“أقصد، اعترافكِ العاطفي الحار لسيدي الدوق.”
كلمات الفارس ظلت تتردد في أذني كالصدى. و عقلي الذي شُلَّ تمامًا من الموقف غير المتوقع بدأ يستعيد قدرته على التفكير بعد مرور بعض الوقت.
اعـ، اعتراف حب؟
لا يعقل…..
“هـ- هل سمعتم ذلك؟”
“نعم، لقد صرختِ به حتى اهتز أرجاء النُزل.”
أجاب الفارس بوجهٍ يبدو عليه الحماس لسببٍ ما. حتى أنه لم يستطع إخفاء ابتسامته أثناء الحديث.
ولم يكن الفارس الذي تحدث إليّ فقط، بل حتى الفرسان المحيطون به كانوا على الحال نفسه. جميعهم عضوا على شفاههم كأنهم يحاولون كتم ضحكهم.
فاندفعت الحرارة إلى وجهي على الفور.
كنت محرَجةً جدًا لدرجة أنني لم أستطع قول أي شيء. حتى عندما حاولت التحدث، لم أتمكن إلا من تحريك شفتيّ بصمت.
و سواءً كان يعلم بحالي أم لا، واصل الفارس حديثه دون أن يمحو الابتسامة عن وجهه.
“يا آنسة، لقد تفاجأتُ كثيرًا.”
“…….”
“أن تختاري الدوق على شريحة الستيك…..لقد تأثرتُ جدًا حتى أنني لم أجد كلماتٍ أقولها-”
بوووم-
أغلقت نافذة العربة على عجل قبل أن يُنهي الفارس كلامه. ولم أكتفِ بذلك، بل أسدلت الستارة أيضًا.
وحين اختفت وجوه الفرسان عن ناظري، شعرت أخيرًا بأن قلبي الذي كان يخفق بعنفٍ بدأ يهدأ قليلًا.
بالطبع، رغم أنني أغلقت النافذة، إلا أن ضحكات الفرسان العالية ما زالت تصل إلى أذني.
‘أشـ، أشعر أنني سأموت من شدة الإحراج.’
حين اعترفت لهاوارد، كنت نصف واعيةٍ لما أفعل، لذا لم يخطر ببالي إطلاقًا أن أحدًا غيره قد يسمعني. ففي تلك اللحظة، كان هاوارد تشيلستون، هو وحده من يهمني.
بينما كنت ممسكةً بستارة النافذة، محاوِلةً تهدئة حرارة وجهي التي لا تهدأ، سمعت صوتًا خلفي وكأن صاحبه يحاول جاهدًا كتم ضحكته.
نعم، من خلفي مباشرةً.
“…..هاوارد!”
استدرت بسرعةٍ وعلى وجهي ملامح البكاء.
وكما توقعت، كان هاوارد يضع يده على فمه ويكتم ضحكته، لكنه لم يفلح، فكان جسده يهتز من شدة الضحك.
آه، هل هناك حفرةٌ في الأرض أختبئ فيها؟
غمرني شعورٌ برغبة عارمة في انتزاع شعري، فأمسكت خصلةً منه بشدة، لكنني سرعان ما أفلتها وقد صُدمت من نفسي.
ما الذي كنت أفكر به تجاه شعري الثمين؟ لا، لا يمكن. أبدًا لا.
“هل تحبينه إلى هذه الدرجة؟”
“نعم، أحبه.”
أجبتُ فورًا على سؤاله الذي خرج مني مع تنهيدة.
“الفرسان كلهم عرفوا الآن أنك تحبينني. وأكثر من شريحة الستيك حتى.”
“ألا يمكنكَ التوقف عن الحديث عن الستيك..…؟ هاه، ليس بالأمر العظيم أصلًا.”
“بل هو عظيم. لدرجة أنني أود أن أتباهى بذلك عندما نصل إلى أوفيلين. عن طريقة اعترافكِ لي.”
“…..أرجوكَ، فقط لا تفعل هذا.”
عندما انخفض كتفيّ بإحباط، ضحك هاوارد بخفة وكأنه يمزح، ثم مد ذراعيه ليجذبني إلى حضنه.
و سرعان ما جعل رأسي يستقر برفق على صدره، في الجهة التي لا توجد فيها إصابة.
“استرخي أثناء الرحلة. لا بد أنكِ متعبة.”
“وماذا عنكَ أنت، هاوارد؟”
نظرت إلى ساعة الجيب المعلّقة في الجهة المقابلة.
كنت قد وضعتها هناك مسبقًا قبل الانطلاق، لأتمكن من متابعة الوقت داخل العربة. فمع مرور الوقت، سيحين موعد دوام هاوارد، أي بدء العقوبة.
‘لحسن الحظ، لم يحن الوقت بعد..…’
عندما نظرت إلى الساعة ثم إلى هاوارد، ابتسم وكأنه فهم ما أفكر به.
ثم راح يربّت على رأسي بيده الكبيرة بلطفٍ وببطء.
“أنا بخير. لقد اعتدت على العقوبات، فليست المرة الأولى.”
أي نوع من الكلام هذا!
عضضت باطن شفتي ببطء.
ربما قالها ليطمئنني، لكن النتيجة كانت عكس ذلك تمامًا. فبسبب كلماته، تشكل لدي هدفٌ واضح، “سأفعل أي شيء لأخفف من ألم هاوارد!”
ما إن أنهيت التفكير حتى جلست مستقيمةً فجأة. ثم جعلت هاوارد يستلقي جزئيًا، وبدأت في وضع الوسائد الموجودة داخل العربة حوله واحدةً تلو الأخرى.
لم أترك شيئًا، لا الرأس ولا الكتفين ولا أسفل الظهر.
وعندما نظرت إلى هاوارد المحاط بالوسائد من كل جهة، ارتسمت على وجهي ملامح رضا.
عندها، انفجر هاوارد ضاحكًا،
“بهذا الشكل، أشك أنني سأتمكن من التحرك.”
“هذا بالضبط ما كنت أهدف إليه. ابقَ مستلقيًا بهدوء طوال الطريق. الوضعية ليست غير مريحة، أليس كذلك؟”
“ليست سيئة، باستثناء شيءٍ واحد فقط.”
شيء واحد؟ أملت رأسي باستغراب، فمد هاوارد ذراعيه نحوي.
وبينما أنظر إلى تصرفه، تذكرت الوضعية التي كنتُ عليها قبل قليل، فأدركت ما الذي يريده الآن.
‘آه، يا لته من…..’
يا للمأزق حقًا. ماذا سأفعل مع هذا الرجل الذي يحبني إلى هذه الدرجة؟
حاولت جاهدًة كتم الابتسامة التي كادت أن ترتسم على وجهي، ثم أسندت جسدي مباشرةً إلى حضنه. وحين فعلت ذلك، عانقني بقوة دافئة وكأنه كان ينتظر ذلك طوال الوقت.
أخذ ينظر إليّ وأنا بين ذراعيه بهدوء، ثم طبع قبلةً على جبهتي. ثم على أنفي، ثم على خدي.
ثم بعدها…..
“…..فُه، لا أستطيع التنفس!”
دفعته برفق متذمرة، إذ ظل ملتصقًا بشفتيّ وقتًا طويلًا.
وجنتاي، التي كانت قد هدأت حرارتها قليلًا أثناء الحديث مع هاوارد، عادت لتتورد من جديد. فقد عاد إلى ذهني مشهد ذلك الصباح، حين كان يطبع القُبل تلو الأخرى وكأن لا شيء يكفيه.
“ما هذا الآن؟! لأنكَ فعلتها مرة، أصبحت لا تتوقف عنها!”
“ولمَ؟ هل تكرهين الأمر؟”
نظر إليّ بعينيه الحمراوين المنحنيتين برقة.
…..إنه يعرف تمامًا أنني لا أكره ذلك، ويتعمد أن يقول هذا. هل يعتقد أنني سأقع في فخه لمجرد امتلاكه لهذا الوجه؟
“الـ- الأمر ليس كذلك، لكن..…”
…..لقد وقعت، آه، يا إلهي. لم أكن أعلم أنني ضعيفةٌ أمام الوجوه الجميلة هكذا.
بدأت أُدير نظري في كل الاتجاهات من شدة الإحراج، فابتسم هاوارد بخفة، ثم أمطر وجهي بالقبل من جديد.
اجتاحني بسيلٍ من القبلات المتتالية، وكأنه لا ينوِي التوقف.
‘مـ-مهلًا لحظة فقط. دعني على الأقل أكمل حديثي!’
“بـ- بالطبع لا أمانع! لكن، هذا فقط…..أليس مبالغًا فيه؟!”
صرخت بذلك أخيرًا حين ابتعد قليلًا، فنظر إليّ وهو يميل رأسه باستغراب.
“مبالغٌ فيه؟ ماذا تقصدين؟”
“أعني، ذاك الـ…..الـ…..”
رفعت رأسي قليلًا، لكن حين التقت عيناي بعيني هاوارد اللتين كانتا قريبتين جدًا مني، خفضت بصري بسرعة.
ثم خرج صوتٌ خافت بالكاد يُسمع من بين شفتيّ.
“…..لا أعلم، شعرت وكأنني الوحيدة التي ترتجف.”
لم يُجب هاوارد على كلامي مباشرة. بل أمسك وجهي برفق، ووضعه على الجانب الأيسر من صدره.
وما إن لامست أذني جسده، حتى وصلني صوتٌ لم أكن أستطيع سماعه بوضوح في العادة.
مثل صوت دقات قلبي…..التي كانت تقرع بشدة وكأنها ستنفجر.
“ريكا.”
“….…”
“هل ما زلتِ تظنين ما كنتِ تظنينه قبل قليل؟”
أومأت برأسي نفيًا، ووجهي بات أكثر احمرارًا من ذي قبل. فقلبي لم يستطع إنكار الحقيقة التي كان ينبضها صدر هاوارد بقوة مذهلة، وكأنه سيخترق جلده ليخرج إليّ.
كل هذا…..بسببي أنا وحدي، من بين كل الناس.
حين وعيتُ لتلك الحقيقة، لم أعد أستطيع النظر إليه، فدفنت وجهي أعمق في حضنه.
شعرت بجسده يهتز قليلاً مع ضحكةٍ خافتة، وكأنه فهم سبب تصرفي.
وفجأة، غمرني شعورٌ جعلني أرفع رأسي بسرعة. لكنني لم أستطع قول أي شيء.
“لقد قلتها لكِ من قبل، ريكا.”
وما إن رفعت نظري إليه، حتى قابلتني ملامحه الدافئة.
“أنا أحبكِ كثيرًا…..أكثر مما تتخيلين.”
كان يبدو سعيدًا…..سعيدًا إلى درجةٍ لا توصف.
“هل تريدين أن أقولها مجددًا؟ إن كنتِ ترغبين، يمكنني أن أكررها لكِ في أي وقت، وفي كل مرة تشائين.”
حدّقت في هاوارد الذي كان يبتسم برقة، حتى نسيت أن أتنفس للحظة.
ولم يكن السبب فقط هو التأثر بحبه العظيم الذي فاق توقعاتي. بل لأن حقيقةً حاولتُ جاهدةً إخفاءها في زاويةٍ من عقلي، عادت لتطفو من جديد.
‘هذه السعادة…..سأقوم بتدميرها.’
قريبًا، لن يطول الأمر. وسأفسدها بنفسي.
ليس لسبب آخر، بل بسبب موتي.
كم هو مرعبٌ وقاسٍ أن يتسلل إلى عقلي هذا الواقع البشع في أكثر لحظات حياتي سعادةً برفقة من أحب.
شعرت بجفافٍ حاد في حلقي، وكأن شيئًا يغرز في صدري ويؤلمني ببطء.
لكن، رغم كل شيء، لا بد أن أقول ما يجب قوله.
ترددت قليلًا، ثم فتحت شفتيّ أخيرًا.
“…..هاوارد، لدي شيء أريد أن أقوله لك.”
___________________
لاتكفين مب وقته الحين ببكي
الفصل ذاه احلا من الفصل الي راح بمراحل تكفيييييين مب الحين😭
بس ودي لو قالت له يقولها هاوارد بعد ذي اشاعه او انه شي الكل يتوقعه بس مايصير اي شي😭
بس صح اذا ريكا اصلا ام شعر اسود يعني هي من سكان العالم مب شخصية متجسده ✨
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 91"