كنت قد تخيّلت ذلك عدة مراتٍ من قبل. و تساءلت كيف سيكون شعوري إن حدث وأن تبادلت قبلةً أولى مع أحدٍ احبه يومًا ما.
هل سيكون الأمر أشبه بالسير فوق السحاب كما يُقال؟ أم سيكون حلوًا كأكل غزل البنات؟ أظنني سمعت أيضًا من قبل أنه يكون كصدمةٍ كهربائية.
هكذا، عشت لفترةٍ وأنا أحمل بعض التوقّعات بطريقتي الخاصة. لكنني أقسم أنني لم أظن قط أنه سيكون بهذا الشكل.
“آه……هاه”
في تلك الأثناء، الشفاه التي التقت عدة مرات من قبل انفصلت للحظة وكأنها تحتاج إلى تنفّس، ثم عادت.
كل شيءٍ حدث فجأةً دون أن أجد وقتًا للردّ أو حتى التفكير. عقلي أصبح فارغًا تمامًا. و لم يخطر ببالي أي شيء.
مقارنة بقبلة هاوارد الآن، القبلة التي بادرت بها قبل قليل بدت لي مجرد مزحة أطفال. لا، بل لم تكن حتى جديرةً بأن تُسمى “قبلة”.
هل هذا الشخص هو فعلًا هاوارد تشيلستون؟ الشخص الذي قال أنه سيتراجع عن كل شيء إن شعرت بعدم الارتياح؟
‘أ، أريد أن أتنفّس……’
عندما بدأ نفسي ينقطع مجددًا، بدا أن هاوارد قد انتبه لذلك، فابتعد عني للحظة. ثم بعدما تأكد من أنني التقطت أنفاسي عدة مرات، عاد ليقبّلني وكأن شيئًا لم يحدث.
تساءلت كيف تحمّل كل هذا الوقت دون أن يفعل شيئًا.
رغم أنني كنت أتكئ جزئيًا على الباب خلفي، إلا أن جسدي انزلق قليلًا إلى الأسفل. لكن ذلك لم يكن النهاية. فقد طوّق خصري بقوة حالًا، و بفضل ذلك لم ينتهِ بي الأمر ملقاةً بشكلٍ مثير للشفقة على الأرض.
ثم تمسّكت بردائه بقوة دون أن أشعر.
كان الأمر مرهقًا للغاية. الفارق الكبير في البنية بيننا جعل اقترابه مني يبدو وكأنه سيبتلعني، ولم أعد قادرةً على التحمل بعقل صافٍ.
لكن، لم يكن ذلك مزعجًا. بل على العكس، كان شعورًا جيدًا. لأني شعرت بوضوح كم يرغب بي، وكم هو يائسٌ من أجلي.
وهكذا، ظللت عالقةً بين ذراعيه لبعض الوقت، نتبادل القبل دون توقف. ولم أتحرر من بين يديه إلا عندما سُمِع صوت طرقٍ على الباب خلفي.
طق، طق، طق.
“سيدي الدوق، كيف تود تناول طعامكَ؟”
من نبرة الصوت، بدا أنه أحد فرسان الدوقية.
كنت أتنفّس بصعوبة بينما أمسك بذراع هاوارد. وعندما رآني متورّدة الوجه أتكئ عليه، وجّه كلامه إلى من خلف الباب.
“……تناولوا الطعام أولًا. سأهتم بالأمر لاحقًا.”
كان صوته منخفضًا بشدة. لا أعلم إن كان ذلك بسبب القبلة الطويلة، أم لأنه كان يكبت شيئًا بداخله. لكن ما كان مهمًا هو أنني كنت السبب في ذلك على أية حال.
ثم استمعت بهدوء إلى صوت خطوات الفارس وهو يبتعد.
كان هناك شعورًا يشبه دغدغة فراشات في بطني، وقلبي يخفق بسرعة كأنه سينفجر. و كنت محرجة جدًا لدرجة أنني لم أستطع رفع رأسي.
لو قابلت وجه هاوارد في تلك اللحظة، لربما صرخت. و لحسن الحظ، سواء كان يدرك ذلك أم لا، لم ينظر إلى وجهي، بل فقط ضمني إلى صدره بقوة.
“ريكا.”
سمعت صوته يلتقط أنفاسه قريبًا جدًا من أذني.
“اضربيني. أو اقرصيني حتى.”
“……ماذا؟ لماذا؟”
“فقط……”
ثم بدأ هاوارد يفرك وجنته على كتفي. فشعرت بجسده يرتجف بخفة.
“أشعر وكأن كل هذا مجرد حلم.”
“…….”
“أشعر بكِ بوضوحٍ شديد لدرجة أنني أصدق أنه واقع……لكن من يدري. قد أستيقظ وأكتشف أن كل شيء كان كذبًا……”
راح صوته يخفت تدريجيًا.
فدفعت هاوارد بلطف، محاوِلةً أن أبتعد قليلًا، ورفعت رأسي. و كان ينظر إليّ بعينين مرتجفتين وكأن زلزالًا اجتاحه.
وضعت يدي على وجنته التي خشنت قليلًا خلال الأيام الماضية، فأغمض عينيه وأسند خده على راحة يدي.
ربما السبب الذي جعله يطلب مني مرارًا أن أعبّر له بالكلمات، هو أنه كان بحاجةٍ دائمة إلى التأكيد.
جذبت وجهه ناحيتي. ولم يُبدِ أي مقاومة، بل اقترب مني بسلاسة.
ثم وقفت على أطراف أصابعي وطبعـت قبلةً قصيرة على شفتيه.
“كيف لي أن أضربكَ؟ لذا، دع تأكيدكَ بأن كل هذا واقعٌ يكون بهذه الطريقة بدلًا من الضرب.”
“لكنكِ ضربتني جيدًا قبل قليل.”
“ولهذا أقول لكَ، لا أريد أن أفعل ذلك ثانيةً.”
“لا.”
ثم طبع هاوارد قبلةً على جبيني.
“مهما فعلتِ، سأحبُّه منكِ. دائمًا.”
رغم تلك الملامسة المليئة بالمحبة، شعرت لسببٍ ما أن هناك شيئًا ناقصًا قليلًا. أو ربما كنت فقط مخدّرة بهذا الجو العاطفي الآن.
“هاوارد.”
قلت شيئًا ما لم أكن لأقوله أبدًا في الظروف العادية.
“أيمكنكَ أن تقبّلني مرة أخرى فقط؟ لم أكن أعلم أن التقبيل مع من أحبّه يمكن أن يكون بهذه الروعة.”
ضحك هاوارد بصوتٍ خافت ردًا على طلبي. ثم وكأنني سمعت همسة منه تقول أنه لا يستطيع رفضي.
“ومن تطلب مني ذلك؟ لا يمكنني رفضكِ.”
ثم شدّ ذراعه التي كانت تطوّق خصري، ومال برأسه نحوي. و في اللحظة التي التقت فيها شفتينا، مدّ يده الأخرى إلى الخلف.
كلك-
و سمعتُ صوت قفل الباب الذي أُغلق.
***
بعد مرور ساعةٍ من ذلك، بدأنا رحلتنا إلى أوفيلين. و في النهاية، أنا وهاوارد لم ننزل لتناول الطعام.
القبلة التي بدأت برغبةٍ صغيرة في البقاء كانت أكثر مما توقعت.
كما يقولون، اللص الذي تعلّم متأخرًا لا يشعر كيف يمرّ الليل. وهذا كان حالي تمامًا.
……وماذا في ذلك؟
‘على، على الأقل لم نتجاوز حدودنا. وهذا يكفي، أليس كذلك؟’
احمرّ وجهي خجلًا من كلماتي التي تفوّهت بها بنفسي. و لحسن الحظ أننا كنا داخل عربة، فلا يوجد كثير من الناس من حولنا ليروا حالي.
يا إلهي، ما الذي يحدث لعقلي؟ لم أعترف بحبي إلا اليوم، ومع ذلك أفكر في كل شيءٍ ممكن!
“ما بكِ؟ هل تشعرين بتوعك؟”
سألني هاوارد وهو يقترب مني فجأة.
آه، يا للمفاجأة. لا يمكنكَ الاقتراب بهذه السرعة!
قلبي لن يحتمل هذا حقًا.
“آه، لا، لا شيء. فقط أشعر بالجوع قليلًا.”
هززت رأسي نافية، محاوِلةً تبرير توتري. و كنت أوجّه الحديث لهاوارد، لكن الرد جاء من جهةٍ غير متوقعة تمامًا.
“آنسة إيفريت، هل تودّين أن تأكلي شيئًا؟”
كان الصوت قادمًا من خارج العربة. وعندما أدرت رأسي، رأيت أحد فرسان الدوقية يركب جواده إلى جانب العربة ويحادثني من خلال النافذة.
“رغم أنكما قلتما بأنكما لن تتناولا الفطور، إلا أنني جلبت بعض الخبز من النزل تحسّبًا. فالقرية التي سنتوقف فيها للغداء لا تزال بعيدة، لذا إن لم تمانعي……”
“آه، نعم، سآكل. شكرًا جزيلًا لكَ.”
رغم أنني لم أكن جائعةً بعد، إلا أنني كنت قد قلت أنني جائعة، لذا لم يكن هناك مهربٌ من الأكل.
اقتربت من النافذة وأخذت كيس الورق المليء بالخبز من الفارس. وكنت على وشك العودة إلى مكاني، لكن الفارس ظل ينظر إليّ من خلال النافذة.
وكان يحدّق فيّ……مباشرة.
‘……لماذا، لماذا ينظر إليّ هكذا؟’
كان يبدو عليه وكأنه مستمتعٌ بشيءٍ ما.
التقت عيناي بعينيه، وكانت شفتيه مرفوعتان بابتسامة خفيفة، وفجأةً اجتاحني شعورٌ غريب ومقلق.
لا أعرف لماذا، لكنني شعرت بشدة أنه يجب ألا أسمح له بأن يتحدث.
كأن كارثةً عظيمة على وشك أن تقع. أو كأنني سأتعرض من جديد لتلك الفضيحة التي شعرت فيها وكأن شعري يتساقط عند منتصف الليل!
‘……لا! لا يمكن!’
وقبل أن ينطق بكلمة، مددت يدي بسرعة داخل كيس الورق، وكنت على وشك أن أدفع قطعة خبز إلى فمه لأمنعه من الكلام.
لكن قبل أن أتمكن من فعل أي شيء، تنحنح الفارس بخفة عدة مرات وكأنه يهيئ صوته، ثم.
“كح، تذكرت للتو……لقد سمعت جيدًا، آنسة إيفريت.”
“عفوًا؟ ماذا تقصد؟”
“ما الذي أعنيه؟”
ابتسم لي ابتسامةً ماكرة.
“أقصد، اعترافكِ العاطفي الحار لسيدي الدوق.”
_____________________
سمعوها يوم صرخت😭😭😭😭😭😭😭😭😭
ببكي الفصل يضحك وحلو خاصه يوم هاوارد ضمها وقال احسني بحلم😔
المهم الروايه للحين مستمره وصلت 124 عادي حلالهم🤏🏻
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 90"