بروتور كان يعرف ريكا جيدًا، فقد راقبها لوقت طويل.
ريكا لم تكن من النوع الذي ينحني لمن تكره. و إذا كانت قد فقدت الاهتمام بشيء، نادرًا ما كانت تلتفت إليه مجددًا، ولم تكن تعطي الفرصة مهما حاول الآخرون استرضاءها.
ألم تكن كذلك مؤخرًا أيضًا؟ وهذا ما جعله يحبها أكثر.
لا، في الحقيقة، لم يكن هناك شيءٌ يكرهه فيها.
من عينيها الزرقاوين المغايرتين تمامًا للون شعرها، إلى شعرها الأبيض المتألق، وجسدها الصغير، ويداها الصغيرتان، وعينيها اللتين تنحنيان بنعومة عندما تكون في مزاج جيد.
كل شيء فيها كان يجذب النظر. كأن العالم قد وضعها له وحده، نصفه الآخر الوحيد.
كون ريكا تنتمي لبروتور إيتينتيا كان أمرًا محسومًا منذ زمنٍ بعيد. و كان من الطبيعي أن يكونا معًا.
ولهذا كان عليه أن يعرف أكثر. لماذا توسلت ريكا، التي عادةً ما كانت تكتفي بالشتم والمضي قدمًا، لتستعيد التذكرة وهي راكعة؟
ولم يكن السبب أمرًا جللًا، بل مناسبةٌ تُقام كل عام مثل “ليلة الموتى”.
‘هل من الممكن أنها لا تعرف أنها تُقام كل عام؟’
تلك الفكرة خطرت فجأة، لكنها اختفت كما ظهرت.
مستحيل أن يكون ذلك. ريكا معروفةٌ بشدة تعلقها بالأشياء التي تحبها، ولم تكن لتجهل الفرصة الوحيدة لمقابلة أوديا ستوريدج، وهي من بين ما تحبه بشدة.
من المؤكد أنها كانت دائمًا ترغب في حضور الفعالية، لكنها لم تكن تملك المال لشراء التذكرة، لذا لم تكن تجرؤ حتى على المحاولة.
إذا كان الأمر كذلك، فما السبب إذاً؟
ما الذي جعل ريكا تتوسل بهذه الطريقة، رغم أنه بوجود هاوارد تشيلستون بجانبها، ستتمكن من حضور “ليلة الموتى” هذا العام أو حتى في العام القادم؟
كأن الأمر لا يمكن أن يكون إلا هذا العام فقط……
في تلك اللحظة، ومضةٌ من الذكريات خطرت في ذهن بروتور.
منذ عدة أشهر، قبل حتى أن تصل ريكا إلى أوفولين، قال له ماركوس دي لوكولين شيئًا لا يُنسى.
“يُقال أن هناك رسالةً جديدة من المعبد . و هناك من لم ينالوا تلك الرسالة.”
لا يعرف لماذا تذكّر تلك المحادثة فجأة. لكن كان ذلك أشبه بغريزة.
تمامًا مثل الإحساس القوي الذي شعر به لحظة لقائه الأول بريكا.
“يقولون أنهم جميعًا سيموتون خلال عام. أعتقد أنهم قرروا تسميتهم بـ‘نوكس’……على أية حال، هذا ليس المهم، أفكر في اعتبارهم هراطقة من أجل تدريبٍ جسدي لابن أخي العزيز، ما رأيكَ؟”
ترافقت ضحكة ماركوس المزعجة مع صورة ريكا التي رآها مؤخرًا في أنيما.
و صوتها المرتجف لا زال يرن في أذنيه.
“أرجوكَ……أعد لي التذكرة.”
“أنت تعرف……لم يتبق لي الكثير من الوقت، لذا دعني ألتقي بها.”
اتسعت عينا بروتور بصدمة. و في اللحظة نفسها، انتفض جسده الذي كان مسترخياً كليًا.
نبض-
نبض-
نبض-
نبض-
قلبه ارتطم بأرضٍ لا نهاية لها، وكأنه يهوي بلا توقف.
***
بعد أن عدت من المسرحية مع هاوارد، كنا قد وعدنا بعضنا بقضاء المزيد من الأوقات معًا، لكن سرعان ما وجدت نفسي وحيدة، كأن ذلك الوعد لم يُقال قط.
آه، وأنا أعني ذلك حرفيًا.
لم ننفصل أنا وهاوارد، ولم نتوقف عن حب بعضنا، لا شيء من هذا القبيل. بل ببساطة، أنا وحدي في قصر الدوق. ليلًا ونهارًا، بلا استثناء.
بل واستمر الأمر لأيام.
‘هذا غير معقول!’
صرخت في داخلي وأنا أرتمي على السرير.
هل يُعقل أن يحدث هذا ونحن بالكاد بدأنا علاقتنا كحبيبين؟
شعرت أنني على وشك البكاء من شدة الانزعاج، لكنني لم أُظهر شيئًا لهاوارد. فلم يكن الأمر خطأه، وكان هذا طبيعيًا.
‘لماذا وصلت رسالة المعبد في هذا التوقيت بالضبط……؟’
قبل عدة أيام، وصلت رسالةٌ جديدة من المعبد المركزي بعد فترة طويلة من الغياب.
الرسالة، أو لنقل إعلان <عالم الفانتازيا>، يمكن تلخيصه كالتالي:
<أحد اللاعبين القدامى، الذين استمروا في اللعب طويلاً، نجح أخيرًا في اجتياز أعلى زنزانة في <عالم الفانتازيا>، تلك التي ظلت فارغةً لفترة طويلة.>
كانت هناك شائعاتٌ تقول أن ملك الشياطين سيكون في المرحلة الأخيرة من الزنزانة، لذلك شعرت بالتوتر حين سمعت هذا الخبر.
لكن، وعلى عكس التوقعات، ما واجهه اللاعبون لم يكن ملك الشياطين، بل عرشاً فارغ.
لا، لأكون دقيقة، كان هناك ورقةٌ واحدة موضوعةً على العرش.
“بـ■tor”
نعم، مجرد ورقة كُتب عليها هذا التشفير بالضبط.
بوصفي لاعبةً في <عالم الفانتازيا>، كان من الواضح لي أن هذه كانت تلميحًا لهوية ملك الشياطين.
ولم أكن الوحيدة التي فكّرت بذلك، فالمعبد كان له نفس الرأي. ولهذا أصبح هاوارد مشغولًا جدًا.
‘من غير المعقول أن قائد فرسان الهيكل لا يتحرك بعد ظهور أول خيط يتعلق بملك الشياطين منذ زمن.’
لقد أصبح هاوارد مشغولًا لدرجة لا توصف.
أعلم أن الوضع خارج عن إرادته. و عقلي يدرك ذلك تمامًا……
لكنني كنت أراه فقط عند اقتراب نومي، عندما أكون على وشك الانهيار من الإرهاق في ساعات الفجر.
حتى في تلك اللحظات، كان يمرّ لرؤيتي بسرعةٍ خاطفة. ومع مرور الأيام، لاحظتُ أن وجه هاوارد أصبح شاحبًا جدًا.
صحيحٌ أنه يملك ملامح جذابة بطبيعته، لذا ظلّ يشع جمالًا رغم الإرهاق، لكن لا يمكنني منع نفسي من القلق عليه.
‘إذا لم نلتقِ، فلن أستطيع الاعتناء به.’
إن بذل مجهودًا أكثر من اللازم، فستنفلت قواه المقدسة مجددًا.
كنت أرغب في البقاء بجانب هاوارد لأتأكد من أنه بخير. لكنني لا أنتمي إلى المعبد، ولا يمكنني ببساطة اقتحامه بحجة أنني أريد البقاء قرب هاوارد، خاصةً في وضعٍ حساس كهذا.
رغم استعجالي وقلقي، كنت أملك من الحكمة ما يكفي لأدرك حدودي.
“ألا يوجد حلٌ ما……؟”
ألا توجد طريقةٌ مناسبة للدخول إلى المعبد؟
دفنت وجهي أعمق في الوسادة.
سمعت خارج الغرفة ضجيجاً. فرفعت رأسي بتعجب ونهضت.
ثم فتحت الباب وألقيت نظرةً خاطفة إلى الخارج. و رأيت الخادمات يتحركن بسرعة في الممر.
“ما الأمر؟”
“آه، هذا……”
توقفت إحدى الخادمات التي ناديتها للحظة، ثم أعادت ترتيب الأمتعة التي كانت تحملها، وأجابت،
“كنا نحضّر أمتعة الدوق.”
“أمتعته؟”
“نعم، يبدو أنه سيبقى في المعبد لفترةٍ أطول مما توقعنا، لذا طلب أن نحضر له بعض الملابس وأغراض أخرى قد يحتاجها.”
أغراض……لإيصالها؟ إلى هاوارد؟
اتسعت عيناي وأنا أنظر إلى الخادمة. و شعرت وكأن ألعاباً نارية تنفجر في رأسي.
“هل يمكن……أن أذهب أنا لإيصالها بدلاً منكم؟”
ثم ابتسمتُ بلُطف وأنا أطلب ذلك.
وجدتها! الطريقة المُثلى!
***
“لا لا لااا.”
كنت أُغني بخفّة بينما أنظر من النافذة. و وصل إلى أذني صوت عجلات العربة وهي تدور.
كما هو مخطط، كانت وجهة العربة هي المعبد.
في البداية، رفضت الخادمة بشدة، لكنها استسلمت في النهاية بعد أن تذكرت أنني وهاوارد لم نرَ بعضنا منذ عدة أيام، وقالت أنها تعتمد عليّ.
فرسان الحراسة أيضًا لم يكونوا مؤيدين لفكرة خروجي، لكن عندما وافقت على أن يرافقوني كحماية، مرّ الأمر بسلاسة.
‘……هل سيفرح حين يراني؟’
أم هل سأكون مصدر إزعاجٍ له؟
خرجت بحماس، لكن كلما ابتعدت العربة أكثر، بدأت تقلقني هذه الأسئلة.
لكن، في النهاية، شخصٌ ما كان عليه أن يذهب، لذا لا بأس على الأرجح.
‘إن بدا مشغولًا جدًا، فسأكتفي بترك الأغراض وأرحل.’
وخلال ذلك، لن يضر أن أطمئن على حاله قليلًا.
شعرت براحةٍ أكبر، وعدت لأنظر للأمام، لكن فجأة، توقفت العربة بقوة. و كاد جسدي يندفع من مكانه، فتمسكت بجدار العربة وأخذت نفسًا عميقًا.
أفزعني الأمر فجأة.
“هل أنتِ بخير؟”
أطلّ الفارس من النافذة بسرعة ليتفقدني. فأومأت له برأسي قليلًا وسألت بينما أنظر إلى الخارج،
“ما الذي يحدث؟”
“آه، الأمر هو……”
تردد الفارس للحظة، ثم تنهد،
“من الأفضل أن تخرجي أولًا.”
أن أخرج؟
رغم استغرابي، لم أكن خاليةً من الفضول لمعرفة ما يجري، لذا نزلت من العربة دون تردد.
كانت هناك عربةٌ واقفة أمامنا كأنها تعترض الطريق. و في الحقيقة لم تكن غريبة تمامًا. فقد كان على العربة شعارٌ مألوف.
‘……إنه شعار عائلة إيتينتيا.’
ابتلعت ريقي بتوتر، وفي تلك اللحظة التفت بروتور، الذي كان واقفًا أمام العربة، نحوي. وبمجرد أن رآني، بدأ يقترب بخطوات واسعة.
لم أعرف السبب، لكن وجهه كان متجهمًا للغاية. و قبل أن أتمكن من فعل أي شيء، وصل إلى جانبي وأمسك بمعصمي فجأة وجذبني نحوه.
“ريكا.”
ثم همس بروتور بصوتٍ متوتر، من مسافة قريبة لدرجة أنني كدت أسمع أنفاسه.
“أأنتِ……نوكس؟”
___________________
يعني ماكان فيه طريقة تتأكد الا كذا؟ مجنون ياخي حسبتك داري من زمان ياحمار
ريكا كان طالعه بسلام والنية شوفة هاوارد بس الواقع خشة بروتور 😍
اكرههه خلااااعص
بعدين التلميح واضح انه بروتور اثاريه هو ملك الشياطين اجل وش الي شافته أوديا؟
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 95"