لقد كانت ظهورًا غير متوقعٍ لشخص لم أتوقع رؤيته.
وحتى إن لقائنا السابق لم يكن ذكرى جيدة، لذا كان من المحرج والمربك أن أواجهها.
‘ما الذي جعلها تتحدث إليّ؟’
بصراحة، كنت أود أن أتجاهلها وأمضي في طريقي، لكن يبدو أن ما قيل عن أن المسرحية مشهورة لم يكن كذبًا، فقد كانت العيون كثيرةً من حولنا. و لم أرغب في التسبب بأي تصرف طائش قد يسيء لاسم هاوارد.
على أي حال، كنت قد اتفقت مع هاوارد أن نلتقي هنا، كما أنني أتيت لأشاهد المسرحية، لذا لم يكن بوسعي الهروب من الموقف.
ارتسمت على وجهي ابتسامةٌ اجتماعية اعتدت عليها في الحفلات، ثم حييت سيرديا.
“مرحبًا، الآنسة آفلز. مر وقتٌ طويل.”
عندها اقتربت سيرديا خطوةً إضافية.
اقتربت حتى بات بيننا خطوة أو خطوتان بالكاد، ثم فتحت فمها،
“دعينا نتحدث قليلاً.”
طلبٌ بدا وكأنه أمر، خالٍ من أي تحية. وعلى عكس ابتسامتي، وإن كانت مصطنعة، كانت تعبيرات وجهها متجهمة قليلًا. و كان من الواضح أنها لا تريد أن تواجهني.
وبينما أنظر إلى وجهها، خفَتَ مزاجي فجأة. لماذا أضعت وقتي في التزيّن إن كنت سأُعامَل بهذه الطريقة؟
حتى أنني منذ قليل كنت أشعر وكأني أطير من الفرح.
‘لكن، لا يجب أن أتصرف مثلها.’
إن قلت شيئًا الآن، فسأصبح مثلها تمامًا. ولا أريد أن أثير شجارًا بلا طائل في يومٍ جميل كهذا.
ربما من الأفضل أن أدعها تقول ما تريد بسرعة وأغادر.
تنهدت بصوتٍ خافت وأومأت برأسي. ثم اعتذرت من فرسان الدوقية المرافقين لي وطلبت منهم الابتعاد قليلاً، ثم اصطحبت سيرديا إلى ركنٍ بعيد.
كنت قلقةً بشأن ما سأفعله حتى يصل هاوارد، لكن يبدو أنني لن أشعر بالملل الآن.
“آنسة إيفريت.”
ما إن غيرنا المكان حتى خرجت كلماتها فورًا.
“انفصلي عن الدوق تشيلستون.”
‘واو، حقًا.’
لقد سمعت هذا الطلب كثيرًا حتى كدت أُصاب بالصمم. كيف يقول الجميع نفس الشيء تمامًا؟
بهذا الشكل، ربما يجدر بفصيل الإمبراطور الموالي أن يغير اسمه إلى “فصيلٍ يتمنى أن يصبح هاوارد تشيلستون أعزبًا”!
“هل هذا ما أتيتِ لتقوليه هنا؟”
سألتها دون أن أُخفي دهشتي. لكن سيرديا لم تقل سوى نفس الكلام مجددًا.
“لا تخلقي موقفًا تندمين عليه لاحقًا، فقط انفصلي عنه. هذه آخر تحذير.”
“الآن أصبحتِ تهددين أيضًا.”
كان الأمر مضحكًا لدرجة أنني كنت على وشك الضحك من شدة الذهول.
من يراها يظن أنها تعرف نقطة ضعفي.
‘هل يُعقل أن بروتور أخبرها أنني نوكس؟’
لطالما سمعت أن الكونت إيتينتيا و الكونت آفلز على تواصلٍ دائم، لذا ربما فعل.
كنت منزعجةً جدًا، لكن رغم ذلك، لم يكن في الأمر ضرر كبير عليّ. فعلى أي حال، كنت أنوي أن أخبر هاوارد بنفسي بعد شهر.
وبشكلٍ أدق، لقد مضى أسبوع منذ أن قررت ذلك، لذا لم يتبقَ سوى حوالي ثلاثة أسابيع.
‘آه، حتى أن الوقت لا يكفيني للاستمتاع فحسب!’
تنهدت في داخلي مرارًا ثم فتحت فمي أخيرًا.
“آنسة آفلز، لا أنوي الانفصال عن الدوق.”
“.……”
“وأعتقد أنكِ مخطئةٌ في شيءٍ ما. حتى لو فعلتِ هذا، فلن يكون الدوق معكِ.”
مما رأيته طوال الفترة الماضية، لم يكن هاوارد يحب سيرديا أبداً. لا، بل لأكون أدق، كان يتجنبها بالفعل.
وأعرف جيدًا، بفضل شخصٍ ما، كم هو مرهقٌ أن يقترب منكَ من لا ترغب به باستمرار.
هاوارد كان يعاني بالفعل من مشكلاتٍ كثيرة تؤرقه، ولم أرد أن تتفاقم الأمور عليه بسبب هذا.
بل وحتى بعيدًا عن كل ذلك، أنا كنت حبيبته. فكيف لي أن أرتاح عندما أرى شخصًا آخر يقترب منه بنوايا غير سليمة؟
‘لا بد أنها ستصبح غاضبةً جدًا.’
وربما ستفقد أعصابه.
نظرت إلى سيرديا بقليلٍ من التوتر. لكنها، وبشكلٍ مفاجئ، كانت هادئة.
“أعلم.”
قالت سيرديا ذلك بصوتٍ منخفض. ولم يكن في عينيها الزرقاوين أي تردد. كما لو أنها سمعت شيئًا بديهيًا للغاية.
“أنا أعلم جيدًا أنه لا يمكنني أن أكون مع الدوق. لكن……”
ترددت شفتاها قليلًا قبل أن تتابع الكلام.
“لكن الأمر ينطبق عليكِ أيضًا، آنسة إيفريت.”
“ماذا؟”
ما الذي تقصده الآن؟
أملت برأسي قليلًا بدهشة واستغراب. لكن سيرديا لم تُظهر أي نيةٍ لشرح ما قالته، بل واصلت إلقاء كلماتٍ مبهمة لا أفهمها.
“أعلم تمامًا أنني لا أليق بأن أكون شريكة للدوق. وقد قررت أن أتحمل كل شيء. لذا، لا يمكنني بعد الآن أن أراكِ إلى جانبه. إن لم أكن أنا، فأنتِ بالتأكيد لا يمكن أن تكوني برفقته.”
“ما الذي تقولينه؟ أرجوكِ تحدثي بوضوح-”
“هذا أقصى ما يمكنني قوله.”
قاطعتني سيرديا بحدة. ثم أدارت ظهرها ومضت، وكأن هذه كانت غايتها الوحيدة من المجيء.
وبعد أن خطت بضع خطوات، التفتت إليّ مجددًا لتحذرني مرة أخرى.
“لقد أنذرتكِ. رتّبي كل شيءٍ قبل أن يحدث أمرٌ جلل.”
بعد أن ألقت كلماتها الأخيرة، اختفت سيرديا وسط الحشود.
وكأن الأمر كان مرتبًا مسبقًا، إذ جاء هاوارد مسرعًا باتجاهي.
“ريكا، هل أنتِ بخير؟”
سألني وهو يتفحصني بعينيه القلقتين.
“رأيت الآنسة آفلز عند المدخل. هل التقيتما؟ هل فعلت لكِ شيءً؟”
“آه، لا، لا شيء مهم.”
بدا هاوارد متوترًا جدًا، لذا أوقفت تفكيري للحظة وركّزت فقط على تهدئته.
“تقابلنا بالصدفة فقط، وقالت لي أن أنفصل عنكَ، هذا كل ما في الأمر.”
“……هاه، لا يبدو أنه لا شيء.”
تنهد هاوارد وهو ينظر إليّ بقلق. و قد بدا عليه التأثر وكأنه يشعر بالذنب لأني تأذيت بسببه.
ولأني لم أرد أن أراه متضايقًا، أمسكت بيده وابتسمت له.
“أنا بخير. لم أنزعج حتى. وقلت لها بوضوح أنني لا أريد الانفصال عنكَ.”
“….…”
“لذا هيا بنا الآن، المسرحية ستبدأ قريبًا.”
عندها تنهد هاوارد بخفة وأمسك بيدي أيضًا. ثم دخلنا معًا إلى قاعة المسرح حيث ستبدأ المسرحية، وابتسامةٍ هادئة تعلو وجهينا.
رغم أن هناك شعورٌ غريب بعدم الارتياح ظل يلاحقني دون سببٍ واضح.
***
حلَّ الليل، مظلمًا كثيفًا. و كان بروتور مستلقيًا على أريكة مكتب قصر الكونت، غارقًا في التفكير.
في العادة، يكون في غرفته الآن، لكن سبب أرقه هذه الليلة كان واحدًا فقط.
ريكا، التي كانت دومًا في مركز اهتمامه.
“لماذا فعلتِ ذلك؟”
تمتم بروتور وهو يسترجع ما حدث في أنِيما.
لم يكن السبب هو أن ريكا قد رفضته. فقد تجاهلته مراتٍ عديدة من قبل، وكان معتادًا على ذلك.
على ما يبدو، أصبحت أوديا ستورديج تحتل مكانةً عميقة في قلبها. ولهذا، فإن كرهها له باعتباره المسؤول عن موت أوديا، وحدّتها الدائمة تجاهه، كانا أمرين يمكن تفهمهما.
لكن لا بأس، فعاجلاً أم آجلاً، ستتغير مشاعرها. و بعد مرور بعض الوقت، ستعود ريكا إليه من تلقاء نفسها.
وحينها، ستعتذر عن سوء فهمها له طوال تلك المدة، وربما تذرف الدموع تأثرًا عندما تعرف الحقيقة التي أخفاها عنها طويلاً.
بلا شك، ستبتسم له بدلًا من هاوارد تشيلستون. وسيعودان إلى ما كانا عليه قديمًا، حين لم يكن لهما من سندٍ إلا بعضهما.
وبفضل اللقاءات المتكررة، كان كل شيء يتقدم بالفعل. فمنذ لقائهما الأخير، وحتى هذه اللحظة، لم يكن لبروتور هدفٌ سوى أن يلتقي بريكا مرارًا، إلى أن يحقق غايته.
نظر بروتور بهدوء إلى يده. وكانت طاقةً غامضة تحيط بكفه للحظة، ثم تلاشت.
يبدو أن اليوم المنتظر لم يتبقَ عليه الكثير.
‘……في العام القادم، ستعود بالكامل.’
في الحقيقة، كان من الممكن أن يُسرّع العملية إن أراد. لكن إن فعل ذلك، فإن ريكا ستتألم كثيرًا، لذا لم يكن أمامه خيارٌ آخر.
فيما يتعلق بهذا الجانب، كانت الأمور تسير بسلاسة تامة. ولهذا، لم يكن ما يشغل بروتور إيتينتيا الآن هو هذه المسألة، بل أمرٌ آخر تمامًا.
“سأفعل أي شيء. إن أردت الاستمرار في إيذائي، فافعل. سأتحمل ما أستطيع تحمله. خذ كل الأشياء التي تذهب إليكَ من منتصف الليل، لن أطلبها منكَ مجددًا. فقط أرجوكَ……”
“أرجوكَ، أعد لي التذكرة.”
ما لم يستطع فهمه هو: لماذا توسلت ريكا إليه بهذا الشكل، رغم أنها كانت تبغضه لدرجة الموت؟
ذلك كان ما أثار فضوله الآن.
__________________
الله يرزقنا ثقة بروتور مع انها على غير سنع هاهاهاهاها
يقول ريكا بتجي تعتذر له؟ ذاه شفيه ماخذ دور الزوج المخلوع
المهم سيرديا اكيد سامعه شي ولا شقومها تهدد وتحذر؟ شكل بروتور بيسوي شي لهاوارد 💀
وجع فيه الزفت حتى الموعد ماشفناه😔
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 94"