بدأت أطراف أصابعي ترتجف قليلاً من التوتر. فأخفيت يدي بخفة بين طيات تنورة الفستان وتابعت الحديث.
أو بالأصح، كنت أحاول أن أفعل ذلك.
“في الواقع، الأمر هو…….”
رغم أنني عقدت العزم بشكلٍ كبير، إلا أن الكلمات لم تخرج بسهولة من فمي.
فكروا في الأمر، هل من السهل إخبار من أصبح لتوه حبيبك بأنك ستموت قريباً؟ لو كان ذلك سهلاً، لكان الأمر أغرب.
“أعني…….”
تحركت شفتاي بصعوبة وأنا أبذل جهدي لأقول الحقيقة. وكان ضمن هذا “الجهد” أيضاً حرصي على ألا يتأذى هاوارد قدر المستطاع.
أولاً، لا ينبغي لي أن أبدو حزينة جداً. لذا، يجب أن أتمالك دموعي مهما كان. لكن لا يجب أن أبتسم أيضاً. من المؤكد أن هاوارد سيلحظ أنني أتصنع.
لكن عقلي الذي كان يعمل بسرعة، توقف فجأةً بسبب أمر غير متوقع.
فما زلت مستندةً إلى صدر هاوارد، ودقات قلبه التي كانت تصل إلى أذني كأنها تهويدة، بدأت تتسارع شيئاً فشيئاً.
حدث شيءٌ مشابه منذ قليل، نعم، لكن الجو والإحساس هذه المرة كانا مختلفين تماماً.
‘لماذا؟’
ولم يكن هذا كل شيء. فحتى تنفسه كان يبدو مضطرباً وخشناً. لم يكن بهذا الحال حتى عندما هرع إليّ راكضاً عبر أنيما.
من المؤكد أن هناك شيئاً غير طبيعي يحدث.
“هاوارد؟”
نظرت إليه بقلق. و لا أعلم كم من الوقت مر، لكنني في النهاية واجهت الحقيقة.
هاوارد، الذي كان يحاول بكل ما أوتي من قوة الحفاظ على تعابير وجهه، لم يستطع الاحتمال أكثر، فانكمش وجهه بألمٍ شديد.
وتبع ذلك أنينٌ ممزوج بالوجع.
“آه…!”
“هاوارد! هل أنتَ بخير؟”
تحركت بسرعة عندما رأيته يتألم. و لم أضيع وقتي بالتفكير في احتمالات غير ضرورية.
لم يكن وقت العقوبة قد حان بعد، لذا لا يمكن أن يكون السبب إلا شيئاً واحداً.
‘إنها قوة القداسة التي خرجت عن السيطرة.’
لقد قسى على نفسه خلال الأيام الماضية، لذا كان هذا متوقعاً.
تنهدت بخفة وفتحت النظام. كنت بحاجة إلى التأكد من حالة هاوارد بالأرقام بدقة. و طالما أن وجودي بالقرب منه يخفف ألمه، فلا حاجة لتغيير وضعيتي.
دينغ-!
<قوة القداسة لدى [هاوارد تشيلستون] في تراجع!>
دينغ-!
<قوة القداسة لدى [هاوارد تشيلستون] بدأت تستقر.>
دينغ-!
<[هاوارد تشيلستون] استعاد هدوءه!>
بدأت نافذة النظام تتغير وهي تُصدر صوتًا مزعجًا. و الغريب أن هاوارد بدا وكأنه استعاد استقراره أسرع من المرات السابقة.
لماذا؟ هل هو مجرد وهم؟
‘على أي حال، من الجيد أنه تحسن بسرعة.’
فكرت ببساطة ونظرت نحو هاوارد. وإذا بوجهه قد عاد بالفعل إلى ملامحه الهادئة.
كادت تنهيدة ارتياح أن تفلت مني، لكن فجأة، ظهر إشعارٌ جديد على نافذة النظام جذب انتباهي.
دينغ-!
<تم تحديث قدرات [ريكا].>
هاه؟ تحديث؟ متى حدث هذا؟
حاولت أن أسترجع ذاكرتي، لكن من غير المعقول أن أتذكر توقيت تحديث لم يصدر له إشعار مسبق.
على ما يبدو، كما في المرة الماضية، لن أعرف السبب وراء هذا التحديث أيضاً. و بدلاً من إضاعة الوقت على شيء لا طائل منه، بدأت أقرأ تفاصيل التحديث بسرعة.
وباختصار، بات بإمكاني استخدام قدرتي من مسافاتٍ أبعد الآن، طالما أن الهدف يقع ضمن نطاق بصري، يمكنني تفعيلها من أي مكان.
‘أليس هذا تطوراً مذهلاً؟’
سأتمكن من مساعدة هاوارد بشكل أفضل! و لن أضطر إلى البقاء بجانبه مباشرة أثناء العلاج بعد الآن.
وبوجه مشرق حملت البشرى إليه بسرعة، معتقدةً أنه سيفرح بها أيضاً. لكن، وعلى عكس توقعاتي، بدا على هاوارد تعبيرٌ غريب.
ظل صامتاً للحظة، ثم أجاب باختصار،
“……حقاً؟”
ثم لزم الصمت مجددًا.
كان واضحًا من ملامحه أنه غير مرتاح، مما جعلني أشعر بشيء من الارتباك. و كنت على وشك سؤاله عن السبب، لكنه سبقني بالكلام. بينما أخذ يمرر يده بين خصلات شعري،
“بالمناسبة، ريكا، ألا تودين سؤالي إن كنت بخير الآن؟”
“آه، لقد تأكدت من ذلك بالفعل عبر النظام……”
“لكنني ما زلت أشعر بألم.”
توك-
انحنى هاوارد ودفن وجهه في عنقي. ثم بدأ ببطءٍ يفرك وجنته على رقبتي. فلمس شعره الذهبي بشرتي وأثار بها شعورًا خفيفًا بالدغدغة.
‘مـ……مـا الذي……؟’
لم أكن أتوقع هذا التصرف على الإطلاق، فغرق رأسي في فراغ أبيض من المفاجأة.
لكن ذلك لم يدم طويلاً، فقد أدركت سريعاً الحقيقة. هاوارد تشيلستون كان يتدلل الآن.
وكان لدي إحساس بسبب ذلك أيضاً، لذلك بقيت مشوشةً للحظة، ثم انفجرت ضاحكةً بصوتٍ خافت يشبه تنفّسًا هاربًا.
“ما العمل الآن؟ هل تشعر بألمٍ كبير؟”
“نعم، أظن أنني سأحتاج الى بعض الوقت لأتحسن.”
“إذًا علينا مواصلة العلاج.”
مددت ذراعي وعانقته بقوة. وكأن عبارة “هاوارد تشيلستون استعاد هدوءه” لم تظهر على الإطلاق. وكأن التحديث الذي طرأ على قدرتي لم يكن له وجودٌ من الأساس.
رآني هاوارد وأنا أتصرف بكل خفة ومرح، فابتسم بدوره، وكأن ملامحه العابسة لم تكن موجودةً من قبل.
بقينا نضحك سويًا لفترة، حتى توقف هاوارد عن الضحك بعدما طبع قبلة خفيفة على شفتيّ.
“بالمناسبة، ما الذي كنتِ تحاولين قوله، ريكا؟”
“ماذا تقصد؟”
“كان هناك شيءٌ أردتِ قوله من قبل، أليس كذلك؟”
ولمست شفتاه شفتي مرة أخرى، برقة، ثم ابتعدتا.
نظرت إليه، وكان قريبًا لدرجة أن أنفينا كادا يلتقيان، فابتسمت وعيوني تضحك.
“لم يكن شيئًا مهمًا، فقط……”
وابتلعت الكلمات التي كنت على وشك قولها.
“أردت فقط أن أقول……أنني أحبكَ كثيرًا.”
لم أستطع قولها، مهما حاولت. فكيف يمكنني أن أخبر شخصًا يبتسم بهذا الوجه النقي أنني سأموت قريبًا……؟
كيف يمكن قول حقيقةٍ بشعة كهذه؟
هاوارد تشيلستون شخصٌ عظيم بلا شك، لكنه لا يملك القدرة على حل هذا. فالمشكلة تتعلق بالنظام نفسه، نظامٌ يشكّل أساس هذا العالم.
وإذا كان الأمر شيئًا لا يمكن حله من البداية، وإن معرفته لن تجلب له إلا الألم……
‘إذاً، أليس من الأفضل أن يعرف إلَّا لاحقاً؟’
لم أكن أنوي إخفاء الأمر عنه إلى الأبد. فقط……أردت أن أعيش هذه السعادة القليلة لوقتٍ أطول.
أن يقول لي أنه يحبني، وأن أبتسم أكثر بسبب ابتسامته النقية، هذه هي السعادة البسيطة.
‘نعم، فقط لفترةٍ قصيرة.’
شهرٌ واحد. أليس من حقي أن أطمع بهذا القدر؟
فكرت بهذا وأنا أدفن وجهي في صدره. راجيةً ألا يرى ملامح وجهي.
***
كان صوت التنفس المنتظم يملأ عربة الخيول.
كان صوت تنفس ريكا، التي كانت تتحدث بلا توقفٍ قبل قليل. لكنها الآن، وقد غلبها التعب، غرقت في نومٍ عميق لا تشعر فيه بشيء.
نظر هاوارد بصمت إلى ريكا وهي نائمةٌ بين ذراعيه. و كان وجهه جامدًا، متصلبًا، لدرجة يصعب تصديق أنه الشخص نفسه الذي كان يبتسم لها منذ لحظات.
لقد حان وقت تواجده في المعبد، وبدأت العقوبة، لكن بدا أن هاوارد لا يُعير ذلك أي اهتمام.
وبينما لم يبعد عينيه عن ريكا، تحدث بصوتٍ منخفض،
“وماذا عن ذلك الوغد؟”
لم تكن هناك حاجةٌ لتوضيح من المقصود، فعبر نافذة العربة المغطاة بستائر، جاء صوت الفارس الذكي ليجيب،
“ما زال يبكي في العربة الأخيرة. يقول أنه لم يكن يعلم بأنها حبيبة الدوق تشيلستون، ويعتذر بشدة ويؤكد أنه لو كان يعلم، لما تجرأ أبدًا على فعل ما فعل.”
تذكر الفارس وجه ذلك الرجل الملطخ بالدموع.
كان في غاية الذعر بعدما أدرك من تكون ريكا، وقد كان قريبًا من فقدان وعيه من شدة الصدمة.
ظل يتوسل بحياةٍ تائهة، راكعًا، طالبًا الغفران بدموع لا تتوقف. لكن، لا أحد يعرف إن كان هاوارد سيصفح عنه أم لا.
لا يبدو أن لذلك الرجل أي سند أو نفوذ يُعوّل عليه، لذا كانت نهايته واضحة.
وكما هو متوقع، جاء الرد الحاسم،
“عندما نعود، عالجوا الأمر بالقانون. لدي ما يجب أن أفعله، سأتركه لكم.”
“كما تأمر يا سيدي.”
وبهذا أنهى هاوارد الحديث. و راح يمرر يده على خصلاتها الفضية الطويلة، ثم قبض على يده بإحكام. لأنه تذكّر فجأة تلك اللحظة في أنيما، حين التقى بريكا من جديد.
ربما كانت ريكا تراه شخصًا نبيلاً، طيبًا ومستقيمًا، لكن الحقيقة……أنه لم يكن ذلك الشخص المثالي الذي تظنه.
لو لم يكن عليه أن يغادر فورًا من أجل تذكرة <ليلة من أجل الموتى>……لربما……
تنفّس هاوارد بعمق وهو يتذكّر نفسه حين كاد يقتل ذلك الرجل على الفور، فقط لرؤيته ريكا مغطاةً بالجروح.
لن يسمح لشيء كهذا أن يحدث مجددًا. مهما حصل.
‘ولأجل ذلك، يجب إزالة مصادر الخطر.’
ومرّ في ذهنه خيال شعرٍ أحمر. بروتور إيتينتيا.
“في كل مرة التقت الآنسة ريكا بالكونت إيتينتيا، كانت الوحوش تظهر جماعات، دون استثناء.”
كلما ذهبت ريكا إلى مكان، كان يتبعها، وبعد ذلك مباشرة، كانت الوحوش تظهر دائمًا.
وما حدث في أنيما أكّد له الأمر بلا شك.
بروتور إيتينتيا……
‘……هرطقي.’
ذلك النوع من الهراطقة الذين يحملون نقش فراشةٍ قرب القلب، المقربون جدًا من ملك الشياطين.
___________________
اجل حلال دْبحة عليك به!
شسمه توقعت يلاحظ ان ريكا مكتئبه بس معليه اشوا مب وقت الاحزان الحين وقت الرخص 😔💕
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 92"