1
“أسيل فيدليان هو رجل قاسٍ.”
حتى لو لم يعتقد الجميع ذلك، فإن جوديث تُقيّم أسيل على هذا الأساس. لأنه ليس لديه قلب قاسٍ، فهو أكثر قسوة. لذلك قرّرت جوديث قطع علاقتها بأسيل. لقد سئمَت من الأمل وحيدةً والتعرّض للأذى وحيدةً.
ورغم أنها عبرت عن ذلك بالقطع، إلّا أنه في الحقيقة لم يكن كذلك حتى.
منذ البداية، لم يجد أسيل الأمر صعبًا مهما كانت المشاعر التي تحملها جوديث تجاهه. ومع ذلك، كان هذا شعورًا عزيزًا عليها وحدها.
قلب بسيط وحزين دفنته عميقاً في صدرها خوفاً من الانتقاد، وكتبت رسائل لا تستطيع توصيلها أبداً لتُذيب قلبها. على أي حال، لقد حان الوقت حقا لقطع ذلك.
لعبت جوديث بكوب الشاي في يدها قبل أن تفتح شفتيها. ربما لأن التدريب الذي قامت به عدة مرّات في الليلة السابقة ساعدها، كانت الكلمات التي خرجت أنيقة وبدون إفراط.
“أُفكر في الخطوبة حتى أتمكن من الزواج مباشرة بعد التخرج من الأكاديمية.”
كان هذا كل ما كانت تستعد لقوله، الآن حان وقت انتظار رد الفعل. نظرت جوديث إلى السماء.
يونيو، الموسم الذي كان كل شيء فيه أخضرًا ومليئًا بالحيوية. فجأة أدركت أن التخرج من الأكاديمية لم يكن بعيدًا بالفعل. في غضون أشهر قليلة، عندما يبدأ الثلج الأبيض بالتساقط من السماء ستتخرج من الأكاديمية. ثم سينتهي هذا اللقاء والتحدث مع أسيل، سينقطع الاتصال الوحيد بين جوديث وأسيل.
كان أسيل الوريث الوحيد لدوقية فيديليان. بعد تخرّجه من الأكاديمية، بدأ الاستعدادات لخلافة الدوقية رسميًا. كانت جوديث ستتزوج من رجلٍ ما وتترك جانبه. وهكذا، فإن كل واحد منهما سوف يسير في طريقه المنفصل.
لقد كان مستقبلًا خاليًا من المفاجآت، وربما تمّ تحديده منذ زمن طويل.
حتى ذلك الحين، التزم أسيل الصمت. كان ردّه أبطأ من المتوقع.
وفي خضم الصمت المتواصل، حوّلت جودیث نظرها لتنظر إلى أسيل.
أسيل فيدليان، الذي تحوّل تمامًا من صبي إلى رجل.
حرّکت جودیث نظرها بشكل متسلسل.
تحولت خدوده البيضاء التي كانت تحتوي على دهون الأطفال، إلى خط فك حاد. جبهة أنيقة، وجسر أنف مرتفع وكأنه منحوت، وعيون عميقة. بدت عيونه الزرقاء الرمادية تحت الرموش الطويلة كبحر هادئ. بدت عيونه باردة وقارسة، لكن كان هناك دفء في داخلها. على زيه المدرسي الأنيق، كان دبوس رئيس مجلس الطلبة يتألق، مما يناسبه بشكل جيد.
وبعد لحظة، فتح أسيل عينيه على مصراعيها كما لو أنه سمع شيئًا غير متوقع.
“مع من؟”
“حسنًا.”
أدركت جوديث نظرة أسيل الواضحة التي ارتسمت على خدها، لكنها حرّكت عينيها لتتجنب نظراته.
احنت جوديث رأسها بعمق ولم تفعل شيئًا سوى العبث بمقبض كوب الشاي. لم يعد هناك أي إحساس بالدفء من الشاي الأسود، الذي كان يتصاعد منه البخار الدافئ في البداية.
“ليس الأمر وكأن رأيي مهم.”
يتيمة من عائلة نبيلة ساقطة ستتخرج كالأولى الأكاديمية. لحسن الحظ أم لا، كانت قيمة جوديث في سوق الزواج عالية جدًا. وكانت جوديث تدرك قيمتها جيدًا. في الواقع، مع اقتراب موعد التخرج، أرسلت بعض الجهات رسائل إلى جوديث كانت معظمها عائلات نبيلة غنية ماديًا، لكنها تفتقر إلى الشرف. ظنوا أنها يمكن أن تنجب وريئًا جيدًا لأنها كانت ذكية جدًا ويمكن التعامل معها بسهولة حيث لم يكن لديها أي دعم عائلي. كان بإمكانهم إحضارها دون أي عملية معقدة إذا أعطوها فقط بعض المال. عرفت جوديث أنها كانت تُعامل كأداة لإنجاب وريث ذكي، لكنها لم تهتم. كما اعتبرت الخطوبة والزواج بمثابة نوع من الأدوات. لم تكن حمقاء بما يكفي لتتوقع الحب من زواج مُرتب منذ البداية.
السبب الذي جعل جوديث تُقرر الزواج بعد تخرجها من الأكاديمية كان بسيطًا. ذات يوم، تلقت رسالة من الدوقة فيدليان، والدة أسيل. وتضمّنت الرسالة اقتراحًا تسألها إذا كان لديها أي خطط للمستقبل بعد التخرج وأنها يمكن أن تُزوّجها برجل من عائلة جيدة إذا أرادت. ورغم أن هذا الكلام يبدو وكأنه من أجل مصلحتها، إلّا أن جوديث شعرت بضغط غير معلن وراءه، يشير إلى أن الدوقة فيدليان لن تقف مكتوفة الأيدي وتشاهد شابين في سن الزواج يستمران في البقاء معًا.
إكراه متخفي في صورة توصية… لكن جوديث لم تر الأمر سيئًا. لقد سئمَت من وضعها، كونها مرتبطة بأسيل كراعٍ ومكفولة. وبما أن عائلة فيدليان هي التي رعتها لحضور الأكاديمية، فقد قرّرت جوديث رد الجميل لهم والانفصال عن أسيل.
إن بقائها بجانبه لن يؤدي إلّا إلى استمرار معاناتها وحدها.
“جوديث.”
كان صوت أسيل حازمًا وقاسيًا، ولكن وراء هذا الحزم، كان هناك بالتأكيد قلق مختلط.
ولأنها كانت مع أسيل لفترة طويلة، لم يكن بوسع جوديث إلّا أن تعرف ذلك.
“لماذا لا يكون رأيكِ مهمًا؟”
جوديث لم يعجبها ذلك. أثر من الدفء والقلق. جعل الناس يخطئون الفهم ويتوقعون أشياء. وفي هذا الصدد، لم يكن أمام جوديث خيار سوى تقييم أسيل كرجل قاسٍ.
“لماذا لا يكون رأيكِ مهمًا، هل يجبركِ أحد على الزواج؟”
رفعت جوديث رأسها بدافع انعكاسي حاولت جاهدة ألّا تلتقي نظراته، لكنها كانت قوة لا تقاوم. كان أسيل ينظر إليها بعينين هادئتين. كانت عيناه الزرقاوان الرماديتان كبحيرة هادئة بلا تموج.
لقد فقدت جوديث نفسها في عينيه لبرهة قبل أن تستعيد وعيها. تمتمت في نفسها: “هل يجبرني أحد؟ لو عرفتَ من هو، فلن تستطيع أن تسأل مثل هذا السؤال البريء.”
لقد عرفت جوديث منذ فترة طويلة أن رأيها لا يهم. بغض النظر عن مدى جهدها، كان هناك الكثير من الأشياء في العالم التي لا يمكن تغييرها. منذ وفاة والدها، أدركت كل ذلك بألم.
تمتمت جوديث في نفسها: “لو كان رأيي، كما قال، مهمًا بما يكفي للتحكم في حياتي، لما كنتُ قد بدأتُ قصة حب أحمق وغير مُجزي من طرف واحد في المقام الأول.”
توقفت جوديث عن التفكير، وأمسكت بحافة تنورتها ثم تركتها كما لو كانت تحاول كبح شيء ما. انبعث صوتها حادًا كأنه مليء بالأشواك.
“الأمر ليس كذلك، فلا تقلق.”
“ولكن لماذا فجأة….”
قاطعت جوديث كلام أسيل وتحدثت.
“ثم أنتَ…”
لكن جوديث توقفت عن الكلام، مما جعل مقاطعتها بلا معنى.
أمال أسيل رأسه قليلاً كما لو كان فضوليًا بشأن ما ستقوله بعد ذلك.
عضت جوديث شفتيها بصمت، شعرت بشفتيها وكأنهما على وشك النزيف. لم يكن هناك سوى شيء واحد أرادت أن تسأله عنه: إذًا هل خطوبتكَ هي حقًا بإرادتكَ الخاصة؟
وبطبيعة الحال، فإن الإجابة على هذا السؤال كانت مُحددة مسبقًا.
حتى من دون أن تسأل، بدا أسيل سعيدًا مع خطيبته. ليانا جرنياس، شابة جميلة من عائلة دوقية نبيلة تناسب أسيل تمامًا.
وبما أن جوديث لم تكن لديها هواية شراء الألم، ابتلعت السؤال ووقفت شعرت بنظرة أسيل الزرقاء تلاحقها بنشاط وهي تحزم حقيبتها. لكن جوديث لم تتوقف عن ترتيب أغراضها.
دفترها الصغير وقلم الحبر الذي تلقّته هدية عيد ميلادها جمعت كل أغراضها المتناثرة على الطاولة واستدارت.
“آسفة، أنا متعبة قليلاً، لذلك سأغادر أولاً.”
لكن أسيل وقف فجأة وأمسك بذراع جوديث بعناية.
“انتظري، جوديث.”
لمسة لطيفة يمكنها التخلص منها بسهولة إذا أرادت ذلك. لكن جوديث تجمدت وكأنها تحولت إلى حجر منذ اللحظة التي امسكها فيها أسيل. كان ذلك بسبب أن حرارة جسم أسيل كانت محسوسة بوضوح من خلال الملابس. كان قلبها ينبض بقوة وكأنه قد تحطم.
“انظري إليّ للحظة.”
سحب أسيل ذراعها برفق وأدارها. أمام عيني جوديث، كان قميصه أبيضًا أنيقًا خاليًا من أي غبار. انحنى أسيل فجأة. ارتعش شعره الأسود للحظة. انتشرت رائحة صابون منعشة تذكرها بالغابة، وسرعان ما امتلأت عيناه بضوء لطيف، وحدّق باهتمام في جوديث من مسافة قريبة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"