بكِ؟”
“هذا صحيح، ولكن…..”
“معذرةً، لكنني لم أذكر اسمكِ إطلاقًا، أتعلمين؟ لسبب ما، تعرّف الأستاذ على خط يدكِ.”
تمتمت جوديث في نفسها: “لقد كان الأمر محرجًا بعض الشيء، لكن روديشا لم تفعل أي شيء خاطئ في المقام الأول. لم تكن قد خالفت أي قواعد، بل تمَّ القبض عليها فقط مع دفتر ملاحظات يحتوي على أسئلة متوقعة. وربما بفضل ذلك الدفتر، حصلتُ على عرض لأكون أستاذة متدربة. وبطبيعة الحال، كان الأمر لا يزال يسبّب المشاكل بالنسبة لي.”
عزّت جوديث روديشا ذات العيون الدامعة.
“لا بأس، لا داعي للقلق بشأن ذلك.”
“حقًا؟”
“نعم، الأمر على ما يرام حقًا.”
ثم ابتسمت روديشا بمرح وكأنها لم تكن على وشك البكاء أبدًا.
“حسنًا، دعينا نتناول الغداء معًا، ما رأيكِ؟”
[حسنًا، إن لم تريه باستمرار، ستنسين حتى لو أردتِ رؤيته، فإن صبرتِ وعشتِ متجنبةً إياه قدر الإمكان، ستختفي المشاعر تلقائيًا.]
أخبرتها هانا كيف تنسى حبًا من طرف واحد، تجنُّب رؤيته قدر الإمكان. وللتدرب على ذلك، كانت جوديث مؤخرًا تنغلق في غرفتها أثناء الغداء، وتأكل الخبز المُعبّأ. كانت خائفة من مقابلة أسيل في كافتيريا الأكاديمية.
ولكن جوديث لم تتمكن من التخلص من روديشا، التي كانت تبتسم بمرح وتمد ذراعيها لها. وعلى النقيض من روديشا التي كانت تسير بخفة نحو الكافتيريا، كانت خطوات جوديث ثقيلة كما لو كانت مثقلة بأكياس الرمل.
لحسن الحظ، عندما وصلتا أخيرًا إلى الكافيتريا، لم يكن أسيل هناك. حاولت جوديث تجاهل الفراغ الغريب الذي شعرت به.
“جوديث، ماذا ستأكلين؟”
“سأذهب مع القائمة 1.”
كانت القائمة 1 مزيجًا بسيطًا من الخبز والحساء. خططت جوديث لتناول الطعام بسرعة والمغادرة تحسبًا لأي طارئ. قرّرت روديشا أيضًا تناول طعام خفيف في الغداء واختارت القائمة 1.
وبما أن وقت التحضير كان قصيرًا، فقد أخذت روديشا وجوديث أطباقهما بسرعة وجلستا. وبطبيعة الحال، اختارتا المكان الأكثر عزلة.
نظرت روديشا إلى جوديث، التي اختارت عمداً زاوية للجلوس فيها، في حيرة بعض الشيء، لكنها جلست دون أن تسأل عن السبب.
فكرت جوديث: “هنا، حتى لو جاء أسيل إلى الكافيتريا، فلن يجدني.”
وبينما كانت جوديث تبتسم رضى في أعماقها، جلس أحدهم بجانب جوديث، كان الأمر طبيعيًا جدًا. ففزعت ونظرت فرأت شعرًا فضيًا نقيًا بدون ذرة غبار. ولم يكن سوى خطيبها تشيس.
فكرت جوديث بارتياح: “متى وصل هنا؟ على الأقل لم يكن أسيل.”
“من هذه؟”
أشار تشيس، الذي كان يجلس بجانب جوديث، إلى روديشا وسألها بلا مبالاة.
صُدمَت جوديث من لامبالاة تشيس.
“صديقة جئتُ لتناول الغداء معها، من ستكون غيرها؟ ألَا ينبغي أن تكون روديشا هي من تسألني هذا السؤال؟”
“لماذا؟ هي مجرد صديقة، لكنني خطيبكِ.”
لم يذكر تشيس هذه الخطوبة إلّا عندما كان ذلك يناسبه.
♣ ملاحظة المترجمة: هذه من الروايات اللطيفة، أحداثها جميلة وواقعية…
الأستاذ كاريل سيكون بمقام والد جوديث وسيدعمها في زواجها وعملها، وسوف نرى كيف ستفهم جوديث محنتها وذاتها وكيف يؤثر ذلك على خطوبتها من تشيس وزواجها وحياتها معه، وسوف نرى ظروف تشيس ووضعه وكيف سيصنع مستقبله بيده بعيدًا عن أي قيد وإطار…
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"