“لقد ربيتكَ تربيةً خاطئة. مهما كنتَ ابن الإمبراطورة، لم يكن يجب أن أضعكَ في ذلك المنصب وأنت لا تملك الكفاءة. كان يجب أن أمنع ذلك بأي وسيلةٍ ممكنة……”
تذكر جنازة شقيقه قبل سنوات طويلة.
في ذلك اليوم، وبينما كان الجميع غارقين في الحزن على وفاة البطل المحبوب، تذكر نظرات الاحتقار التي صبّها عليه والده في ذلك المكان الذي لم يكن فيه سواهما.
في تلك اللحظة، شعر بأن قلبه سقط من مكانه.
كيف علم؟
كيف علم؟
كيف علم؟
تحولت أفكاره إلى بياضٍ كامل. و لم يستطع قول شيء، وظل ماركوس واقفًا في مكانه دون حراك.
ثم جاءه صوت التوبيخ البارد كالسيف،
“لن أسمح أبدًا بأن تسير الأمور كما تريد. سأمنع ذلك مهما كلف الأمر!”
و ما تلا ذلك لا يتذكره جيدًا. فبعد وقت قصير من جنازة الدوق تشيلستون، أقيمت جنازة أخرى في القصر الإمبراطوري. كانت جنازة الإمبراطور نفسه، لا أحد غيره.
و السبب، هجومٌ من الوحوش.
استفاق ماركوس فجأةً من شروده في ذكريات الماضي، وهزّ رأسه بقوة. فلم يكن من المجدي أن ينبش ذنوبه.
“يبدو أنني لن أستطيع تلبية طلبكَ الليلة، يا كونت. عُد أدراجك الآن، وسنتحدث في وقتٍ لاحق.”
لوّح ماركوس بيده بخفة. و كانت إشارةً واضحة بالطرد.
لكن بروتور لم يتحرك. و كان فقط يحدّق في ماركوس بصمت.
“يبدو أنكَ واقعٌ في وهم ما، يا جلالة الإمبراطور.”
خرج صوته منخفضاً من بين شفتيه، لكن لم يكن هادئًا على الإطلاق.
ارتجف جسد ماركوس لا إراديًا. و يده التي كانت تمسك بمسند المقعد بدأت ترتجف كما لو أنها غصن شجرة يرتعد في مهب الريح.
كان سخرية بروتور توشك أن تخترق جسده. و شعورٌ لا يمكن تفسيره من الخوف بدأ يتسلل تدريجيًا إلى كيانه.
“لقد منحتني لقب كونتٍ بطريقة لا تثير الشبهات، وسمحت لي بأن أتصرف كأحد أتباعكَ،
لكن يبدو أنك صدّقت فعلًا أننا مجرد ملكٍ وخادمه.”
“…….”
“إن واصلت هذا الأسلوب، فلن أتمكن من مواصلة التمثيل. قبل عشر سنوات، ألم تقل أنكَ ستفعل أي شيء أقوله مقابل تحقيق أمنيتكَ؟ أليس كذلك؟”
“ذلـ، ذلك……”
بات ماركوس على وشك فقدان وعيه. فقد كان الألم في عظمة الترقوة أشبه بنار تلتهم صدره.
لكن آلام ماركوس لم تكن تعني شيئًا لبروتور.
تابع بروتور ببرود وأضاف كلماتٍ أكثر قسوة.
“أجبني، ماركوس دي لوكولين.”
“نـ-نعم!”
قفز ماركوس من مكانه واقفًا. ثم أسرع يركض ليتوقف أمام بروتور.
و جثا على ركبتيه بسرعة، مطأطئًا رأسه أمامه. تمامًا كما فعل قبل عشر سنوات، حين التقاه لأول مرة.
عندها فقط بدا أن غضب بروتور قد هدأ قليلًا. و طاقته، التي كانت تثقل الأجواء، خفّت بعض الشيء.
فوضع ماركوس يده لا إراديًا على عظمة ترقوته اليسرى، يلمسها بخفة.
“دع الوحوش تعيث فسادًا قدر ما تستطيع. ليصل الجنون إلى هاوارد تشيلستون نفسه.”
“…….”
“لأنني الليلة، أريد أن أستعيد كل ما فقدته وأنا أساعدكَ.”
ربما كان هذا المصير محتومًا منذ البداية. منذ اللحظة التي استعان فيها بقوة هذا الرجل.
“……سأفعل.”
أجاب ماركوس بصوت مرتجف. و كان كل ما يتمناه هو أن يختفي هذا الرجل من أمامه بأسرع وقت.
“يا مولاي ملك الشياطين.”
***
بقيتُ في المعبد لبعض الوقت قبل أن أعود إلى قصر الدوق.
وعند عودتي، لم يكن الفرسان الذين رافقوني إلى المعبد فقط من عادوا معي، بل انضم إليهم فرسانٌ آخرون أيضًا.
يبدو أن هاوارد أرسل رسالةً مسبقًا إلى قصر الدوق أثناء وجودي في المعبد. وعندما استعدت وعيي بالأمر، وجدت نفسي محاطةً بالفرسان الذين رافقوني إلى المعبد، بالإضافة إلى فرسان آخرين قدموا لتوهم من قصر الدوق.
على ما يبدو، لم يكن يكذب عندما قال لفرسان عائلة الدوق أن يركزوا على حمايتي، إذ كان عددهم كبيرًا فعلًا.
كان الموكب خلف العربة التي أركبها طويلًا جدًا، لدرجة أننا اضطررنا إلى طلب السماح من المارة كي نتمكن من المرور.
وبفضل ذلك، شعرت كما لو أنني أشارك في عرض احتفالي، وهو شعورٌ محرج للغاية.
لكن، لم يكن الأمر بعيدًا عن الحقيقة تمامًا. ففي طريق العودة، انهالت عليّ نظرات الناس، وبعض الأطفال الذين مررنا بجانبهم ظنوا أنها مناسبةٌ احتفالية ولوّحوا لي بأيديهم.
“……كان الأمر محرجًا جدًا.”
قلت ذلك وأنا أترجّل من العربة، مكتفيةً بإسقاط كتفيّ خجلًا.
عندها، أحد الفرسان الذين كانوا يراقبونني نزل من على جواده وأطلق ضحكةً صاخبة.
“هاهاها، أجل، ربما كان عددنا كبيرًا قليلًا.”
“نعم، كثيرًا جدًا.”
“لكن لا تلومي الدوق على ذلك، رجاءً. لقد فعل كل هذا لأنه قلقٌ عليكِ يا آنسة.”
“أنا أعلم ذلك، لكنني فقط أشعر بالذنب. فالجميع مشغولون، ولا أريد أن أكون سببًا في هذا العناء……”
عند كلامي هذا، هزّ الفرسان رؤوسهم جميعًا دون تردد.
“لا يمكن تسميته عناءً. إن لم نستطع حماية آنسةٍ واحدة بهذا العدد من الفرسان، فلن نستحق شرف حمل هذا الدرع.”
“صحيحٌ تمامًا، فلستِ أي فتاة……أنتِ حبيبة الدوق! لا بد أن نحميكِ مهما حصل. ثم إنني سمعت كل شيء، قيل أن من يستهدف آنستَنا قد يكون من الهراطقة، أليس كذلك؟ يجب أن نمسك بتلك الحثالة ونكشف جرائمه! لم يجرؤ على مهاجمة القائد، فاستهدف بدلًا من ذلك حبيبته الضعيفة والبريئة. كم هو جبانٌ ووحشي!”
“صحيحٌ أننا لا نملك أدلةً مؤكدة بعد، لذا لا يمكن لفرقة الفرسان المقدسين أن تتدخل رسميًا، لكن لا تقلقي. قد لا نكون بعددهم، لكننا نمتلك القوة المقدسة أيضًا. ومع هذا العدد الكبير، يمكننا الإمساك بأي هرطقي بسهولة.”
“هاها، نعم……”
إذًا هكذا تم تفسير الأمر.
في الحقيقة، لا يوجد سببٌ آخر منطقي يجعل بروتور يستهدفني بهذا الشكل. فمصطلحات مثل “الشخصية الأصلية” أو “الشخصية البديلة” لن تقنع الفرسان أبدًا. فهم لن يصدقوا، بل في الحقيقة، لن يستطيعوا حتى استيعاب معنى ذلك.
شعرت بشيءٍ غريب في داخلي، فابتسمت ابتسامةً محرجة. حينها، خرجت إحدى الخادمات من داخل القصر واقتربت مني.
“آنستي، ماذا تحبين أن تأكلي على العشاء؟”
عند سماعها، أدركت للتو أن السماء بدأت تظلم.
لقد أصبحت هذه الأيام مشوشةً جدًا لدرجة أنني إن لم يُذكرني أحد، أنسى تناول الطعام تمامًا.
فكرت لوهلة، ثم تحدثت الى الخادمة،
“سأتناول الطعام في غرفتي.”
ثم ودّعت الفرسان قائلةً أننا سنلتقي لاحقًا، واتجهت إلى غرفتي.
وبعد فترةٍ قصيرة، وصلت وجبةٌ دافئة إلى غرفتي.
كما هو متوقّع، طعام دوقية تشيلستون كان لذيذًا جدًا وقد أنهيت الوجبة المحضّرة وأنا أفكر بذلك ثم أخذت قسطًا من الراحة.
……هاه؟
حين استعدت وعيي وجدت نفسي على السرير. ولم يكن ذلك فحسب، بل إن السماء خارج النافذة كانت قد أظلمت تمامًا.
على الأقل يبدو أن وقت انتهاء عمل هاوارد قد مضى.
مـا……ما الذي يحدث؟ لم أتذكر أنني نمت؟
من الممكن أنني غفوت للحظة، لكن أن أكون قد صعدت إلى السرير وخلدت للنوم بهذه الطريقة؟
هل يمكن أنني صعدت إلى السرير أثناء النوم دون أن أشعر؟
هذا أمرٌ يصعب تصديقه، لكن ما حدث قد حدث ولا مجال لتغييره.
بدلًا من التفكير في الماضي، نهضت من السرير بهدوء. وعندما تحققت من الوقت، كما توقعت، كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة بكثير.
وهذا يعني أن الوقت الذي يعود فيه هاوارد قد مضى أيضًا.
كان من عادته أن يأتي إليّ مباشرة فور عودته. هل يعقل أنه خرج مرة أخرى لأنني لم أستيقظ؟
أو ربما يتحدث مع الفرسان بشأن الأوضاع القادمة.
وضعت عدة احتمالاتٍ وفتحت الباب وخرجت من الغرفة. ولأن الوقت كان متأخرًا في الليل، كان الممر مظلمًا إلى حد ما. ويبدو أنني سأحتاج إلى مصباح.
أخذت المصباح من الغرفة وبدأت أمشي وأنا أضيء الطريق يمينًا ويسارًا، لكن شعورًا غريبًا بدأ يتسلل إليّ.
‘هذا الهدوء……غريبٌ جدًا.’
رغم أن الوقت كان متأخرًا من الليل، إلا أن الصمت التام بهذا الشكل كان يبعث على الريبة. وفوق ذلك، رغم أنني واصلت المشي، إلا أن الممر بقي خاليًا تمامًا.
في الظروف العادية، كان من المفترض أن ألتقي ببعض الخادمات في هذا الوقت.
‘ما الذي يحدث، بحقّ؟’
تقدّمت بخطوات يملؤها التوتر دون أن أشعر. ثم بدأت خطواتي تتسارع شيئًا فشيئًا. و شعرت أنني لن أرتاح حتى أجد هاوَارد بسرعة.
أول مكانٍ تبادر إلى ذهني كان البهو في الطابق الأول. و خطر لي أنه من الممكن أن أجد أيّ أحد هناك.
وكما توقّعت، وبينما كنت أنزل إلى الطابق الأول، سمعت صوتًا قادمًا من الأسفل.
كانت هذه أول مرة أشعر فيها بوجود شخص ما منذ استيقاظي، فتنهّدت براحة ونزلت الدرج بسرعة.
لكن اتضح أن ذلك كان قرارًا خاطئًا. فما إن وصلت إلى منتصف السلّم، حتى التقطت أنفي رائحةً غريبة معدنية كريهة.
نظرت إلى أسفل السلّم، ثم رفعت رأسي، لألتقي بعينين تنظران إليّ مباشرة. بلون أخضر زاهٍ مألوف جدًا.
“آنستي، اهـ، اهربي……”
قال الفارس ذلك، الذي كان ينظر إليّ، قبل أن يسقط أرضًا فجأة.
لكنني لم أستطع النظر إليه بعد ذلك. لأنه بين الأجساد الكثيرة الملقاة على الأرض، كان هناك رجل واحد فقط واقفٌ بكل ثبات.
“كنت أنوي أن أنهي كل شيء ثم آتي لآخذكِ، لكنكِ استيقظتِ بالفعل.”
ابتسم بروتور ابتسامةً خفيفة. و كانت ابتسامةً لطيفة، لكنّ ذلك بالذات هو ما جعل القشعريرة تسري في جسدي.
يدي بدأت ترتجف من شدة الخوف، وشعرت أنني إن لم أتمسك بالمصباح جيدًا فسيسقط من يدي.
“هـ……هاوارد……”
تمتمت بخفة، باحثةً عن أول شخصٍ خطر ببالي بشكل غريزي. لكن قبل أن أتمكن حتى من النظر حولي، كان بروتور قد اقترب مني بالفعل.
و دون أن أدري، بدأت أتراجع إلى الخلف، لكنه أمسك بمعصمي وهمس بصوت خافت،
“جئتُ لأخذكِ، ريكا.”
كانت تلك آخر جملة سمعتها.
شعرت بشيءٍ بارد ومخيف يسري في داخلي، وبدأت جفوني تنغلق ببطء. ثم أحسست بجسدي يفقد توازنه، وكان بروتور هو من تلقّاني بين ذراعيه.
أغمضت عيني في النهاية. وغرق كل شيءٍ في ظلام دامس.
_____________________
ملك شياطين ومهووس ببشريه هيا خذلك
ياحمار يازفت ياكريه هاوارد مخليها في القصر عشان محد يقربها تروح لها لييييه؟ على الاقل سو شي قل يابنت تراني ملك شياطين عشان تكرهك زود
وجععععععع
وهاوارد ياعمري عليه بينفجع😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 99"