ما هذا كله؟ هل أرى ما أراه الآن حقيقي؟
ظلت عيناي متسعتين وأنا أحدق في المكان من حولي.ووفمي ما زال مفتوحًا دون أن أستطيع إغلاقه.
في داخل مكتب هاوارد، كانت هناك أكوامٌ من الأوراق المجهولة مكدسة بارتفاعٍ شاهق. و لم يكن الأمر مبالغة، فقد كانت مكدسةً من سطح المكتب حتى تكاد تلامس السقف.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن الأرضية كانت مغطاةً بالأوراق بالكامل أيضًا. و لم أكن أعرف حتى أين أضع قدمي لأدخل.
‘كنت أظن أن مثل هذا المشهد لا يظهر إلا في ألعاب الفيديو.’
كنت قد رأيت بعينيّ سابقًا كم كان مكتب هاوارد نظيفًا ومرتبًا، ولهذا بدا ما أراه الآن أكثر من صادم.
تنهدت دون أن أشعر، فالتفت إليّ فيليب بنظرة تقول: “هل فهمت الآن ما كنت أعانيه؟”
وفي تلك اللحظة، بدا أن هاوارد قد لاحظ وجود أشخاصٍ آخرين في المكتب إلى جانبه. فأطلّ برأسه من بين أكوام الأوراق العالية.
“……ريكا؟”
اتسعت عيناه الحمراوان بدهشة. ثم وقف فجأةً من مكانه واقترب نحوي. فابتسمتُ وأنا ألوّح لفيليب الذي كان يغادر وهو راضٍ، ثم دخلت تمامًا إلى داخل المكتب.
اقتربت من هاوارد خطوةً خطوة، حذرة كي لا أدوس على الأوراق. لكنني فقدت توازني في النهاية، فمدّ يده بسرعة وأمسكني.
ثم جذبني إلى حضنه الواسع واحتواني.
“عليكِ أن تكوني حذرة.”
“آه، أنا آسفة.”
“لا داعي لأن تعتذري، هذا تقصيرٌ مني لأني لم أرتّب المكان.”
هل يمكن……ترتيب هذا فعلاً؟
نظرت إلى الأوراق التي تملأ المكتب وتنهدت. مجرد التفكير بأن هاوارد كان يطّلع على كل هذا بنفسه جعل الرؤية تظلم في عينيّ.
‘لا عجب أنه لا يستطيع العودة إلى قصر الدوق.’
وكأنه قرأ أفكاري، ابتعد هاوارد عني قليلًا وابتسم ابتسامةً محرجة. و كان وجهه يبدو أكثر إنهاكًا من البارحة، فشعرت بألم في قلبي.
مددت يدي وعانقته من خصره بقوة. وسرعان ما شعرت بلمسة دافئة ولطيفة تنزل على رأسي.
“لكن، كيف جئتِ إلى هنا يا ريكا؟”
“آه، أحضرت الأشياء التي طلبتها.”
أشرت إلى الأغراض التي وضعتها قرب الباب.
كنت قد أنزلتها لا شعوريًا قبل قليل عندما صُدمت بكمية الأوراق، ويبدو أنه لم يتوقع أن آتي بها بنفسي، فبدت ملامحه محرجة.
“لم يكن عليكِ أن تأتي بنفسكِ.”
“أنا من أرادت المجيء. كنت قلقةً عليكَ، وأيضًا……”
ظللت أعانق هاوارد ورفعت عقبيّ. ثم قبّلته قبلةً خفيفة.
تلامست شفاهنا للحظة قصيرة ثم انفصلت.
“لأني اشتقت إليكَ.”
“…….”
“كثيرًا جدًا.”
ابتسمت ابتسامةً خجولة، و كأن هاوارد أراد أن يرد لي ما منحته، فانحنى وقبّلني أيضاً.
كانت قبلةً خفيفة، كمن ينقر بمنقاره مثل عصفور صغير.
ولم أتمالك نفسي من الضحك الخافت، فمد هاوارد يديه ليحملني، واحدةً خلف خصري والأخرى خلف ركبتيّ، ثم أجلسني على طرف أريكةٍ لم تكن مغطاةً بالأوراق.
ركع على ركبة واحدة أمامي، ونظر إليّ من أسفل.
كان لا يبتسم على غير عادته، مما جعلني أشعر بالغرابة وهممت أن أسأله عن السبب، لكنه سبقني.
“ريكا، هل حدث شيءٌ ما؟”
بمجرد أن سمعت صوته الهادئ، عرفت على الفور.
رغم أن سؤاله بدا وكأنه يبحث عن إجابة، إلا أنني كنت واثقة بأنه لا يسأل لأنه يجهل. بل هو متيقن. و متأكدٌ من أن شيئًا ما حدث لي أثناء غيابه.
فعجزت عن النطق، وتوقفت الكلمات في حلقي.
رغم أنني حاولت قدر الإمكان ألا أظهر شيئًا، يبدو أنه كان واضحًا تمامًا.
ترددت للحظة ثم تنهدت بهدوء. فقد بدا أنه لا يمكنني إبقاء الأمر سرًا تمامًا.
“في الحقيقة……الأمر هو……”
سردت له باختصار ما حدث اليوم مع بروتور. و تجنبت ذكر أي شيءٍ يتعلق بالنوكس، وركّزت فقط على أن بروتور الذي يحاول القيام بشيءٍ ما.
لم أرغب في تحميل هاوارد، الذي يعاني بالفعل من ضغطٍ كبير، عبئًا إضافيًا. كما أن الفترة الزمنية التي منحتها لنفسي لم تنتهِ بعد.
بسبب ذلك، بدا بروتور وكأنه مجنونٌ يحاول فجأة فعل شيء لمجرد أن يكون معي، دون أي سبب واضح، لكن لم أكن مهتمةً بذلك. فهو لم يكن عاقلًا في الأساس، أليس كذلك؟
حين أنهيت حديثي، بدا وجه هاوارد جادًا للغاية. ثأمسك بيدي برفق.
“ريكا، من الآن فصاعدًا لا تأتي إلى المعبد.”
“أنت قلقٌ من أن يحدث لي شيء في الطريق؟ لا تقلق، لقد رافقني الفرسان حتى اليوم……”
“حتى لو رافقكِ الفرسان، لا يجوز الذهاب إلى المعبد.”
قاطعني هاوارد بحزم. فانقبضت حاجباي دون وعي. لأن كلماته أوحت وكأن المعبد أكثر خطرًا من أي مكان آخر.
“ولماذا؟ أين يمكن أن يكون مكانٌ أكثر أمانًا من المعبد؟ هناك عددٌ كبير من فرسان الهيكل هنا.”
“المعبد لا يضم فقط فرسان الهيكل فقط، بل هناك عددٌ لا يُحصى من الكهنة أيضًا.”
أخذ هاوارد نفسًا قصيرًا. وشدّ قبضته قليلًا على يدي.
“المعبد هو ثاني أكثر الأماكن التي تسيطر عليها السلطة الإمبراطورية بعد القصر نفسه. وأنتِ تعلمين ذلك. كبير الكهنة، الذي يرأس المعبد، يخضع لأوامر جلالة الإمبراطور. وبروتور إيتينتيا من أبرز المؤيدين للإمبراطور.”
“….…”
“هذا يعني أن بروتور إيتينتيا يستطيع، إن أراد، الوصول إلى أي شخصٍ داخل المعبد.”
“هل……هل يستطيع بروتور فعل شيءٍ كهذا؟ كل ما قلته الآن لا يمكن أن يحدث دون إذن من الإمبراطور. حتى لو كانت له قوةٌ كبيرة، لا أظنه يستطيع أن يتحكم في جلالته كما يشاء.”
“وماذا لو كان يستطيع؟”
“ماذا؟”
عبستُ أكثر عند سماع ردّه.
أنا أعلم أن بروتور إيتينتيا ليس شخصًا يمكن الاستهانة به، لكن……أليس هاوارد يبالغ كثيرًا؟
هل من الممكن أنه منهكٌ لدرجة أنه لم يعد قادراً على الحكم بشكل سليم……؟
بدأت تراودني أفكارٌ عديدة، لكن هاوارد، الذي كان يحدق بي بصمت، فتح فمه أخيرًا وتكلم ببطء.
“ريكا.”
وكان ما قاله بعدها صادمًا.
“أنا أعتقد أن بروتور إيتينتيا من الهراطقة. ومن النوع العالي المستوى……الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بملك الشياطين.”
دُقّ-
هبط قلبي بعنف.
لأنني أعلم تمامًا كي يُنظر إلى “الهراطقة” في هذا العالم ككائنات مقيتة ومثيرة للريبة، وخاصة عند هاوارد تشيلستون.
“في كل مرة كنتِ تلتقين فيها ببروتور إيتينتيا، كانت الوحوش تظهر بشكلٍ جماعي. هو لا يحاول أخذكِ فقط لأنه يريد أن يكون برفقتكِ. بروتور يخفي شيئًا بلا شك.”
“ما الذي……تقصده؟”
كل مرة ألتقي فيها ببروتور كانت الوحوش تهاجم؟
بدأ ذهني يعيد شريط الماضي بسرعة. وكان ما قاله هاوارد صحيحًا.
لم يخطر ببالي من قبل، لكن بالفعل، في كل مرة كنت ألتقي فيها ببروتور، كانت هناك هجماتٌ من الوحوش.
سواءً في أوفيلين، أو في آنِيما.
وإن لم يكن هذا مجرد صدفة، وإن كان هناك علاقة مباشرة……فحتى اليوم، عندما التقيت به في الطريق……
وبينما كانت هذه الأفكار تتزاحم في رأسي، سُمع فجأةً طرقٌ عاجل على باب المكتب. ولم يكن الطارق سوى فيليب.
“سيدي القائد!”
دخل بوجهٍ متوتر بخلاف ما بدا عليه قبل قليل، ثم التقط أنفاسه وبدأ يقدّم تقريره لهاوارد.
“قبل قليل، وقعت هجمةٌ من الوحوش في أوفيلين. و بما أنها كانت في منطقةً نائية، ولم تقع إصابات بشرية، تأخرنا في رصدها. يبدو أنها انسحبت لسببٍ غير معروف، هل نبدأ بتعقب الآثار هذه المرة أيضًا؟”
تجمدت ملامح هاوارد تمامًا. وبمجرد أن رأيت وجهه، عاد قلبي الذي هدأ عند دخولي المكتب ينبض بعنف من جديد.
بدأت يداي ترتجفان كأوراق الشجر. ولعله شعر بحالي، فربت هاوارد على يدي ثم التفت إلى فيليب،
“افعل ذلك. تأكد من فحص كل شيء بدقة، فقد تكون هناك أمورٌ أخرى خفية.”
“نعم، مفهوم.”
غادر فيليب لتنفيذ الأوامر بعد أن أنهى حديثه. ثم عاد هاوارد ينظر إليّ وأكمل حديثه.
“الأمر المريب لا يتوقف عند هذا الحد. كما قلت سابقًا، التوسع المفاجئ لنفوذه واقترابه الشديد من جلالة الإمبراطور أمرٌ غير طبيعي. الإمبراطور لا يثق بأي أحدٍ بسهولة. وأنا أعرف ذلك أكثر من أي شخص آخر.”
“…….”
“لكن إن كان بروتور إيتينتيا هرطقياً، فالأمر يصبح مختلفًا تمامًا.”
“هل تعتقد أن جلالة الإمبراطور خاضعٌ لسيطرة بروتور؟”
“لا أعلم. لكن كما قلتِ، ربما الإمبراطور خاضعٰ له فعلًا……أو ربما……”
أطرق هاوارد رأسه للأسفل.
نظرت إلى حيث كان ينظر، فرأيت ورقةً من بين الأوراق المبعثرة على الأرض، كانت مجعدة أكثر من غيرها.
بدت وكأنها تتحدث عن الهراطقة، وكانت تحمل في وسطها رسمًا كبيرًا لفراشةٍ سوداء.
“ربما هو أيضًا من الهراطقة.”
_____________________
الللعب صح يمكن الامبراطور منهم بس بروتور فوقه عشان كذا يسمع كلامه
بيرفكتتت كذا السيناريو حلو باقي تتذكر ريكا هي من ✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 97"