“لماذا؟”
سألتُه بسرعة.
سيكون كذبًا لو قلت أنني لم أشعر بالقلق، لكنني كنت أظن في أعماقي أن هاوارد سيقبل عرضي. فالصفقة ليست سيئة، لا بالنسبة له ولا لي.
لكنه…..رفض؟
تنهدتُ بصوت خافت بين شفتيّ. و وقعت عيناي على زهرة شقائق النعمان الموضوعة على الطاولة.
‘هل أنا فقط من تذكّر لحظة عرض الزواج في الزقاق؟’
…..لا، ليس مجرد شعور.
الواقع أن هاوارد حينها أيضًا رفض عرض زواجي بجملة قصيرة من كلمتين: “أرفضُ ذلك.”
رغم أنني بذلت جهدًا كبيرًا لصياغة كلامي بعناية، ها هو يرفضني مرة أخرى بهذه البساطة.
ألم تكن الأجواء تشير إلى أنه على وشك الموافقة قبل لحظاتٍ فقط؟
“هل يمكنني معرفة السبب؟”
سألت وأنا أعض بلطف على داخل فمي.
لم أكن لأتحمّل الأمر دون أن أسأل. فإن سارت الأمور في الاتجاه الخاطئ، فكل شيء سيعود إلى نقطة الصفر.
نظر إليّ هاوارد لبرهة، ثم فتح شفتيه ببطء.
“الشروط التي عرضتها عليّ في هذه الصفقة كانت اثنين، أليس كذلك؟ أن تتعاوني بإخلاص مع التحقيق، وأن تستخدمي قدرتكِ لمساعدتي كلما شعرتُ بالألم.”
“صحيح.”
“لكن، كما تعلمين، التحقيق يمكن أن يتم حتى دون تعاونكِ. للأسف، معظم من تعاملت معهم حتى الآن لم يكونوا من النوع المتعاون.”
حسنًا، هذا منطقي. لا يوجد هرطقي يعترف بجريمته من تلقاء نفسه، على ما يبدو.
أومأت برأسي بخفة، دون طاقة. عندها واصل هاوارد كلامه.
“ثم إن وجودكِ بجانبي طوال الوقت لتخفيف ألمي ليس بالأمر الممكن أيضًا. حتى مساعدي وفرسان الهيكل لا يلازمونني طوال اليوم. وبالإضافة إلى ذلك، تخفيف الألم لديك يتطلب اللمس، أليس كذلك؟”
“…….”
“هل تظنين أن علاقةً بين موظِّف ومَن يعمل لديه يمكن أن تقوم على التلامس المستمر، وفي كل وقت؟”
“…..معكَ حق.”
لم أفكر بالأمر حتى لتلك الدرجة.
بعد أن سمعت اعتراض هاوارد وأعدت التفكير بكلامي، لاحظت كم كانت خطتي مليئةً بالثغرات.
كان قلبي متعجلًا، لهذا تصرّفت بتسرع. كان يجب أن أُحكم العرض بشكل أفضل وأختار توقيتًا أنسب لتقديمه.
رفض هاوارد لم يكن مفاجئًا، بل منطقيًا تمامًا.
رأسي انخفض من تلقاء نفسه.
ما الذي عليّ فعله الآن؟
هاه…..كما توقعت…..
‘عليّ أن أجد الشخصية الأصلية وأنتزع منها المال.’
مهما فكّرت، لم أجد حلًا أفضل من هذا.
صحيح أنه لن يعطيني المال بسهولة، لكن إن طبّقت خطتي السابقة، وأرسلت له القاذورات كل يوم عند منتصف الليل، فسوف يضطر إلى الاستسلام عاجلًا أم آجلًا.
“لذا، فكرتُ في الأمر قليلًا.”
من أين يمكنني الحصول على القاذورات؟ هل أطلب من هاوارد أن يُعيرني إسطبل القصر؟
“ما قلتِه في الزقاق…..ألا يزال قائمًا؟”
فكرةٌ ليست سيئة. سأنزل فورًا وأجمع أكبر قدر ممكن.
انتظرني أيها اللص…..سأريكَ جحيمًا حقيقيًا.
“طلبكِ بالزواج.”
“نعم.”
“هذا مطمئن. إذًا، سأقبل عرض الزواج ذاك.”
“نعم، لنفعل ذلك…..ماذا؟”
كنت أجيب بلا تفكير، ثم فجأة رفعت رأسي بصدمة.
هل سمعتُه خطأ؟ هل قال هاوارد “زواج” للتو؟
بينما كنت واقفةً مذهولة، مدّ هاوارد يده ناحيتي. ثم أمسك بزجاجة الماء الموضوعة على الطاولة، تلك التي وضعتُ فيها زهرة شقائق—التي أحضرتها في الأصل لأجل عرض الزواج على هاوارد، قبل أن أقرر استخدامها لاحقًا لمعاقبة الشخصية الأصلية.
“أقول إنني أقبل عرض زواجكِ.”
قالها هاوارد ذلك بابتسامة وهو يرفع زاوية شفتيه.
كان وجهه وسيمًا إلى درجة قد تسحرني للحظة، لكن بدل أن أفقد تركيزي، نظرت إليه بجدية. و تملّكني شك: هل جنّ هاوارد فجأة؟
‘وإلا، فما تفسير هذا الكلام؟’
عرض الزواج ذاك لم يكن جديًا أصلًا، بل كنت قد قلته باندفاع، بدافع التحدي تقريبًا، معتقدةً أنه سيرفضه لا محالة. وهو بالتأكيد يعرف ذلك…..فلماذا إذًا؟
“هل من الممكن أنني…..جميلةٌ للغاية؟”
هل تردّد في الرفض لأن جمالي أربكه؟
سألته بجديّة، لكن هاوارد عبس ونظر بعيدًا وكأنه سمع هراءً.
“…..إذا لم يكن لديكِ مانع، أود إعادة تقديم الصفقة بشروط مختلفة. بدلًا من العمل إلى جانبي فقط، أريدكِ أن تؤدي دور ‘حبيبةٍ مزيفة’.”
“حبيبة مزيفة؟”
فتحت عيناي على اتساعهما، فأومأ برأسه.
ما إن محوت الفكرة الجنونية السابقة من ذهني، حتى بدأت أفكر بوضوح. و لم يستغرق الأمر طويلًا حتى فهمت سبب هذا العرض.
‘هذا الرجل يريد أن يجعلني درعًا بشريًا.’
هاوارد تشيلستون، الذي تنهال عليه عروض الزواج من كل صوب نحو قصره، يريد مني أن أكون ذلك “الوجود الموثوق” الذي يحتمي به من ذلك الصداع المستمر.
هذا هو الدور الذي يريده مني هاوارد تشيلستون.
كنت أظن أنه سيرفض العرض، لكن بدلًا من ذلك، تبيّن أنه كان يحدد نقاط ضعف اقتراحي ليُضيف شروطًا تخدم مصلحته!
هل يجب أن أُعدّ هذا أمرًا جيدًا؟
“إذًا، ما يقصده القائد هو…..أنكَ تريدني أن أتصرف وكأنني خطيبتكَ؟”
“صحيح. إن قلنا أننا نواعد بعضنا بنيّة الزواج، فلن يكون غريبًا أن تكوني بجانبي طوال الوقت، ولن يبدو التلامس بيننا غير طبيعي. أظنه خيارًا أفضل من علاقة عمل عادية.”
“هذا منطقي… لكنني لستُ من النبلاء. لا بد أن يتحدث الناس كثيرًا عن هذا، فماذا تنوي أن تفعل حينها؟”
“لدي من النفوذ ما يكفي لأمنحكِ هويةً مناسبة. وبما أن بشرتكِ فاتحة، فأنتِ أنسب لتكوني من الشمال بدل الجنوب حيث الشمس حارقة. سأبحث عن عائلةٍ نبيلة مناسبة من الشمال، من رتبة بارون مثلاً، فذلك كافٍ.”
مجنون…..يريد تزوير نسبي؟
أليس هاوارد تشيلسْتون من المفترض أن يكون نموذجًا للفرسان المقدّسين؟ هل يُعقل أن يفعل هذا رجل هو ابن شقيق الإمبراطور نفسه؟
كل التصورات التي كنت أملكها عن هاوارد تحطّمت في رأسي.
أعزائي لاعبي <عالم الفانتازيا> يبدو أنكم كنتم تفسّرون شخصيته بشكل خاطئ طوال الوقت.
“ومتى تنتهي هذه الصفقة بالضبط؟ عندما لا أكون بجانبكَ لاحقًا، سيثار جدل أكبر، فماذا ستفعل حينها؟”
“سأقول أنني لا أستطيع الزواج بسبب ألم الحب الفاشل.”
“رغم أن ذلك مستبعد…..لكن ماذا لو، بعد انتهاء التحقيق، تبيّن أنني فعلاً من الهراطقة؟”
“سيكون ذلك عذرًا أفضل حتى. تخيّلي: ‘الشخص الذي وثقتُ به وتعلّقت به اتضح أنه هَرطقي’. يمكنني استخدام هذا العذر لرفض عروض الزواج لمدة لا تقل عن عشر سنوات.”
نعم، لا خلاف على ذلك. فلا أحد في إمبراطورية فيدوس يجهل مدى كره هاوارد تشيلسْتون للهراطقة.
‘…..ما بال هذا الرجل؟’
هل يجب أن أهرب منه الآن؟
نظرت إليه وأنا عاجزةٌ حتى عن إغلاق فمي، لكنه تابع حديثه كأن شيئًا لم يكن.
“إذا وافقتِ، فلن تكون العلاقة بيننا مجرد عقد عمل. يمكنك الإقامة في قصر الدوق كضيفة، وسأعطيك أفضل غرفة من غرف الضيافة. عيشي فيها براحتكِ، كما لو كانت منزلكِ. وبإمكانكِ تناول ما تشتهين من طعام يوميًا.”
“….…”
“وسأرسل لكِ كل يوم ما تحتاجينه من مجوهرات وملابس إلى غرفتكِ. وبالنسبة لمشكلة اختفاء ملابسكِ عند منتصف الليل، فلا تقلقي، فاختفاء شيء من هذا النوع لن يؤثر على ثروة الدوق.”
“….…”
“وبما أنني أضفت شرطًا إلى الصفقة، يمكنني بالمقابل تقديم خدمة إضافية لكِ إن أردتِ. مثلاً، أن أساعدكِ في العثور على ‘الشخصية الأصلية’ التي تحتفظ الآن بشعركِ وملابسك.”
وكأنه يحبّني حقًا، ابتسم بلطف.
“ما رأيكِ، ريكا؟”
عينيه الحمراوين الجميلتين انحنتا كالهلال.
“هل ستتراجعين عن عرض الزواج؟”
نظرتُ إلى هاوارد بوجه متصلب.
أن أستسلم لمثل هذا العرض…..
“آه، صحيح. نسيت أن نحدد أجرة استخدامكِ لقوتكِ، أقصد، تكلفة العلاج. بما أنها قدرةٌ لا يمكن لأحد سواكِ استخدامها، فربما يَكفي أن أدفع لكِ ما يعادل راتب رئيسة وصيفات قصر الدوق في كل مرة تستخدمينها، ما رأيكِ..…؟”
“أشكركَ على قبول عرض زواجي!”
…..نعم، أوافق. وبكل حزم. فهو عريسٌ مثالي يصعب رفضه.
‘يجب أن أتمسك بهذه الفرصة بأي ثمن.’
كل شروط هاوارد لامست قلبي. و بهذا الشكل، قد أتمكن حقًا من تحقيق حلمي في العيش فوق وسادة من الأموال. و قد أعيش أخيرًا حياةً هادئة ومرفّهة.
‘لكن هناك أمرٌ واحد يقلقني.’
الكلمات التي قلتها لآنا كسبب لاستقالتي لا تزال تؤرقني.
لو كنت أعلم أن من لم يُدعَ من قِبل المعبد سيُصنّف كهِرَطقي، لما قلت شيئًا كهذا.
بالطبع، لأني لم أرد أن تنتشر شائعة كوني على وشك الموت، طلبتُ من آنا ألا تخبر أحدًا، وقد وعدتني بذلك مراعاةً للعِشرة التي بيننا. لكن لا أحد يعرف ما قد يحدث في هذه الحياة.
يجب أن أكتب رسالةً إلى آنا مع طلوع الفجر. قبل أن يكتشف هاوارد أي شيء.
عقدتُ العزم على ذلك وابتسمت ابتسامةً مشرقة. و لو كنتُ أعلم أن “حبيبي المزيّف” هذا رجلٌ بهذه السرعة والدقة، لما كنتُ لأبتسم هكذا بكل بساطة.
***
كان الفجر قد حلّ، والظلام لا يزال يخيّم تمامًا على المكان. وفي دوقية تشيلستون، التي سادها الصمت بعد نوم الجميع، تسللت فجأةً هيئةٌ ما إلى الداخل.
وجهتها كانت مكتب الدوق.
“هل استدعيتني، سيدي الدوق؟”
في وسط المكتب، انحنى ليون أمام من يقف أمامه. و كانت عينان حمراوان بارزتان وسط الظلام كانت تحدّقان فيه بصمت.
“نعم، أحسنت المجيء. استدعيتكَ لأن لدي مهمةً أريد منكَ أن تنفذها.”
“نعم، فقط أعطني الأوامر.”
ردّ ليون مباشرةً على أمر سيده، هاوارد تشيلستون.
ليون كان أقدم خادم مخلص له، يرافقه منذ سنوات. وكان هاوارد غالبًا ما يستعين به حين يتطلب الأمر القيام بأعمال سرية لا يمكن لقائد فرسان الهيكل القيام بها بشكل مباشر.
على سبيل،
“أريدك أن تتحقق من أمر امرأة.”
كان ذلك يتعلق بالتحقيق في شخصٍ ما.
“لديها شعرٌ فضي وعينان زرقاوان. اسمها ريكا، لكن من المحتمل أن يكون اسماً مستعاراً، تحقق من ذلك. وصلت إلى أوفلين منذ ساعاتٍ قليلة، بالأمس. من حديثها، يبدو أنها من منطقةٍ بعيدة، لذا عندما تبدأ عمليات التفتيش، تحقق من العربات التي كانت تنتظر عند المدخل إلى أوفلين.”
“فهمت. ما الذي يجب أن أبحث عنه تحديدًا؟”
“لماذا جاءت إلى أوفلين الآن؟ وما الذي كانت تفعله قبل ذلك؟”
كانت عيناه الحمراء تلمع بشدة.
“تحقق من كل شيء، كل شيء.”
_____________________
عرض خطوبه على كيف كيفك
بس شكله يبي يخليها حبيبه وبعدين خطيبه ليييين الزواج✨
المهم ريكا ماديه بشكل 😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 9"