“أأنتِ……نوكس؟”
“……ما الذي تقوله فجأة؟”
نظرت إلى بروتور بوجهٍ متجهم، غير قادرةٍ على إخفاء ارتباكي. ولم يكن ذلك غريبًا، فقد بدا وكأنه لم يكن يعلم من قبل أنني نوكس.
“كنتَ تعرف مسبقًا، أليس كذلك؟ فلماذا تأتي فجأةً وتفتعل كل هذه الضجة؟”
قلت ذلك بينما أحاول سحب معصمي من قبضته. ففي السابق، خلال حفلة أقامتها عائلة إيتينتيا، كدت أتعرض لسوء فهم من الناس بسببه.
ولا أرغب في أن تثار شائعاتٌ مشابهة مرة أخرى لمجرد أنني واقفة بقربه الآن.
ومع ذلك، وبرغم كل محاولاتي، لم يُظهر بروتور أي نيةٍ لترك يدي. بل على العكس، شدّ قبضته أكثر، وكأنه يقول أنه لن يدعني أرحل أبدًا.
“……إذًا، أنتِ نوكس فعلًا؟”
قال ذلك مجددًا، لكن هذه المرة كان صوته أعلى قليلًا من قبل. ففزعت، وخشيت أن يكون الحراس من حولنا قد سمعوه، فالتفتُّ بسرعة أبحث في وجوههم. و لحسن الحظ، يبدو أن أحدًا لم يسمع الحديث، فصوته ظل منخفضًا بما يكفي.
تنفست الصعداء ببطء، وحاولت تهدئة قلبي الذي بدأ يخفق بعنف.
كوني نوكس لا يزال سرًا لم يعرفه حتى هاوارد بعد. ولو عرفه أحدٌ غيره قبله، وبهذه الطريقة العشوائية، فسيكون الأمر كارثيًا.
أنا أشعر بالذنب أصلاً لأنني أخفيت الأمر عنه……لن أسمح أبدًا بأن يعرف من شخص آخر.
إن علم هاوارد أنني أعيش حياةً مؤقتة من خلال أحد غيري……كان مجرد تخيُّل الأمر كافيًا ليبعث فيّ الرعب.
تسلّل العرق البارد على ظهري من شدة التوتر. و نظرت إلى بروتور، الذي كان يحدّق بي بتعبير يصعب فهمه.
لم أكن أعرف ما الغرض الحقيقي من تصرّفاته، لكن بدا واضحًا أنه لا ينوي تركي بسهولة. و في تلك الحالة، من الأفضل أن نتحدث على انفراد.
فاستدرت نحو فرسان الدوقية،
“سأتحدث معه داخل العربة قليلًا.”
“لكن يا آنسة……”
“لو حصل أي شيء، سأصرخ فورًا.”
“……مفهوم.”
أومأت برأسي ردًا على قلق الفارس. ثم، بعدما رأيتهم يبتعدون على مضض وبتعبيرات غير مرتاحة، اصطحبت بروتور ودخلنا معًا إلى عربة دوقية تشيلستون.
وبمجرد أن أغلقت باب العربة، عجلته بالكلام،
“ما الذي تفكر فيه بحق؟ لماذا ظهرت فجأةً وبدأت تقول مثل هذا الكلام؟”
“….…”
“نعم، أنا نوكس. نعم، قلتها، وماذا بعد؟ هل أردتَ فقط أن تتأكد أنني سأموت؟!”
كان من المُسلَّم به أن بروتور إيتينتيا يعرف أنني نوكس. فالأمر واضحٌ تمامًا.
أنا — من كنت ألعب بشخصية “ريكا” — قد دخلت جسدها فعليًّا في هذا العالم. وبما أن شخصية بروتور تنتمي للعالم نفسه، فمن الطبيعي أنه لم يتلقَ “رسالة اللعبة”.
لا يوجد أي لاعبٍ في العالم يهمل شخصيته الأساسية ذات المستوى الأعلى ويتعلق فقط بالشخصية الثانوية.
وبما أن بروتور لم يكن يجهل هذا المنطق، فقد كان من الطبيعي أن أفترض أنه يعرف أنني نوكس.
لكن لماذا……لماذا يبدو عليه ذلك الذهول؟
نظرت إلى بروتور الذي تجمّد في مكانه.
لا، لم يكن مجرد ذهول. كان ذلك وجه إنسانٍ انهار تحت وطأة اليأس والعجز، كأنه للتو واجه حقيقةً مروعة.
“ريـ…..ريكا. لماذا….أنتِ……”
عجز بروتور عن إتمام جملته. و كان يحرّك شفتيه بصعوبة بينما يحدّق بي، وكأن الكلام يخونه.
ورغم أنني لم أسمع كلماته كاملة، فقد كان من المستحيل ألا أفهم ما يحدث.
بروتور إيتينتيا……لم يكن يعلم حقًا أنني نوكس.
لماذا؟ كيف يكون هذا ممكنًا؟
لا، كل ما في الأمر غير منطقي إطلاقًا.
عقلي كان يعجّ بالفوضى، والأفكار تتضارب بلا ترتيب. و بدأ جانب من رأسي ينبض بألم حاد.
ليس فقط لأنني لا أفهم سبب ما يحدث الآن، بل لأنني حين أدركت أن بروتور لم يعرف أنني نوكس حتى هذه اللحظة، بدأ شعورٌ لم يخطر لي من قبل يتسلل إليّ……القلق.
ماذا لو أخبر هاوارد بهذا السر؟ ماذا سأفعل حينها؟
كانت يداي ترتجفان من التوتر، حتى سمعت تلك الجملة التي اعتدت على سماعها كثيرًا، لدرجة أنها باتت مألوفة.
“انفصلي عن هاوارد تشيلستون وتعالي إليّ، ريكا.”
لكن الفرق هذه المرة……أن صوته المنخفض كان يرتجف بخفة، وكأنه على وشك الانهيار.
“أنا أستطيع إنقاذكِ. لا، سأنقذكِ حتمًا. مهما كلف الأمر، سأفعل.”
“….…”
“لذا، تعالي معي الآن. أرجوكِ، حسناً؟”
نظر إليّ بروتور بوجه يملؤه التوسل. و كانت عيناه ترتجفان بقلق، وكأن فقداني هو أكثر ما يخشاه.
“قلت لكَ من قبل، لا أريد.”
تحركت شفتاي قليلًا قبل أن أجيبه.
خوفي من انكشاف سري هو شيء، وهذا أمرٌ مختلف تمامًا. فأنا ببساطة……لا أريد أن أكون معه.
“ريكا، أرجوكِ.”
“لقد سئمتُ من تكرار هذا الحديث. لا تعِد هذا الكلام مجددًا. بل أنا من أرجوكَ الآن.”
“لو استمررتِ هكذا، ستموتين بعد عدة أشهر. وأنت أكثر من يعرف ذلك.”
‘أعرف.’
كنت أفكر في هذا تقريبًا كل لحظة هذه الأيام. أين وكيف سأقضي آخر لحظات حياتي؟
ربما في سهلٍ فسيح، أو على شاطئٍ تطل عليه مياه زرقاء، أو حتى في غابة كثيفة الأشجار.
آه، ويجب أن يكون الطقس دافئًا، فأنا أكره البرد حقًا.
كل هذه المشاهد كانت تتنقل في رأسي.
صحيحٌ أنني لم أحدد بعد كيف ستكون نهايتي، لكن هناك أمر واحد أتمناه بكل يقين.
أن يكون آخر ما أراه في حياتي……هو، هاوارد.
رغم أنني، ويا للمفارقة، لا أريده أن يشهد موتي أبدًا.
“لطالما تساءلت منذ زمن……ألا يوجد حقًا أي سبيل لنجاة نوكس؟ هل لا مفر من الموت؟ وها أنا اليوم فقط أسمع الجواب. أن الطريقة الوحيدة……هي أن أكون معكَ بأي ثمن، أليس كذلك؟”
“.……”
“مؤسف. لأن ما فهمته من كلامكَ، هو أن لا فرصة لي إطلاقًا. وأنا، قد حسمت أمري بالفعل، حتى لو كنت سأموت غدًا، فسأبقى بجانب هاوارد.”
“هل من الممكن أن يتغير قلبكِ؟”
سألني بروتور وهو يحدّق في عينيّ مباشرة. فاستقبلت نظرته بكل هدوء، ثم أجبته.
“لا.”
وكانت إجابتي تلك هي نهاية الحديث.
ساد صمتٌ خانق داخل العربة.
بروتور لم يقل شيئًا ردًا على رفضي. و اكتفى بالنظر إليّ، نظرةً حادة، كأنما يريد أن يلتهمني بعينيه.
طَرقٌ. طَرقٌ-
“ألم ينتهِ الحديث بعد؟”
يبدو أن أحد الحرس قد شعر بالقلق من طول الوقت الذي أمضيناه داخل العربة، فطرق الباب مترددًا.
وقبل أن أنطق بأي كلمة، كان بروتور قد نهض من مكانه. و من تعبير وجهه، كنت واثقةً أنه لن يغادر، لذلك فوجئت قليلًا.
فتح باب العربة وكأنه على وشك المغادرة، ثم خطا خطوةً وتوقف لينظر إليّ.
“ريكا، أنا لن أتخلى عنكِ أبداً.”
تماوجت مشاعرٌ غامضة في عينيه الخضراوين. ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خفيفة.
“أراكِ لاحقاً.”
طق-
أُغلق باب العربة بقوة معتدلة. ثم سأل الفارس الذي تأكد من رحيل بروتور إن كان عليه أن يعيد تحريك العربة. وبمجرد أن أذنت له، بدأت عجلات العربة تدور من جديد نحو المعبد.
لكنني لم أستطع قول أي شيء. لأن الابتسامة التي رسمها بروتور قبل مغادرته كانت تزعجني.
ولأنني لم أستطع التوقف عن القلق من احتمال أن يبوح بسري.
***
المعبد الذي وصلنا إليه بعد وقتٍ قصير كان، بكل معنى الكلمة، في حالة فوضى عارمة.
تساءلت إن كان من اللائق استخدام مثل هذا التعبير في مكان مقدس، لكن لم أجد وصفاً آخر يناسب ما رأيته.
وكأنه يفسّر سبب تعذر هاوارد المتكرر في الحضور إلى قصر الدوق، و كانت الوثائق المليئة بالتكهنات المختلفة تتطاير في المكان، فيما كان الفرسان والكهنة يتجولون بوجوه شاحبة ومنهكة.
عندما رأيتهم لأول مرة، تساءلت إن كانوا أشباحاً.
كان واضحاً أن دخولي سيشكل عبئاً عليهم، لذا قررت أن أضع الأغراض بهدوء وأرحل، لكن لسوء الحظ، فيليب الذي كان يمرّ بالجوار لمحني، فلم يعد ذلك ممكناً.
نظر إليّ فيليب بعينين متألقتين كما لو أنه التقى بمخلّص، وأخذني مباشرة إلى مكتب هاوارد.
قال أن حالته باتت أشبه بالجثة، ورجاني أن أدخل لأمنحه بعض القوة.
لم يكن بوسعي أن أرحل بعد سماع هذا الكلام، لذا حاولت أن أطرد القلق من قلبي، وطرقت الباب بخفة ثم فتحته.
ورأيت مشهداً لا يوصف حقاً.
“يا……يا إلهي……”
و اتسعت عيناي من الصدمة.
______________________
وش ذا الصدمه عساه راس بروتور طاير؟
يعني حتى بروتور مايدري كيف يعيش النوكس 😔
آخر أمل في الختم الي شافته أوديا او مدري وش شافت لأنه يوجع تخيلوا لو باقي كم شهر ثم ريكا تعلم هاوارد
جتني الصيحه من الحين
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 96"